إن قضية فلسطين من الناحية الإسلامية قضية أساسية وفريضة واجبة بالنسبة لكل المسلمين. وإلى جانب قضية فلسطين، يمتاز بيت المقدس أيضاً بأهمية كبرى. حيث تحاك اليوم مؤامرات ملونة عديدة من قبل الصهاينة لاغتصاب وابتلاع هذه المدينة المقدسة ومحو آثارها الإسلامية. لاسيما اعتراف أمريكا بان القدس عاصمة لإسرائيل.
إن القدس من أكبر المدن الفلسطينية من حيث المساحة وتعدد السكان، والأهم دينيا واقتصاديا، وهي من المدن الفلسطينية التي تشهد صراعا مستمرا بين المسلمين والمسحيين من جهة، واليهود من جهة أخرى. فهي عند اليهود عاصمة إسرائيل، بينما هي عند المسلمين والعرب عاصمة فلسطين المستقبلية.
والسؤال هنا، ما هي علاقة المسلمين والعرب بفلسطين عامة والقدس خاصة؟ وماهي علاقة اليهود بفلسطين والقدس؟ ومن الأسبق على أرض فلسطين العرب أم اليهود؟ وماهي حقوق المسلمين في القدس؟ وكيف فقد المسلمون والعرب هذه المدينة المقدسة؟ وماذا ينبغي عليهم لكي يعيدوا فلسطين والقدس إلى أحضانهم، كما كانوا من ذي قبل؟
يذكر المؤرخون أن الكنعانيين هم أول من سكن فلسطين، وذلك قبل الميلاد بستة آلاف سنة، وهم قبيلة عربية قدمت إلى فلسطين من الجزيرة العربية، وسُميت بـ "فلسطين" بعد قدومهم إليها. وأما اليهود، فكان أول دخولهم إلى فلسطين بعد دخول إبراهيم عليه السلام، بما يقارب ستمائة عام، أي أنهم دخلوها قبل الميلاد بحوالي ألف وأربعمائة عام، فيكون الكنعانيون قد دخلوا فلسطين وقطنوها قبل أن يدخلها اليهود بما يقارب أربعة آلاف وخمسمائة عام.
إن القُدْس مدينة لها قداستها لليهود والمسيحيين والمسلمين، أي للدّيانات السماويّة الثلاث على حد سواء، فكما اليهود يقدّسون القدس لأنها أرض داود وسليمان عليه السلام يفعل المسلمون كذلك، وكما يقدّس المسيحيون القدس لأنها أرض المسيح يفعل المسلمون كذلك.
تعود أهمية القدس عند اليهود، بعد فتح الملك داود عليه السلام وجعلها عاصمة مملكته، وذلك منذ عام 1000 ق.م، ثمّ قيام ابنه الملك سليمان عليه السلام ببناء الهيكل. ومن الآثار التي يعتبرها اليهود خاصّة بهم حائط البراق الّذي سمّوه حائط المبكى؛ حيث يقفون قربه ويبكون.
ويقول اليهود: إنَّ بعض الفترات التَّاريخيَّة التي حكم فيها بنو إسرائيل واليهود فلسطين والقُدس، وخصوصًا في عهد نبيَّيْ اللهِ تعالى داوود وسُليمان "عليهما السَّلام"، تمنح اليهود اليوم أحقيَّة المُطالبة بفلسطين واحتلال القُدس، وهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثَّالث المزعوم محلَّه، وحتى الآن يتخذ اليهود ذريعة البحث عن هذا الهيكل لهدم الكثير من المباني المهمة للتنقيب تحته. بينما تعود قدسية القدس عند المسيح إلى كون المسيح عليه السلام صلب على أحد تلالها المسمّاة «جلجثة» في عام 30 للميلاد. ومن الآثار المهمّة في الديانة المسيحيّة كنيسة القيامة والتي بنيت فوق صخرة الصلب الّتي صُلب عليها المسيح.
وتحظى القدس بأهمية كبرى عند المسلمين، حيث تعد المكان الأقدس بعد مكّة المكرمة والمدينة المنورة؛ فهي مسرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا يرتبط ذلك المكان بعقيدة كل مسلم، وقد سجل الله تعالى هذا بكتابه العزيز، فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).
وفي تفسير المبين: (إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) بيت المقدس في فلسطين، وسمي الأقصى لبعده عن مكة، وقيل لمن يكن وراءه مسجد آنذاك... (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الضمير للمسجد الأقصى، والبركة بما كان فيه وفي ضواحيه ونواحيه من أنبياء عليهم السَّلام. وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق، فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها ورده...
والقدس عند المسلمين هي أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم، نحو ما يزيد عن ستة عشر شهرا بإمامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: (الصلاة في بيت المقدس ألف صلاة. وهي ثالث الحرمين الشريفين، وهي مهبط الأنبياء والرسل، ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن بيت المقدس بنته الأنبياء، وعمرته الأنبياء، وما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبي وقام عليه ملك".
هذا فضلا عن أن القدس تضم معالم الحضارة الإسلامية كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة والجامع العمري وحائط البراق الذي أوقف النبي صلى الله عليه وسلم براقه عنده ليلة الإسراء، وفي القدس مقابر تضم في ثراها أعدادا كثيرة من الشهداء وأبطال المسلمين، وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية التي اهتمت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية والإسلامية وغيرها من العلوم.
وعلى الرغم من أهمية فلسطين والقدس عند المسلمين إلا أنهم لم يستطيعوا أن يحافظوا عليها، حيث تمكن اليهود والصهاينة من اغتصاب هذه الأرض المقدسة من أهلها الشرعيين، وشردوا ساكنيها من العرب والمسلمين في أوائل القرن الماضي، بعد ما عُرف بـ "وعد بالفور" في عام 1917، وهو الوعد الذي أشارت فيه الحكومة البريطانية إلى تأييدها بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
يرى الأمام السيد محمد الشيرازي أن أهم أسباب ضياع فلسطين من العرب والمسلمين واستعمارها من قبل البريطانيين ثم اليهود بعد ذلك. هي (الإدارة الفاسدة للدولة العثمانية وانشغالها عن الدفاع عن الأراضي الإسلامية التي كانت تحت سلطتها، وعدم اهتمام هذه السلطة بأسباب النهضة والقوة التي جعلت الأوروبيين يزحفون على أراضي الإسلام فيستعمرونها، ومن ثم يساعدون اليهود الصهاينة في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وتخلف المسلمين ككل وعدم أخذهم بأسباب القوة والحضارة؛ الأمر الذي جعل اليهود يتفوقون عليهم عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى جهل من كان يسكن في فلسطين من حكام ومواطنين، بمخططات هؤلاء اليهود الماكرين، الذين شجعوا الكثير من المزارعين على بيع أراضيهم لهم؛ فتمكنوا بذلك من شراء أملاك وأراضٍ كثيرة انطلقوا منها للسيطرة على الباقي).
أما لماذا لم تتحرر فلسطين لحد الآن، بعد نصف قرن من استعمارها؟ فالسيد المرجع يرى أن ذلك يرجع لعدة أسباب وهي (أولاً: إقصاء المسلمين عن المعركة بسبب الأفكار الاستعمارية التي بثها فيهم الاستعمار مثل القومية والجغرافية والقطرية والتي جعلت كل بلد أو منطقة لا تهتم بمشاكل المنطقة الأخرى. أما المسلمون العرب فإنهم لم يدخلوا المعركة بعد كشعوب بكل أبعادها ومفاهيمها، لأن حكامهم منعوهم من التدخل بالحديد والنار. والسبب المهم هو تخاذل الحكومات والأنظمة العربية الموزعة بين الخوف من أوروبا وأمريكا أو العمالة لهؤلاء).
لكن رغم كل ذلك فالمرجع الراحل السيد الشيرازي يرى بأن انتصار إسرائيل على العرب والمسلمين لن يكون أبدياً، لأن شعوب العالم ستعرف في نهاية المطاف من هم هؤلاء الأشرار الذين يعملون على خراب العالم، أما المسلمون فعليهم أن يتجهوا لحكم الإسلام وأن يتحرروا من التبعية السياسية والاقتصادية للغرب، وأن يبنوا لأنفسهم القوة الكافية للدخول في مواجهة مع هذا الكيان الغاصب، وسيكون النصر نصيبهم إذا هم أعدوا العدة الشاملة وسلكوا السنن الإلهية لتحقيق النصر.
وبناء على ذلك كله، يتضح أنه لا توجد في حياة المسلمين ولا في الآفاق الإسلامية اليوم قضية بأهمية وخطورة القضية الفلسطينية وقضية القدس، حيث تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين إلهي يريد أن يصلح العالم، وأن يرفع الظلم ويقيم العدل، واحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس، وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره.
وخلاصة ما تقدم يتبين ما يأتي:
1- إن فلسطين أرض عربية وإسلامية، وهي أرض محتلة مغتصبة مسروقة من أهلها وأصحابها الشرعيين. وقد صرح جميع علماء المسلمين -القدماء والمحدثين-أنه إذا احتل أعداء الإسلام جزءاً من الوطن الإسلامي فمن واجب الجميع أن يدافعوا عنه ليستعيدوا الأراضي المغتصبة. ولكلٍّ واجبه حيال قضية فلسطين كيفما استطاع.
2- إن تقادم الزمان لا يحوّل المسروق والمنهوب إلى ملك شرعي وقانوني للسارق والناهب، ولو اعترف به كل العالم. ولذلك فإن دولة إسرائيل كيان غاصب ومحتل وسارق وناهب، وأنجز كل ذلك بالإرهاب. هذا الكيان لا يجوز الاعتراف به ولا التسليم له ولا تقديم التنازلات له.
3- إن القدس هي قبلة المسلمين الأولى، وهي مدينة مقدسة عند جميع المسلمين، وهي مدينة مهددة بالاغتصاب من جهة، وبالحفر من جهة ثانية؛ وذلك بهدف إخراج المسجد الأقصى – قبلة المسلمين – عن شكله الإسلامي.
4- إن هناك ثمانية ملايين مسلم، بعضهم مشردون وبعضهم في الأراضي المحتلة؛ وضعهم أسوء من المشردين. ولا يجرؤون على التنقل بصورة طبيعية، ولا يسمح لهم بالتحدث بما يريدون، ولا يُسمح بأن يكون لهم نوابهم في إدارة بلادهم. ويُحال في أحيان كثيرة دون أدائهم صلاتهم ومناسكهم العبادية.
5- إن الشعب الفلسطيني هو شعب مظلوم من الناحية الإنسانية، وهو شعب ليس له القدرة على التأثير في أي شأن من شؤون بلاده ووطنه، وكلامه لا يقرأ ولا يسمع في أي مكان، وهو يحتاج إلى نصرة الشعوب الأخرى، لاسيما الشعوب الإسلامية.
6- تمثل إسرائيل من الناحية الأمنية خطراً أمنياً لا على شعبها فقط، بل على كل المنطقة. فهم يمتلكون ترسانة نووية ويواصلون الإنتاج! وهي دولة محمية بشكل كامل من طرف أمريكا. وقد صدر عن مجلس الأمن الدولي أكثر من ثلاثين قراراً ضد إسرائيل إلا أن أمريكا استخدمت الفيتو ضدها جميعاً.
وبناء على ذلك، فان على جميع المسلمين والعرب الدفاع عن عدم شرعية القرار الأمريكي بوضع القدس عاصمة لإسرائيل وعلى حق عودة اللاجئين. لا سيما التأكيد في المحافل الدولية على أن الناس العزّل الذين سلبت حقوقهم وباتوا تحت الاحتلال من حقهم الكفاح من أجل إحقاق حقوقهم. لذلك فإن استمرار الشعب الفلسطيني في الانتفاضة والمقاومة هو حقهم الشرعي الذي تحترمه القوانين الدولية.
.....................................
اضف تعليق