تمُر علينا في هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لجريمة العصر "مجزرة سبايكر" التي ارتكبت بحق اكثر من 1700 متدرب في قاعدة سبايكر العسكرية بمدينة تكريت بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي على محافظة صلاح الدين في 12 حزيران عام 2014، حيث أقدمت العصابات الاجرامية على إرتكاب الجريمة قرب منطقة القصور الرئاسية بتكريت، ضاربة كل القيم والاديان والاخلاق والعهود الانسانية عرض الحائط، وأن هذه الجريمة سيتذكرها التاريخ لأنها أثبتت للبشرية أن المناطق التي نفذت فيها الجريمة كانت تخلو تماماً من الانسانية، وهي امتداد لسياسة القتل والارهاب والتفجيرات التي إستهدفت العراقيين منذ 2003 وليومنا هذا.
لانريد أن نتكلم عن هذه الفاجعة وأدبياتها، أو نكتب الرثاء للشهداء والتعزية لعوائل الضحايا، ولكن نريد أن نركز في نقطة مهمة، إنه وبرغم الضغط الشعبي والاعلامي الكبير ومطالب المرجعية الدينية عبر بياناتها والمطالب الكثيرة من المنظمات الحقوقية واهالي الضحايا، بتحقيق عادل يُنصف حقوق الضحايا ويقدم المجرمين للعدالة، ومحاسبة القيادات المنهزمة التي سلمت المتدربين الابرياء الى تنظيم داعش الارهابي، لم نجد أي من اللجان التي تشكلت في التحقيق في القضية من قبل البرلمان العراقي أي نتيجة، وبقيت القضية تراوح في مكانها حالها حال بقية القضايا المُعطلة مثل سقوط الموصل بيد تنظيم داعش الارهابي واسباب انهيار القوات الامنية وفقدان مليارات الدولارات من ميزانية الدولة والمشاريع والعقود الوهمية ومئات القضايا التي لم نجد أي منها قد حُسِّم أو "تبخر" بالمعنى الأدق!.
ان المجتمع الانساني اليوم والهيئات والمنظمات المحلية والدولية عليها مسؤولية كبرى ومن الواجب الانساني والاخلاقي أن تُنَّظم حملات المدافعة والمناصرة للشعوب المظلومة والمستضعفة والتي تتعرض لجرائم الابادة الجماعية، وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، يعرف هذا المصطلح على أنه "الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية". وتشمل هذه الأفعال القتل المنهجي لأعضاء مجموعة وتهيئة الظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى تدميرهم، مثل سياسات التجويع القسري وقطع المياه والموارد وغيرها. منظمات الدفاع عن حقوق الانسان يجب أن تكون اليوم في أعلى درجات الاستنفار للضغط على الرأي العام العالمي والقوى الكبرى لمجابهة هكذا نوع من الجرائم التي تستبيح أكبر الحقوق ألا وهو حق الانسان في الحياة.
السكوت والتغاضي أو المرور مرور الكرام على هذه الجرائم المشينة بحق البشرية، يعطي لقوى الظلام الدافع الاكبر في إرتكاب جرائم أكثر وأكبر بحق الشعوب المستضعفة، وهذا ما نجده اليوم ويحدث في دول مثل سوريا والعراق واليمن وغيرها بسبب تواجد هذه الجماعات بكثرة فيها. الصمت حيال من يدعم هذه التنظيمات الارهابية مادياً وعسكرياً وإعلامياً وعدم محاسبته أو ردعه بقوة القانون الانساني، هو مشاركة في هذه الجرائم بصورة غير مباشرة، وجريمة سبايكر ليست بالجديدة وهي بالتأكيد إستمرار لجرائم يندى لها جبين الانسانية وحدثت أيضاً لأنها لم تجابه بقوة رادعة من المجتمع الدولي كجريمة إبادة الأرمن، أو جرائم المعتقلات النازية بحق المعارضين لهم، وجرائم الدول الاستعمارية بحق الدول المحتلة وغيرها الكثير مما لانستطيع حصره هنا.
تبقى الجريمة الأعظم هي "الصمت" فهي من يعطي للمستبدين والمجرمين الدافع لقتل الابرياء دون رادع، وهنا يجب أن نذكر أن الكثير من الجهات قد تقف بشدة ضد هذه الجرائم ولكن من جهة أخرى تلتزم الصمت مع من يتسبب بهذه الجرائم، فتنظيم داعش الارهابي من الواضح أنه يرتكب الجريمة تلو الجريمة في العراق وسوريا ولكن هل هو لوحده من يفعل كل ذلك؟ أليس من الضروري والمنطقي من المجتمع الدولي أن يحدد موقفه من هذه الجرائم، هل هو مع الجاني أم مع الضحية؟!. أليس من المخجل بحق البشرية اليوم أن تحدث مثل هذه الجرائم؟ ونحن نعيش في ظل قوانين وإتفاقيات ينبغي أنها تخدم الانسان وتحافظ على حقوقه ومكتسباته بمجالات التعددية وحقوق الانسان وحماية الاقليات والتراث العالمي!!، ويطرح آدم لوبيل وأرنستو فيرديجا في كتابهما "الاستجابة للإبادة الجماعية-سياسة العمل الدولي"، فكرة أن عدم وجود إرادة سياسية وتعريف صارم للإبادة الجماعية هي التحديات الرئيسية لمنع الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية والتدخل لوقفها. ولكن وفقاً لما قاله لوبيل، هناك أربع آليات يمكن أن تؤدي إلى ظروف ملائمة لوجود إرادة سياسية لمعالجة هذه الجرائم وهي خلق المصالح المشتركة، وتوليد الحوافز، واستخدام القيادة المسؤولة وتعزيز المعايير الدولية.
وأضاف قائلاً: "يمكننا التحدث بالمنطق الأخلاقي بقدر ما نريد، ولكن الحقيقة هي أن الدول تميل إلى التصرف عندما يكون الأمر متسقاً مع مصلحتها الوطنية". وبالتالي، من المرجح أن يكون التركيز على هذه المصالح المشتركة لأنها تكون أكثر فعالية. وأنه "يمكن للعنف الجماعي ضد المدنيين أن يسبب أزمة نزوح. ويمكن للأزمة عبور الحدود الدولية، وأن تنشر عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي وتسبب الضرر للاقتصادات عبر الحدود الوطنية. إنه شيء لا يمكن احتواؤه في بلد واحد".
واستطرد قائلاً: "يمكن لذلك أن يقوّض نظام الأمن الجماعي الدولي بأسره من خلال التشكيك في قدرة مجلس الأمن الدولي على تحمل مسؤوليته كسلطة "كُلِّفت" بموجب القانون للحفاظ على السلم والأمن الدوليين".
وللإنصاف، لعب الاعلام وأفراد المجتمع المدني، دوراً لا غنى عنه لمواصلة تعزيز القوانين المتعلقة بالجرائم الجماعية. فالقانوني البولندي رافائيل ليمكين، كان له الفضل في استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، وشن حملة طوال حياته لجعلها جريمة دولية وفق القانون. ويمكن العثور على العديد من توصياته في لغة النص النهائي لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية. (استخدم مصطلح الابادة الجماعية لأول مرة رسمياً في كتابه حكم المحور في أوروبا المحتلة في عام 1944).
وفي النهاية هل سنجد في العراق من يطالب بتشريع قوانين أو إسترداد الحقوق للضحايا وفق القانون العراقي؟ ومن حقنا أن نسأل: أين الطالب بدم المقتولين في سبايكر؟!.
اضف تعليق