q
شهدت العديد من الدول الاوروبية ومنها فرنسا، ارتفاعا ملحوظا في الخطابات المعادية للإسلام \"الإسلاموفوبيا\"، من قبل بعض المنظمات والشخصيات المعروفة بخطابها اليميني المتطرف والعنصري، الذي ازداد بشكل خطير في السنوات الاخيرة كما نقلت بعض المصادر، بسبب صعود اليمين المتطرف، ويبلغ عدد المسلمين في فرنسا حوالي 6 ملايين نسمة...

شهدت العديد من الدول الاوروبية ومنها فرنسا، ارتفاعا ملحوظا في الخطابات المعادية للإسلام "الإسلاموفوبيا"، من قبل بعض المنظمات والشخصيات المعروفة بخطابها اليميني المتطرف والعنصري، الذي ازداد بشكل خطير في السنوات الاخيرة كما نقلت بعض المصادر، بسبب صعود اليمين المتطرف، ويبلغ عدد المسلمين في فرنسا حوالي 6 ملايين نسمة، أي 8 في المائة من السكان، وتصاعد الجدل حول مصيرهم بعد تزايد الهجمات الإرهابية على يد مواطنين فرنسيين من أصول مغاربية تم استغلالهم ضمن تنظيمات إرهابية متطرفة . وتصاعد الجدل في فرنسا من جديد بعد تقديم عريضة موقعة من طرف 300 شخصية عامة في فرنسا على ما أسموه بمعاداة السامية الجديدة ونشرت في صحيفة الباريزيان. وقالت العريضة إن الجالية اليهودية في فرنسا مستهدفة داعية كل الطبقة السياسية من بينهم رئيس الوزراء السابق مانويل فالس والرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، بصفة خاصة إلى العمل على "حذف" آيات القرآن التي تدعو إلى قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والكفار.

العريضة وقعتها شخصيات سياسية يمينية ويسارية وغيرها من بينها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي وزعيم حزب الجمهوريين اليميني لوران فوكييه ورئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس ورئيس بلدية باريس الاشتراكي السابق برتران دولانو، وفنانون بينهم المغني شارل أزنافور والممثل جيرار ديبارديو، ومثقفون ومسؤولون دينيون يهود ومسلمون وكاثوليك . ويتوافق البيان مع رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وضع أسس تنظيم الإسلام في فرنسا هذا العام.

هذه العريضة لاقت استنكارًا كبيرًا من مسلمي فرنسا وباقي الدول الاخرى، حيث عبر العديد من ممثلي المسلمين في فرنسا عن غضبهم واستيائهم واستنكارهم للإدانة الظالمة وهذيان هذا النص بحق الإسلام، فضلًا عن ذلك، نشرت صحيفة “لوموند” بيانًا تحت عنوان “لا يمكن الدفاع عن تلك النصوص أكثر من ذلك” أصدره 30 إمامًا مسلمًا في فرنسا، أبرزهم مدير مكتب مناهضة معاداة السامية في باريس سامي غزلان ورئيس أئمة فرنسا حسن شلجومي، وعبر الأئمة في بيانهم عن رفضهم للتصريحات التي تقول إن القرآن يدعو إلى القتل كما ورد في بيان ضد معاداة السامية.

ومنذ وقوع الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” ومتجر للأطعمة اليهودية في باريس في يناير 2015، تضع السلطات الفرنسية أغلب المساجد تحت الحراسة درءًا لأي تهديدات أو مخاطر محتملة، لكنها عززت هذه الإجراءات مؤخرًا مع تزايد التهديدات باستهداف المسلمين. ومع تقدم أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا بشكل عام وفرنسا على وجه الخصوص، تزايدت حدة الدعاية الإعلامية والسياسية ضد المسلمين من إعلاميين وساسة محسوبين على اليمين المتطرف في فرنسا، والذي يطرح أن المسلمين يشكلون تهديدًا للقيم الأوروبية. وطبقًا لأحدث الإحصاءات التي أعدتها وزارة الداخلية، فقد صعد الإسلام ليصبح الدين الثاني في الدولة، وأشارت الوزارة إلى أن أكثر من 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنويًا، ويُتوقع أن يُمثل المسلمون ربع سكان فرنسا بحلول 2025.

الازهر ينتقد

وفي هذا الشأن أعلن الأزهر رفضه التام لمطالبة شخصيات عامة فرنسية بتجميد آيات من القرآن الكريم، بدعوى أنها "تحرض على قتل غير المسلمين"، معتبرا هذه المطالب "غير مبررة وغير مقبولة، وهي والعدم سواء". وقال عباس شومان، وكيل الأزهر، على صفحته على فيسبوك: "لا لتجميد حرف من القرآن، فليفهم هؤلاء كتاب الله فهما صحيحا، أما إذا اعتمدوا على فهمهم المغلوط، فليذهبوا بفهمهم ومطالبتهم إلى الجحيم". وأضاف أن "تلك الدعوة تدل على جهل مطبق لديهم على أفضل تقدير، فليس لدينا آيات تأمر بقتل أحد... ولسنا مسؤولين عن عدم فهم الآخرين لمعاني الآيات، وأخذهم بظاهرها دون الرجوع إلى تفاسير العلماء لها".

ورد شومان لاحقا في تصريح صحفي قائلا: "ما ظنه الداعون أن آيات تنادي بقتلهم، هي آيات سلام في حقيقتها، فآيات القتال كلها واردة في إطار رد العدوان إذا وقع علينا وليس إيقاعه على الغير". وكان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي و300 شخصية فرنسية عامة قد وقعوا على عريضة نشرتها صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، للمطالبة بحذف وتجميد آيات من القرآن الكريم. وأثارت العريضة - التي نُشرت ضمن مقال تحت عنوان "ضد معاداة السامية الجديدة" - جدلا واسعا، إذ تأتي في سياق سجال مستمر بشأن الإسلام والمسلمين في فرنسا، وتبرز ما تصفه بـ "تطهير عرقي صامت" تتعرض له الطائفة اليهودية من قِبل "متطرفين إسلاميين".

ويتحدث المقال الذي نشرته الصحيفة الفرنسية تحت عنوان "ضد معاداة السامية الجديدة" عن "تطرف إسلامي"، ويدق ناقوس الخطر ضد ما تتعرض له الطائفة اليهودية في المنطقة الباريسية. وانتقد مرصد الاسلاموفوبيا، التابع لدار الافتاء المصرية، هذه المطالبات، معتبرا أنها قد تكون "سببا في الهجوم والاستعداء على المسلمين في فرنسا، ونشوء حالة من الصراع والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد".

وطالب المرصد في بيان بردة فعل قوية ضد هذه الدعوات العنصرية، مؤكدا على أن إتاحة الفرصة أمام هذه الدعوات للظهور أو التضامن معها يغذي ظاهرة الإسلاموفوبيا من جهة، ويعزز من شعور الأقليات المسلمة بالتهميش والعنصرية ضدهم من جهة أخرى، بجانب كونها سببا لنمو ظاهرة التطرف والإرهاب. وقال خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، في تصريح صحفي إن هذه المطالبات تعد "تطرفا فكريا ضد الدين الإسلامي... وهي لا تنفصل عن الصورة العامة التي يمر بها العالم من التطرف"، موضحا أن "العالم يعاني من ظاهرة المتطرفين الإسلامين، بينما هناك متطرفين معادين للإسلام أيضا".

وانتقدت فريدة الشوباشي، وهي صحفية وإعلامية مصرية عاشت في فرنسا فترات طويلة، الدعوة لتتجميد آيات من القرآن، معتبرة أنها "دعوة غبية وغير مقبولة، لكنها دلالة على تقصير مؤسسات دينينة إسلامية في تفسير وشرح صحيح الإسلام". وأضافت الشوباشي إنها ضد أي تجميد لآيات القرآن، لكنها "تلقي بمسؤولية انتشار صورة عن الإسلام بأنه دين يدعو إلى العنف والقتل على المفسرين".

كذلك دعم أحمد كريمة، وهو من أستاذ للفقه المقارن بجامعة الأزهر، موقف المؤسسة الرافض لهذه المطالبات، التي قوبلت برد فعل رافض عندما أُطلقت من قبل عام 2015، واعتبرها سياسيون آنذاك "دعوة عنصرية لا يقرها القانون الفرنسي". ووقع على العريضة شخصيات عربية وإسلامية، منها الروائي الجزائري بوعلام صلصال، ومحمد علي قاسم، وهو مفتي جالية جزر القمر في فرنسا، والمدون الفلسطيني وليد الحسيني، بالإضافة إلى مغنين وممثلين وكتاب ومسؤولين دينيين يهود ومسلمين وكاثوليك، ومن بين أبرز الموقعين: رئيس تحرير صحيفة "شارلي إيبدو" السابق فيليب فال الذي قام بتحرير البيان، وإيمانويل فالس وهو رئيس وزراء سابق، وجون بيار رافاران وهو رئيس وزراء سابق، والمغني شارلي إزنافور، وبيرنار هنريب ليفي، وهو أكاديمي وإعلامي يهودي فرنسي، والممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو.

رد تركي

الى جانب ذلك انتقد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مطلب شخصيات فرنسية بحذف ايات من القران لاعتبارها معادية لليهود والمسيحيين والكفار في مواجهة تزايد المعاداة للسامية. وقال اردوغان "من انتم لكي تهاجموا نصوصنا المقدسة؟ نحن نعرف كم انتم حقيرون". وتساءل "هل سبق لكم ان قرأتم كتبهم الانجيل والتوراة؟ .. اذا قرأتموها فربما ترغبون في حظر الانجيل".

الا ان اردوغان اشار كذلك الى الاسلاموفوبيا المنتشرة في الغرب قائلا ان انقرة حذرت شركائها من "الاسلاموفوبيا والمشاعر المعادية للاتراك والاجانب". وفي كلمة اخرى في وقت لاحق قال اردوغان ان الموقعين على الرسالة لا يختلفون عن تنظيم داعش المتشدد. وأضاف "يجب ان يكون توجهنا بمثابة درس للسياسيين الاوروبيين الكارهين للاسلام الذين يحمون من يهاجمون الاسلام باسم الدفاع عن القيم الغربية، ومن ربتوا على كتف من احرقوا المساجد". واضاف ان كلامه موجه "بشكل خاص الى ساركوزي".

وتشهد العلاقات بين تركيا والغرب توترا في اعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة للاطاحة باردوغان في تموز/يوليو 2016، الا ان العلاقات بين تركيا وفرنسا توترت بشكل خاص في الاسابيع الاخيرة. فقد ازداد التوتر بعد ان عرض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التوسط بين انقرة والمسلحين الاكراد المحظورين. ورفضت انقرة العرض بشدة في اذار/مارس. بحسب فرانس برس.

وقال الوزير التركي للشؤون الاوروبية عمر جيليك الاحد ان الرسالة "هي اوضح مثال على العنف الفكري والهجمية". وقال نائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ ان الموقعين على الرسالة هم "حمقى القرن الحادي والعشرين". كما انتقد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو الرسالة قائلا انها تشبه رسائل الجماعات المتطرفة. وقال "توجهكم يدعم القاعدة وداعش"، بحسب صحيفة حرييت اليومية.

وقال مسؤول في قطاع التعليم إن تركيا علقت فتح أي أقسام جديدة للدراسات الفرنسية في جامعاتها، وسط خلاف متزايد مع فرنسا بعد دعوات هناك لحذف آيات من القرآن الكريم. وقال مسؤول بمجلس التعليم العالي التركي إن الجامعات التركية لن تفتح أي أقسام فرنسية جديدة وإن 16 قسما موجودا بالفعل، ولم يتقدم أي طلاب للدراسة بها، لن يُسمح لها بقبول طلاب جدد. وأضاف أن 19 قسما بها طلاب مسجلون حاليا سيُسمح لها بقبول طلاب جدد ومواصلة العام الدراسي على نحو طبيعي. وتابع قائلا إن فرض قيود على الأقسام الفرنسية جزء من علاقة تقوم على ”الرد بالمثل“ مع فرنسا، مضيفا أنه لا توجد برامج بالتعليم العالي في فرنسا تدرس الأدب التركي.

هذيان جنوني

على صعيد متصل دان مسؤولون عن مسلمي فرنسا مقالا شديد اللهجة نشر في فرنسا تضمن مطالبة بابطال آيات من القرآن، وتنديدا بما وصفه المقال ب "نوع جديد من معاداة السامية". وقال دليل بوبكر عمدة جامع باريس الكبير في بيان "ان الادانة الظالمة والهذيان الجنوني بمعاداة السامية في حق مواطنين فرنسيين مسلمين عبر هذا المقال، يهددان جديا باثارة طوائف دينية ضد اخرى". واضاف بوبكر ان "المواطنين الفرنسيين المسلمين المتمسكين باكثريتهم بالقيم الجمهورية لم ينتظروا هذا المقال (..) بل هم ينددون منذ عقود ويحاربون معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين في كافة اشكالها".

من حهته، ندد عبد الله زكري رئيس المرصد الوطني الفرنسي ضد كراهية الاسلام بما اعتبره جدلا "مثيرا للغثيان وكارثيا". واضاف ان "رجال السياسة الفاشلين الذين يعانون من عدم الاهتمام الاعلامي بهم، وجدوا في الاسلام والمسلمين في فرنسا كبش فداء جديدا". وقد نددت الشخصيات الموقعة على المقال ب"معاداة السامية الجديدة" التي يغلب عليها "التطرف الاسلامي"، ودانت "الصمت الاعلامي" وعملية "تطهير عرقي بلا ضجيج" في بعض الاحياء. وقال البيان "نطلب ان تصبح مكافحة هذا الاخفاق الديموقراطي الذي تمثله معاداة السامية، قضية وطنية قبل فوات الاوان".

ولم ينكر مسؤولون عن مسلمي فرنسا وجود مشاعر معاداة للسامية في فرنسا لكنهم رفضوا بشدة محتوى المقال وخصوصا التهجم على الاسلام، كما قالوا. وقال رئيس مجلس الديانة الاسلامية احمد اوغراس "هذا المقال لا معنى له وخارج الموضوع. الامر الوحيد الذي نتبناه (منه) هو وجوب ان نكون جميعا ضد معاداة السامية". اما طارق اوبرو امام مسجد بوردو (جنوب غرب) الكبير فاعتبر ان "القول بان القرآن يدعو الى القتل قول بالغ العنف وسخيف". واضاف "القرآن انزل بالعربية. واعتقد ان الذين وقعوا على المقالة قرأوا ترجمة للقرآن وتاويلا له. هذا يدل على نقص في الثقافة الدينية. كل نص مقدس يتضمن عنفا حتى الانجيل".

ودون الخوض في تفاصيل المقال الذي لم توقعه، قالت وزيرة العدل نيكول بيلوبات انه يتعين "القيام بكل شيء لتفادي حرب طائفية" مضيفة ان "فرنسا نظرا لطبيعة تكوينها بلد الاختلاط والتناغم" الاجتماعي. ويذكر ان مقتل مسنة يهودية في شقتها بباريس في آذار/مارس كان اثار صدمة كبيرة بين يهود فرنسا الذين يمثلون نحو 0,7 بالمئة من الفرنسيين. وسجلت الاعمال المعادية للسامية تراجعا في فرنسا للعام الثالث على التوالي، وبلغ التراجع 7%، بحسب وزارة الداخلية. بحسب فرانس برس.

غير ان هذا التراجع تزامن مع زيادة في الاعمال الاخطر (عنف وحرائق ...) التي زادت بنسبة 26 بالمئة. وكان نصيب يهود فرنسا ثلث هذه الحوادث. وفي آخر تقرير لها سجلت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الانسان "استمرار الافكار المسبقة المعادية للسامية التقليدية التي تربط اليهود ب (حب) المال والسلطة وتأخذ عليهم انغلاقهم الطائفي".

اضف تعليق