تعد المياه بشكل عام مقوم أساسي من مقومات استمرار حياة الإنسان، سواء بشكل مباشر من خلال استخدام المياه للشرب والاحتياجات الشخصية والمنزلية، أو بشكل غير مباشر من خلال استخدام الماء في الزراعة والصناعة وغيرها. ولذلك قال الله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي)...

تعد المياه بشكل عام مقوم أساسي من مقومات استمرار حياة الإنسان، سواء بشكل مباشر من خلال استخدام المياه للشرب والاحتياجات الشخصية والمنزلية، أو بشكل غير مباشر من خلال استخدام الماء في الزراعة والصناعة وغيرها. ولذلك قال الله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وقوله (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا) وقوله (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها لماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) حيث يغطي الماء حوالي 71% من الأرض، ويشكل حوالي 65% من جسم الإنسان.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الماء يشكل عصب الحياة إلا أننا نتعامل معه تعاملا سيئا فنسئ استغلاله في الزراعة والصناعة، وفي الاستعمالات الشخصية، ونلوثه بأيدينا وبمخلفاتنا ومخلفات حياتنا. لقد لوث الإنسان كل مصادر المياه؛ بدء من المحيطات والبحار والأنهار، وانتهاء بالمياه الجوفية ومياه الأمطار، ونحن نعلم تماما أن كل هذه الملوثات ستصل إلينا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وأن آثارها الصحية ستكون خطيرة على كل الكائنات الحية، وفي مقدمتها الإنسان. لقد أصبح توافر الماء النقي نادرا، وأن التخلص من الملوثات التي تصل إلى الماء تكلفنا تكاليف باهظة.

يقدر الآن أن هناك أكثر من (بليون) شخصا يفتقرون إلى إمكانية الحصول والتزود المستمر بالمياه النظيفة، وهناك (بليونان) ي حوالي ثلث سكان العالم لا تتوافر لديهم إمكانية الحصول على المرافق الصحية المناسبة؛ وذلك يسفر عن نتائج مهولة تتمثل في التالي: وفاة الكثير من الناس معظمهم من البلدان النامية؛ بسبب الأمراض المقترنة، بسوء حالة المياه والمرافق الصحية، ووفاة ست الآلف طفل يوميا بسبب الأمراض التي يمكن اتقاؤها إذا تحسنت المياه والمرافق الصحية، ومعاناة أكثر من (250) مليون شخصا من الأمراض سنويا.

وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن (2.1) مليار فرد يفتقد إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، وأن (4.5) مليار فرد يفتقد إلى خدمات المرافق الصحية، وأن (340) ألف طفل يموتون سنويا بسبب أمراض الإسهال، وأن (1 من كل 10) أشخاص في العالم يعانون من شح المياه، و(90%) من الكوارث الطبيعية متصلة بالمياه.

ماذا يعني تلوث المياه؟ وكيف تنتقل الأمراض إلى الإنسان؟ وما هي الأمراض التي تنتج عن تلويثه؟ ولماذا عد توافر المياه النقية والصالحة للشرب حقا من حقوق الإنسان، وأن علاقته بالحقوق الأخرى هي علاقة عضوية وأساسية؟

تلوث الماء هو كل تغير في الصفات الطبيعة أو الكيمائية أو البيولوجية للماء يجعله مصدرا حقيقيا أو محتملا للمضايقة أو للأضرار بالاستعمالات المشروعة للمياه، وذلك عن طريق إضافة مواد غريبة تعكر الماء أو تكسبه رائحة أو لونا أو طعما، وقد يتلوث الماء بالميكروبات، وذلك بإضافة فضلات آدمية أو حيوانية أو قد يتلوث بإضافة مواد سامة بحيث يصبح غير صالح للكائنات الحية التي تعتمد عليه في استمرار بقائها.

يتلوث الماء بكل ما يفسد أو يغير خواصه الطبيعية عند تعرضه لملوثات كيماوية أو عضوية أو جرثومية، مما يجعله غير صالح للإنسان أو الحيوان أو النباتات أو الكائنات التي تعيش في البحار والمحيطات، ويتلوث الماء عن طريق المخلفات الإنسانية والنباتية والحيوانية والصناعية التي تلقى فيه، كما تتلوث المياه الجوفية نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إليها بما تحويه من ملوثات.

وهناك عدد كبير من الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الماء، وأن نسبة كبيرة من المشاكل الصحية التي يعاني منها الناس ترجع إلى تلوث المياه. ويمكن تلخيص طرق انتقال هذه الأمراض عن طريق الماء إلى الإنسان بالطرق التالية: شرب الماء الملوث، والاستحمام في الماء الملوث، وري المزروعات بالماء الملوث، وتناول ثمار المزروعات طازجة، واستعمال الماء الملوث في تحضير المأكولات، أو غسل أواني الطعام والشراب. وتنتقل بسبب تلوث المياه العديد من الأمراض الخطرة منها على سبيل المثال الكوليرا؛ الملاريا؛ والتيفويد؛ والبلهارسيا؛ وأمراض الكبد الالتهاب الكبدي الوبائي وحالات تسمم وغيرها.

فعلى سبيل المثال، تعد مشكلة تلوث المياه في العراق من المشكلات الكبيرة التي بدأت بالظهور وأخذت بالتزايد، وقد تسببت في الآونة الأخيرة بكارثة إنسانية حيث أصيب نتيجة هذا التلوث نحو (111000) ألف مواطن عراقي بحسب مفوضية حقوق الإنسان، مما استدعى التفكير الجاد بإيجاد سبل مكافحتها والتقليل من الآثار الناجمة عنهـا. وخاصـة إن شواطئ الأنهار والبحيرات تجتذب إليها المجتمعات البشرية الأساسية، وغالباً ما تقع أغلب القرى والمدن في العراق على حافات الأنهار والبحيرات، فكما كان النهر مصدراً لكل متطلبات النـاس من الماء بالمقابل كانت تطرح المخلفات والفضلات إلى هذه المياه مما أدى إلى تلوثها.

ولأن الماء مصدر الحياة من جهة، وهو مصدر الأمراض ووسيلة لنقلها عندما يتعرض للتلوث من جهة ثانية، أضحت رقابة صحة وسلامة مياه الشرب تفوق في أهميتها رقابة صحة وسلامة الأغذية، نظرا للاستهلاك الواسع واليومي لمياه الشرب. ولعل السر في ذلك مرده إلى أن الماء يدخل في جميع العمليات البيولوجية والصناعية، ولا يمكن لأي كائن حي أن يعيش بدون ماء، فالكائنات الحية حيوانية ونباتية تحتاج إلى الماء لكي تعيش، وقد أثبت علم الخلية أن الماء هو المكون الهام في تركيب مادة الخلية، وهو وحدة البناء في كل كائن حي نبات كان أم حيوان، وأثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميع التفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في التفاعل أو ناتج عنه، كما أثبت علم وظائف الأعضاء بأن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوفر له مظاهر الحياة ومقوماتها.

انطلاقا مما تقدم صنّف الحق في الماء كحقّ من حقوق الإنسان، وهو لا يقلّ أهمية عن الحقوق الأخرى التي وردت في الوثائق والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان على غرار الحقّ في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، والحق في الصّحة، والحقّ في التعليم، والحق في السكن...الخ.

عرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ((UNDP الحق في الماء بأن: تُـتَاح لكلّ شخص مصدر للمياه؛ ويشترط في هذه الأخيرة (المياه) أن تكون مأمونة، وبالقدر الكافي، وبالسّعر المناسب؛ حتّى يتمكّن الشّخص من العيش حياة صحّية وكريمة ومنتجة، لكن مع الحفاظ في نفس الوقت على النُّظُم الإيكولوجية المساعدة على إعادة إنتاج المياه.

وفي نفس السياق عرّفت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة الحق في الماء بأنه حقّ كل فرد في: " الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها ماديا وميسورة ماليا لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية" ومن الدّول التي اعترفت بحقّ الإنسان في الماء ومنحته مرتبة دستورية نجد كل من الإكوادور وبوليفيا والأورغواي وأوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجنوب إفريقيا؛ فهذه الدول نصت على هذا الحق الجديد صراحة في دساتيرها.

وكان أحد أهم المعالم التي أحرزت مؤخرا هو إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي (ما بين 50 و100 لتر لكل فرد يوميا)، على أن تكون تلك المياه مأمونة وبأثمان معقولة (لا ينبغي أن تزيد كلفة المياه عن 3% من مجمل الدخل الأسري)، وأن تكون متاحة مكانا (ألا تبعد أكثر من 1000 متر من المنزل) وزمانا (ألا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة)

نخلص ما تقدم ما يأتي:

1. إن الماء مصدر الحياة في الأرض، ومن دون ماء ستكون الأرض دون حياة. فجميع أشكال الحياة على كوكبنا تعتمد على المياه، بدءا من الصبار الصحراوي القاسي الملمس إلى القواقع اللزجة وانتهاء بالبشر.

2. لا يوجد نقص ماء في الطبيعة، بل المياه الصالحة للشرب تكفي لسد احتياجات الناس جميعا، سواء الشخصية أو المنزلية أو لأغراض الزراعة والصناعة، ولكن ينتج نقص المياه في العالم في معظمها من سوء الإدارة، ويمكن للحكومات وصناع القرار والقائمين على إدارة الموارد المائية أن يحافظوا على المياه من خلال تحسين توزيع المياه وضمان استخدامها بحكمة وبطريقة مستدامة.

3. يعد الحصول على مياه الشرب المأمونة ضرورة لا غنى عنها للصحة وحقاً أساسـياً مـن حقوق الإنسان ومكوناً من مكونات أي سياسة ناجعة لحماية الصحة.

4. إن تمتع الإنسان بحقّه في الماء يزيد من إمكانية تمتّعه بحقوقه الأخرى، وبالمقابل فإن تغييب تمتع الإنسان بهذا الحق سوف يخلق اضطرابا في حياته؛ مما يدفعه إلى القيام برحلات بحث يومية من أجل تأمين هذا العنصر الحيوي في حياته. كل ذلك يمسّ بمستويات انتفاعه من حقوقه الأخرى على غرار الحق في الصّحة والتّعليم والغذاء.

5. إن المياه بحسب الأمم المتحدة (هي في قلب التنمية المستدامة، وهي ضرورية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان. كما أن المياه كذلك في صلب عملية التكيف مع تغير المناخ حيث تضطلع بدور الرابط بين المجتمع والبيئة....).

6. كما أن الماء مصدر الحياة فانه مصدر الأمراض إذا ما تلوث واستخدمه الإنسان للشرب وللأغراض الشخصية والمنزلية، ولا يمكن النظر إلى المياه بمعزل عن الصرف الصحي. فهما معا عاملان حيويان في خفض العبء العالمي من الأمراض، فضلا عن مالهما من دور في تحسين الصحة والتعليم والإنتاجية الاقتصادية للسكان.

7. ضرورة اعتماد اللاّمركزية في مجال المياه؛ والرّفع من الاستثمارات في قطاع المياه؛ وتطوير نُظُم موضوعية لتثبيت التّعريفات؛ واعتماد نظام عمل تحفيزي فعّال.

8. هناك حاجة أكيدة لإعطاء دورات وورش عمل تثقيفية عن أهمية المياه وطريق استخدامه وطرق الوقائية من المياه الملوثة للسكان المحليين لاسيما النساء.

9. هناك حاجة للاهتمام بدراسة التلوث الناجم من المياه الداخلة للعراق من دول الجوار، وهناك حاجة ملحة إلى المساهمة الدولية لمنع التلوث في العراق والخليج، ووضـع الحلـول المشتركة لهذه الكوارث البيئية.

....................................................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2018

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق