q
وعلى الرغم من أن الخطة الأمريكية لا تزال غير معلنة إلا أن كل شيء يشير إلى أنها لربما ستستند إلى بعض الخطوط الإستراتيجية كالأمن الذي لايزال الشرط الضروري للقيام بأي عمل دبلوماسي أو اقتصادي أو سياسي، إضافة إلى معالجة الوضع الغزاوي والذي يمكن النظر إلى وضعه الحالي...

نادرا ما أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته في إيجاد حل للقضية والأزمة الحياتية والإنسانية الفلسطينية غير انه تواضع بعض الشيء حينما عهد إلى صهره ومستشار الخاص للسياسة الخارجية جاريد كوشنر لمتابعة إجراء محاولات جديدة لإنجاح عملية السلام المتلكئة، وحينما أعلن قراره في السادس من كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة واعترافه بذلك إن مدينة القدس عاصمة (لإسرائيل)، فقد أثار ذلك القرار ردود أفعال متنوعة تراوحت بين الشدة والتهاون في جميع الدول الإسلامية والعربية فبالنسبة لمعظم الدول العربية فردود أفعالهم كانت رمزية أكثر من كونها فعالة ولعل الأعلى صوتا والأكثر رفضا وتأثراً كانت الأردن، ولربما كان يرجع ذلك لدورها الخاص كحامية للمقدسات الإسلامية المقدسة في القدس وبموجب معاهدة السلام المتخبطة لعام 1994م، ومع ذلك لم يبذل لا الأردن ولا حتى السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة أية جهوداً واضحة لأن هذه القضية وبمفهوم أنظمتهم لم تعد تثير أزمة إقليمية، وأيضا لخشيتهم من إن تؤدي ممانعتهم لتأطير مشكلة القدس في الإساءة لعلاقاتهم الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولأنهم بحاجة دعمها فكانوا يؤكدون على ضرورة استمرارها في قيادة أي عملية سلام مقترحة.

وأكثر الممانعين لقرار ترامب كان الفريق المنافس للموقف المهادن للفريق الأول (السعودية_مصر_الامارات)، لذلك مانع الفريق الثاني (تركيا_ايران_قطر) وبشدة حتى إن الرئيس التركي أردوغان دافع بقوة عن حق الفلسطينيين بقدسهم معلنا غضبه الكبير من قرار ترامب كأيمان أو لربما كوسيلة لمحاولة إثبات نفسه زعيما أوحد للعالم الإسلامي في الشرق الأوسط، وان موقف الفريق الثاني عقد ولخبط أمال الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى الحفاظ على العلاقات مع الفريق الأول المعروف تحت مسمى الدول العربية "المعتدلة" وتيسير مساق مصالحها عبرها، ومشددا على أن قرار نقل سفارتها إلى القدس لن يؤثر على مسار وسياق ونتيجة المفاوضات المرتجية في عملية السلام للقضية الفلسطينية.

بعقلية تاجر خبيث استخدم وأراد ترامب الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم في تبني سلسلة بغيضة من التنازلات المتواصلة عبر توظيفه لإجراءات مثيرة الجدل كتهديداته بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية وطبق ذلك فعلا حينما أعلنت سفيرة بلاده لدى الأمم المتحدة بقطع المساعدات الأمريكية للأونروا، ثم أردفها ترامب معلنا أن إدارته يمكن أن تقطع أنواعًا أخرى من المساعدات لممارسة مزيد من الضغط ومزيدا من الإذلال السياسي للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك فلا يبدو أن جميع تدابير الضغط كانت فعالة إذ وعلى الرغم من أن ترامب طلب وتطلب على السلطة الفلسطينية "الجلوس مع (إسرائيل) والتفاوض على السلام"، غير إن الحقيقة هي أن إدارة ترامب والى ألان لم تقدم اقتراحا محددا لعملية السلام في المنطقة وعلاوة على ذلك ولانعدام التنسيق والتوافق بين الولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى فقد تمكنت السلطة الفلسطينية لتحمل الضغوط وللتهرب منها في مقابل القبول بمعاناة الحظر الفعال.

وتستمر إدارة الرئيس ترامب في التأكيد على أنها تعمل على إعداد مقترحا لعملية السلام ليتم نشرها في الوقت المناسب غير إن أية عملية سلام والتي من المفترض عدم طرحها في المدى القصير لأنه وفي ضوء مشاكل الحكومتين الفلسطينية و(الإسرائيلية) وكذلك بضوء المشاكل الإقليمية ما هي إلا محاولة لا جدوى منها ومسبقا محكوم عليها بالفشل. ومع ذلك لا يزال البعض في انتظار تقديم الخطة الترامبية على المستويين السياسي والدبلوماسي وان الأولوية في هذا الوقت هي كسر التصعيد الحالي للخلافات وتوفير إطار للتفاهم الاجباري وتحت القيادة الأمريكية بحيث يمكن لجميع الأطراف المعنية استئناف الحوار أرادت أم لم ترد.

وعلى الرغم من أن الخطة الأمريكية لا تزال غير معلنة إلا أن كل شيء يشير إلى أنها لربما ستستند إلى بعض الخطوط الإستراتيجية كالأمن الذي لا يزال الشرط الضروري للقيام بأي عمل دبلوماسي أو اقتصادي أو سياسي، إضافة إلى معالجة الوضع الغزاوي والذي يمكن النظر إلى وضعه الحالي على أنه قريب جداً من الانزلاق إلى الأزمة الإنسانية، وان ذلك التدهور في ظروف المعيشة يمكن أن يؤدي إلى نزاع مسلح جديد كما حدث قبيل أيام. وكما يبدو لنا إن الإستراتيجية الأمريكية ستتضمن إجبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على زيادة وجود قوى السلطة الفلسطينية في غزة والتعاون مع الحكومة الإسرائيلية لمحاولة إجهاض فكر المقاومة عبر تحسين الظروف المعيشية، وكما سيقوم ترامب بممارسة ضغوطه على حلفاءه من الدول العربية لزيادة دعمهم لغزة مما سيعمل على ترك حكومة حماس معزولة. ولربما أيضا ستهدف الخطة الترامبية إلى محاولة الضغط على (إسرائيل) لتنفيذ تدابير لتحسين ظروف المعيشة والتعاون مع السلطة الفلسطينية في إدارة المناطق الحضرية الكبيرة، إضافة إلى أنها، وهذا هو الأهم، ستعمل على الترويج لإصلاح السلطة الفلسطينية ومكافحة الفساد المزري والمستشري بين العديد من قادتها وتعزيز مصداقية المنظمة بنظر مواطنيها. وها نحن ألان وهم منتظرين الخطة الترامبية ومحاولاتها للطرح والولادة، والتي لا أرى سوى كونها رمزية لإعادة تنشيط مومياء العملية السلمية من خلال "خطة سلام" جديدة قد تتأمل أهدافًا متوسطة وقد تتأمل فوضى طويلة المدى.

...................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق