وفقا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؛ فإن الحرب الدائرة في اليمن، منذ مارس 2015م، قد ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة إزاء حقوق الإنسان، منها أفعال وممارسات قد ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ينبغي محاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. لا سيما...

نحو ما يزيد على ثلاث سنوات من الحرب على اليمن؛ مازال يٌشكل المدنيون اليمنيون، تحديدا الأطفال والنساء منهم، الضحية الأولى للحرب، ولا يكاد ينقضي يوم إلا ويحصي المتابعون للشأن اليمني عددا من الأطفال قد خسروا حياتهم، أو فقدوا جزء من أجسادهم، جراء القصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان، أو جراء قصف المدارس والمستشفيات والأسواق.

تشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية يتحمل المسؤولية الكبرى عن مقتل وتشويه الأطفال في اليمن، وذلك استنادا إلى توثيق ضحايا الغارات التي شنها التحالف، وراح ضحيتها عشرات الأطفال بين قتيل وجريح.

فبحسب إحصائيات محلية ودولية عن جرائم التحالف السعودي في ثلاث سنوات؛ فقد قٌتل أكثر من (3078) طفل، وأصيب نحو (2886) آخرين، بسبب الغارات الجوية والقصف؛ أي أن (7) أطفال يقتلون ويجرحون يوميا، بسبب القصف، كما يصاب نحو (35) ألف و(988) طفل بالذعر ويرعبون يوميا بسبب القصف.

وقد وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) اليمن بأنه أسوأ الأماكن على وجه الأرض بالنسبة للأطفال، وأن (32 بالمائة) من وفيات وباء الكوليرا في اليمن من الأطفال تحت سن الـ 15 سنة. وأشار المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اليونيسيف "خيرت كابلياري" إن التقديرات تشير إلى أن طفلا واحدا يموت هناك كل عشر دقائق من أمراضٍ يمكن الوقاية منها.

كيف ينظر القانون الدولي إلى الأطفال وقت النزاعات المسلحة؟ وماهي الحماية القانونية التي أوجبها على أطراف النزاع؟ وما هو موقف القانون الدولي من ظاهرة القتل الجماعي والعشوائي للأطفال؟ وكيف يمكن أن يتعامل المجتمع الدولي مع ما يحصل من قتل وتشويه للطفولة في اليمن؟

لا شك إن الحق في الحياة مبدأ كرسته كل الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية، وهو الأصل والأولوية التي تتصدر كل الحقوق، ومن دون صون حق الحياة للإنسان لا يمكن الحديث عن الحقوق الأخرى.

ويتضح ذلك من خلال المادة (6) الفقرة(1) من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أن (تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة) وتطبيقا لهذا المبدأ فان الاتفاقية، تؤكد في الفقرة (2) من ذات المادة، على تكفل الدول إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونمو مختلف الجوانب لديه، ويستفاد منه أنه على الدول تجريم كل المعاملات التي تمس بحياة الطفل.

وفي الغالب، يُشكل الأطفال نحو نصف أو أكثر من نصف الفئات السكانية المتضررة من النزاعات المسلحة، وأن المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال تؤثر بشكل بالغ على رفاههم، وأمنهم الجسدي، ومستقبلهم، فبعض الأطفال يٌقتلون أو يصابون، وآخرون يواجهون الانفصال عن أسرهم، وعن القائمين على رعايتهم، أو يتعرضون للتجنيد في القوات الرسمية أو الجماعات المسلحة، والكثير منهم يقعون ضحية العنف الجنسي، أو أشكال أخرى من الاستغلال وإساءة التعامل. لهذا السبب كان هناك اهتمام خاص من المجتمع الدولي لحماية الأطفال في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.

تأسيسا على هذا، أضفى البروتوكول الأول لعام 1977 حماية خاصة لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح. فنص على أنه "يجب أن يكون للأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون الذين يحتاجون إليهما، سواء بسبب صغر سنهم، أو لأي سبب آخر." كما أن البروتوكول الثاني نص بالمادة 4/3 على أنه "يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بالقدر الذي يحتاجون إليه لحماية للأطفال خلال النزاعات غير الدولية."

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000، البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وعبرت الدول في مقدمة البروتوكول عن اعترافها بأن حماية الطفل من الاشتراك في النزاعات المسلحة من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التعزيز لتطبيق الحقوق التي تم إقرارها في اتفاقية حقوق الطفل، وعن قناعتها بأن بروتوكولا اختياريا للاتفاقية يرفع سن التجنيد المحتمل للأشخاص في القوات المسلحة، ومشاركتهم في الأعمال الحربية، سيساهم في تحقيق مصالح الطفل الفضلى، وتكون له حصانة لحقوقه المتعلقة به .

وفي الواقع، ما من أمانة في عنق العالم تفوق في قدسيتها الأطفال، وما من واجب يعلو في أهميته فوق احترام الجميع لحقوق الأطفال، لأن حمايتهم واحترام حقوقهم حمايةً لمستقبل البشرية بأسرها. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي لم يغفل الاهتمام بالأطفال وبحاجتهم للحماية والرعاية، إلا أننا ما نشاهده في أنحاء عديدة من العالم من انتهاكات حقوق الأطفال-لاسيما في اليمن -شيء يدعو إلى الحزن العميق.

ربما كل ما جرى اعتماده من طرف المجتمع الدولي، وكل ما جرى تأكيده في الإعلانات والاتفاقيات والبروتكولات من حقوق وحماية إنسانية وقانونية وقضائية للأطفال لا يجد له صدى في الحرب ضد اليمن؛ فلا احترام لحقوق الأطفال، ولا حماية لهم من الاعتداءات المتكررة من أطراف النزاع ضد السكان المدنيين، تحديدا الطرف السعودي الأكثر استخداما للقصف العشوائي المتعمد على المدن السكنية، ناهيك عن المدارس والمستشفيات التي تغص في الأغلب بالمدنيين المرضى والجرحى.

وفقا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؛ فإن الحرب الدائرة في اليمن، منذ مارس 2015م، قد ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة إزاء حقوق الإنسان، منها أفعال وممارسات قد ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ينبغي محاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. لا سيما أن تلك الانتهاكات التي ترتكب في اليمن تعد من الانتهاكات الستة الخطيرة التي حددها مجلس الأمن الوطني، التي ينبغي تقديم مرتكبيها للمحاكمة وضمان محاسبتهم، وهي: قتل الأطفال وتشويههم، وتجنيد الأطفال أو استخدامهم جنود، والاغتصاب وغيره من الانتهاكات الجنسية الخطيرة التي يتعرض لها الأطفال، ومهاجمة المدارس أو المستشفيات، وقطع سبيل المساعدات الإنسانية عن الأطفال، واختطاف الأطفال.

بكل تأكيد، لا يجب أن تكتفي أجهزة الأمم المتحدة بالتنديد بالانتهاكات الواسعة النطاق التي ترتكبها أطراف الصراع اليمني، تحديدا التحالف العربي بقيادة السعودية، ولا يجب التلويح بأدراج التحالف العربي على اللائحة السوداء للمنظمات والدول التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، لان تأثير مثل هذا الإجراء قد لا يتجاوز البعد السياسي لهذه الانتهاكات في أحسن الأحوال إلا إذا اتخذت إجراءات جدية من مجلس الأمن الدولي المخول بفرض العقوبات. بل هنـاك حاجـة ملحـة لإجراء تحقيقات مستقلة وذات مصداقية لمحاسبة الجناة وتأمين التعويض للضحايا المدنيين ومنهم الأطفال.

وخلاصة القول:

1. يجب على الأطراف المتحاربة أن تلتزم بما جاء في الإعلانات والمواثيق والبروتوكولات الدولية من حظر مهاجمة الأهداف المدنية، سواء كانت أشخاصا أو أموالا، كما يحظر عليها تصويب الأسلحة نحو المدنيين، وخاصة الأطفال كإلقاء القنابل من الطائرات مهما كانت درجة إتقـان التصـويب، ولاسيما على الأهداف العسكريـة التي تقع وسـط تجمعـات سكانية، ويحظر عليها توجيه هجمات حربية في أماكن تجمع بين الأهداف العسكرية والمدنية، إذا كانت نتائج الحرب تخلف ضحايا من السكان المدنيين.

2. إن وجود نظام دولي فعّال للمساءلة الجنائية عن انتهاكات حقوق الإنسان في زمن الحرب، يعد من أقوى الضمانات التي تكفل احترام هذه الحقوق، عن طريق تتبع الجرائم الدولية ومحاكمة مرتكبيها والمعاقبة عليها. فكثيراً ما ارتكبت جرائم حرب وإبادة جماعية في حق المدنيين، خاصة الأطفال والنساء، وذلك أثناء النزاعات المسلحة، دون أن يخضع مرتكبوها إلى المحاسبة الجنائية.

3. أضحى من المؤكد، وكما تشير العديد من تقارير المنظمة الدولية والمنظمات الإنسانية ذات الصلة، أن التحالف السعودي يتحمل المسؤولية الأولى عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ومنها تلك الجرائم التي تتعلق بقتل الأطفال وإبادتهم وتشويهم عن قصد وعمد.

4. ينبغي أن تكون إجراءات المنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي بشأن اليمن إجراءات فعالة ومنصفة؛ ولا تخضع للحسابات السياسة والمالية على حساب فظاعة تلك الجرائم، وألا تقتصر الإجراءات على إدراج المتورطين بقتل أطفال اليمن في القائمة السوداء، بل يجب أن يحاسبوا في محاكم دولية على ما ارتكبوه من جرائم بحق أطفال اليمن.

5. حث كافة المنظمات وهيئات ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة الاستمرار في متابعة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان من خلال دعم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وتشجيعه على رصد توثيق كافة جرائم والانتهاكات التي ترتكب في اليمن.

.....................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2018

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

اضف تعليق