يتعرض الشيعة في الجزائر لمضايقات من جانب السلطات حالهم كحال الأقليات الدينية بالعالم العربي، فضلًا عن اتهامهم بتلقيهم مئات آلاف الدولارات من سفارة إيران من الجزائر لبث ونشر الفكر الشيعي. يحاكي التقرير التالي أوضاع الشيعة الجزائريين الذين يعيشون داخل موطنهم الجزائر، وعن مُجمل الاتهامات التي تتهمهم بها السلطات الحكومية والتيارات الإسلامية بأن ولاءهم الأول لإيران.
75 ألفًا ينتشرون بالمدن الكبرى
يُقدر عدد الشيعة في الجزائر بنحو 75 ألف شيعي فقط، وينتشرون بمحافظة بسكرة، التي تضمُّ ضريح خالد بن سنان العبسي المتواجد بمدينة سيدي خالد التابعة للمحافظة، وكذلك بالمدن الكبرى كالعاصمة، ووهران، وقسنطينة وغيرها. وبدأ التواجد الفعلي للشيعة بالجزائر بشكل علني مع وقوع أحداث الثورة الإيرانية سنة 1979، التي ساهمت في ظهور هذه المجموعات علانية أمام المجتمع في الجزائر، خصوصًا في ظل التقارب السياسي بين الدولتين، والدعم السياسي الواضح لنظام الجزائر للثورة الإسلامية ويُتهم الشيعة في الجزائر بين جموع المواطنين بدعمهم من جانب إيران ماليًا وسياسيًا، خصوصًا مع بيانات التأييد والدعم من جانب هذه المجموعات حيال مواقف إيران السياسية.
يشرح الشيعي الجزائري الصادق سلايمية أوضاع الشيعة الجزائريين في مقابلة لموقع «الحرة»، ويقول: «السلطة الجزائرية في تعاملها مع الشيعة الجزائريين لم يبد منها أذى، حتى في علاقاتها مع بعض الدول ذات الغالبية الشيعية مثل العراق وإيران»، ويوضح أن مُشكلتهم الأكبر تكمن في الوهابية السلفية التي «عششت في كثير من الأحياء الشعبية وغرست أفكارها في عقول المواطنين البسطاء الذين لا يملكون خلفيات تاريخية ولا علم لهم حول الصراع التاريخي بين الشيعي والسني». بحسب ساسة بوست.
ويربط البعض كذلك بين تواجد مجموعات شيعية داخل الجزائر بوجود الأساتذة العراقيين واللبنانين الذين قدموا للتدريس بالجزائر سنوات السبعينيات والثمانينيات، وساهم تواجدهم بين مواطني الجزائر في ظهور موجة التشيع، والتعريف بذلك لمواطني المدن الكُبرى، وتُشير تقارير عديدة لدور السفارة السعودية بالجزائر نحو مُمارسة ضغوط كبيرة حيال المجموعات الشيعية المتواجدة في الجزائر من بوابة تقديم دعم مالي لجماعات سلفية للتحريض حيال المجموعات الشيعية، وإقامة مؤتمرات كُبرى تُشير لخطورة التشيع على المجتمع الجزائري، وضرورة التصدي لكافة أماكن العبادة الخاصة بهذه المجموعات، عبر نشر مطبوعات عليهم للتحذير منهم.
السلفييون في الجزائر.. يدُ السُلطة الباطشة على الشيعة!
ساهم تودد التيار السلفي للسلطة (السلفية العلمية) في الجزائر، عبر دعمه شرعيًا بفتاوى تُبارك سياساته، وتؤيد استمرار الرئيس الجزائري، وتحُذر من باب الخطر الأكبر حال تغييره، أو الانقلاب عليه، في تغول التيار السلفي داخل الجزائر، وإفساح المجال أمامه للسيطرة على المشهد الدعوي في البلد الأفريقية.
«وجوب طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه»، شكلت هذه المقولة القاعدة الأساسية لتغول التيار السلفي في الجزائر، بعدما طمأن السلطة بدعمها، وتأسست علاقة نفعية بينهما، تقوم بالأساس على استخدام السلطة الجزائرية للتيار السلفي العلمي ليكون يده الباطشة حيال المجموعات الشيعية عبر فتاوى مُحرضة دون أن تدخل السلطة معهم في مواجهة مُباشرة، وأيضًا تقويض نفوذ «السلفية الجهادية» و«السلفية الحركية» الممثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مقابل السماح لهذا التيار بالسيطرة على المنابر، ونشر دعوته داخل المدن الجزائرية دون قيود حقيقية على هذا التغول في المجال الدعوي، حتى وإن صدرت بعض التصريحات من جانب وزارة الأوقاف الرسمية تحذر من توغل هذا التيار، من باب المراوغة.
مواطن شيعي جزائري عن التشيع في موطنه
يتفق في هذا الأمر، الباحث في الإسلاميات والمستشار الإعلامي السابق بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، عدّة فلاحي، الذي يقول في تصريحات لموقع «أصوات مغاربية» أنّ: السلطة لا تريد أن تغضب السلفيين لأن هناك مقايضة مبنية على أن تسمح للتيار السلفي بالتحرك وفرض أيدلوجيته بالإكراه والتهديد مقابل تكريس قاعدة «وجوب طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه»، ويؤكد أن «هذا يتناقض مع التشريع الإسلامي القائم على حرية الاختيار وفق الشروط التي يحددها العقد الاجتماعي، وبالتالي موافقة السلطة على ذلك يجعل منها أول من يخرق الدستور».
وواظب التيار السلفي، عبر الشهور الأخيرة، على تنظيم حملة تحريضية حيال منتسبي الشيعة داخل الجزائر، بإطلاق فتاوى تُجرم عليهم ممارسة أي طقوس دينية، وأنهم يحملون أجندة خاصة مدعومة فكريًا وماليًا من إيران وسفارة طهران بالعاصمة الجزائرية، وإطلاق دعوات أشبه بالنفير العام لمواطني الجزائر بحصارهم داخل أماكن تواجدهم، ومطالبات للجهات الأمنية بالقبض عليهم، وقطع أي علاقة تجارية أو أمنية مع دولة إيران كونها «الراعي والممول الأساسي لشيعة الجزائر».
السلطة الجزائرية.. لا مواجهات مُباشرة معهم وعلاقات قوية مع إيران وسوريا
لا تدخل السلطات الجزائرية في مواجهة مُباشرة مع الشيعة الجزائرية عبر قمع أمني، أو تصفيتهم داخل أماكن انتشارهم، بل تترك هذه المهمة لحلفائها كالتيار السلفي الدعوي، وغيره، الذي يمارس هذا الأمر عبر دعاوى وفتاوى تحريضية حيالهم. استراتيجية السلطات الجزائرية في عدم المواجهة بشكل حاسم ترتبط بالعلاقات والمصالح السياسية التي تربطها بأكبر دولتين في المنطقة معروفتان بدعمهم للشيعة وهما إيران وسوريا، والتوافق بينهما في أغلب القضايا الإقليمية، والنزاعات الإقليمية، ووقوف الجزائر إلى جانب محور الممانعة الذي يشمل دمشق وطهران.
وتتماثل مواقف كل من الجزائر وإيران حول العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، كالحرب في سوريا والحرب على اليمن، وكذا القضية الفلسطينية، والصراع الخليجي مؤخرًا بدعم الموقف القطري – وإن سلبيًا – حيال مواقف الدول الأربع. وتنحصر مسألة المواجهة المباشرة بين السلطات الجزائرية والشيعة في مواجهات محدودة كالقبض على ستة أشخاص بمنزل بمحافظة المسيلة، جنوب البلاد، بعدما أعلنت السلطات أنهم كانوا بصدد ممارسة طقوس شيعية دون ترخيص، وأوردت تحريات الجهات الشرطية أنهم «يمارسون التعبد على الطريقة الشيعية ويحضرون لأداء صلاة الجمعة على طريقتهم داخل منزل».
وتزامن القبض على هذه المجموعة ضمن حملة أمنية موسعة من جانب مصالح الشرطة بالجزائر، حيال المجموعات الدينية التي تمارس التعبد على الطريقة الشيعية، في عديد محافظات البلاد منذ شهور، بعدما ارتفعت العديد من الأصوات الناقدة لعدم تحرك السلطات حيال هذه المجموعات.
وصادق البرلمان الجزائري على قانون ممارسة الشعائر الدينية في 2006، والذي أكد على أن «إنشاء أماكن للعبادة دون رخصة من السلطات المختصة»، وهو ما يندرج على وضع الشيعة داخل الجزائر. وتُطلق وزارة الأوقاف الجزائرية بين فترة وأخرى تصريحات استهلاكية تتحايل فيها على التقارب السياسي بين الجزائر وإيران، في محاولة لإظهار موقفها حيال التشيع، وذلك من خلال وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، الذي أكد في أكثر من مناسبة: «أن بلاده لا تتسامح مع ظاهرة التشيع التي تنامت بشكل واضح وسط الشباب بالجزائر».
اضف تعليق