على امتداد التاريخ البشري ظل مفهوم حرية الرأي والتعبير يأخذ مكانة كبيرة بين الأدباء والفلاسفة، وفق عمر مرزوقي في دراسة حول حرية الرأي والتعبير في الوطن العربي في ظل التحول الديمقراطي، ويضيف أن الاهتمام بحرية الرأي والتعبير لم يقتصر على آراء الفلاسفة والمفكرين، بل جاءت المواثيق الدولية لتقر هذا الحق.

فنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 على \"أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دونما مضايقة والتعبير عنها بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود\"، كما كرس العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذا الحق، وبينما يكون الحق في حرية الرأي والتعبير مطلقا، يجوز بمقتضى العهد إخضاع هذا الحق لبعض القيود التي يجب أن يتم التنصيص عليها في النصوص التشريعية.

كما اهتم الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي صدر عام 1981 بحرية الرأي والتعبير، حيث نص في المادة 09 منه على أنه \"يحق لكل فرد أن يعبر عن أفكاره وينشر آراءه في إطار القوانين\"، ونصت المادة 23 من مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أن \"للأفراد من كل دين الحق في التعبير عن أفكارهم عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم، بغير إخلال بحقوق الآخرين، ولا يجوز فرض أي قيود على حرية العقيدة والفكر والرأي، إلا بما نص عليه القانون.

وتتضمن حرية الرأي والتعبير كما ورد في الدراسة السابقة -وفقا للنصوص الدولية- الحق في تلقي وإرسال المعلومات من خلال وسائل الإعلام المختلفة بحرية، وترتبط حرية الرأي والتعبير ارتباطا وثيقا للغاية بالممارسات الحاكمة لوسائل الإعلام كافة، ومنها بالطبع ضمانات حرية الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية، ونخلص مما سبق إلى القول بأن حرية الرأي والتعبير مصدر أساسي للكثير من الحريات، كما تعد عاملا أساسيا لمباشرة الحقوق السياسية، فهي التعبير المباشر لحرية تكوين الأحزاب، وهي الصوت الناقد لآراء الحكومات، ومن هنا أتت أهميتها، وأكدت عليها المواثيق والمنظمات الدولية كوهنا ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية، وأحد مظاهرها الأكثر بروزا، لذا يجب التجند للدفاع عنها كلما هددتها الأخطار.

ومن المعلوم حسب الهيئـــة الفلسطينيـة المستقلة لحقوق المواطن، وفي مقال حول حرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية والتشريعات المحلية بقلم أحمد نهاد محمد الغول، أن الدول بدأت بإعلان ما للإنسان من حقوق في القرن الثالث عشر الميلادي، إلا أن أول اعتراف رسمي بحرية الرأي والتعبير يعود إلى إعلان حقوق الإنسان الفرنسي، الذي صدر بعد الثورة الفرنسية سنة 1789، حيث نصت المادة 11 منه على \"التداول الحر للأفكار والآراء هو أحد حقوق الإنسان الهامة فيجوز لكل مواطن أن يتكلم ويطبع بصورة حرة مع مسئوليته عن سوء استعمال هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون\".

وعلى الصعيد العالمي أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تضمن حق كل شخص بـالتمتع بحرية الرأي والتعبير، وتبنت في سنة 1966، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يعكس ما نص عليه الإعلان العالمي لحقـوق الإنـسان، وتتمتع أحكامه بصفة الإلزام القانوني للدول التي تصادق عليه، حيث أكد في المادة 19 منه على حق كل إنسان في اعتناق الآراء دون مـضايقة والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحـدود بالوسـيلة الـتي يختارها.

وعلى الصعيد الإقليمي أكد الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سنة 1950، على حرية الرأي والتعبير، وكذلك الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان سنة 1969 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب سنة 1979، والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمد في القمة العربية السادسة عشرة سنة 2004، كما تجدر الإشارة إلى أنه في سنة 1978، تبنـت اليونـسكو في وثيقـة الإعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعـم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب، الحق في حرية الرأي والتعبير، كما تبنت في سنة 1995 مجموعة من المختصين في القانون الدولي وحقوق الإنسان، مبادئ جوهانسبرغ حول الأمن القومي وحرية التعـبير والوصـول إلى المعلومات، حيث أكدت المبادئ على حق كل شخص في حرية التعبير.

وحسب مرفت رشماوي في مقال لها حول الحق في حرية الرأي والتعبير من منطلق القانون الدولي، نشره المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة العفو الدولية، أنه من الضروري الإشارة إلى أن العديد من هيئات الخبراء للأمم المتحدة أكدت أن القيود على الحق في حرية التعبير يجب أن تشكل الاستثناء لا القاعدة، وكما تشير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمسؤولة عن الإشراف على تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أنه ينبغي على الدول لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود، وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم، كما ويجب أن تراعي القيود مع مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛ ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل، التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها.

وتلخص مرفت في مقالها السابق أهم مظاهر حرية الرأي والتعبير فيما يلي:

• حرية الطبع والنشر: ترتبط حرية الطباعة والنشر بحرية الرأي والتعبير ارتباطاً جوهرياً، حيـث كانت بدايات الاعتراف الرسمي بحرية الرأي والتعبير طبقاً لإعلان حقوق الإنسان الفرنسي 1789، تؤكد أن وسيلة ممارسة حرية الـرأي والتعـبير للمواطن \"أن يتكلم ويطبع بصورة حرة \"، ومع التطور الذي لحق مفـاهيم حقوق الإنسان، أرست الأمم المتحدة حق حرية الإعلام الذي مـن أهـم دعائمه وطرق ممارسته، الكتابة والطباعة والنشر كحق من حقوق الإنسان الأساسية، وتعد الصحافة الدورية بأنواعها المختلفة الجرائد والمجلات أشهر المطبوعات تأثيرا في الرأي العام، كما أنها أحد أهم أسس وركائز المجتمع الـديمقراطي بالنظر لدورها الفعال في الرقابة الشعبية الفعالة لتأمين سـيادة القـانون، وإرساء دعائم الحريات العامة والحقوق الإنسانية، وفي مـد الإنـسان في المجتمع بالمعلومات والأخبار والآراء المختلفة والمعرفة في شـتى المواضـيع.

• حرية النشر الإلكتروني: إن حرية النشر الالكتروني من الحريات التي بدأت تأخذ مكانها حديثا، نتيجة التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومـات والاتصالات والنفاذ لشبكة الانترنت في أي مكان في العالم، نفاذاً يكـاد يكون فورياً، فأصبحت الأنترنت وسيلة منافسة لوسائل التعبير التقليدية، كما أنها أتاحت فرصا واسعة أمام كم هائل من المواطنين في مختلف بلدان العالم، في التعبير عن آرائهم، وللمجموعات في الإعلان عن نفسها، ولا سـيما المجموعات التي لم يكن متاحا لها في السابق التعبير عن أفكارها وهمومهـا، لأسباب قد تكون سياسية أو دينية أو ثقافية ....إلخ، ولقد أكد التزام دولة تونس الصادر عن القمة العالميـة حـول مجتمـع المعلومات الذي انعقد في العام 2005، على ما ورد في إعلان المبادئ الذي اعتمدته القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف في العام 2003، بأن حرية التعبير وحرية تدفق المعلومات والمعارف والأفكار والعلم ضـرورية لمجتمع الإعلام وتعود بالنفع على التنمية، بإزالة الحواجز أمام النفاذ إلى المعلومات للجميع بشكل شامل وغير تمييزي ومنصف، وبتكلفة معقولة وتشجيع النشر الإلكتروني.

• حرية الرأي في إطار المرئي والمسموع: أدى التطور الذي لحق وسائل الاتصال إلى تطور مفهوم الإعلام ليشمل إلى جانب الإعـلام المقـروء والإعلام المرئي والمسموع، وفي نفس السياق شمل التطور في حقوق الإنسان وحرياته حرية الإعلام المرئي والمسموع بصفته وسيلة من وسـائل بـث المعلومات وأداة للتعبير والنشر، وبذلك امتدت علاقة الارتباط بين حريـة الرأي والتعبير وحرية المرئي والمسموع، بذات الأساس الذي تم الإشارة إليه في مجال حرية الطباعة والنشر، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة التمايز بـين الوسيلتين، وتتمتع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والتي أهمها الإذاعـة والتلفزيـون بمحطاتها الأرضية والفضائية، بدور فعالّ في ممارسة حرية الـرأي والتعـبير كمنبر لبث الأخبار ونقل الآراء ومناقشتها على المستوى المحلى والعـالمي، نظراً لقدرتها على تخطي الحدود الجغرافية ولطبيعتها القائمة علـى بـث الذبذبات والترددات اللاسلكية عبر الأجواء المفتوحة.

• حرية التجمع السلمي: ترتبط حرية التجمع السلمي بالحق في حرية الرأي والتعبير ارتباطاً وثيقاً، باعتبارها مظهراً من مظاهر التعبير عن الرأي، بالاحتجاج السلمي بواسطة كتابة العرائض وجمع التوقيعات والتظاهر والاعتـصام والإضـراب عـن العمل، علاوة على كونها حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، والمقصود بحرية التجمع السلمي \"قدرة المواطنين على الالتقـاء بـشكل جماعي بهدف عقد الاجتماعات العامـة أو المـؤتمرات أو المـسيرات أو الاعتصامات السلمية، في أي مكان وزمان، وبغض النظـر عـن الجهـة المنظمة، وذلك ليتبادلوا الرأي ويبلوروا مواقفهم تجـاه قـضايا مختلفـة، ويمارسوا ضغطاً على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم وتحقيـق مطالبهم، وفي حالة تغييب السلطة السياسية لهذا الحق \"يتعـذر سـير مطالبهم وإنجاز الحملات والعمليات الانتخابية للدول بصورة نزيهة\"، وبذلك يعتبر التجمع السلمي وسيلة من الوسائل ذات الطابع الجماعي في التعبير عن الرأي، وتداول الآراء في مختلف الموا ضيع السياسية والاجتماعية وغيرها وضروري لممارسة الديمقراطية، فالأحزاب الـسياسية والنقابـات المهنية والمنظمات الأهلية ليس بمقدورها العمل بحرية وفعالية، والتعبير عن آرائها ومواقفها من سائر القضايا التي تهم المجتمع، ومناقشتها وتوصيلها إلى الناس بدون التمتع بالحق في حرية التجمع السلمي في الأمـاكن العامـة والخاصة بصورة علنية.

• الحق في الحصول على المعلومات: تقرر الحق في الحـصول علـى المعلومات كمبدأ أساسي وحاجة للفرد والجماعة على السواء في المواد، التي نصت على الحق في حرية الرأي والتعبير في الإعـلان العـالمي لحقـوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تضمنت حريـة الإنسان في التماس مختلف ضروب المعلومات وتلقيها ونقلها دون اعتبـار للحدود، وهذا يشمل كافة أنواع المعلومات بما فيها الرسمية، المكتوبـة أو المسجلة التي تم بثها والمصورة والمحوسبة، إلاً ما هو مستثنى لحالة الضرورة بنص القانون، ويعتبر الحق في الحصول على المعلومات عامل أساسي لممارسة حرية الرأي والتعبير، إذ لا يمكن للإنسان تكوين رأيه الموضوعي في قضية ما وخاصـة القضايا العامة، دون الحصول بحرية على المعلومات المتعلقة بها بما فيهـا المعلومات الرسمية، وبذلك تتضح علاقة التلازم بين الحقين وارتباطهمـا، بحيث يشكل نشر المعلومات وحرية والوصـول إلى البيانـات والوثـائق الحكومية مظهرا من مظاهر ممارسة حرية الرأي والتعـبير في المجتمعـات الديمقراطية.

* باحث وأكاديمي جزائري

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق