إن حرية التعبير عن الرأي ضمن الحريات الأساسية للإنسان، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير الذي يشمل حرية اعتناق الآراء، وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار، دون تدخل من السلطة العامة، ذلك ما تكفلت به الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويخطئ البعض عندما يظن أن حرية التعبير مطلقة، فلا يصح إستخدامها كأداة ترويجية للأفكار والآراء التي تدعو للتحريض والكراهية، ونشر الأفكار العنصرية أو إذاعة ونقل أنباء، تشكّل خطرًا على أمن وسلامة الدولة والأفراد.
لذلك نجد أن هنالك قيودًا على ممارسة الأفراد لحق التعبير عن الآراء، عندما يتعلق الأمر بالمساس بحقوق أو سمعة الآخرين أو بالأمن العام أو بالنظام العام أو بالصحة العامة أو بالأخلاق (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، ويجوز تقييدها لدرء المخاطر السلبية لاستخداماتها، حيث تتضمن بعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أحكامًا، تجيز للسلطات إخضاع حرية التعبير، لشكليات إجرائية وشروط وقيود وعقوبات محددة في القانون، حسب ما تقتضي الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي والأمن المجتمعي وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب العامة واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار أو تدعيم السلطة وحياد القضاء (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المادة العاشرة).
ولم يترك الأمر عبثيا، فقد أوجب العهد الدولي أن تحدد القيود المفروضة على حرية التعبير، بموجب نصوص قانونية على أن يتم تفعيلها في حالات الضرورة، لمدة محددة، وأن يتم رفعها وإبطالها في حال انتفاء الأسباب التي أوجبت فرض هذه القيود؛ الأمر الذي يحد من تعسف السلطة في عملية وضع القيود على حرية التعبير، ويجعلها ضمن إطار ديمقراطي.
كما تنص معظم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، ولا يجوز أن يوضع من القيود على هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية).
إن ممارسة الأفراد والجماعات لحقهم في التجمع السلمي تفسح أمامهم المجال للتعبير عن آرائهم، من خلال التداول في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية وغيرها، والتي تكون محط اهتمامهم، ومن هنا فإن الحق في التجمع السلمي الذي يمارسه الناس في الأماكن العامة أو الخاصة، هو ملازم لحق التعبير عن الرأي؛ وفي حالة تغييب السلطة السياسية لهذا الحق يتعذر سير وإنجاز الحملات والعمليات الديمقراطية للدول بصورة نزيهة.
ولوسائل الإعلام والصحافة دور مهم في تكوين الآراء، وتمكين الأفراد والجماعات من التعبير عن الرأي أو عدمه، ولهذا الدور الإعلامي والصحافي إرتباط أساسًي بمدى نزاهة وحياد مؤسستي الإعلام والصحافة وقدرتهم على أداء الدور الإيجابي في القضايا والأحداث أو سلبية العطاء، من حيث التعاطي الموضوعي معها أو تشويهها تماهيًا مع مصالح وسياسات الجهة التي تمتلكها، سواءً كانت دولة أو شركات أو أفراد أو أجندات سياسية خارجية أو داخلية.
فإن حياد ونزاهة هذه الوسائل الإعلامية والصحفية مرتبط بعدم احتكارها أو توجيهها من قبل الإمبراطوريات الإعلامية للسلطة أو الشركات أو أجندات خارجية، هدفها التحكم بالحياة الثقافية والأفكار السياسية للمواطنين.
وإن مصداقية وسائل الإعلام والصحافة مرتبط بالضرورة بالحرية الحوارية في مجتمع ديمقراطي يقوم على حرية الرأي والتعبير، فينبغي تمكين الإعلام والصحافة من أداء دورهما بكل حرية وحياد، كمنبر حر ومفتوح، يوفر فرصة التعبير عن الأفكار وتبادل الآراء وعرض وجهات النظر من خلاله بحيادية دونما تعصب أو أجندة للحوار بحسب القناعات الشخصية والمؤسساتية تعاطيا مع أجندات داخلية أو خارجية على المستويين الثقافي والسياسي.
اضف تعليق