أهم المشكلات التي تحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية لعدد كبير من الدول هي مشكلة توفير فرص عمل منتجة لمواطنيها الباحثين عن عمل. والأسوأ من ذلك هو اعتماد بعض الدول على سياسات التوظيف الحكومي لعدد كبير من مواطنيها لفترات طويلة نسبيا، الأمر الذي جعلها تقف عاجزة...

لعل من أهم المشكلات التي تحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية لعدد كبير من الدول هي مشكلة توفير فرص عمل منتجة لمواطنيها الباحثين عن عمل. والأسوأ من ذلك هو اعتماد بعض الدول على سياسات التوظيف الحكومي لعدد كبير من مواطنيها لفترات طويلة نسبيا، الأمر الذي جعلها تقف عاجزة ليس أمام تنويع اقتصادها وتطويره وحسب، بل أمام توفير المستحقات المالية من رواتب وأجور ومستلزمات عمل لتلك الجيوش من الموظفين الحكوميين.

فهل هناك حق للمواطنين في الحصول على فرصة عمل لائقة، سواء في المؤسسة الحكومية أم في المؤسسات غير الحكومية؟ وهل الدولة مسؤولة عن توفير فرص العمل لموظفيها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وكيف يمكن للدولة أن توفق بين واجباتها في توفير فرص عمل لمواطنيها وبين أن تكون هذه الفرصة فرصة عمل منتجة من دون أن ترهق موازاتها السنوية وتؤثر على نمو اقتصادها الإجمالي؟

إن الحق في العمل هو حق أساسي لكل شخص، تكفله الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين المحلية. إذ ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، في مادة (6) على واجب الدول الأطراف في الاعتراف بالحق في العمل، وإتاحة الفرصة لكل شخص من كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، واتخاذ التدابير اللازمة لصون هذا الحق، بما في ذلك توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين.

وينص العهد أيضا في (المادة 7) على واجب الدول الأطراف الاعتراف بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تراعي كافة شروط السلامة والصحة، وتضمن للعامل ولأسرته عيشاً كريماً. ونص الدستور العراقي في المادة (٢٢) على (أولا: العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة.ثانياً: ينظم القانون، العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية، مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية).

لكن على مستوى التطبيق فان مشكلة توفير عمل للمواطنين القادرين عليه ليست مهمة سهلة على الإطلاق، فالكثير من الدول (ومنها العراق على سبيل المثال) تكون عاجزة عن توفير الحد الأدنى من فرص العمل المطلوبة للمواطنين في ظل الزيادة السكانية السنوية المطردة، تحديدا تلك الدول التي تزيد نسبة الشباب فيها عن 60% فصاعدا، فالطاقات الشابة التي لديها استعداد لدخول سوق العمل متوفرة من حيث المبدأ، ولكن فرص العمل المتاحة محدودة إلى حد كبير، وهو الأمر الذي يجعل الحكومات في مواقف حرجة أمام مواطنيها دائما، لاسيما العاطلين عن العمل والباحثين عنه.

إذ يواجه الشباب الذين يدخلون سوق العمل في الوقت الراهن مهمة شاقة لإيجاد فرص عمل لائق دائمة. فمعدلات البطالة ترتفع باستمرار في ظل ازدياد فرص العمل المؤقت وغير المنظم وغيرها من أشكال العمل غير الثابت. وهناك اثنان من بين كل خمسة شباب أو شابات في العالم إما عاطلون عن العمل أو يعملون ولكن يعيشون في فقر. وبحسب البنك الدولي (تحديات توفير الوظائف التي تواجه البلدان النامية هائلة. فأكثر من 200 مليون شخص حول العالم –أغلبهم من الشباب- عاطلون عن العمل، وهناك ملياران آخران من البالغين في سن العمل - معظمهم من النساء- خارج قوة العمل.

لذا لجأت بعض الدول للحد من البطالة بين مواطنيها -تحديدا الدول ذات الريع النفطي- إلى تعيين أعداد كبيرة من مواطنيها في مؤسسات الدولة، ففي بلد مثل العراق لا يتعدى سكانه (40) مليونا أضحى نحو ما يزيد على (6) ملايين موظف بين مدني وأمني وعسكري يتقاضون راتبا شهريا من عائدات النفط، ومن بعض العائدات غير النفطية. إذ تقدر نسبة زيادة الموظفين الحكوميين نحو عشرة أضعاف العدد المطلوب في كل مؤسسة حكومية.

وفي الوقت الذي أصبح فيه هذا العديد الكبير من الموظفين الزائدين عن الحاجة الفعلية للمؤسسة الحكومية يٌشكل عائقا أمام تنمية المؤسسة الحكومية وتطوير خدماتها للمواطنين؛ فان الأموال المطلوبة لتغطية رواتب الموظفين في ضمن (الموازنة التشغيلية) لم تعد كافية بسبب انخفاض سعر النفط في الآونة الأخيرة، فضلا عن أصل النقص الحاصل في دعم المشروعات الاستثمارية، وهو الأمر الذي وضع الحكومة العراقية في موقف لا تحسد عليه من حيث قدرتها على توفير الرواتب الشهرية مستحقة الدفع لموظفها من جهة، ومن حيث استمرارها في تمويل المشروعات الاستثمارية من جهة ثانية.

ورغم أن القطاع الخاص له دور كبير في توفير فرص العمل لطالبي العمل في العديد من الدول المتقدمة، فان مثل هذا القطاع في الدول التي لا تمتلك سياسات اقتصادية رصينة في تشغيل مواطنيها (كالعراق) عادة ما يكون عاجزا عن الاستمرار في عمله ومواكبة سوق العمل، فضلا عن قدرته على استيعاب عدد جديد من طالبي العمل، بل هو أيضا بسبب الوضع العام لم يعد قادرا على حماية نفسه من تأثيرات البضائع الأجنبية المستوردة.

يرى المختصون أن الحد من تحديات توفير الوظائف التي تواجه البلدان النامية تكمن في إتباع جملة من السياسات أهمها:

1. يجب إزالة الحواجز التي تحول دون توفير الوظائف لضمان إتاحة فرص العمل للفئات المهمشة في العادة: النساء والشباب والأكثر فقرا. علاوة على ذلك، ستحتاج البلدان النامية إلى توفير 600 مليون وظيفة بحلول عام 2030، فقط، لمواكبة النمو السكاني.

2. وللاستفادة من فوائد التقدم التكنولوجي، يجب على البلدان ضمان حصول مواطنيها على التعليم والمهارات اللازمة للنجاح في الوظائف التي يحتاجها أي اقتصاد حديث. والنجاح في هذه المجالات أمر بالغ الأهمية، فالوظائف الجيدة تمنح الناس الوسائل لانتشال أنفسهم من هوة الفقر، وهذا بدوره يساعد على جعل البلدان أكثر استقرارا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وفي النهاية يفيد النمو الاقتصادي العالمي.

3. أن تعمل الدول على تأهيل الشباب من خلال الجامعات والمعاهد الرسمية بشكل جيّد ومنسجم مع حاجات سوق العمل لأن المستثمر لا يبحث فقط عن اليد العاملة الرخيصة، بل عن اليد العاملة الكفؤة.

4. أن تعمل الدول على تشجيع المؤسسات الصغرى والصغيرة كونها تلعب دورا رئيسيا في خلق فرص العمل في العديد من البلدان متوسطة الدخل. ففي مصر، تعد المشروعات الصغيرة المملوكة للشباب المصدر الرئيسي لفرص العمل الجديدة. وهي تمثل أكثر من 98% من الشركات، وتوفر أكثر من 85% من فرص العمل في القطاع الخاص غير الزراعي و40% من إجمالي الوظائف.

5. أن تعمل الدول على بناء البنى التحتية، وخاصة الطرقات السريعة في جميع أنحاء البلاد، لأن عمل الشركات الخاصة والمستثمرين يحتاج إلى ذلك.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق