عندما تتصفح المواقع الخبرية وتستمع الى الوكالات ووسائل الاعلام الفضائية وتطالع الصحف والمجلات، تجد الجميع مشغول بسرد تفاصيل ودقائق "عاصفة الحزم" السعودية في اليمن، وسط معسكرين يتقاسمان الحجج ويتبادلان الاتهامات، الاول يدعم السعودية وحلفاءها بوجه "المد الايراني الشيعي" في اليمن ويطالب بتكرار "العاصفة الحزمية" في سوريا والعراق لإعادة التوازن السني- الشيعي، او السعودي- الايراني في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج، بعد ان رجحت كفة "ايران" في عدة دول عربية، فيما يرى المعسكر الثاني، ان ما حدث هو تدخل سعودي "سافر" في شأن يمني داخلي، يضاف الى التدخلات السابقة (التي بدأت في ثلاثينات القرن الماضي)، وان تسويق الحرب بهذه الطريقة (صراع لكبح جماح الهيمنة الايرانية في اليمن باعتبار ان الحوثيين مدعومين منها) ما هو الا وسيلة لتبرير تدخل السعودية وحلفائها لمنع وصول الجهات الوطنية الى السلطة وبالتالي ابقاء اليمن ضعيفة ومحكومة من قبل اشخاص تختارهم السعودية من وزن الرئيس المقيم في الرياض حاليا "هادي".
وقد طغت هذه الاخبار، الى جانب اخبار الصراعات الاخرى في منطقة الشرق الاوسط، وتحديدا في العراق ضد تنظيم "داعش"، وفي ليبيا بين الحكومتين المتصارعتين بدعم من الميليشيات والقبائل، وفي سوريا التي دخلت ازمتها العام الخامس من دون اية انفراجه سياسية او انسانية في الافق، طغت على الاخبار الاخرى في العالم العربي، سيما الاصوات التي نادت بالحرية في زمن الربيع العربي وتم خنقها او ابادتها، كما اصبح اغلب دعاتها في اقبية السجون او في غرف التعذيب او في بلاد المهجر، ومن هذه الدول كانت "البحرين" مثالا على تجاهل المجتمع الدولي لأصوات الشعوب التي طالبت بالتغيير والاصلاح والحرية، مثلما كانت مثالا على "الموازنة الصعبة" التي عبر عنها الرئيس الامريكي "اوباما" بين الحلفاء ومطالبتهم بحقوق الانسان واحترام الحريات العامة.
خلال الفترة الماضية، لم يسمع اي صوت يعبر عن الادانة او الرفض او الشجب لأفعال النظام البحريني امام الشعب، والاغلبية التي خرجت قبل سنوات وتجمعت عند "دوار اللؤلؤة" مثلما تجمع التونسيون والمصريون واليمنيون في ساحات الثورة للتعبير عن رفضهم للظلم والاستبداد والمطالبة بالإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، كانت مطالب بسيطة ارعبت الانظمة العربية والخليجية، وحولت ساحات الاعتصام السلمية الى ساحات لدبابات ومدرعات وجنود "درع الجزيرة"، في حملة عسكرية قاسية ضد المواطنين المدنيين، لم تنتهي الا بعد ان خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، اضافة الى الالاف من المعتقلين والمحكومين بالإعدام والمؤبد، وكانت اغلب الاصوات التي ادانت هذه الافعال خجولة في ارتفاع صوتها، وقليلة في عددها، ولا تتناسب وحجم الدمار والمأساة التي خلفها النظام في المعارضين والنشطاء واصحاب الرأي.
وفي احدث تقرير حقوقي سرد معاناة شعب البحرين امام نظام "ال خليفة" "اتهمت منظمة العفو الدولية (أمنستي انترناشيونال) البحرين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بحق المعارضين، وتأتي هذه الاتهامات قبل أيام من انطلاق سباق "فورمولا واحد" في البحرين، وخلص التقرير إلى أن البحرين تنتهج حملة منظمة "تقشعر لها الأبدان" ضد المعارضة، كما ضم التقرير شهادات لمعتقلين سابقين تعرضوا للتعذيب، وقالت المنظمة "على الرغم من الوعود التي قطعتها البحرين لمراعاة حقوق الإنسان فيها، إلا أنها ما زالت تمنع حق التظاهر كما أنها تزج بالمعارضين السياسيين في السجون"، وجاء تقرير أمنستي في 79 صفحة وتضمن شهادات لمعتقلين، يبلغ عمر بعضهم 17 عاماً، وصفوا فيها ظروف اعتقال وتعذيب وتهديد، وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة، إنه " بعد مرور 4 سنوات على الثورة التي شهدتها البحرين، فإن القمع ما زال منتشراً في البلاد، كما أن انتهاكات قوات الأمن مستمرة أيضاً"، وأضاف أن "المعتقلين يتعرضون لتعذيب ممنهج للحصول على اعترافات قبل عرضهم على المحكمة"، وقال أحد المعتقلين السابقين للمنظمة إنه "تم غرز العديد من المسامير داخل جسده خلال فترة اعتقاله"، وأشار بومدوحة إلى أنه في الوقت الذي تتجه أنظار العالم إلى البحرين خلال استضافتها سباق فورمولا واحد خلال عطلة نهاية الأسبوع، فإن القليل منهم سيلاحظ أن الصورة التي أرادت البحرين توصيلها للناس كدولة إصلاحية "ليست إلا قناع زائف". بحسب ما اوردته وكالة بي بي سي الخبرية.
والغريب ان نفس هذا النظام شارك السعودية في الحملة العسكرية التي استهدفت اليمن والتطورات السياسية الاخيرة فيها، حيث شاركت البحرين بخمسة عشر طائرة في التحالف الذي تقوده السعودية، وقد دانت منظمة "هيومن رايتس وتش" على لسان "جو ستورك"، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذه الغارات بالقول "إن الغارات الجوية المتكررة على مصنع ألبان بالقرب من قواعد عسكرية تظهر استهانة تملؤها القسوة بالمدنيين من جانب طرفي النزاع المسلح في اليمن، وربما تكون الغارات قد انتهكت قوانين الحرب، وبالتالي فإن على الدول الضالعة التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة، بما فيها تعويض ضحايا الهجمات غير المشروعة"، لكن مع هذا تجد ان النظام البحريني الذي احترف الاستهانة بحقوق مواطنيه، لا يعير اية اهمية تذكر لحقوق الاخرين في دولة ثانية، بل يصر على سلب هذه الحقوق بدعوى الشرعية والطائفية والتبعية، وكان الاخرين ليس لهم اي حق في التعبير عن ارادتهم او ن يكون لهم مستقبل في اوطانهم اسوة بالآخرين.
اضف تعليق