ثلاثة عشر مليون طفل عربي دون تعليم، هذه المعلومة لم تكن تتحدث عن شيء خيالي، وإنما عبرت عن واقع ملموس، ولم نستغرب من الخبر ما دامت المنطقة العربية تعج بالحروب والتناحرات منذ عقود وحتى الآن، ان ارتفاع نسبة الأطفال الذين لم ينخرطون بالدراسة، يعد نتيجة طبيعة للأوضاع الراهنة...
عندما قرأت الخبر أصابتني الدهشة، ووقفت متحيرا لا اعرف ما الذي علي فعله، أدرت بوجهي ذات اليمين وذات الشمال وذهبت لدفتر الملاحظات مسرعا لعلي اخرج ما بداخلي من حسرة وقهر ازاء هذا الرقم المخيف.
الخبر يفيد بأن ثلاثة عشر مليون طفل عربي دون تعليم.
هذه المعلومة لم تكن تتحدث عن شيء خيالي، وإنما عبرت عن واقع ملموس، ولم نستغرب من الخبر ما دامت المنطقة العربية تعج بالحروب والتناحرات منذ عقود وحتى الآن، ان ارتفاع نسبة الأطفال الذين لم ينخرطون بالدراسة، يعد نتيجة طبيعة للأوضاع الراهنة التي تشهدها المنطقة ولم تأخذ قسطا من الراحة والهدوء، فبينما نخرج من أزمة معينة ندخل بأخرى قد تكون اكثر تأثيرا من الأولى.
فالحروب تخلق بيئة غير صحية من مختلف الجوانب، فهي تشيع ظاهرة الفقر والجوع، والتخلف على جميع المستويات، وبالنتيجة وتبعا لهذه الظروف سينتج فرد غير مكترث لما يدور حوله من مخاطر واهمها إهمال الجانب التعليمي.
في السابق وتحديدا في العراق كان بعض الآباء يجبرون ابنائهم على الذهاب للمدرسة خوفا منهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية وهذا يعني السير باتجاه الموت او المجهول، أما اليوم فلم يعد هذا العامل من العوامل المحفزة على الاهتمام بالجانب العلمي.
من الصواب ان نحدد نقاط الضعف بهذا الخصوص، ويأتي في مقدمتها إهمال بعض اوليا الامور متابعة الأولاد وحثهم بصورة مستمرة على إكمال مسيرتهم الدراسية والتدرج بالمراحل وصولا الى نهاية السلم التعليمي.
هذا الإهمال ولد جيل غير مهتم بالوصول الى مراحل متقدمة، وهنا ازدادت اعباء المجتمع بصورة غير مباشرة وغير محسوسة بطبيعة الحال، فكل طفل لم يواصل تعليمه سيكون عرضة للأفكار المنحرفة والمتطرفة، ذلك نتيجة افتقاره لأرضية ثقافية تحصنه من الانجرار وراء الأفكار السوداوية والدخيلة على المجتمعات الإسلامية.
اذا نرى بعض الأطفال تم استغلالهم بصورة بشعة من قبل اصحاب المحال التجارية والمهن الأخرى، ووصلت بعض صور الاستغلال الى الاعتداء الجسدي، اذ لا تزال تمارس هذه التصرفات التي تعتبر اخطر ما يتوقع ان يحصل للأطفال.
من غير المنطقي ان تُكمل جميع الأطفال مراحلها التعليمية، ومن غير المنطقي أيضا هو ارتفاع الإعداد لتتعدى العشرة ملايين، فلابد من عمل موازنة مقبولة من الناحية العقلية وكذلك الاجتماعية.
من عوامل عدم إكمال بعض الأطفال تعليمهم هو فقدان احد الأبوين ببعض الأحداث الجارية، ما اجبر الابن على ان يتحمل المسؤولية بالكامل، وبالتالي نزل الى جانب الكبار ليزاول مهنة معينة او صنعة ليوفر قوت يومه.
ويضاف الى العوامل أيضا هو المعرفة بالنتيجة الحتمية التي ستواجه الشباب المثابر الذي تمكن من محاربة الظروف، بأصراره وعزمه وحبه للعلم والتعلم، اذ نرى يوميا مئات الخريجين عاطلين عن العمل، وقد يكون البعض إصابته الدهشة لما وصل اليه من حالة مأساوية، وهو يرى بعض اقرانه ممن هجر المقاعد الدراسية وأخذ يجوب في دهاليز القطاع الخاص مستفيدا من الخبرات المكتسبة بمرور الأيام.
غياب هذه الإعداد من الأطفال عن المقاعد الدراسية، يعطي مؤشرا خطيرا على ان العلم اصبح خارج قائمة اهتمام بعض الشعوب، ما يعني انها تساعد على شيوع الجهل وخلق جيل غير واع ولن يقاوم مواجهة التحديات العصرية التي أخذت بالتزايد يوميا بعد آخر.
ان تركيز الدين الإسلامي على طلب العلم نابع من حرصه على خلق مجتمع مثالي من جميع الجوانب، مجتمع قادر على توظيف العلم لخدمة الإنسانية برمتها، والسير بها نحو الصلاح والكمال، وهذا الكمال لن يتحقق ولو بنسبة معينة ما لم تعطى شريحة الأطفال مزيد من الاهتمام، ذلك كون هذه الشريحة تعد بمثابة القاعدة الاساسية والعريضة التي يبنى عليها مجد وازدهار المجتمعات.
اضف تعليق