في غمرة الأجواء الروحانية والاحتفالية بمناسبة عيد الفصح وعيد البشارة وحلول شهر رمضان المبارك، لم تتوقّف الانتهاكات "الإسرائيلية" ضد المقدسيين ومقدّساتهم، ولا سيّما الإسلامية، حيث تستمر الحفريات في مدينة القدس القديمة وأسوارها. في هذه الأجواء تبنّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قراراً بالإجماع...
في غمرة الأجواء الروحانية والاحتفالية بمناسبة عيد الفصح وعيد البشارة وحلول شهر رمضان المبارك، لم تتوقّف الانتهاكات "الإسرائيلية" ضد المقدسيين ومقدّساتهم، ولا سيّما الإسلامية، حيث تستمر الحفريات في مدينة القدس القديمة وأسوارها. في هذه الأجواء تبنّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قراراً بالإجماع في 15 أبريل/نيسان الجاري خلال دورة المجلس التنفيذي للمنظمة وصدر برقم 211 الذي نصّ على "تسمية المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد".
أعاد قرار اليونسكو التأكيد على أن جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني لاغية وباطلة، وطالب "إسرائيل" بالتوقف عن انتهاكاتها وإجراءاتها الأحادية الجانب وغير القانونية.
جدير بالذكر أن المجلس التنفيذي لليونسكو أصدر 19 قراراً خلال السنوات المنصرمة بشأن هذه الإجراءات التي استهدفت القدس وسعت إلى تغيير معالمها والتصرّف بتراثها، الذي هو تراث إنساني يخص البشرية جمعاء. ومن هذه القرارات، القرار رقم 2234 الصادر عام 2016 حيث أدرجت فيه 55 موقعاً تراثياً على قائمة المواقع المعرضة للخطر ومنها البلدة القديمة للقدس وأسوارها.
كما أن لجنة التراث العالمي هي الأخرى كانت قد أصدرت 1 قرارات خاصة بالقدس عبّرت فيها عن فشل السلطات "الإسرائيلية" في وقف أعمال الحفر وإقامة الأنفاق والأعمال غير القانونية والمُدانة في القدس الشرقية والتي تتعارض مع قواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي، وخصوصاً اتفاقيات جنيڤ الأربعة الصادرة في 12 آب/أغسطس 1949 وملحقيها الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية الصادران عن مؤتمر جنيڤ 1974 - 1977 وهي جزء من منظومة القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب وقوانين حقوق الإنسان.
وكان القرار رقم 2334 قد أكّد على ضرورة التقيّد الصارم بالالتزامات والمسـؤوليات القانونيـة، مذكراً بقراراته السابقة بشأن التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلـة منـذ عـام 1967بما فيها القـدس الشرقية، والـتي تشـمل إلى جانـب تـدابير أخرى بناء المسـتوطنات وتوسـيعها ونقـل المسـتوطنين الإسـرائيليين ومصـادرة الأراضـي وهـدم المنـــازل وتشـــريد المـــدنيين الفلســـطينيين.
ويأتي قرار اليونسكو الأخير لتثبيت مكتسبات القرارات السابقة، حيث طالب بالإسراع في تعيين ممثل دائم للمديرية العامة في البلدة القديمة للقدس لرصد جميع الإجراءات ضمن اختصاصات المنظمة وإرسال بعثة الرصد التفاعلي من اليونسكو إلى القدس لرصد الانتهاكات التي ترتكبها السلطات القائمة بالاحتلال بموجب القانون الدولي.
وكانت السلطات "الإسرائيلية" قد صعّدت اعتداءاتها على المسجد الأقصى والموظفين العاملين فيه، حيث قامت في الأسبوع الأول من رمضان بقطع أسلاك سماعات المسجد الخارجية والتعرض لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس وتخريب أقفال الأبواب، كما سمحت بإدخال عدد من المتطرفين إلى المسجد الأقصى بحماية الشرطة، ومنعت المصلّين من الوصول إليه لأداء الصلاة فيه، كما نصبت الحواجز والمتاريس على بوابات البلدة القديمة واعتدت على المقدسيين المدنيين العزّل.
وتشكّل هذه الانتهاكات والخروقات السافرة والصارخة تحدياً لإرادة المجتمع الدولي وللقوانين الدولية ولقرارات الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، ولا سيّما لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 الخاص بمحاولة "إسرائيل" ضم القدس الصادر في 18 آب/أغسطس 1980.
إن قرار اليونسكو الأخير يعبّر بصورة واضحة ولا لُبس فيها أو غموض عن إدانة المجتمع الدولي الصريحة لتلك الانتهاكات وتثبيت الحقوق السياسية والدينية للشعب العربي الفلسطيني وللمسلمين والمسيحيين وبقية أتباع الديانات في القدس لما تشكّل من رمزية تاريخية وحضارية. وعلى الرغم من عدم استجابة الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة للمناشدات الدولية، بالكفّ عن مثل هذه الأساليب واحترام قواعد القانون الدولي المعاصر.
وبذلك تكون فرصة جديدة للرأي العام الدولي، حكومات ومنظمات مجتمع مدني وهيئات شعبية، لكي ترفع صوتها تضامناً ومساندة للعدالة، وأن تضغط بجميع الوسائل الدبلوماسية والسياسية السلمية لوقف الانتهاكات الخطيرة التي تطال القدس الشريف وحقوق المقدسيين بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام.
وفي هذا الإطار، لا بدّ من جهد عربي مشترك وتعاون وثيق مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية وأصدقاء فلسطين وكل من يناصر قضايا حقوق الإنسان لكي تجد قرارات اليونسكو ومجلس الأمن الدولي طريقها إلى التنفيذ العملي، بحيث تكون رادعاً في المستقبل ولضمان عدم تكرارها، لأنها تمس صميم حقوق المسلمين والمسيحيين الدينية والتاريخية والأثرية والرمزية، وهو أمر يشمل جميع الأعيان الثـقافية، فإضافة إلى القدس فإنه يشمل الخلــيل وبيت لحم وغيرها من المدن الفلسطينية.
ولأن اليونسكو كمنظمة معنية بالتربية والعلم والثقافة ولا تمتلك جهازاً تنفيذياً قادراً على فرض قراراتها بقوة "الشرعية الدولية" حتى وإن كانت تعبّر عن ضمير المجتمع الدولي، ولا سيّما فيما يخص القدس، فإن الأنظار تتوجّه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كي يقوم بواجبه المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، علماً بأن وظيفته الأساسية هي حماية السلم والأمن الدوليين وضمان احترام حقوق الإنسان كقيمة عليا.
اضف تعليق