وبينما لا توجد هيئة تحكيم مستقلة لإدارة هذه الأزمة، تفاوضت الدول المتضررة على حل ودي، على أساس معاهدات السبعينيات والقانون الدولي. ووافق المجلس الثنائي الوطني الذي يدير سد إيتايبو على إطلاق كمية كافية من المياه من الخزان لتخفيف آثار الجفاف على دول المصب، دون المساس...
بقلم: بينيام بيداسو/ماريا جوين
جوهانسبرغ/ بون- في عام 2011، أطلقت إثيوبيا عملية بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير في النيل الأزرق، من أجل تأمين مواردها المائية وتوليد الطاقة الكهرومائية. ولكن المشروع أثار جدلا كبيرا، حيث لقي معارضة شديدة من مصر التي تقع قرب مصب النهر. وما لم تتمكن البلدان من التوصل إلى تسوية تفاوضية، يمكن أن تغرق المنطقة بأكملها في الصراع.
وبالنسبة لإثيوبيا، يمكن لسد النهضة أن يخفف النقص المزمن في الطاقة، والذي ترك أكثر من 55٪ من سكان البلاد بدون كهرباء. كما أن للسد أهمية عاطفية، حيث يعد بتحقيق حلم طالما راود الشعب الإثيوبي.
ولكن النيل يشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لكل بلد يجاوره؛ إذ يعتمد القطاع الزراعي في مصر على مياهه إلى حد كبير. ويثير بناء السد مخاوف كبيرة لكل بلد يقع اتجاه مجرى النهر.
وهذا الاعتماد المشترك على النيل هو ما جعل عشر دول تنشئ، في عام 1999، مبادرة حوض النيل، لتكون منتدى لمناقشة الإدارة والتنمية المستدامتين لموارد النهر. ثم بدأت المبادرة في تطوير اتفاقية الإطار التعاوني، التي حددت مبادئ البلدان وحقوقها والتزاماتها، وسعت إلى إنشاء لجنة دائمة لحوض نهر النيل لتسهيل تنفيذ الاتفاقية.
ولكن في عام 2010، رفضت مصر والسودان اتفاقية الإطار التعاوني؛ وبعد مرور عام، بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة على أي حال، واختارت التمويل الذاتي للمشروع الذي بلغت تكلفته 4.8 مليار دولار. وانتهت مؤخرًا عملية التعبئة الأولى للخزان، وستنتهي عملية تعبئة نسبة 25٪ المتبقية من المشروع عند حلول موسم الجفاف.
وفي غضون ذلك، استمرت المحادثات الثلاثية بوساطة الاتحاد الأفريقي حتى هذا الصيف، لكنها لم تسفر عن أي تقدم بسبب نقطتين شائكتين. الأولى هي التخفيف من حدة الجفاف: تريد مصر تأمين تدفق المياه خلال سنوات الجفاف بنسبة أعلى بكثير مما ترغب إثيوبيا في التنازل عنه. والثانية هي حل النزاع: هل يجب تضمين شرط التحكيم الملزم في أي معاهدة؟
لكن انعدام الثقة بين الطرفين عزز المأزق، مما أجج التوترات التي قد تؤدي إلى العنف. ومع ذلك، تُظهر التجربة في أماكن أخرى أنه من الممكن تحقيق نتيجة أفضل.
ففي السبعينيات من القرن الماضي، بدأت البرازيل وباراغواي في بذل جهد ثنائي من أجل بناء سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر بارانا الواقع على حدودهما المشتركة. وحاليا، يولد سد إيتايبو -الذي اكتمل بناؤه عام 1984- حوالي 88٪ من كهرباء باراغواي، وأكثر من 11٪ من إمدادات البرازيل، مما يجعلها رائدة على مستوى العالم في مجال إنتاج الطاقة المتجددة.
ولكن مشروع سد إيتايبو واجه مقاومة كبيرة من الأرجنتين، وهي دولة تقع في اتجاه مجرى النهر. مما يسبب لها قلقا بشأن إمدادات المياه على غرار مصر. وبسبب اعتراضاتها، رفضت المؤسسات المالية الدولية في البداية تمويل بناء السد.
وحُلت المشكلة بإبرام اتفاق Acuerdo Tripartito (الاتفاق الثلاثي) بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي بتوقيع جميع البلدان الثلاثة في عام 1979. وأرسى الاتفاق تغييرات مقبولة في مستويات المياه، فضلاً عن معايير الحماية البيئية وجودة المياه. وللإشراف على الامتثال للاتفاق، أنشأت الاتفاقية آلية تتبادل من خلالها الدول الثلاث المعلومات حول الظروف الهيدرولوجية. وفضلا عن ذلك، أنشئ إطار مؤسسي للتعاون وإدارة المياه العابرة للحدود بالنسبة لمشروع حوض بارانا.
إن الأدوات والمؤسسات التي أنشئت عندما بُني سد إيتايبو تواصل دعم حل النزاعات. واليوم، أدى الجفاف الشديد إلى انخفاض حاد في تدفق المياه في نهر بارانا، مما قلل من إمدادات المياه في الأرجنتين، وجعل من الصعب في باراغواي غير الساحلية استخدام النهر، وهو أمر ضروري للصناعات في مجال التصدير الزراعي في البلاد.
وبينما لا توجد هيئة تحكيم مستقلة لإدارة هذه الأزمة، تفاوضت الدول المتضررة على حل ودي، على أساس معاهدات السبعينيات والقانون الدولي. ووافق المجلس الثنائي الوطني الذي يدير سد إيتايبو على إطلاق كمية كافية من المياه من الخزان لتخفيف آثار الجفاف على دول المصب، دون المساس بإنتاج الطاقة. وكان عمل اللجان الفنية وتبادل البيانات بشأن الظروف الهيدرولوجية بين المؤسسات في جميع البلدان المتضررة، عاملاً حاسماً في نجاح المفاوضات.
وتقدم هذه التجربة دروسًا قيمة لمصر وإثيوبيا، بما في ذلك قيمة المعاهدات والقانون الدولي لحل النزاعات على المدى الطويل. وعلى نطاق أوسع، فإنه يوضح كيف يمكن أن يساعد الطابع المؤسسي والتعاون على بناء الثقة- وتحقيق الفوائد المشتركة.
وساهم مشروع Itaipu (إيتايبو) في التكامل الاقتصادي الإقليمي، من خلال توفير الموارد لتمويل البنية التحتية، مثل الجسور الدولية، والمطارات، والطرق السريعة، فضلاً عن مشاريع التنمية الاجتماعية والبيئية. كذلك، بمجرد أن يبلغ سد النهضة مستوى طاقته الكاملة، يمكن أن يساهم في إنشاء سوق طاقة إقليمي.
ومع تزايد وضوح آثار تغير المناخ، تزداد حتمية استخدام الموارد الطبيعية بصورة أكثر كفاءة وإنصافًا، وتزداد ضرورة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. ومن خلال اتباع خطى الأرجنتين، والبرازيل، وباراغواي، يمكن لبلدان النيل أن تحقق تقدمًا مهمًا نحو تلك الأهداف– وأن تمثل سابقة عالمية قوية في مجال استخدام الموارد العابرة للحدود من أجل تعزيز التنمية المستدامة.
اضف تعليق