اعتراض ومراقبة الاتصالات الاليكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بنحو غير قانوني أو تعسفي ومحاولة جمع المعلومات عن أصحابها تنتهك حق الخصوصي
ان حرية التعبير عن الرأي مصداق لأهم الحريات التي تفصح عن ذات الإنسان وشخصه وما يؤمن به، وهي من المبادئ الأساسية التي توضح مقدار إيمان القابضين على السلطة بحقوق الأفراد فان كانت في أفضل حالاتها فيعد هذا دليل على ديمقراطية نظام الحكم وان كان العكس فذلك يعني اتجاه الدولة نحو النظم الشمولية والدكتاتورية.
ويمثل العالم الافتراضي على مواقع الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي وسطاً خصباً لممارسة حرية لرأي والتعبير وأداة للاتصال والتواصل ونشر المعلومات أو تلقيها، وهو بحق أحد أهم وسائل وأدوات المجتمع المدني، بل يمكن للحكومة ان تستثمر هذه الفسحة لإحداث التغييرات الثقافية التي تستهدفها وتقضي من خلالها على السلوكيات السلبية في المجتمع، كما يمكن ان يستفيد منها الصحفي والإعلامي والمدافع عن حقوق الإنسان وتستثمر في مجال معارضة السياسات الحكومية غير المشروعة.
ويمكن الاستفادة من الفضاء السبراني في مجال مكافحة الفساد والقضاء على صور محددة من الجرائم، وفي الوقت الذي تطورت فيه هذه الوسائل ووصلت إلى ما هي عليه الآن نجد ان وسائل الرقابة والتضييق على حرية الرأي والتعبير الاليكترونية تطورت هي الأخرى وأخذت ابعاد خطيرة تمثلت بوسائل للتصنت أو التجسس وانتهاك الخصوصية والاعتداء على حرية الفرد بالتفكير أو التعبير أو الاتصال بالآخرين.
وتعرف حرية الرأي والتعبير على انها قدرة الشخص على التفكير وأن يقول ما يفكر به دون أي تضييق عليه، وتتمثل هذه الحرية أيضاً في القدرة على تقصي الأخبار والمعلومات وتلقيها ونشرها باي وسيلة دون التقييد بحدود الدولة الجغرافية أو غيرها، بعبارة أخرى هي قدرة الفرد على التعبير عن أفكاره ومعتقداته بحرية تامة وبالوسيلة التي يختارها، ومن مظاهره حرية الرأي السبراني ما يأتي:
1- حرية الطباعة والنشر الإليكتروني.
2- حرية الإعلام والصحافة.
3- حرية الأعمال الفنية دون رقابة أو قيود.
4- حرية التجمع السلمي.
5- حرية التنظيم الاليكتروني (الأحزاب الاليكترونية).
فمما لا شك فيه أن الانترنيت والعالم الافتراضي يمثل قيمة كبيرة لضمان حرية الرأي والتعبير وهو عبارة عن مجتمع كبير متعدد الطوائف والأفكار وملتقى للجميع، غير ان الانترنيت الآمن بات يمثل تحدياً لحرية الرأي والتعبير فكما يوجد على الانترنيت أناس طيبين يتواجد المجرمين والمؤسسات الإجرامية وترتكب عشرات الجرائم من خلال الانترنيت كالترويج للفكر المتطرف أو تجنيد المرتزقة والإرهابيين والترويج للمخدرات والجنس وغيرها من الجرائم الخطيرة فالأمر لا يخلو من خطورة على نحو ما، وما تقدم يوجد للسلطة الحاكمة الذريعة لتحاول ان تتدخل بحجة قمع الإجرام ومنع الأضرار بالغير والمصالح العامة وبالتالي قد تمس حريات الأفراد تحت طائلة الرقابة الحكومية للوسائل الاليكترونية ما يدفعنا إلى القول بضرورة الموازنة بين ضرورات الرقابة لمنع الجريمة وحتمية توفير الحماية للحريات الشخصية اللصيقة بحق الإنسان في التعبير.
أولا/ الحق في الحصول على المعلومة
ويتصل بحرية التعبير عن الرأي بالوسائل السبرانية الحق في الحصول على المعلومة لاسيما تلك المعلومات التي تتعلق بحقوق المواطنين الأساسية والأموال العامة والتصرفات التي تجري عليها والتي بطبيعة الحال تتطلب الوضوح والشفافية في العمل وبخاصة ما له علاقة بالتحصيل والإنفاق كونها مملوكة وكأصل عام أموال الشعب حيث تنص المادة (27) من دستور العراق النافذ على ان للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب، ومن هذا المنطق القانوني المجرد نستطيع الجزم انه من الحقوق المؤكدة للشعب ان يعلم بجرائم الفساد والمفسدين ليتسنى محاسبتهم شعبياً فهم قد خانوا ثقة الشعب التي أودعت بهم، وما تقدم لا يتحقق بلا إطلاع الرأي العام بكل الوسائل على كل ما يتعلق بعمل السلطات العامة وبدون ذلك ستبقى التصرفات الصادرة عنها مجرد أسرار لا يعلم بخفاياها إلا بعض الموظفين والمسؤولين الإداريين.
إذن نحن بحاجة إلى توافر ثلاثة عناصر (شخص عنده معلومة معينة وهو مستعد لإطلاع الرأي العام عليها، ووسط ناقل للمعلومة من الشخص الذي حصل عليها ليمكن الشعب من استقاءها، وقواعد قانونية تكفل ممارسة حرية الرأي والتعبير ونقل المعلومات إلى الغير بكل حرية وبلا قيود أو معرقلات))، بعبارة أخرى نحن بحاجة إلى (مصدر للمعلومة، ووسيلة نشر، حماية قانونية للمصدر والمتلقي) وبدون العناصر المتقدمة لن تتحقق الضمانة المرجوة للحق في الحصول على المعلومات بل ستبقى دائماً سرية، فيغيب دور المجتمع والشعب في التأثير في القرار السياسي والإداري والتشريعي ويحرم الشعب من ممارسة سلطته الرقابية على نوابه وممثليه والمتحكمين بأمواله.
ويذكر ان الحصول على المعلومة من مصادرها المختلفة حقاً كفلته الوثائق الدولية حيث ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة (19) (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دونما اعتبار للحدود)) وتم تأكيد الحقوق ذاتها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المادة (19)، أيضا ومما تجدر ملاحظته ان العراق ملتزم بما تقدم لمصادقته على العهد الدولي بوصفه اتفاقية دولية بموجب القانون رقم (193) لسنة 1970.
بيد ان ما يحصل ويتكرر في التطبيق العملي ان كثير من المواطنين ممن يتمكنوا من الحصول على معلومات محددة ولاسيما من الناشطين في ميدان الدفاع عن أسس المجتمع المدني ومن ثم يقوموا بإطلاع الرأي العام عليها يتصدى لهم بعض السياسيين لقمع الأصوات المناهضة الرامية إلى الإصلاح بشتى السبل ويستخدمون نفوذهم للتأثير عليهم وإسكات أصواتهم بل قد يصل الأمر إلى تصفيتهم جسدياً أو التهديد بذلك، ولربما لا أكون مبالغاً ان بعض السياسيين بات متربعاً على رأس جيش من الأتباع السبرانيين والذين تتلخص مهمتهم بالترويج له بشكل مباشر أو غير مباشر والتصدي للمناوئين بشتى الوسائل غير المشروعة بضمنها انتهاك خصوصيتهم عبر التجسس أو التلاعب بالمحتوى وهو ما يعرف اصطلاحاً بـ(التهكير).
ولاشك ان اعتراض ومراقبة الاتصالات الاليكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بنحو غير قانوني أو تعسفي ومحاولة جمع المعلومات عن أصحابها تنتهك حق الخصوصية الذي كفله الدستور العراقي بالمادة السابعة عشر، ويعد هذا السلوك منافياً لحرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة بل يتنافى مع أسس ومبادئ المجتمع الديمقراطي فالحق في الخصوصية بموجبه ينبغي ان لا يتعرض الشخص للتدخل التعسفي في شؤونه الخاصة أو في شؤون أسرته وبيته ومراسلاته وما يؤمن به أو يعتقده صحيحاً، ونخلص مما تقدم ان الرقابة الشعبية لا تقل شأناً عن أي سلوك رقابي فاعل إدارياً كان أم برلمانياً أم قضائياً متى تتمتع بشروط النزاهة والاستقلال والفاعلية والشفافية التامة.
والحماية القانونية الواجبة للمبلغين والناشطين على الوسط السبراني تستقى من حق الشعب في العلم بجميع التصرفات التي تجريها الهيئات العامة وهذا الحق يشمل بطبيعة الحال المعلومات والإحصائيات والبيانات التي تحتفظ بها الهيئات العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية بل وكل المؤسسات والأشخاص ذوي الصفة العمومية كالأحزاب، ولا يستثنى من الحق المتقدم إلا ما أوردته المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (أي ما يتعلق باحترام حقوق الغير وسمعتهم، وحماية الأمن الوطني، وما يتصل بالنظام العام والآداب العامة)، كما ينبغي عدم التوسع في تفسير هذه القيود المتقدمة أو إعمال القياس علي ما شاكلها خشية الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها على حساب المصلحة الشعبية العامة، كما يشترط في التقييد ليكون مشروع أن يراعي الآتي:
1- الهدف من التقييد: وهو تحقيق مصلحة مشروعة تتمثل بدفع ضرر فعلي واقع أو محتمل الوقوع فيما لو تم عرض بعض المعلومات الخطيرة بما من شأنه ان يمس بسلامة البلاد أو أمنها.
2- التناسب في التقييد: فالحظر والمنع ينبغي ان يتناسب مع الخطر أو الضرر الواقع أو المحتمل لا أكثر فالعصف بحرية التعبير ونقل المعلومات بحجة الأمن أو السيادة أو السلامة يقيم المسؤولية القانونية للهيئات التي تعسفت بسلطتها، ومن السوابق القضائية بهذا الخصوص حكم المحكمة العليا الألمانية في نيسان 2016 ضد القانون المسمى (bka. Gesetz) الذي منح الشرطة الاتحادية إمكانية مراقبة وسائل الاتصال فقالت المحكمة ان القانون لا يحدد الضمانات الكافية للتوازن أو التناسب بين حقوق الأفراد في الخصوصية والتعبير عن الرأي ومصلحة الدولة في ملاحقة الجرائم المحتملة وان منح الشرطة إمكانية تسجيل المكالمات والصور والتنصت والتفتيش للحواسيب عن بعد لا تتضمن قيوداً كافية تمكن القضاء من التأكد ان تلك الإجراءات مبررة ومتناسبة.
3- المشروعية في التقييد: أي ان تكون القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير ونقل المعلومات مصاغة بقواعد قانونية واضحة ومحددة وغير فضفاضة وتخضع لرقابة القضاء المستقل للتأكد من موضوعيتها.
ونؤكد أهمية توفير ضمانة للناشطين في الاحتفاظ بسرية مصدر المعلومات اسوة بالصحفيين الذين ينص قانون حمايتهم رقم (21) لسنة 2011 في المادة (4) على أنه (أولاً/للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحضورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون.
ثانياً/ للصحفي حق الاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته
وسندنا في هذه المطالبة ما أوردته معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 التي صادق عليها العراق بالقانون رقم (35) لسنة 2007 في المادة (10) والتي تلزم جميع الأطراف بالاتي ((ابلاغ الناس:
تتخذ كل دولة طرف وفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها عند الاقتضاء ويجوز ان تشمل التدابير ما يلي:
أ- اعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على المعلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها وعن القرارات والصكوك التي تهم عامة الناس، مع ايلاء المراعاة الواجبة لصون حرياتهم وبياناتهم الشخصية.
ب- تبسيط الإجراءات الإدارية عند الاقتضاء من أجل تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات.
ج- نشر معلومات يمكن ان تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إدارتها العمومية)).
كما ان البرلمان العراقي أصدر القانون رقم (58) لسنة 2017 المتعلق بحماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجنى عليهم والذي نص في المادة الأولى في البند الثالث على أن (المخبر هو الشخص الذي يبلغ عن حادثة أو جريمة وقعت أمامه أو علم بوقوعها ارتكبها شخص أو أكثر) والبند الثالث من المادة التاسعة ينص على (يكافأ المخبر عن أوكار الإرهاب والفساد و....والضالعين بهذه الأعمال والأشخاص المطلوبين...)، والنص المتقدم يحتم أن يكون الإخبار للسلطات العامة المختصة أي الجهات القضائية ذات الصلة، ولكن لا يوجد ما يمنع إن كان المخبر لم يحصل على وثائق تدين المتهمين من ان ينشر المعلومات التي تلقاها فيما يخص الفساد والفاسدين ليتحرك الرأي العام ويراقب أداء الهيئات المتخصصة بمكافحة الفساد مثل (هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والبنك المركزي والمحاكم) في قيامها بمهامها الدستورية المتعلقة بمواجهة الفساد والمفسدين، ويعد تحريك الرقابة الشعبية اليكترونياً حقاً أصيلاً مشتقاً من الحق في المعرفة الشعبية وهي أداة من أدوات الحكم الديمقراطي فالمبلغ في مثل هذه الأحوال يعرف بأنه شخص يفشي بما لديه من معلومات يعتقد إلى حد معقول وقت إفشائها انها صادقة وتمثل تهديداً أو ضرر لمصلحة عامة معينة.
بيد إن حرية الرأي والتعبير السبرانية لا تخلو من المخاطر فالعديد من النصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل يجد بعض السياسيين والفاسدين ضالتهم بها لمطاردة المدونين والمعنيين بالبحث عن الفساد ومكامنه، ومن الأمثلة على المواد الجزائية التي قد تهدد الصحافة الاليكترونية الاستقصائية ما ورد بالمادة (81) التي تنص على أنه (مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجزائية بالنسبة إلى مؤلف الكتاب أو واضع الرسم إلى غير ذلك من طرق التعبير يعاقب رئيس تحرير الصحيفة بصفته فاعلاً للجرائم التي ترتكب بواسطة صحيفته واذا لم يكن ثمة رئيس تحرير يعاقب المحرر المسؤول عن القسم الذي حصل فيه النشر).
وتشير المادة (82) إلى إمكانية معاقبة من ينشر معلومة مصدرها من خارج حدود البلد أو لربما مصدرها مجهول وهو ما يخشى ان يقع به بعض الناشطون حيث تنص على أنه (إذا كانت الكتابة أو الرسم أو طرق التعبير الأخرى التي استعملت في ارتكاب الجريمة وضعت أو نشرت خارج البلاد أو لم يمكن معرفة مرتكب الجريمة عوقب المستورد والطابع بصفتهما فاعلين فان تعذر ذلك فالبائع والموزع والملصق..).
وهنالك العديد من النصوص التي تمكن بعض السياسيين من الاستفادة منها وملاحقة المدونين غير المحترفين ومنها ما ورد بالمادة (225) يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. وكذلك المادة (226) يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة (أي مجلس النواب) أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة، أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة، أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية. وأضافت المادة (430) إن القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه...وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف والمطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عد ذلك ظرفاً مشدداً.
ولا يقبل من القاذف إقامة الدليل على ما أسنده إلا إذا كان القذف موجه إلى موظف أو مكلف بخدمة عامة أو إلى شخص ذي صفة نيابية عامة أو كان يتولى عملا يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما أسنده القاذف متصلاً بوظيفة المقذوف فان أقام الدليل انتفت الجريمة.
.............................
اضف تعليق