جريمة قاعدة (سبايكر) تلك الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش وبقايا النظام البعثي البائد، بالقرب من تكريت، شمال غرب بغداد في 12 يونيو 2014، بحق المئات من الجنود المتدربين حديثا، إلا أن ملف جريمة (سبايكر) لم يغلق بعد، وأن ذوي الضحايا - وفي الذكرى السنوية الرابعة...
مع أن العديد من المؤسسات الحكومية، التنفيذية والقضائية والتشريعية، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية، والمنظمات الإنسانية والقضائية التابعة للأمم المتحدة ذات الصلة، قد تبنت، كل حسب اختصاصها الوظيفي، موضوع جريمة قاعدة (سبايكر) تلك الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش وبقايا النظام البعثي البائد، بالقرب من تكريت، شمال غرب بغداد في 12 يونيو 2014، بحق المئات من الجنود المتدربين حديثا، إلا أن ملف جريمة (سبايكر) لم يغلق بعد، وأن ذوي الضحايا - وفي الذكرى السنوية الرابعة - لا زالوا يطالبون بمعرفة مصير أبناءهم، والاستجابة لمطالبهم، ومعاقبة الجناة الفاعلين، ومحاسبة المسؤولين المقصرين، وتدويل قضيتهم كجريمة ضد الإنسانية.
كان ينبغي أن تستكمل وزارة حقوق الإنسان ثم مؤسسة الشهداء عمليات البحث والتنقيب عن رفات الضحايا، وكان ينبغي أن تستكمل وزارة الصحة عمليات مطابقة الحمض النووي. وكان ينبغي أن تخصص مقبرة للضحايا كجزء من رد الاعتبار لهم. وكمعلم يبقى شاهدا على فداحة تلك الجريمة. وكان ينبغي أن يستقبل القضاء العراقي جميع ذوي الضحايا، ويساعدهم على استكمال الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة لحصول الوفاة.
وكان ينبغي للحكومة العراقية ممثلة برئاسة الوزراء، وغرفة العمليات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أن تنفذ ما أقرته من قرارات بهذا الشأن، وأن تفي بوعودها لذوي الضحايا. وكان ينبغي لوزارة الدفاع بالنسبة للعسكريين منهم، ومؤسسة الشهداء بالنسبة لغير العسكريين منهم أن تستكمل إجراءاتها الإدارية ليتمكن ذوي الضحايا من تحصيل حقوقهم ومرتباتهم. وكان ينبغي لهيئة التقاعد العامة أن تصرف الحقوق التقاعدية لذوي الضحايا وفقا للقوانين المعمول بها.
وكان ينبغي أن يقدم الجناة من تنظيم داعش؛ وبقايا حزب البعث؛ وأبناء العشائر الذين اشتركوا بهذه الجريمة إلى القضاء، وأن يحاسبوا أمام الملا وأمام ذوي الضحايا عن تلك الجرائم حسابا عادلا يتناسب وفداحة الجريمة تحقيقا للعدالة الجنائية.
وكان ينبغي أن تعلن الجهات الأمنية والعسكرية، فضلا عن اللجان التشريعية نتائج تحقيقاتها بهذا الشأن، على الرأي العام، وتحميل من يتحمل بالفعل مسؤولية ما حدث كقيادات عسكرية ومدنية، تعمدت أو قصرت في أداء واجبها كما يجب.
وكان ينبغي للجهات القطاعية كمؤسسة الشهداء؛ ووزارة الثقافة؛ والمحافظات ومجالس المحافظات، أن تخلد هؤلاء الشهداء، وأن تحفظ مكان الجريمة، وتجعل منه معلما من معالم بشاعة تلك الفئات الضالة، وأن تعد خططا إستراتيجية سنوية تستذكر تلك الجريمة؛ كيلا تتكرر، ولكيلا تنسى، فالذاكرة الجماعية الحية كفيلة بمنع وقوع مثل هذه جريمة. وكان ينبغي أن تنشط وزارة الخارجية ومؤسسة الشهداء ومفوضية حقوق الإنسان للتعريف بهذه الجريمة أمام المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية والحقوقية، وعدها جريمة ضد الإنسانية جمعاء.
وأخيرا، كان ينبغي أن تعلن الحكومة العراقية ممثلة بالسيد رئيس الوزراء أو السيد أمين عام مجلس الوزراء، النتائج النهائية لملف ضحايا سابيكر، في السنة الأولى، أو في السنة الثانية في أسوء الأحوال، ما جرى إنجازه بالفعل، وما لم يجر إنجازه، وما أقر من حقوق، وما لم يقر، وبيان المعوقات والتحديات، سواء الطبيعية أو الأمنية أو البشرية أو المادية أو اللوجستية، وغيرها، فبقاء هذا الملف مفتوحا دون مدد زمنية محددة، لا يناسب مقام الضحايا ولا ذويهم، ولا يليق بأداء حكومة كان قد التزم رئيس وزراءها شخصيا بمتابعته.
إن إعلان النتائج النهائية لملف جريمة سبايكر من طرف مسؤول حكومي رفيع المستوى، أمام الشعب العراقي، وأمام ذوي الضحايا، وفي وسائل الإعلام المتاحة، كان يمكن أن يرفع العتب عن أداء المؤسسات الحكومية الراعية لهذا الملف، وكان يمكن أن يتفهم العراقيون وذوو الضحايا ما أنجزته الحكومة وما لم تنجزه، خلال فترة أربع سنوات مضت. وكان يمكن أن تتفق الأطراف المعنية على مدد محددة تعطى بعدها الحقوق المعنوية والمادية لذوي الضحايا، سواء عثر على بقايا الضحايا أم لا، إلا أن هذا لم يحدث للأسف، وهو ما كان يقلق أهالي الضحايا ويدفعهم إلى التظاهر أمام المؤسسات الحكومية الاتحادية والمحلية، بين الحين والآخر، في سبيل البحث عن حلول ومعالجات نهائية.
للأنصاف أن الكثير من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالموضوع؛ كمكتب رئيس الوزراء، وغرفة العمليات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وزارة الدفاع، والصحة، وحقوق الإنسان، ومؤسسة الشهداء، ووزارة الخارجية، ومجلس القضاء، واللجان المشكلة في بعض الوزارات والمحافظات ومجالس المحافظات، والمنظمات المجتمعية، فضلا عن ذوي الضحايا أنفسهم، كلها كانت قد باشرت هذا الملف، وحققت بعض الإنجازات، وتلكأت في بعض مهامها، وأخفقت في البعض الأخر، وهناك عمل مشكور يمكن أن يلمسه المقربون من هذا الملف.
فمؤسسة الشهداء مازالت تكشف المقبرة تل الأخرى، وقد عثر على رفات المئات من الضحايا، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، وقامت وزارة الصحة بفحص (DNA) وعلى أثرها سلمت جميع الرفات المطابقة إلى ذويهم، وهي عملية تقنية معقدة؛ وبحاجة إلى أجهزة حديثة؛ ووقت مناسب، وجرى دفن الرفات في مقبرة واحدة في النجف الأشرف، ولا يوجد تحدي أمام هاتين المؤسسين إلا التحدي المالي.
كما أن الجهات الأمنية المختلفة قد تمكنت في فترات متفاوتة، قبيل تحرير المناطق الغربية من تنظيم داعش وبعده من إلقاء القبض على عدد كبير ممن اشتركوا في جريمة سبايكر، وقدموا للمحاكم المختصة، ونالوا عقابهم العادل. وأن وزارة الدفاع قد استمرت بصرف غالبية مستحقات ذوي الشهداء، سواء الذين عثر على رفاتهم أو لم يعثر، كما أنها أنجزت ملفات 1200 ضحية، وأحيلت إلى هيئة التقاعد، وتقوم هيئة التقاعد الآن بصرف الحقوق التقاعدية للضحايا كمفقودين لحين استكمال مدة أربع سنوات، بعدها يجري تحويل الضحية من صفة (مفقود) إلى صفة (شهيد) عسكري. وأن وقائع جريمة سبايكر عرضت على المحافل الدولية والإنسانية، وهناك مساع تقوم بها مؤسسة الشهداء ووزارة الخارجية وبعض المنظمات المجتمع المدني لاستكمال هذا الملف دوليا.
في الواقع، أن المشكلة الحقيقية تكمن أن جميع أعمال هذه الجهات الحكومية أو غير الحكومية لم تستكمل بعد نتيجة تحديات مالية، أو استكملت، ولم يعلن عنها، وأن بعض ذوي الضحايا لم يعثر عليهم، ومازالت حقوقهم مجمدة أو ناقصة، ولم تقدم قائمة نهائية بعدد الجناة الذين قبض عليهم وجرى تنفيذ العقوبة بحقهم، وأن التقرير النهائي للمف لم يعد بعد، ولم يقدم من لدن السيد رئيس الوزراء.
نعم، في الذكرى السنوية الرابعة، لا شك أن من حق ذوي الضحايا:
1. أن يعرفوا مصير أبناءهم.
2. وأن يحصلوا على حقوقهم المادية وتعويضات مناسبة ومرتبات شهرية.
3. وأن يطالبوا بإلقاء القبض على جميع من ارتبكوا أو اشتركوا في تعذيب وقتل أبنائهم، وتقديمهم للقضاء لينالوا عقابهم العادل.
4. وأن يطالبوا بمحاكمة علنية لكل المسؤولين العسكريين والمدنيين الذين قصروا أو تعمدوا التقصير في واجباتهم، وهو حق من حقوق المجتمع أيضا، حيث إنّ الانتهاكات لا تؤثّر على الضّحايا فقط، بل على المجتمع ككل، فيستوجب على الدولة ضمان الإيفاء بهذه الموجبات وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات، وذلك من خلال إصلاح المؤسّسات التي كان لها يد فيها، أو كانت غير قادرة على تفاديها، وغالباً فإنّ هذه الانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج ستنتج عنها انقسامات اجتماعيّة، وغياب الثقة بين المجتمع ومؤسّسات الدّولة.
5. وأن تنسق الوزارات لاسيما وزارة الدفاع مع كل من مؤسسة الشهداء وهيئة التقاعد ومجلس القضاء الأعلى لاستكمال الملفات العالقة والإسراع بتغيير الوضع القانوني للضحايا من (مفقودين) إلى (شهداء عسكريين) لتتمكن أسرهم من الحصول على حقوقهم كاملة.
6. وأن تعمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على تدويل جريمة سبايكر كجريمة ضد الإنسانية ارتكبتها جماعة خارجة عن كل القيم الإنسانية، فضلا عن القيم الدينية التي ادعت تمثيلها.
7. وأن تعلن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية نتائج أعمالها للأربع سنوات الماضية، وبيان أسباب عدم استكمال هذا الملف حتى الآن.
.....................................
اضف تعليق