تعريف الحقوق الاقتصادية في الإسلام بانها مجموعة من الحقوق المادية والمعنوية التي أقرها الإسلام للمسلمين لتنظيم أمورهم، واشباع حاجاتهم، بهدف الوصول إلى مستوى معيشي كريم، وذلك من خلال التوظيف الكامل للموارد البشرية والطبيعية، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروات بما يحقق للفرد الحياة الكريمة الرغدة...
أقر المجتمع الدولي طائفة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهي حقوق مكفولة لكل شخص بوصفه طرفا في المجتمع، وهي حقوق ضرورية لصون كرامة الإنسان وتطور شخصيته. وتتضمن عدة حقوق فرعية منها الحق في الغذاء الكافي، وفي السكن اللائق، وفي التعليم، وفي الصحة، وفي الضمان الاجتماعي، وفي المشاركة في الحياة الثقافية، وفي الحصول على المياه وخدمات، وتلتزم كل دولة بالعمل على توفيرها بفضل المجهود الوطني والتعاون الدولي، وبحسب الإمكانات المتاحة في كل دولة.
فهل أقر الإسلام حقوقا اقتصادية للإنسان؟ وماهي الحقوق الاقتصادية التي نص عليها الإسلام وضمنها للمسلمين وللمواطنين الذين يعيشون في ظل حكومته؟ وكيف يتسنى للمسلمين أن يحصلوا على حقوقهم الاقتصادية ويتمتعوا بها كونها حق من حقوقهم الإنسانية؟ وماهي الأدوات التي تقوم بها الحكومة الإسلامية لحماية تلك الحقوق والمحافظة عليها من التعدي والعبث؟ وماذا يمكن أن يفعل المسلمون لو انتهكت تلك الحقوق، سواء من طرف الدول أو السلطات الوطنية أو من طرف أشخاص وجماعات أخرى لها سطوة في المجتمع؟
يتناول الاقتصاد الإسلامي كغيره من الاقتصاديات الأنشطة الاقتصادية والتبادلات التجارية المتنوعة التي يمكن أن يقوم بها الإنسان لإشباع احتياجاته، فهو يعنى بدراسة النشاط الاقتصادي من حيث الاستهلاك والإنتاج والتوزيع والتبادل، وما ينشأ عن هذا النشاط من ظواهر وعلاقات مختلفة. ولكن ما يميز الاقتصاد الإسلامي عن غيره هو أنه يستند للشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة، فيقرر ما أحله الله ورسوله (ما يجب أن يكون) وينافي ما سواء ذلك (ما لا يجب أن يكون).
يقوم النظام الاقتصادي في الإسلام كجزء لا يتجزأ من النظام الإسلامي على مجموعة من المبادئ والقواعد الإسلامية الحاكمة على سلوك الإنسان ونشاطه التجاري، ومن بين تلك القواعد الأساسية هي قاعدة "الخلافة" وقاعدة "التسخير أو التمكين" وقاعدة "العمارة" وقاعدة " القدرات والمهارات" وعلى أساس تلك القواعد الكونية الإسلامية تنمو قاعدة "المسؤولية" كما تنمو قاعدة "الحقوق" لاسيما الحقوق الاقتصادية.
فقد جعل الله للإنسان في الأرض مكانة مرموقة من بين مخلوقاته، وهو خليفة الله في الأرض، خلقه ليعمرها وليقيم الحياة فيها، ومن أجل القيام بواجب الخلافة أعطاه قدرات عقلية وخلقية أخرى، العقل واللسان، والسمع والبصر، ثم سخر الله الكون كله من ماء وهواء، ويابس ونبات، وشجر وحيوان، وعلمه للاستفادة من كل هذا الكون بأفضل ما يكون لاستعمار الأرض وبناءها.
ذلك كله في إطار من القيم والأخلاق الإسلامية، والسلوكيات الحسنة والتي تتفاعل مع بعضها البعض فتولد توازنا دائما بين الفرد والمجتمع من حيث مصالح كل منهما ونشاطه، والنتيجة هي إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية بأفضل شكل ممكن، وتحقيق رقى الإنسان في كافة ميادين الحياة والمحافظة على ذاتيته وكرامته.
وعلى هذا الأساس، يمكن تعريف الحقوق الاقتصادية في الإسلام بانها مجموعة من الحقوق المادية والمعنوية التي أقرها الإسلام للمسلمين لتنظيم أمورهم، واشباع حاجاتهم، بهدف الوصول إلى مستوى معيشي كريم، وذلك من خلال التوظيف الكامل للموارد البشرية والطبيعية، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروات بما يحقق للفرد الحياة الكريمة الرغدة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة. وذلك اعتمادا على العديد من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة الشريفة، مثل قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).
حيث إن الإسلام قد اعترف بالحرية الاقتصادية للإنسان، ولكنه وضع قيودا عليها فلم يطلقها إطلاقة الرأسمالية، ولم يمنعها كما فعلت الاشتراكية، بل جعل منها حرية منضبطة مقيدة بحدود الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقق مصالح البشر في الدنيا والآخرة، فالفرد له حرية الاستهلاك والإنتاج والاستثمار إذ التزم في ذلك بالضوابط والأحكام الشرعية، وبهذا تغدو الحرية الاقتصادية منضبطة على نحو تتحقق معها مصلحة الفرد والمجتمع.
وفي إطار الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاقتصادية التي أوجدها الاقتصاد الإسلامي، يتعين على المسلم الالتزام بالقيم الإيمانية عند ممارسة النشاط الاقتصادي، كالتقوى والخشية من المحاسبة أمام الله، وهذا يحقق نوعا من تميز الاقتصاد الإسلامي على ما عداه من النظم الاقتصادية الأخرى مثل الرقابة الذاتية والإيمان الكامل باليوم الآخر والمحاسبة أمام الله عز وجل عن كسبة وإنفاقه. وكذلك يتعين على المسلم الالتزام بالقيم الأخلاقية في المعاملات الاقتصادية، كالأمانة والصدق، والسماحة في المعاملات، والاعتدال، والقناعة في الربح، والتيسير على المعسر، والتصدق على المفلس، والتعاون على البر، والالتزام بروح الأخوة والإيثار وغيرها.
يرى المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي أن من مميزات النظام الاقتصادي الإسلامي هي (الاستقلال، والاكتفاء الذاتي، ونفي الفقر والحرمان، وحرية رؤوس الأموال، وحرية التجارة والصناعة وما أشبه، وعدم الضرائب غير المشروعة، وعدم الجمارك والمكوس، وقلة الموظفين، والقضاء على البطالة، ورعاية البساطة في الأمور وخاصة لدى الحكومة والحاكم، وتوفير الحاجات الأساسية وأمانة بيت المال، وزهد الحكام، وتزهيد الناس في الجرائم، وترغيبهم في الخير، وحرمة أكل أموال الناس بالباطل، وحرمة السرقة، وحرمة الاحتكار في الجملة، وحرمة الغش، وغيرها).
لقد أوجب الإسلام على الحاكم الإسلامي، وألزمه، بتوفير الفيء، ونفي الحرمان، ومكافحة الجهل، وفرض التعليم، واحترام أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، وحفظها من أي تصرف أو تدخل من قبل أي أحد مهما أوتي من سلطة وقدرة، فمن قتل إنساناً واحداً بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أكل شيئاً من مال اليتيم، فإنما أدخل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً. فقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وهو يبين حقوق الشعب على الحكومة والحاكم، وحقوق الحاكم والحكومة على الشعب: (أيها الناس إن لي عليكم حقاً، ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا...).
كذلك أوجب الدين الإسلامي احترام حق العامل والعمل، حيث قال في حق الأول: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، وقال في حق الثاني (العمل): (رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه)، وهو ما يستلزم عناية المسلمين في تطوير الصناعات، وترميم سائر المهام الاقتصادية، وسد كافة الحاجات الإنسانية. بل قد أوجب الشارع المقدس على الحاكم الإسلامي تسديد ديون المغرمين المثقلين، وجعله مسؤولاً عن ديون الناس إذا لم يقدروا على الأداء، حيث روى أبو عبد الله (ع) عن جده رسول الله (ص) أنه قال: (من ترك ديْناً أو ضياعاً فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته) وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (من مات وترك ديْناً فعلينا ديْنه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً فلورثته).
نخلص مما تقدم أن للإنسان في الإسلام مجموعة من الحقوق الاقتصادية التي يتعين على الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي توفيرها، وهذه الحقوق مبنية على أسس منها:
1- إن الإسلام يرى أن المال لله سبحانه، وإنما أعطاه للإنسان برسم الأمانة، ليمتحن الإنسان، هل يعمل صالحاً أم لا؟ وفي القرآن الحكيم والسنة المطهرة آيات وروايات متواترة بهذا الشأن، قال سبحانه وتعالى: (ولله خزائن السماوات والأرض) وقال تعالى: (أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وقال: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض).
2- إن الأصل في المعاملات الاقتصادية الحل إلا ما نص الشرع على تحريمه مثل الربا بكافة صوره والاحتكار والغش والغرر والرشوة، وكل معاملة تؤدي إلى أكل أموال الغير ظلما وعدوانا واستحلالها بدون وجه حق.
3- إن العمل الصالح المتقن وسيلة الكسب المادي وغايته التقوية على عبادة الله، فالمادة وسيلة بناء الجسد، والعبادة لتغذية الروح، ويلزم على الفرد أن يوازن بينهما بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
4- إن حماية الملكية الخاصة المكونة بالحق والمقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وأدائها لحقوق المجتمع هي مسؤولة الحكومة الإسلامية وهي التي تتكفل ضمانها واستمرارها، ولا تسمح للآخرين الاعتداء عليها او الانتقاص منها.
5- إن المعاملات الاقتصادية هي علاقات تعاقدية تخضع لشروط العقد وأحكامه بصفة عامة والبيوع بصفة خاصة، ومن ثم يجب توثيقها بالكتابة والتسجيل أو غيرهما، ولقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ".
.....................................
اضف تعليق