في العراق نحن في حاجة إلى هذا اليوم العالمي، لأننا في حقيقة الأمر نعاني من نقص وإهمال لحقوق الطفل العراقي، ففي مجال التعليم مثلا، هناك نقص في البنايات المدرسية، ويوجد خلل في مناهج الدراسة، وقلة في وسائل الإيضاح، وعدم وجود سلّة غذائية مدرسية لدعم صحة الطفل...
هل يحتاج الأب أو الأم أو المعلم أو المسؤول الحكومي، إلى يوم عالمي مخصص للاحتفال بالأطفال كي يتذكر مهماته التعليمية والتربوية والمادية تجاه الطفل؟، وهل عدم وجود مثل هذا اليوم يخلّ بتلك الواجبات التي لا يمكن تجاهلها، مثلما لا يمكن للأطفال الاستغناء عنها، لأنها تشكل قاعدة انطلاق رصينة لهم في حياة حافلة بالتعقيد والمصاعب التي عليهم تجاوزها، ولكن كيف يمكنهم العبور إلى النجاح والتألق إذا لم يجدوا مَنْ يسندهم ويوجّه عقولهم ويساعدهم على تسديد خطواتهم في الاتجاه السديد؟ هذا لا يمكن بالطبع من دون اكتسابهم لخبرات من سبقهم إلى الحياة وهذه مهمة الأبوين والمعلم والمدرسة ومنظمات الطفولة والجهات الحكومية.
لقد تم قبل عقدين من الزمن تقريبا تخصيص يوم الطفولة وهو اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يوافق تاريخ التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 20 نوفمبر 1989 من قبل 191 دولة، حيث صادقت عليها جميع الدول ما عدا الولايات المتحدة والصومال اللتان وقعتا عليها دون تصديق، وفي 1954، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة كل الدول إلى إنشاء يوم عالمي للطفل، دون تحديد يوم موحد، وتم اختيار يوم 20 نوفمبر لتوقيع اتفاقية حقوق الطفل في 1989 والتي تعود إلى إعلان حقوق الطفل الذي أُرِّخ أيضا في 20 نوفمبر 1959.
وفي هذه المناسبة، يتم القيام بعدة فعاليات وتظاهرات من قبل الناشطين في مجال حقوق الطفل في معظم دول العالم ومنها على سبيل المثال فرنسا، حيث تقوم منظمة مدافعين عن الأطفال، برفع تقرير سنوي لكل من رئيس الجمهورية الفرنسية ومجلس النواب الفرنسي يتعلق بحقوق الأطفال ونسبة الاهتمام بها أو إهمالها، من جهتها تقوم منظمة اليونيسيف الخاصة بشؤون الأطفال بتنظيم عدة فعاليات وأنشطة للتعريف والاحتفال بهذا اليوم.
في العراق نحن في حاجة إلى هذا اليوم العالمي، لأننا في حقيقة الأمر نعاني من نقص وإهمال لحقوق الطفل العراقي، ففي مجال التعليم مثلا، هناك نقص في البنايات المدرسية، ويوجد خلل في مناهج الدراسة، وقلة في وسائل الإيضاح، وعدم وجود سلّة غذائية مدرسية لدعم صحة الطفل، يُضاف إلى ذلك مشكلات القرطاس، وإذا تحدثنا عن خلل في الكوادر التعليمية التربوية من حيث الكفاءة وأساليب التعليم ومدى مواكبتها للحداثة، فإننا سنكون إزاء مشكلة معقّدة بالفعل.
تنمية الذكاء المكتسَب لدى الطفل
نبغي في هذه المقالة مناقشة حق الطفل العراقي بتنمية ذكائه أسوة بأطفال العالم في الأمم والدول التي سبقتنا إلى هذه الخطوة، صحيح أن الذكاء يُخلق مع الإنسان وينمو مع سنوات عمره، ويتطور وينضج بحسب المرحلة العمرية، لكن هذا النوع من التطور الطبيعي يبقى محدودا أو معتادا، لأن العلم أثبت أن الذكاء يمكن أن تتغير درجاته بحسب المساعدة العلمية والتجريبية التي يتم تقديمها للأطفال من أفراد ومنظمات ذات خبرات عالية ومتخصصة في هذا المجال.
فمثلا هل لدينا في العراق مؤسسات أو معاهد أو منظمات أو حتى أفراد، تكون مهمتهم مساعدة الطفل على تطوير ذكائه وتنمية أفكاره وجعله يتساوى في الذكاء مع أطفال الأمم والدول المتقدمة؟، ربما لا يوجد شيء من هذا القبيل بيننا، وقد تكون قضية تحديث الذكاء ملقاة على عاتق الأسرة فقط، وتُحصر هذه المهمة بين الأب والأم والأفراد الآخرين من ذوي الخبرة، وهو ما يحدث في الغالب بين الأسَر، حيث يكون الأبوان على حرص شديد لتطوير الابن وجعله أكثر ذكاء من أقرانه ورعاية مواهبه وتشجيعه على تنميتها وتفرّدها.
يتم ذلك عبر تقديم خطوات أسرية نابعة من الحرص الأبوي، وقد تكون غير علمية أو ليست مدروسة، تحكمها وتوجهها المشاعر الأبوية لا أكثر، لذلك قد لا تكون نتائجها باهرة لأنها ليست خطوات مدعومة بالتوجيه والتطبيق العلمي لتطوير الذكاء، وبهذا يتعرض الطفل إلى درجة من الغبن والإهمال على الرغم من أن الهدف الأسري الأبوي هو تطوير ذكاء الابن من الجنسين، لذلك فإن هذا الحق يتجاوز المحيط العائلي إلى المجتمعي، فالمجتمع مسؤول عن تطوير الذكاء الجمعي للأطفال، والحكومة تقف في المقدمة، والمنظمات المدنية يجب أن يكون لها دورها.
وينبغي أن يتم ذلك وفق منهجية علمية موثوق بها، وتجري في منهجية تعليمية وتربوية هدفها الارتفاع بذكاء الأطفال، عبر فتح الآفاق الواسعة لتفكيرهم، وتقديم التجارب الحية لهم والتي ستساعدهم على التعاطي بدرجة ذكاء عالية في النظر إلى الحياة وتفاصيلها، لذلك ينبغي أن يكون تطوير ذكاء الأطفال منهجيا، تقوم به مؤسسات ومنظمات مدنية أو حكومية متخصصة، فإن النتائج في هذه الحالة سوف تكون مختلفة وباهرة، وتزج بالذكاء الطفولي في تفاصيل الحياة الواسعة التي تضاعف من قدرات الأطفال.
تجربة من صميم الواقع
هناك رسام عراقي شهير كنت قد عاصرته ودرسنا معا في صفٍ واحد بالمرحلة الابتدائية، وكنّا في الثالث الابتدائي، وقد جد رعاية خاصة من الكادر التدريسي، مدير المدرسة ومعلم مادة الرسم، وأقيم له في قاعة المدرسة أول معرض شخصي ضمّ لوحاته التي أنجزها بالألوان المائية، تم توجيه دعوة للمحافظ آنذاك، وحين حضر سأل عن الرسم، فوجئ بالطالب الصغير عبد الأمير علوان، وسأله هل أنت من رسم هذه اللوحات؟ أجاب بالإيجاب، فكافأه المحافظ بتخصيص راتب شهري بعشرة دنانير وكانت تساوي نصف راتب المعلم، منذ ذلك المعرض بدأ موهبته وذكائه بالتدفّق ومع مرور السنوات كانت موهبته تكبر ونقله ذكاؤه إلى أهم المعارض المحلية والعالمية.
مثل ذلك الطفل يوجد لدينا اليوم العشرات إن لم نقل المئات، فهل يا تُرى وجدوا من يحتضن مواهبهم وينمّي ذكاءَهم، في مدارسهم أو محافظاتهم، أو حتى في أسرهم، أظن أن الإجابة واضحة، فالإهمال طال الجميع، الشباب، والمراهقين، والأطفال، وهذا يعني خسارة مواهب كبيرة بسبب عدم انتباه الأهل، والمدرسة، والمنظمات المتخصصة، لذلك ندعو في يوم الطفل العالمي إلى صيانة حق تطوير الذكاء وحماية مواهب الأطفال وتطويرها، ونقترح هنا بعض النقاط التي تصبّ في هذا الاتجاه:
- تبدأ بوادر الذكاء والموهبة قبل السنة السادسة، أي قبل دخول الطفل للمدرسة، وهذا يعني أن العائلة هي المسؤول الأول عن ملاحظة ذلك.
- بعد الأسرة ومرحلة السنوات الست الأولى، تبدأ المدرسة بمسؤولية اكتشاف وتنمية ذكاء الطفل وملاحظة مواهبه وتنميتها.
- يقع على الدولة جزء كبير ومهم من المسؤولية بتأسيس منظمات مختصة بتنمية ذكاء ومواهب الأطفال خارج الحصص الدراسية.
- الاستفادة من الخبرات المختلفة في هذا المجال خصوصا الأجنبية الرصينة.
- الزج بالأطفال في المشاركة بالفعاليات والنشاطات المختلفة التي تحفّز ذكاء الطفل وتدخلُ في عالم المنافسة الجيدة.
- الإطلاع على الأساليب المحدث في اكتشاف المتميزين بذكائهم ومواهبهم، ومنحهم الرعاية التي يستحقونها.
- مثل هذه الخطوات التشجيعية، لا ينبغي أن تؤخذ كأنها فضل أو منّة من أحد على الطفل وأهله، وإنما واجب ملقى على عاتق الجهة (المدنية والحكومية) المختصة بالتنمية الذكائية.
- قد يُنظَر إلى مثل هذه المواضيع التي تدعو لرعاية ذكاء الطفل ومواهبه على أنها كمالية، أو غير ذات أهمية، لنّ الأمم والشعوب المتطورة هي التي أثبتت أن البناء الجيد يبدأ بالأطفال وحماية حقوقهم.
اضف تعليق