ان مجرد القبول بفكرة التنوع بالآراء داخل المجتمع الواحد من شأنه إنجاح التجربة الديمقراطية في أي بلد، ويعكس سلامة التفكير وصدق النوايا فيما يتعلق بالغاية من وراء الوقوف وراء هذا الرأي او خلافه، فصاحب الرأي ربما يكون كاسباً عادياً في السوق، او متعلماً اكاديمياً...
في المجتمعات المتحضرة يعد حرية الرأي والتعبير من المطالب المهمة التي تكفلها القوانين والدساتير لافراد الشعب، حتى قيل في تعاريف الديمقراطية كمفهوم، أنه "حفظ حقوق الأقلية"، الى جانب كونه تجسيداً لرأي الاغلبية في صنع القرار السياسي، لذا نرى التظاهرات المطلبية الحائزة على ترخيص من الدوائر المعنية، تحاط بحماية الشرطة لعدم تعرضها لاعتداء من اطراف أخرى على خلاف من توجهات المتظاهرين، لتكون حرية الرأي والعقيدة والتعبير مكفولة للجميع دون استثناء في ظل مبدأ الاحترام المتبادل في أوساط المجتمع.
أما في المجتمعات المتأزمة حقوقياً، مثل بلداننا، حيث الحقوق بشكل عام تمر بأزمة خانقة، الى جانب الازمات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، فان هذا الحق مغيّب ومُفرغ من محتواه من لدن مؤسسات الدولة، واذا وجد فانه على الورق في الدستور، وفي تصريحات رجال الحكومة والبرلمان، وفي بعض البلاد المدّعية تطبيق النظام الديمقراطي، فانها تعلن أنها تمنح التراخيص للتظاهرات السلمية والمطلبية بشروط معينة، بيد أن معظم هذا الحراك الجماهيري ما يبرح أن يكتسي الثوب السياسي، ويتجه نحو تصفية الحسابات، او البحث عن مكاسب، ثم نراها تنتهي ويختفي كل شيء عندما تستوفي اغراضها، ويبقى المواطن و رأيه وحيداً في الساحة لا يجد من يترجمها الى فعل سياسي في الجهاز الحاكم.
ولعل هذا يقف وراء حالة "تقديس" الرأي والاعتقاد بأي شيء، حتى وإن كان غير ذي أهمية للصالح العام، فلا يسمح صاحبه بتجاهله او حتى مناقشة الفكرة، وفيما اذا كانت صائبة او لا. مثال ذلك؛ استيراد السلع والبضائع الاجنبية، فالتجار ومعهم شريحة من السياسيين، يعدونها خطوة ايجابية لتفعيل السوق ولجم الاسعار، او ربما يبررونه بالمنافسة مع المنتج الوطني، بينما تعدها شريحة العمال والمزارعين ومن هم في قطاع الانتاج بشكل عام، بمنزلة السيف الذي يقطع ارزاقهم ويكسّد بضاعتهم لاسيما اذا تعذر عليهم النافسة، كما هو الحال بالنسبة لما تنتجه دولة الصين وتصدره لعديد الدول الشرق أوسطية، حيث تتميز بالاسعار المتدنية والمغرية للمستهلك.
هنا على مؤسسات الدولة ان تتحلّى بالحكمة والعقل في استيعاب الفريقين كونهما يعودان الى شجرة المجتمع الواحد، وتعطي كل ذي حق حقه، وتسعى لضمان حقوق الجميع.
ولكن؛ قبل هذا ينبغي ان تكون للمجتمع ثقافة احترام الآخر، بفكره ورأيه في الامور المختلفة، فالمعروف أن الحكومات والانظمة السياسية لا تبني ثقافة للشعوب، ما عدا الانظمة الشمولية التي بات معظمها في خبر كان، إنما هي مهمة الحكماء والعقلاء من ذوي الكلمة المسموعة والتأثير على النفوس، في وضع الآراء والاعتقادات على بساط البحث، وما اذا كانت تلحق ضرراً مادياً او نفسياً بعامة الناس، او ان ضررها اكثر من نفعها، كما يحصل في الغرب في قضايا اجتماعية مثيرة مثل الاجهاض، او الهجرة، فنلاحظ هنالك من يدافع عن هذه القضايا بقوة، بالمقابل هنالك من يعارض، ثم قفزت على الساحة الدولية قضية المثليين، وما خلقته من جدل واسع بين المجتمعات في البلاد الغربية وغيرها، ورغم الجدل الدائر بين الناس حول قضايا كبيرة من هذا النوع، بيد اننا لا نلاحظ هنالك إلغاء للآخر المخالف في الرأي، إنما الجميع يعيشون سواسية جنباً الى جنب.
ان مجرد القبول بفكرة التنوع بالآراء داخل المجتمع الواحد من شأنه إنجاح التجربة الديمقراطية في أي بلد، ويعكس سلامة التفكير وصدق النوايا فيما يتعلق بالغاية من وراء الوقوف وراء هذا الرأي او خلافه، فصاحب الرأي ربما يكون كاسباً عادياً في السوق، او متعلماً اكاديمياً، او من شريحة الطلاب الشباب، بل وحتى الفتيان الصغار، الى جانب المرأة وخصوصياتها ومطالبها، فعندما يسود هذا الاحترام، لن تكون أي أزمة اجتماعية مصدر تهديد لاستقرار المجتمع مهما كانت جذورها في الاقتصاد او في السياسة، بل وحتى في الدين.
اضف تعليق