يشمل العنف الانتخابي عدة أعمال، مثل اغتيال المعارضين أو اشتباكات أنصار الجماعات المتنافسة فيما بينهم بالأيدي تلقائياً، وتهديد وإكراه وتخويف المعارضين أو الناخبين أو المسئولين عن الانتخابات. ويمكن لأعمال العنف أن تكون موجهة ضد الأشخاص أو الممتلكات، مثل استهداف المجتمعات أو المرشحين أو تخريب مواد الحملات...

يرى المختصون في الشؤون الانتخابية أن الانتخابات إما أن تسهم في إحلال السلم، وإما أن تكون عاملا محفزاً لنشوب النزاعات؛ حيث تؤثر طريقة تصميم العملية الانتخابية وإدارتها وتنفيذها تأثيراً بالغاً في العنف الانتخابي. فالانتخابات التي تعتبر حرة ونزيهة وشفافة تكون أقل عرضة لأن تشهد عنفاً انتخابياً مقارنة بتلك الانتخابات التي تسودها ادعاءات بسوء الإدارة أو اقتراف غش متعمد.

فما هو تأثير الانتخابات النزيهة والعادلة في الوصول السلمي إلى السلطة والحكم، وفي إدارة الاختلافات الاجتماعية، هذا من جهة؟ وما هو تأثير الانتخابات غير النزيهة وغير العادلة في الوصول غير السلمي إلى السلطة والحكم، وفي تأجيج الاختلافات والصراعات والنزاعات، هذا من جهة ثانية؟

يمكن تعريف الانتخاب بأنه اختيار شخص من بين عدد من المرشحين ليكون نائباً يُمَثِّل الجماعة الـتي ينتمـي إليها، وكثيراً مـا يطلـق علـى الانتخـاب أسـم (اقـتراع) أي الاقـتراع علـى اسـم معـين، ويعـد الانتخـاب حقـاً عامـاً للمـواطنين ولـيس لسـلطة مـن السـلطات أن تحـرم المـواطن مـن ممارسـته مـا دام مسـتوفياً شـروط السـن والعقـل واعتبارات الشرف "ليس مجرمـا محكومـاً عليـه"، فضـلاً عـن شـرط الجنسـية.

فلقد شهدت العقود الأخيرة تنامياً مطرداً في الاعتماد على العمليات الانتخابية باعتبارها السبيل الرئيسي لإضفاء الشرعية على نظام الحكم على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية. وفي الوقت الحاضر، غدت معظم الحكومات في العالم تكتسب شرعيتها من خلال العمليات الانتخابية.

فعندما تلبي الانتخابات المعايير العالمية للنزاهة والكفاءة المهنية الإدارية واحترام حقوق الإنسان، فإنها تضمن الدعم الشعبي وتضفي الشرعية على الحكومات القائمة والمنتخبة على حد سواء. وعندما يُتاح للناس فرصة المشاركة بحرية في الحياة العامة واختيار قادتهم من خلال عملية انتخابية حرة ومفتوحة، فإنهم يصبحون أقل عرضة للشعور بحاجة للجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم أو لإسماع أصواتهم.

ومع ذلك، ولأن العمليات الانتخابية تدور أساساً، في الوقت نفسه، حول بلوغ السلطة السياسية، وغالباً ضمن سياقات تشهد رهانات مرتفعة، فيمكن لهذه العمليات في بعض الأحيان أن تكون حافزاً لنشوب النزاع أو مُسرعاً له. وتُظهر التجربة أن المنافسات الانتخابية يمكن أن تُصعِّد حدة التوترات الاجتماعية وأن تثير أعمال العنف، ولاسيما عندما لا يُنظر إلى العملية الانتخابية ذاتها بوصفها حرة ونزيهة أو حيثما لا يتورع أولئك الساعون للاحتفاظ بالسلطة السياسية أو بلوغها عن اللجوء إلى تدابير استثنائية، ومن ضمنها استخدام القوة، لتحقيق الفوز.

ويكون نشوب العنف أرجح ما يكون في الحالات التي تنطوي على "أسباب جذرية" أخرى للنزاع، مثل الإقصاء أو عدم المساواة أو وجود تاريخ من التوترات العرقية. وتكون احتمالية اندلاع العنف خلال العمليات الانتخابية مرتفعةً بوجه خاص في البلدان الخارجة من الحرب الأهلية. وقد شهدت السنوات الأخيرة، من أفغانستان إلى زمبابوي، اقتران العنف السياسي بالعمليات الانتخابية قبل يوم أو أيام الاقتراع الفعلية وأثناءها وبعدها. إن الانتخابات في حد ذاتها لا تتسبب في العنف، ولكن عملية التنافس على السلطة السياسية هي غالباً ما يفاقم التوترات القائمة ويحفز تصعيدها إلى أعمال عنف.

يمكن تعريف العنف المتصل بالانتخابات بأنه: أعمال الإكراه أو التخويف أو إلحاق الأذى الجسدي أو التهديد بذلك والتي ترتكب بغية التأثير على العملية الانتخابية أو التي تنشأ في سياق التنافس الانتخابي. وعند ارتكاب هذه الأعمال أو التهديدات بهدف التأثير في العملية الانتخابية، فقد يوظف العنف للتأثير في مسار العملية الانتخابية، مثل الجهود الرامية إلى تأخير الاقتراع أو تعطيله أو تحييده عن مساره أو للتأثير في نتائجها مثل تحديد الفائزين في السباق الانتخابي الذي يتسم بشدة التنافس على شغل منصب سياسي أو تأمين الموافقة أو عدم الموافقة على قضايا الاستفتاءات.

يشمل العنف الانتخابي عدة أعمال، مثل اغتيال المعارضين أو اشتباكات أنصار الجماعات المتنافسة فيما بينهم بالأيدي تلقائياً، وتهديد وإكراه وتخويف المعارضين أو الناخبين أو المسئولين عن الانتخابات. ويمكن لأعمال العنف أن تكون موجهة ضد الأشخاص أو الممتلكات، مثل استهداف المجتمعات أو المرشحين أو تخريب مواد الحملات الانتخابية ومركباتها ومكاتبها عمداً أو إتلاف صناديق الاقتراع.

وثمة عامل محوري كثيراً ما يُشار إليه في إثارة العنف الانتخابي، وهو دور ما يُسمى بـ"المزايدين بالقضايا العرقية" وهو الدور الذي يلعبه قادة سياسيون يؤمنون بروابط القربى والمصير المشترك ويعبئون الجماعات وينظمونها للضغط من أجل الحصول على مطالباتها. وقد يُنظر أولئك المزايدين بالقضايا العرقية بصفة حميدة على أنهم "مُجمِّعو مصالح" يؤدون مهمة تمثيلية أساسية، أو قد يُنظر إليهم كمتلاعبين واستغلاليين ساعين للحصول على السلطة ويعملون على تعبئة القضايا العرقية خدمةً لمطامعهم الفردية في توسيع نطاق سلطتهم. وقد تكون للتدخلات الإقليمية والدولية في الانتخابات لمصلحة هذا الناخب أو ذاك، هذه الكتلة أو تلك مصدرا للصراع السياسي.

من منظور السياسة الديمقراطية، قد يؤثر العنف وانعدام الأمن في نتائج الانتخابات أو نواتجها بطرق مختلفة. فقد يُستخدم التهديد والتخويف للتدخل في عملية تسجيل الناخبين. وقد تتأثر نسبة إقبال الناخبين إذا ما أحجمت شرائح كبيرة من السكان عن الإدلاء بأصواتهم خوفاً من العنف. كما إن الاعتداءات والتهديدات والاغتيالات السياسية التي تقع إبان الحملة الانتخابية قد تُجبر المتنافسين السياسيين على ترك العملية الانتخابية أو تحول دون انعقاد الانتخابات.

أما من منظور إدارة النزاعات، فقد يكون للعنف أثر سلبي من خلال استقطاب الناخبين حول خطوط المجابهة مما يؤدي في الحالات القصوى إلى تفجر العنف من جديد. وفي حالات انعدام الامن، غالباً ما تكون النداءات الداعية لفرض القانون والنظام بالقوة بديلا مغرياً أكثر من الدعوات الرامية إلى عقد المصالحة.

ولما تقدم، ولكي يمكن التقليل من تأثير العنف، قبل العملية الانتخابية أو بعدها، فان هناك مجموعة من النصائح ينبغي الأخذ بها وهي:

1- ضرورة وجود قانون انتخابي عادل وفعال: حيث تستند نزاهة عملية إدارة الانتخابات، بشكل رئيسي، على القانون الانتخابي الذي ينظم عملية الانتخابات في مراحلها المختلفة، ويتيح لكل أطراف العملية الانتخابية من ناخبين ومرشحين ومشرفين، الوقوف على الكيفية التي يتم من خلالها إدارة الانتخابات والإعلان عن نتائجها.

2- ضرورة وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة: حيث إن وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة يعتبر عاملاً مهما وأساسيا من أجل ضمان حرية ونزاهة الانتخابات، ويشكل الضمانة لجميع المـواطنين للاعتـراض على أية خروقات قد تواكب الانتخابات، وينبغي أن تكون السلطة القضائية بمعزل عن أي تأثيرات من أي جهة رسمية أو غير رسمية تشارك في الانتخابات.

3- إجراء الانتخابات الدورية: وتعني سمة الدورية تطبيق القواعد والإجراءات الانتخابية ذاتها –والمحددة مسبقاً– على جميع الناخبين والمرشحين بشكل دوري ومنتظم وغير متحيز لفئة أو جماعة معينة، ويستند هذا المبدأ إلى سمة رئيسية من سمات الديمقراطية وهي أن تقلد المناصب السياسية تُحدد زمنياً بفترات محددة،

4- تعزيز حرية الناخب: حيث لا بد أن يكون كل ناخب حرا في التـصويت للمرشح الذي يفضله أو لقائمة المرشحين التي يفضلها في أي انتخابـات لمنـصب عام، ولا يرغم على التصويت لمرشح معين أو لقائمة معينة.

5- ضمان الرقابة المجتمعية: أي مراقبة أداء الجهات والأفراد المعنيين بإدارة العملية الانتخابية للاطمئنان على أن كافة الإجراءات تسير وفق القانون، وأي لوائح منظمة لذلك، حتى يطمئن المجتمع المدني أن كافة العمليات تتم بـشكل صـحيح وغيـر منحاز.

6- الحد من التدخلات الخارجية: واحدة من أهم أسباب عدم نزاهة الانتخابات هي التدخلات الخارجية لمصلحة دول وجماعات وأحزاب لها مصالح وأهداف في وصول هذا المرشح أو ذاك، حيث ينبغي الحد من تدخلات الدول والمنظمات الأجنبية ومنع حصول الكتل والأحزاب والأشخاص على المال الخارجي، لان هذا التدخل من شانه أن يعقد العملية الانتخابية ويحرفها عن هدفها في التداول السلمي للسلطة وتحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي.

.............................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2018

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

اضف تعليق