عندما اختتم كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة تحقيقه الذي استمر عاما فيما يجري في شمال غرب ميانمار المضطرب في 24 أغسطس آب حذر علانية من أن رد الفعل المفرط من جانب الجيش على أعمال العنف سيزيد الصراع سوءا بين متمردي الروهينجا وقوات الأمن في ميانمار، ولم تكد تنقضي ثلاث ساعات على هذا التصريح وبعد الساعة الثامنة مساء مباشرة أرسل عطاء الله زعيم متمردي الروهينجا رسالة إلى أنصاره حثهم فيها على التوجه إلى سفح جبل مايو النائي ومعهم أدوات معدنية يمكن استخدامها كأسلحة. بحسب رويترز.
وبعد منتصف الليل بقليل وعلى مسافة 600 كيلومتر إلى الشمال الغربي من يانجون أكبر مدن البلاد هاجم جيش غير منظم من متشددي الروهينجا يحمل أفراده السكاكين والعصي وأسلحة نارية صغيرة وقنابل بدائية الصنع 30 موقعا للشرطة وقاعدة للجيش، وقال عطاء الله في رسالة صوتية مسجلة إلى أنصاره ”إذا خرج 200 أو 300 فرد فسيموت 50، وبإذن الله سيتمكن المئة والخمسون الباقون من قتلهم بالسكاكين“، تم توزيع هذه الرسالة في وقت الهجوم تقريبا على تطبيقات التراسل على الهواتف المحمولة واستمعت رويترز لتسجيل لها فيما بعد.
كان الهجوم الذي شنته جماعة عطاء الله واسمها جيش إنقاذ روهينجا أراكان (آرسا) هو أكبر هجوم تشنه حتى الآن. وفي أكتوبر تشرين الأول الماضي عندما ظهرت الجماعة على السطح للمرة الأولى هاجمت ثلاثة مواقع حدودية للشرطة فقط في عملية شارك فيها حوالي 400 مقاتل وذلك وفقا لتقديرات حكومة ميانمار، ويقدر جيش ميانمار الآن أن 6500 فرد شاركوا في الهجوم الذي وقع في أغسطس آب الماضي.
وأظهرت مقابلات مع أكثر من عشرة من أهل القرى من الروهينجا وفي ولاية راخين وأفراد في قوى الأمن ومسؤولي الإدارة المحلية أن قدرة الجماعة على شن هجوم أكبر طموحا بكثير تشير إلى أن كثيرين من شباب الروهينجا أصبحوا يؤيدون جيش آرسا في أعقاب الحملة المشددة التي شنها الجيش بعد هجمات أكتوبر تشرين الأول، وأدى رد الفعل الوحشي على هجوم أكتوبر تشرين الأول إلى اتهامات للقوات بإحراق قرى وارتكاب جرائم قتل واغتصاب بحق المدنيين.
وتعد الأزمة التي تشهدها ولاية راخين المنقسمة عرقيا أكبر أزمة تواجه أونج سان سو كي زعيمة ميانمار كما أن أسلوب تعاملها مع الأزمة نال من صورتها كنصيرة للديمقراطية في أعين أنصارها السابقين في الغرب، وقد ناشد انطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة سلطات ميانمار يوم الثلاثاء وضع نهاية للعنف ضد مسلمي الروهينجا وحذر من خطر التطهير العرقي ومن كارثة إنسانية محتملة وزعزعة استقرار المنطقة، ويقول زعماء الروهينجا وبعض المحللين إن إخفاق سو كي في معالجة مظالم الأقلية المسلمة التي تعيش في ظروف أشبه بظروف الفصل العنصري منذ أجيال عزز التأييد للمتشددين.
هجوم مضاد كبير
تحولت الميليشيا الناشئة إلى شبكة من الخلايا في عشرات القرى بإمكانها شن هجوم واسع النطاق، وأعلنت حكومة ميانمار جيش آرسا منظمة إرهابية. كما اتهمته بقتل المدنيين المسلمين لمنعهم من التعاون مع السلطات وبإشعال النيران في قرى الروهينجا، وتنفي الجماعة تلك الاتهامات، وقد أدى الهجوم الأخير إلى هجوم مضاد كبير يقول الجيش إنه قتل فيه ما يقرب من 400 من المتمردين وسقط فيه 13 قتيلا من أفراد قوات الأمن.
ويقول قرويون من الروهينجا وجماعات حقوقية إن الجيش هاجم أيضا قرى بشكل عشوائي وأشعل النار في البيوت. وتقول حكومة ميانمار إنها تنفذ عملية مشروعة لمكافحة الإرهاب وإن الأوامر صدرت للجنود بعدم المساس بالمدنيين، ومنذ 25 أغسطس آب الماضي فر ما يقرب من 150 ألفا من الروهينجا إلى بنجلادش الأمر الذي أثار مخاوف من نشوب أزمة إنسانية، كما نزح حوالي 26750 قرويا من غير المسلمين عن بيوتهم داخل ميانمار.
وقالت سو كي إنها ستتبنى توصيات لجنة التحقيق التي قادها كوفي أنان وهي التوصيات التي تشجع على مزيد من التكامل، كما دعت من قبل إلى تفهم التعقيدات العرقية في البلاد، وفي بيان صدر يوم الأربعاء اتهمت ”إرهابيين“ بأنهم وراء ”جبل جليدي ضخم من التضليل“ فيما يتعلق بالصراع في ولاية راخين، ولم تذكر شيئا عن الروهينجا الذين فروا من البلاد، ولم يتسن الاتصال بزاو هتاي المتحدث باسم سو كي للتعليق على ذلك، ومع ذلك فقد قال لرويترز يوم الاثنين إن ميانمار تنفذ عملية لمكافحة الإرهاب وتتوخى الحرص على سلامة المدنيين بمن فيهم المسلمون وغير المسلمين.
ليس هكذا يحيا البشر
في مقابلة مع رويترز في مارس آذار ربط عطاء الله تأسيس الجماعة بالعنف الطائفي بين البوذيين والمسلمين في ولاية راخين عام 2012 وذلك عندما سقط ما يقرب من 200 قتيل ونزح 140 ألفا أغلبهم من الروهينجا عن بيوتهم، وقال لرويترز في تصريحات لم تنشر من قبل ”لا يمكننا إضاءة المصابيح ليلا، ولا نستطيع الانتقال من مكان لآخر خلال النهار“ مشيرا إلى قيود مفروضة على سلوك السكان من الروهينجا وتحركاتهم، وأضاف ”الحواجز الأمنية في كل مكان، كل مدخل وكل مخرج، ليس هكذا يحيا البشر“.
جندي من جيش ميانمار يحرس منزلا أحرق أثناء عنف وقت مؤخرا في مدينة ماونجداو في ميانمار يوم 30 أغسطس آب 2017. تصوير سو زيا تون – رويترزن وقال أحد زعماء الروهينجا ظل في شمال ولاية راخين إن الأقلية المسلمة ازدادت تهميشا بينما تمتعت بقية ميانمار بحريات جديدة في ظل حكم سو كي بعد عقود من الحكم العسكري، وأضاف أن التأييد الذي يحظى به المتمردون تنامى بعد العملية العسكرية التي شنها الجيش في العام الماضي.
وقال ”عندما جاءت قوات الأمن إلى قريتنا قدم كل أهل القرية الاعتذار وطلبوا منهم عدم إشعال النار في البيوت لكنهم أطلقوا النار على من طلب ذلك“، وتابع ”عانى الناس لأن أولادهم قتلوا أمام أعينهم رغم أنهم توسلوا طلبا للرحمة وتعرضت بناتهم وأخواتهم للاغتصاب. فكيف يعيشون دون أن يفكروا في ذلك على الدوام وفي رغبتهم في محاربة ذلك سواء ماتوا أم لا“، ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من روايات القرويين.
وفي الشهر الماضي رفض تحقيق أجرته حكومة ميانمار وقاده مينت سوي رئيس المخابرات العسكرية السابق الذي أصبح الآن نائبا لرئيسة البلاد ما أثير من اتهامات عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي خلال الحملة التي شنها الجيش في العام الماضي.
شبكة خلايا
قال قرويون وضباط في الشرطة في المنطقة إن جيش آرسا أسس منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي خلايا في عشرات القرى ثم قام الناشطون في تلك القرى بتجنيد آخرين، وقال الزعيم الروهينجي ”تحدث الناس عما يشعرون بيه مع آخرين من الطائفة، تحدثوا مع بعضهم البعض وأبلغوا أصدقاءهم أو معارفهم من مناطق مختلفة. ثم انفجروا“.
وأوضح روحي ملاراه أحد كبراء قرية (كيي هونكي تي) في بوتيدوانج الشمالية إن القادة أرسلوا لأتباعهم رسائل منتظمة ومتكررة عبر تطبيقات مثل واتساب ووي تشات وشجعوهم على المقاومة في سبيل الحرية وحقوق الإنسان مما مكنهم من تعبئة عدد كبير من الناس دون المجازفة بالوقوع في قبضة السلطات بدخول المناطق ذات الكثافة العسكرية العالية من أجل تجنيد الأنصار.
وقال ”كانوا في الأساس يبعثون برسائل عبر الهاتف إلى القرويين ... لم ينقلوا الناس من مكان إلى مكان آخر“، وأضاف أن قريته لم تشارك في التمرد بل إنها علقت لافتة على مدخلها تقول إن أي متطرفين يحاولون تجنيد الناس سيتعرضون للاعتداء من جانب القرويين، ومنذ عشرات السنين يرفض كثيرون من أعيان الروهينجا العنف ويسعون للحوار مع الحكومة، ورغم أن جيش آرسا اكتسب بعض النفوذ في الوقت الحالي لاسيما بين الشباب فقد ندد كثيرون من كبراء الروهينجا بالأساليب العنيفة التي تتبعها الجماعة.
حملة ترهيب
في الشهور الأخيرة ظهرت تقارير عن قتل مسؤولين عن الحكم المحلي ومرشدين حكوميين ورؤساء قرى في ولاية راخين الأمر الذي أثار تكهنات بأن المتمردين يتبنون أساليب وحشية لمنع تسرب المعلومات عن أنشطتهم إلى قوات الأمن، وقال سين لوين قائد الشرطة في راخين ”قطعوا الاتصالات الحكومية بالتحريض على حملة ترهيب وتولوا السيطرة على المنطقة“، كما قال مصدر بالجيش يشارك بصفة مباشرة في عمليات بشمال ولاية راخين إنه أصبح من الصعوبة الشديدة الآن الحصول على معلومات عن خطط جيش آرسا.
وأضاف المصدر أن هذه الاستراتيجية أسفرت عن ”إغلاق الآليات الحكومية“ في بعض المناطق ”لأنه لم يجرؤ أي موظف حكومي على البقاء هناك“، وقال رئيس إحدى القرى في بوتيدوانج الشمالية طلب عدم نشر اسمه إن المتمردين اتصلوا به عدة مرات وضغطوا عليه للسماح لبعض شباب القرية بالمشاركة في تدريباتهم لكنه رفض ذلك، وتابع ”حاولت الحفاظ على سلامتي وأحيانا اضطررت للنوم في مركز الشرطة وبيت رئيس الإدارة المحلية“.
اعتراض رسائل
قال مصدر الجيش إنه رغم نجاح المتمردين إلى حد بعيد في تضييق الخناق على المعلومات فقد كانت معلومة من مرشد هي التي حالت دون تحول هجمات 25 أغسطس آب إلى عملية أسوأ بكثير لأجهزة الأمن في ميانمار، فبعد ساعة من توجه رجال عطاء الله إلى الغابة مساء يوم 24 أغسطس آب تلقى الجيش إشارة من المرشد وهو من الروهينجا أفاد فيها أن الهجوم قادم، وتحدثت الرسالة التي وردت في التاسعة مساء عن هجمات متعددة وشيكة لكنها لم تذكر شيئا عن الأماكن التي ستقع فيها.
وقال المصدر إن هذا التحذير كان كافيا لكي تسحب قوات الأمن بعض القوات إلى مواقع أكبر وتعزز المواقع الاستراتيجية الأمر الذي ساهم في إنقاذ كثير من الأرواح في الجانب الحكومي، جاءت غارات المتمردين في موجات من نحو الساعة الواحدة صباحا وحتى شروق الشمس وتركز أغلبها في مدينة ماونجداو التي شن فيها عطاء الله هجماته الثلاثة في أكتوبر تشرين الأول، ومع ذلك ففي تلك المرة كانت المسافة بين أبعد نقطتين شمالا وجنوبا 100 كيلومتر، كما شن الروهينجا هجوما في شمال مدينة بوتيدوانج المجاورة شمل محاولة جريئة لاقتحام قاعدة تابعة للجيش، وقال المصدر بالجيش ”فوجئنا بأنهم هاجموا مساحة جغرافية واسعة وقد هز ذلك المنطقة كلها“.
اضف تعليق