نتساءل عن تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية لضمان حقوق العراقيين جميعاً بالثروة الوطنية النفطية ومنع التلاعب بها بما من شأنه ان يحد من الفساد المالي والإداري ويعزز الشفافية بموضوع الثروة السيادية ونظرا لكون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة بموجب المادة (94) من الدستور العراقي، لذا سنبين وسائل الإرغام على التنفيذ...
تعد ثروة النفط والغاز أهم مصادر التمويل الحكومي للموازنة العامة وقد أشار الدستور العراقي للعام 2005 في المادة (111) الى أن "النفط والغاز ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، بيد ان إقليم كردستان بادر ومنذ العام 2007 إلى التعاقد مع شركات أجنبية لتطوير قطاع استخراج وتصدير النفط بعيداً عن رقابة واشراف الحكومة الاتحادية وبحسب تقرير افصحت عنه حكومة الإقليم انها وخلال النصف الأول من العام 2021 قامت بتصدير ما يربو على سبعين مليون برميل من النفط الخام عبر ميناء جيهان التركي، وحققت إيرادات تقدر بمليارات الدولارات كما ان معدل التصدير اليومي يفوق اربعمئة الف برميل يباع إلى مشترين الغالب منهم من دول الشرق الأوسط بأسعار تفضيلية تقل عن الأسعار العالمية ويُتهم الإقليم ببيع النفط إلى دولة إسرائيل رغم نفي بعض المسؤولين الكرد لذلك.
لذا تصدت وزارة النفط العراقية للأمر ورفعت دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا منذ العام 2012 طلبت فيها الزام حكومة الإقليم بالتراجع عن مسارها في ملف الطاقة الذي تلفه الكثير من الشكوك حول دستورية وقانونية إبرام العقود بعيداً عن اشراك الحكومة الاتحادية لا سيما ان علمنا ان المادة (112) من الدستور تنص على الآتي "أولاً: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون، ثانياً: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار".
ومن النص المتقدم نلحظ ان إدارة النفط اختصاص معقود للحكومة المركزية في الوقت الذي احتكرت حكومة الإقليم إدارة النفط المستخرج من حقول المحافظات الشمالية بل امتد الأمر في بعض الأحيان إلى حقول موجودة في محافظات كركوك والموصل، لذا تصدت المحكمة الاتحادية للأمر بالدعوى المرفوعة أمامها بالعدد (59/ اتحادية/2012) في 15/2/2022 بالحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بالإقليم رقم (22) لسنة 2007 والغائه، وقضت المحكمة كذلك بإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل انتاجها من النفط من حقول محافظات الإقليم والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها إلى الحكومة الاتحادية ممثلة بوزارة النفط وتمكين الأخيرة من اختصاصاتها الدستورية باستكشاف النفط واستخراجه وتصديره.
أضف لذلك أعطت للوزارة الاتحادية متابعة موضوع بطلان التعاقدات النفطية التي ابرمها الإقليم مع أطراف خارجية سواء ممثلة بدول ام شركات، كما انتهى الحكم إلى الزام سلطات الإقليم بتمكين وزارة النفط وديوان الرقابة المالية الاتحادي من مراجعة كافة العقود النفطية المبرمة بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة إقليم كردستان.
من كل ما تقدم سنتساءل عن تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا لضمان حقوق العراقيين جميعاً بالثروة الوطنية النفطية ومنع التلاعب بها بما من شأنه ان يحد من الفساد المالي والإداري ويعزز الشفافية بموضوع الثروة السيادية ونظرا لكون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة بموجب المادة (94) من الدستور العراقي، لذا سنبين وسائل الإرغام على التنفيذ وفق الآتي:
أولاً: الآليات الوطنية: والتي تقسم بدورها إلى عدة صور منها:
1- آليات الإرغام القانونية: وهي تظهر بصور متعددة منها:
أ- إذ ورد بقانون وزارة النفط رقم (101) لسنة 1976 في المادة (5) على ما يأتي: "أولاً: تتولى وزارة النفط إدارة قطاع النفط ويعبر عنه بالقطاع لأغراض هذا القانون، ويختص بممارسة عمليات استكشاف وحفر واستخراج النفط والغاز، بالإضافة إلى نقل وتسويق النفط الخام والغاز ومنتجاتهما....ثانياً: تنحصر بمركز الوزارة، مهمة تنسيق وتوحيد الخطة الأولية لمختلف أوجه نشاط استثمار النفط والغاز..." لذا يمكن لوزارة النفط ان تمنع الحكومة الإقليمية من احتكار استثمار ثروة النفط واتخاذ الإجراءات القانونية داخل البلد بملاحقة كل من يثبت انتهاكه للقانون والدستور العراقي بكل الوسائل الرسمية ومنها مفاتحة الجهات المركزية كمجلس الوزراء لإصدار قرارات مشابهة لتلك التي اتخذت غداة الاستفتاء على استقلال الإقليم وأدت إلى إجهاض تلك المحاولة.
ب- تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي لوضع حد لحالة الفراغ القانوني الناتج عن فشل البرلمان بسن قانون منذ سبعة عشر سنة منذ نفاذ الدستور العراقي ولغاية الآن.
ج- تفعيل قانون الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية رقم (55) لسنة 2017 حيث ورد في المادة (3) ان الهيئة تسعى لتحقيق أهداف هذا القانون بالوسائل الآتية "أولاً: القيام بالتحقق من عدالة توزيع الواردات الاتحادية عند إعداد مشروع الموازنة العامة الاتحادية وصحة احتساب توزيع تخصيصات الواردات..".
2- آليات الإرغام القضائية: ومنها الآتي:
أ- إمكانية رفع دعوى قضائية جنائية ضد مسؤولي الإقليم ان تجاهلوا الحكم فالامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء العراقي يعد جريمة بموجب قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل إذ تنص المادة (329) على أنه "1- يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو احكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو أية سلطة مختصة أو تأخير تحصيل الأموال أو الرسوم ونحوها المقررة قانوناً، 2- يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف أو مكلف بخدمة عامة امتنع عن تنفيذ حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو من أية سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره رسمياً بالتنفيذ متى كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً باختصاصه".
ب- إمكانية رفع دعوى قضائية ضد قرار الحكومة الإقليمية أمام مجلس شورى الدولة في إقليم كردستان المؤسس بالقانون رقم (14) لسنة 2008 إذ تنص المادة (13) على أنه " تختص المحكمة الإدارية بما يلي،.. النظر في صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الإقليم بعد نفاذ هذا القانون..".
3- آليات الإرغام الشعبية:
حيث يمثل الشعب العراقي بكل مكوناته من أنجع الآليات القادرة على إرغام السلطات العامة في الإقليم للامتثال لحكم المحكمة الاتحادية العراقية بوصفها تحاول الانتصاف لمبدأ الشرعية ومنع كل ما من شأنه ان يمس بالمصلحة العامة والثروة الوطنية لذا للفعاليات الشعبية ان تمارس دورها بالآتي (التظاهر السلمي، التعبير عن الرفض بكل وسائل التعبير المرئية والمسموعة والمقروءة وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي) بما من شأنه ان يشكل عامل ضغط على الإقليم.
4- آليات الإرغام السياسية: وتتمثل في الآتي:
أ- مجلس النواب العراقي: إذ يمكن للمجلس النيابي ان يقوم بإصدار قرار برلماني بموجب المادة (58) من دستور جمهورية العراق للعام 2005، يوجه إلى الإقليم يأمره بتسليم النفط والغاز إلى الحكومة العراقية ليتم بيعه من خلال شركة التسويق (سومو) وتخصيص الأموال المتحصلة منه إلى الخزينة العامة للعراق.
ب- الأحزاب وجماعات الضغط السياسية: إذ يملك العراق خزين من الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية التي تجهد بالتفاوض مع الأحزاب الكردية لتشكيل الحكومة الاتحادية واختيار رئيس الجمهورية وما إلى ذلك فمن الواجب الوطني والأخلاقي لهذه الجهات ان تحث الإقليم وأحزابه وتكتلاته السياسية على الانصياع لقرار المحكمة الاتحادية.
ثانياً: الآليات الدولية: وهي بدورها تنقسم إلى صور متعددة أهمها:
1- المنظمات الدولية:
إذ تلعب العديد من المنظمات دوراً مهما وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة حيث ورد بمقاصد المنظمة بموجب المادة الثانية من ميثاقها للعام 1945 ما نصه "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء، جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة"
2- القضاء الدولي:
يمكن القول ان تركيا تمثل بلد الممر لتصدير جزء من النفط العراقي بموجب اتفاقية ثنائية ابرمت العام 1973 وتم تجديد الاتفاقية وتطويرها في الأعوام 1976 والعام 1985 وأخيرا في العام 2010 وجرى الاتفاق على توسيع التصدير ليمكن ان يستوعب مليوني برميل في اليوم وتنص الاتفاقية على انه "يجب تمتثل الحكومة التركية لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام الآتي من العراق في كل مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية"، وعند التجديد عام 2010 تم الاتفاق على ان الحكومة المركزية هي الوحيدة التي تمثل العراق، وحين سمحت الحكومة التركية للإقليم سابقاً بالتصدير وان استمرت بذلك فلا بد من إقامة دعوى ضدها أمام محكمة العدل الدولية إذ ينص النظام الأساسي للمحكمة العام 1946 في المادة (36) على أن "1- يشمل اختصاص المحكمة جميع القضايا التي يحيلها الأطراف إليها وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في ميثاق الأمم المتحدة أو في المعاهدات والاتفاقيات النافذة، 2- يجوز للدول الأطراف في هذا النظام الأساسي أن تعلن في أي وقت أنها تعترف باختصاص المحكمة في جميع المنازعات القانونية المتعلقة بما يلي:
أ- تفسير المعاهدة.
ب- أي مسألة من مسائل القانون الدولي.
ج- وجود أي حقيقة، إذا تم إثباتها، من شأنها أن تشكل انتهاكًا لالتزام دولي.
د- طبيعة أو مدى الجبر الذي يتعين تقديمه عن خرق التزام دولي."
3- العلاقات الدولية:
حيث يمكن للعراق ان يستغل شبكة العلاقات الدولية وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية لإلزام الحكومة التركية بالامتثال للقانون العراقي واحترام قرار المحكمة الاتحادية بالاعتبار النفط المصدر من الإقليم نفط مهرب ويسلم إلى الحكومة العراقية.
اضف تعليق