تبرز المشكلة في إدارة الشؤون العامة عندما يخل الممثلون المنتخبون من الشعب بواجباتهم الدستورية والقانونية، أو عندما يصبحوا غير مؤهلين لتمثيل عموم المواطنين، أو لم يوفوا بوعودهم الانتخابية التي قطعوها للشعب في اثناء الحملات الانتخابية، فيكون الشعب أو جزء كبير منه غير راض عن وجودهم...

لا يمكن أن يكون نظام الحكم جيداً في شكله وممارساته، ولا يمكن عده نظاما شرعياً؛ إلاّ إذا كانت السلطة فيه منبثقة عن إرادة الأمة الحرة والمختارة؛ لان السلطة قبل كل شيء، تعتمد في وجودها، وفي شرعية تصرفاتها، على رضا الجماهير وقبولهم لها، ولا يحصل رضا الجماهير وقبولها بالسلطة من الناحية الفعلية من دون اعتماد السلطة على وسيلة فعالة، يعبر بها الشعب عن إرادته في إضفاء الشرعية عليها، وهذه الوسيلة هي الانتخابات الحرة والنزيهة، حيث يدلي كل مواطن برأيه، بحسب قناعته واختياره.

ففي الأنظمة الديمقراطية يكون الشعب مصدر السلطات كلها، ولكل مواطن حق المشاركة في الحكم، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة في البلاد. والمشاركة في إدارة الشؤون العامة؛ قد تكون إدارة مباشرة؛ وقد تكون إدارة غير مباشرة.

فقد يشارك المواطنون مباشرة في إدارة الشؤون العامة عندما يمارسون السلطة بوصفهم أعضاء الهيئات التشريعية، أو عندما يشغلون مناصب تنفيذية، أو عندما يختارون دستورهم أو يعدلونه، أو يبتون في مسائل عامة عن طريق الاستفتاءات الشعبية أو غيرها من الإجراءات الانتخابية التي يشارك فيها المواطنون مباشرة من دون ممثلين عنهم. وكذلك للمواطنين أن يشاركوا في إدارة بلادهم مباشرة عندما ينضمون إلى المجالس الشعبية التي لها سلطة أخذ القرارات في المسائل المحلية، أو في شؤون جماعية معينة، أو عندما ينتسبون إلى هيئات تنشأ بالتشاور مع الحكومة لتمثيل المواطنين.

وقد لا يشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة مباشرة، بل تجري مشاركتهم في إدارة الشؤون العامة عن طريق ممثلين يختارونهم بحرية. ومن المفترض أن هؤلاء الممثلين يمارسون السلطات التي خولها لهم الشعب لمصلحة الشعب حصرا، وأنهم يحاسبون-نتيجة العملية الانتخابية-على كيفية ممارستهم لتلك السلطة، ويفترض أن الممثلين المنتخبين لا يمارسون أي سلطة لا يخولون بها طبقا للأحكام الدستورية. كما يمكن يشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة بصورة غير مباشرة من خلال المناقشات العامة والحوار مع ممثليهم، أو من خلال قدرتهم على تنظيم أنفسهم، وتعزيز هذه المشاركة بضمان حرية التعبير، والاجتماع، وتكون الجمعيات...

تبرز المشكلة في إدارة الشؤون العامة عندما يخل الممثلون المنتخبون من الشعب بواجباتهم الدستورية والقانونية، أو عندما يصبحوا غير مؤهلين لتمثيل عموم المواطنين، أو لم يوفوا بوعودهم الانتخابية التي قطعوها للشعب في اثناء الحملات الانتخابية، فيكون الشعب أو جزء كبير منه غير راض عن وجودهم كممثلين له، سواء كانوا في السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية، ولا يتحمل بقاءهم في السلطة للفترة الانتخابية القادمة، ويطالب بإجراء انتخابات مبكرة، بهدف استبدالهم أو تغييرهم بممثلين أفضل منهم، من حيث التمثيل الحقيقي، ومن حيث الالتزام بالسلطات المخولين بها، من دون أن يخرقوها لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية...

فهل يحق للشعب أو غالبية الشعب المطالبة بتغيير ممثليه في السلطات المنتخبة، قبل حلول الفترة الانتخابية المحددة لهم في الدستور، أو في القانون الانتخابي، وهي أربع سنوات عادة، أم أن عليه أن ينتظر انقضاء المدد الدستورية والقانونية المحددة للانتخابات، فان انقضت كان من حق الشعب أن ينتخب ممثلين غيرهم، ولا يكرر انتخابهم، سواء أشخاصا كانوا أم أحزابا أم كتلا متحالفة؟

واضح أن الشعب كله لا يستطيع أن يدير شؤونه العامة بنفسه، فهذا أمر يستحيل تحققه في المجتمعات الكبيرة، وإن كان يمكن تصوره في المجتمعات الصغيرة، وعليه، فلابد أن ينبري عدد من المواطنين لأن يتحملوا مسؤولة إدارة الحكم في البلاد، وأن يتولى الشعب اختيار الأصلح والأفضل من بينهم.

فكما أن الواحد منا يختار وكيله في شؤونه الخاصة؛ ويبذل جهدا في اختيار الأفضل والانسب والأعرف في تحقيق مصالحه، فان المواطنين أيضا مكلفون باختيار وكلاءهم العاميين، كما يختاروا وكلاءهم الخاصين. لاسيما انتخاب من ينوب عنهم في إدارة شؤون الدولة... وكما يمكن أن نلغي الوكالة عن الوكيل الخاص؛ فيمكن أيضا أن نلغي الوكالة عن الوكيل العام، إذا ما تأكد لنا أنه لا يحقق مصالحنا ومنافعنا.

نعم؛ هذا صحيح من حيث المبدأ، فالحق ثابت للشعب في تنصيب الوكلاء الخاصين والوكلاء العامين، وفي تنحيتهم، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا الحق أو يجحد به، ولكن المشكلة تظهر واضحة في تنحية الوكلاء العاميين، أي ممثلي الشعب الذين اختارهم في انتخابات حرة ونزيهة، فليس هناك طريقة واضحة لسحب الثقة عنهم من الشعب مباشرة، كما اختارهم الشعب مباشرة، بل لابد من العودة إلى الإطار الدستوري والقانوني، والتي في الغالب تضيق هذا الحق إلى أقصى ما يمكن.

فعلى سبيل المثال؛ قد يجد المواطنون أو أكثر المواطنين أن طريقة انتخاب الممثلين لإدارة شؤون الدولة كانت تشوبها شائبة التزوير، وأن الذين وصلوا إلى السلطة التشريعية أو التنفيذية هم لا يمثلون إرادة الشعب حقا، بل هم يمثلون إرادة الذين زوروا الانتخابات، وغيروا نتائجها لصالح هذا المرشح، أو ذلك الحزب، أو تلك الكتلة، فهل يحق للشعب أو غالبيته المطالبة بإعادة الانتخابات؟

وقد تجري الانتخابات التشريعية أو التنفيذية، ويفوز بها بعض المرشحين، لا عن تزوير إرادة الناس، ولا عن التلاعب بأصواتهم، ولكن نسبة الاقبال الجماهيري على الانتخابات تكون ضعيفة جدا، فالناس لم يذهبوا للانتخابات، ولم يدلوا بأصواتهم، لأنهم كانوا غير مقتنعين أن الانتخابات ستعبر عن إرادتهم بشكل حقيقي، أو أن الانتخابات لا يمكن أن تغيير الوجوه القديمة، والأحزاب، والكيانات السياسية التي تداولت على الحكم والسلطة مرارا وتكرار، فهي هي، سواء ذهبوا للانتخابات أم لم يذهبوا، فهنا هل يحق للمواطنين المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، كون أن الانتخابات السابقة شهدت نسبة إقبال ضعيفة، ولم تكون النتائج ممثلة لآراء الشعب كله أو غالبيته؟

وقد تٌجرى الانتخابات، سواء كانت انتخابات غير نزيهة، أو كانت نزيهة، إلا أن المواطنين عزموا على إجراء انتخابات مبكرة، بسبب أن الحكومة الحالية لم تستطع أن تحقق طموحات الشعب، في الإصلاح والتغيير المنشود، وأنها عاجزة عن تلبية مطالبهم المشروعة في تحسين الخدمات، وتوفير فرص عمل، ومحاسبة الفاسدين... وهم يطالبون رئيس الحكومة بإعلان استقالته، أو يطالبون البرلمان بإقالته، كون البرلمان هو الذي عين رئيس الوزراء، وهو من يمتلك صلاحيات إقالته، وتأليف حكومة جديدة. فهل يحق للشعب أو غالبيته أن يطالبوا بإجراء انتخابات مبكرة؟

في الواقع، إن دور المواطنين، في العملية الانتخابية عموما، هو دور محدود جدا، يبدأ من دخول المواطن إلى المحطة الانتخابية، وينتهي بخروجه منها. أي إن دور المواطن في العملية الانتخابية، التي تستمر، لمدة أربع سنوات، لا يتعدى ساعة من يوم. وما بين الانتخاب الأول والانتخاب الثاني، فان المواطن غائب تماما. بل، إن المواطن في الغالب يعتقد أن دوره هو الاختيار فقط، وما بعد الانتخاب، فهو دور الممثل المنتخب، ودور الأحزاب السياسية، والمنظمات المجتمعية، ولا دور آخر له.

فليس هناك قوانين وأنظمة في كل العالم تعطي للمواطن مباشرة أن يقرر على سبيل المثال إقالة حكومته، أو الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، لأي سبب، بل يبقى دور المواطن في تحقيق مطالبه في التغيير منحصرا في حرية التعبير والرأي، ومطالبة ممثليه أو حكومته التي اختارها البرلمان بالاستقالة، على وفق القوانين.

وهذه المطالبة قد تظهر في الإعلام الحر، وقد تظهر في المظاهرات، والاحتجاجات الشعبية، وقد تمارسها الاتحادات والنقابات المهنية، أو المنظمات المجتمعية، وقد تظهر في الاستفتاءات، واستطلاعات الرأي، ولكن في كل الأحوال فان دور المواطنين يظل دورا مؤثرا وضاغطا نحو تحقق التغيير، ولكن الحق من الناحية الدستورية والقانونية يعطى لممثلي الشعب، وليس للشعب مباشرة، فهم من عليهم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، لأن الدستور والقوانين والأنظمة الانتخابية قد منحتهم هذا الحق، ولم تمنحه للشعب مباشرة، وإن كان هو مصدر السلطة ابتداء.

وعليه؛ فهي ليس مسألة كيفية متى ما شاء الشعب أو غالبيته، أو حزب من الأحزاب القيام بها فعل، ومتى لم يش لم يفعل. وإلا ستكون سببا في عدم الاستقرار السياسي، وسيكون مدخلا لكل شخص أو حزب أو كيان كان فائزا في الانتخابات بأي شكل كان للطعن في شرعية إجراء الانتخابات مبكرة، وفي نتائجها، وهكذا تظل البلاد والعباد في هرج ومرج وفوضى...

نعم؛ إن مطالبة الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، هو حق من حقوقه، ولكن لا يستطيع أن يمارسه بنفسه، كما مارس حق انتخاب ممثليه ابتدأ، إنما يمكن أن يمارسه من خلال ممثليه في البرلمان، وينبغي هنا أن يستجيب ممثلو الشعب لهذا المطلب، وأن يفعلوا الأدوات الدستورية والقانونية اللازمة لإجراء الانتخابات المبكرة، ويمكن للشعب أن يمارس الضغوط على البرلمان والحكومة معا لدفعهما نحو خيار الانتخابات المبكرة، سواء عن طريق التظاهرات أو الاحتجاجات، أو وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل الديمقراطية المتاحة له.

وإذا ما كان الشعب يرى أن سبب عدم فعالية ممثليه في البرلمان والحكومة تعود إلى الأنظمة الانتخابية والهيئات الانتخابية المنحازة، فان على الحكومة والبرلمان إجراء تعديلات وتغيرات في الأنظمة الانتخابية والهيئات الانتخابية، قبل اللجوء إلى انتخابات مبكرة، لضمان تمثيل حقيقي للشعب، لا تمثيل صوري شكلي.

في المحصلة نخلص إلى ما يأتي:

1. إن الشعب هو مصدر السلطات كلها في الأنظمة الديمقراطية، وهو صاحب الحق في إدارة شؤونه العامة، أو في اختيار ممثليه فيها، إذا تعذر للشعب كله أن يدير شؤونه العامة بنفسه.

2. إن الشعب كما يستطيع أن يختار ممثليه في البرلمان والحكومة مباشرة، فانه أيضا يستطيع أن يطلب استبدالهم أو تغييرهم بصورة غير مباشرة، فهو يطلب من ممثليه، ويمارس ضغطا عليهم من أجل إجراء انتخابات مبكرة على وفق الدستور والقوانين الانتخابية.

3. إن من حق الشعب أن يطالب بتغيير القوانين والأنظمة الانتخابية والهيئات الحكومية المسؤولة عن تنفيذه، إذا ما تأكد له أن هذه القوانين، وهذه الهيئات لا تضمن معايير نزاهة الانتخابات الديمقراطية في جميع مراحلها، بدء من الإشراف على عملية تسجيل الناخبين والمرشحين، ومروراً بإدارة يوم الانتخابات، وانتهاءً بعملية فرز الأصوات، وإعلان نتائجها النهائية، والإشراف على حق الناخبين والمرشحين في الشكوى والتظلم أو الطعن.

4. إن من حق الشعب أن يطالب المرشحين الفائزين الذين يمثلوه في البرلمان بالتواصل معهم على وفق قنوات التواصل المتاحة، لأن المرشح الفائز في الانتخابات، يعتبر ممثلاً ووكيلاً للشخص الذي انتخبه، ولابد له أن يتواصل معه حتى تصبح شرعيته مستمرة، لذلك فإن الذين يستغلون الناس للوصول إلى السلطة يفقدون شرعيتهم عندما يتخلون عن تمثيلهم للمواطن الذي انتخبهم.

...........................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق