يُعد النظام الصحي في كل دولة هو الجهاز المسؤول عن صحة أفراد المجتمع، وهو يتألف من مجموع المنظمات؛ والمؤسسات؛ وتوفير العناية والرعاية الضرورية للمرضى، وتفادي تعريضهم للأذى داخل المؤسسات الصحية، لذلك فالنظام الصحي الجيد هو الذي يسهم في تحسين حياة الناس بشكل ملموس، يوماً بعد...
يُعد النظام الصحي في كل دولة هو الجهاز المسؤول عن صحة أفراد المجتمع، وهو يتألف من مجموع المنظمات؛ والمؤسسات؛ والموارد، ويحتاج ذلك النظام إلى موظفين؛ وأموال؛ ومعلومات؛ وإمدادات؛ ووسائل نقل؛ واتصالات؛ وتوجيهات. ومن المبادئ الأساسية لأي نظام صحي هو توفير العناية والرعاية الضرورية للمرضى، وتفادي تعريضهم للأذى داخل المؤسسات الصحية، لذلك فالنظام الصحي الجيد هو الذي يسهم في تحسين حياة الناس بشكل ملموس، يوماً بعد يوم.
ولكن النظام الصحي في مختلف أرجاء العالم، ليس بمأمن عن الأزمات والكوارث الصحية، فهو يظل معرضا إلى طائفة واسعة من الأخطار المحدقة بالصحة العمومية، وتشمل الكوارث الطبيعية مثل (الزلازل أو موجات الجفاف) والنزاعات، والأخطار البيولوجية من قبيل فاشيات الأمراض المعدية، أو الأغذية أو المياه الملوثة، والأخطار التكنولوجية كالتلوث الكيميائي، أو النووي، أو الصناعي، والعواقب الصحية المتصاعدة لتغير المناخ.
والأزمات والكوارث الصحية التي تصيب النظام الصحي قد تكون طبيعية، وقد تكون من نتاج التطبيق غير الأخلاقي للهندسة الوراثية والتجارب العلمية على الإنسان والحيوان، ومن ثم الفيروسات والهورمونات العديدة المنتشرة الآن. وتختلف الأزمات والكوارث من حيث درجة التنبؤ بها واستشرافها للسنوات القادمة. كما يرى البعض أن أسباب تلك الأزمات والكوارث قد يكون راجعا للطبيعة والإدارة الإلهية، أو يكون ناتجا عن الحروب التجارية والكيماوية والبيولوجية.
وتُنذِر الأوبئة -وهي جائحات أمراض كبيرة تؤثر على العديد من البلدان- بمخاطر صحية واجتماعية واقتصادية على نطاق واسع. وقد يُؤدِّي انتشار مرض معدٍ سريع الانتقال في أنحاء المعمورة إلى مقتل عشرات الملايين من الناس، وتعطيل الحياة الاقتصادية، وزعزعة الأمن الوطني، وتغيُّر المناخ، والتوسُّع العمراني، ونقص خدمات المياه والصرف الصحي، كلها عوامل قد تسهم في تفشِّي أمراض كارثية سريعة الانتشار.
وعليه؛ يمكن للأوبئة أن تضع أقوى الأنظمة الصحية تحت الضغط، ولكن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر هم في المقام الأول أولئك الذين يعيشون في حالة من الفقر، أو في مناطق تتسم بعدم الاستقرار الشديد، حيث تكون الظروف المعيشية في هذه الحالات محفوفة بالمخاطر، كما يكون الحصول على الرعاية الصحية بعيداً كل البعد عن جميع من هم في حاجة إليه، وغالباً ما تتوقف اللقاحات الروتينية أو تقل نسبة تغطيتها. وفي ظل جميع أنواع حالات الطوارئ فإن الشرائح السكانية الأكثر فقراً وحرماناً هي التي تعاني أشد المعاناة. وعلى مدى العوام السابقة ثبت ذلك مراراً وتكراراً، سواء في حالت النزاعات، أو الكوارث الطبيعية، أو فاشيات الأمراض.
فقد أظهرت التحليلات الوبائية التي أجرتها منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض أن الأشخاص الأكثر عرضة للموت بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) ينتمون إلى المجموعات المستضعفة متضمنة كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، ومن يعانون من نقص المناعة، مثل الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي ويجب أن يكون هؤلاء في بؤرة جهود المواجهة.
وعلـى الرغـم ممـا جاء فـي تقريـر صـدر مؤخـرا عـن البنـك الدولـي، يعـرَّف الجوائـح بأنهـا أحـد أهـم ثالثـة مخاطـر فـي العالـم -بجانـب تغيـر المنـاخ والأزمات الماليـة- فـإن معظـم المناقشـات والتقاريـر والرسـائل الرسـمية لا تولـي اهتمامـا بمخاطـر الجوائـح. ونتيجـة لذلـك، لا تحقـق الحكومـات تقدمـا يذكـر فـي سـبيل الحـد مـن المخاطـر، رغـم أن التدابيـر اللازمة معروفـة وتكاليفهـا منخفضـة، وتنطـوي غالبـا علـى تقويـة نظامـي الطب البيطري والصحة العامة الاكتشاف الفاشـيات والسـيطرة عليهـا. فالعـدوى فـي نهايـة الأمر لا تبـدأ مـن فـراغ. ففـي البلـدان الناميـة هنـاك عـدد مذهـل قـدره 3.2 مليـار مـن مسـببات العـدوى التـي يحملهـا الحيـوان وتؤثـر علـى الإنسان سـنويا.
ومع ذلك فان المنظمات الدولية المعنية بالسيطرة على الأزمات والكوارث الصحية، لاسيما الأمراض والأوبئة المعدية تقترح مجموعة من الخطوات المهمة التي يجدر بالحكومات وشركائها النظر في إمكانية تنفيذها من أجل تخفيف آثار هذه الأزمات على الصحة العامة للمواطنين، ومنها:
1. التخطيط والتنسيق على مستوى الحكومة المركزية:
- يتعين إدراج سياسة التأهب للأوبئة ضمن النظريات والهياكل الوطنية لإدارة الكوارث. ويتعين على الكيان الحكومي القائم المكلف بإدارة الأزمات، تنسيق عملية الاستجابة على صعيد وطني.
- يجب أن تتسم أدوار ومسؤوليات مختلف الكيانات الحكومية وهياكل القيادة بالوضوح الصريح.
- يتعين على لجنة من مختلف وزارات الحكومة أن تدير عمليات التأهب. ويجب التركيز بشكل كبير على تأهب قطاعات عديدة على اختلافها، إلى جانب قطاعي صحة الإنسان وصحة الحيوان.
- يتعين على الحكومات تحديد أي الميزانيات تُخصصها لعمليات التدخل لمواجهة الأوبئة من مختلف الوزارات.
- يتعين على الحكومات التحقق من أن الإطار القانوني والتنظيمي يسمح باتخاذ التدابير اللازمة في حالة وقوع وباء، من بينها التدابير المتعلقة بالسفر، والحجر الصحي، والعزل، والإبعاد عن المجتمع، وإغلاق أماكن التجمعات البشرية.
- يتعين إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في إعداد خطط التأهب للأوبئة.
- من المهم اختبار خطط الطوارئ على جميع المستويات، بما فيها القيام بعمليات محاكاة واستقاء الدروس من هذه الاختبارات.
2. التخطيط والتنسيق على المستوى المحلي:
أ. من المهم أن يمتد التخطيط إلى المستوى المحلي، بما في ذلك الأدوار التي تضطلع بها السلطات المحلية. وعلى السلطات المركزية تقديم المشورة للسلطات المحلية
ب. ينبغي على السلطات والجماعات السكانية المحلية إعداد خطط لتطوير القدرة على التعامل مع أعداد كبيرة من الوفيات.
3. إجراءات على قطاعات معينة:
- تعين على الحكومات إعداد خطة أمنية شاملة للتصدي لأعمال السرقة، والتحايل، والفساد، والمظاهرات، وأعمال الشغب، والتجارة غير القانونية.
- يتعين على وزارة الدفاع اختيار نوع الوحدات العسكرية التي يجب الاستعانة بها في حالة حدوث وباء ما، وتحديد كيفية تعبئتها، وكيفية التنسيق بينها وبين الشركاء المدنيين في قطاعات أخرى.
- في الدول التي تعتمد على الأنظمة الإلكترونية، ستكون البنية الأساسية لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات والعاملين فيها ذات أهمية حاسمة. وبالتالي يتعين على الحكومات البحث عن أفضل السبل لتعزيز الشبكات والاستعداد للتعامل مع الارتفاع الكبير في الطلب عليها.
- يتعين على سلطات قطاع النقل والهيئات الفاعلة فيه تقليص أخطار الإصابة بالوباء والتقليل من تغيُب الموظفين عن النقل الحيوي، والمطارات والموانئ، وفي منشآت الشحن والتفريغ، من أجل كفالة إمدادات الأدوية والمواد الغذائية.
- يتعين على القطاع المالي التخطيط لكفالة استمرار الأعمال من أجل تأمين خدمات النقد، والاعتماد المالي، والخدمات المصرفية وخدمات الدفع والرواتب والمعاشات، والدفع الأساسي في حالة تسجيل معدلات تغيب مرتفعة. كما ينبغي على البنوك المركزية ووزارات المالية وواضعي قواعد التحوط إجراء اختبارات منتظمة لقدرة هذه الهياكل على التصدي للأخطار الوبائية.
- ينبغي للحكومات العمل مع الفاعلين المحليين والدوليين في مجال العمل الإنساني من أجل إعداد خطط لتحديد من لديه القدرات اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية للفئات المتأثرة (الطعام والصحة والمأوى والماء وخدمات الصرف الصحي) في حالة حدوث وباء، بغية توضيح المسؤوليات وتحديد الفجوات وتفادي التكرار.
4. تخطيط الطوارئ لكفالة استمرار الخدمات الأساسية:
- يتعين على المؤسسات الحيوية وضع خطط لكفالة استمرار الأعمال من أجل الحد من انقطاعها. مثل بحث سبل التعامل مع نسب مرتفعة من تغيب الموظفين والتخفيف من وطأته على نشاطها، وتقييم الحاجة إلى المخزونات الإستراتيجية من الإمدادات والمعدات والتجهيزات؛ وتحديد الأفراد، والإمدادات، والتجهيزات الضرورية لكفالة استمرار الوظائف الحيوية؛ والتأهب لتمكين الموظفين من العمل من منازلهم.
- يتعين تكليف أشخاص محددين عاملين في المنظمات والشركات بالتخطيط للتأهب للأزمات.
- يتعين على المنظمات والشركات الاستعداد لمواجهة تقليل السفر، وتقليل اللقاءات وجها لوجه، وتقليل التمكن من الأموال، وانقطاع الوصول إلى نظم البيانات، وصعوبة الحصول على الإمدادات وتوزيعها، والتنافس على العاملين المتمرّسين.
- يتعين على أرباب العمل توعية الموظفين بتدابير الوقاية والصحة والسلامة والتخفيف من وطأة الكوارث.
5. الإعلام والتوعية والتواصل:
- يتعين على الحكومات وضع إستراتيجية تواصلية لرفع وعي الجمهور، بمن فيهم الموجودون في المناطق الريفية النائية.
- يتعين إطلاع الجمهور على الخطط الحكومية واستشارته حولها وذلك من أجل إدارة التطلعات كما يتعين بث رسائل واضحة موجهة إلى المواطنين وإلى وسائل الإعلام وإلى للمنظمات الدولية حول المخاطر وعملية الاستجابة المقررة.
- بغية الحفاظ على ثقة الجمهور، يتعين على الحكومات أن تبرهن على امتلاكها خطط محكمة للتأهب للطوارئ؛ والقدرة على اتخاذ تدابير طارئة عند الضرورة، والقدرة على تأمين الخدمات الأساسية بصورة موثوقة؛ والترتيبات الكفيلة بعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي بسرعة بعد حدوث الوباء.
- يتعين على الحكومات إنشاء خط وطني دائم للاتصال وموقع إلكتروني خاصين بالوباء ليكونا بمثابة مصدر للنصائح والمعلومات وعليها كذلك تعيين متحدثين باسمها على الأصعدة الرسمية والوطنية والإقليمية.
- يتعين تقديم التدريب على مهارات التواصل لفائدة الأشخاص المكلفين بمهام التواصل.
6. الإبعاد عن بقية المجتمع:
- يتعين على الحكومات إعداد إستراتيجية بشأن طريقة اتخاذ وتنفيذ القرارات المرتبطة بإغلاق المدارس، والسجون، ودور الرعاية، وأماكن العمل. ويجب إيلاء اهتمام خاص عند تقرير إغلاق المدارس، حيث سيتعين حينها على الكبار البقاء في منازلهم لرعاية الصغار، وهو أمر قد لا يكون سهلا.
- يتعين على وزارات الداخلية إعداد إستراتيجية متعلقة بمدى ضرورة وكيفية تقييد التكتلات الجماعية.
- يتعين على الحكومات أن توصي بتقليص حضور الموظفين. وينبغي تشجيع الاتصال عن بعد والعمل من المنازل. كما ينبغي إعفاء الموظفين غير الأساسيين من الحضور للعمل. وعلى الموظفين الأساسيين الذين يتوجب عليهم الحضور البقاء دائما بعيدا عن بعضهم البعض بمسافة متر واحد على الأقل.
- يتعين على الحكومات التفكير في وضع "مؤشر لمستويات الأوبئة" يتضمن توصيات لفائدة السكان بغرض تنفيذ تدابير تختلف باختلاف مستوى خطورة الوباء.
7. التنقل والحدود:
- يتعين على العاملين في مجال النقل البحري والجوي بحث سبل وضع قيود على النقل الدولي وإجراءات تفتيش إضافية عند الدخول والخروج.
- يتعين على وزارات النقل ووزارات الداخلية وضع إستراتيجية حول ضرورة فرض وإدارة تدابير مراقبة الحدود.
- يتعين على الحكومات بحث ضرورة تقييد التنقل من المناطق المصابة بالوباء والعودة إليها.
- يتعين تحقيق توازن عند التعامل مع الاحتواء والوباء والعدوى وتقليل الأثر على التجارة في تدابير مراقبة الحدود، والحجر الصحي والتفتيش. ولا يجب أن تستغرق مدة جميع التدابير، التي تحد من تنقل الأشخاص والحيوانات والسلع، أآثر مما هو أساسي، وذلك لتحقيق أهداف الصحة العامة؛ وأن تستند إلى التوصيات القائمة على البحث العلمي الصادرة عن المنظمات الدولية.
8. التبعات على معابر الحدود:
- يتعين تنسيق عملية التخطيط مع البلدان الأخرى في المنطقة التي يُحتمل أن يكون لإجراءاتها أثر عابر للحدود.
- يتعين على الحكومات تقديم المساعدة للرعايا الأجانب الذي حُوصروا فالبلد بسبب إغلاق الحدود وتدابير الحجر الصحي أو بسبب تعطل وسائل النقل؛ كما ينبغي لها وضع أنظمة تُمكن من التعرف على هوية الوفيات من الأجانب والعمل مع القنصليات من أجل تأمين إجراءات الدفن أو نقل الجثث إلى أوطانها الأصلية.
اضف تعليق