لم تتوقف المحاولات الرامية الى حماية الصحفيين في المناطق الساخنة منذ 2003 وحتى اليوم لكنها لم تكن كافية على الإطلاق فمايزال الإستهداف ممكنا والقتل يمكن أن يكون واحدا من أساليب الجماعات العنفية للتضييق على الصحفيين ووسائل الإعلام كما هو الحال في الموصل التي قتل فيها أكثر من أحد عشر صحفيا خلال السنة الماضية.
وفي هذا السياق قدمت إقتراحات عديدة من قبل الناشطين والمنظمات المعنية بالدفاع عن حرية التعبير ونقابة الصحفيين العراقيين، وكان لابد من إجراءات عملية كنقل الصحفيين من المناطق التي لم يعد ممكنا العمل فيها كالموصل التي شاع فيها القتل المروع، ولم يتوقف، ولن يتوقف طالما أن هناك داعش تحتل المدينة، وطالما أن هنالك صحفيين يخاطرون بحياتهم، أو إضطرتهم الظروف الموضوعية الى البقاء.
كنا قدمنا بعض الإقتراحات الخاصة بالسلامة الشخصية في أماكن النزاع والصراعات، وفكرنا بوضع خارطة طريق يشترك في وضعها صحفيون مهتمون وخبراء أسميناها (خارطة طريق العمل الصحفي) لمعرفة المناطق الساخنة، وكيفية تجنب المخاطر فيها، والإفلات من الملاحقة والإختطاف، أو التضييق، وماهي الوسائل التي يمكن أن يتبعها الصحفي للتخلص من رقابة المجموعات المسلحة في حال بقي في جغرافيا تحتلها، وكيف له أن يوصل معلوماته ويكتب تقريره، أو يبعث صوره على أن لايقدم إلا القليل من الخسارات، وكل تلك الإجراءات لم تكن كافية، عدا عن وجود مراسلين ومصورين في مناطق النزاع والإشتباك وقد خسرنا عددا منهم في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وحدود الموصل وكركوك، ومنهم من أصيب بجروح خطرة.
راجت في الأسابيع الماضية معلومات عن قيام السلطات العراقية بوضع قيود مشددة على مواقع التواصل الإجتماعي من خلال غرفة مراقبة عالية الدقة لرصد المعلومات التي يمكن أن تنتقل عبر صفحات الفيس بوك وتويتر وأنستغرام والتانغو والواتساب وحتى عبر الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية بين الأفراد، وتصور البعض إن ذلك يمثل خطرا على جميع الأفراد في المجتمع، لكن الفئة الأكثر شعورا بالخطر من بين كل الفئات الإجتماعية كان الصحفيون الذين هم في المقدمة دائما ومعهم مدونون وناشطون حيث لايستبعد هؤلاء إمكانية أن يكونوا مراقبين من قبل وزارة الداخلية التي تمتلك غرف رقابة خاصة متطورة، وربما إستوردت لهذا الغرض أجهزة رصد ومراقبة متطورة للغاية خاصة بعد أن صار التوجه الى هذا الاسلوب من الرقابة ثقافة لدى الحكومات الإقليمية بسبب النزاعات وشدتها، وكذلك الصراعات السياسية بين دول بعينها، وبعد الكشف عن فضائح في أوربا مورس فيها نوع من التجسس المتبادل الذي عرض البنية الرقمية لتك الدول والمجتمعات الى هزة عنيفة.
وبسبب نوع النشاط المتصاعد للصحفيين والناشطين المدنيين فإن الرقابة تصاعدت من قبل الحكومات وأجهزتها خاصة مع الشعور المتزايد بوجود نشاط غير مسبوق من فئات إجتماعية وثقافية لتصعيد المواقف ضد سياسات تنهجها الحكومات وترفضها مجموعات فكرية وصحفيين وناشطين بما يرفع من حدة المواجهة.
الحاجة تتزايد الى نوع أكثر فاعلية من الحماية في مواجهة خطر إعتراض المعلومات والتنصت والسيطرة على مواقع وحسابات خاصة ولعل محاولات الصحفيين والناشطين حماية أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الهاتف النقال التي يحملونها معهم تبدو صعبة للغاية، لكن وضع كلمات سر قوية، وإستخدام التشفير قد يضعف القدرة إختراق الحساب الشخصي، أو الكمبيوتر بذاته.
يمكن التوجه الى الطرق التي توفرها البيانات والمعلومات الخاصة بالتشفير، ووضع العراقيل في طريق من يحاول الإختراق والوصول الى البيانات وإعتراضها وهي عديدة، لكن المشكلة هي في القدرات التي تتوفر لدى من يحاول الإختراق بالفعل سواء كان هؤلاء أشخاصا، أو حكومات ومنظمات، ومع التطور الهائل في هذا المجال، ومع وجود شركات يمكن أن تقدم قدرات هائلة لحكومات تريد السيطرة والمراقبة والتضييق على الدوام، وبالتالي فنحن نفعل مانستطيعه لحماية أمننا الرقمي.
ننصح على الدوام بمتابعة مايبتكر من تقنيات وماتقدمه الشركات الخاصة بالإتصالات لتأمين وضع المشتركين، وسلامة البيانات والمعلومات التي لديهم وإتصالاتهم وما يتبادلونه مع غيرهم خاصة وإن الرقابة قد تمتد الى الأشخاص الذين يتواصل معهم الطرف المستهدف بالرقابة، كما إن مراقبة سلوك الأفراد المحيطين بنا، ونوع البيئة التي نتحرك في نطاقها، والحسابات التي نستخدمها، وهل هي محمية كفاية، أم إن بإمكان آخرين الدخول عليها مهم للغاية في تحديد المخاطر.
الفترة المقبلة يمكن أن تكون حافلة بنوع مختلف من التطورات على الصعد السياسية والأمنية ونحن نجد أن من المهم بالنسبة للصحفيين والناشطين أن لايغفلوا عن كل إمكانية لتحقيق أعلى قدر من الحماية الذاتية.
اضف تعليق