إن الرسم الكاريكاتيري هو تعبير من الفنان إلى الجمهور حول واقع ومشكلات مشتركة بين الإثنين، باعتبار أن هذا الرسام الكاريكاتيري هو جزء من الجمهور، وعلى هذا الأساس تتنوع مضامين الكاريكاتير بتنوع واختلاف الواقع المعيش، وهو نفس الحال في المنطقة العربية التي يحاول فيها هذا الفن الكشف عن عيوب المجتمعات العربية في شكل متهكم، بغية تعديل أو تغيير تلك العيوب والمشكلات، بهدف تحسين أحوال الأفراد والجماعات داخل المجتمعات العربية.
ويصنف عبد الله أبو راشد عندما يتكلم حول فن الكاريكاتير العربي: الدور والوظيفة، فنون الكاريكاتير العربية في اتجاهين رئيسين:
- الأول: من حيث الموضوعات المطروحة التي يتناولها الرسامون بأبعادها الإنسانية الرمزية والوجودية ذات الطبيعة الإيديولوجية، التي تعكس حقيقة واقع اجتماعي معين وقضايا سياسية شائكة ومظالم شتى، وتدوين بصري لمفارقات يومية بين مختلف طبقات المجتمع العربي وفئاته ونخبه وعامته، ومواقفهم ودورهم في هذه المفارقات، وما تحمله الرسوم من هموم ومشكلات معايشة ومنظورة في جميع أرجاء الوطن العربي –عمومًا- وفي كل حيز جغرافي وإقليمي خصوصًا.
- الثاني: من حيث المعالجة التقنية وآليات الحركة المرسومة والمساحات الملونة المنتشرة على سطوح الورق، التي لا تخرج عن احبار الرسم والطباعة التقليدية والرسوم المنفذة بواسطة برامج الحاسب -متعددة الأغراض- وتعكس روحية وأسلوب كل فنان، بما يحمله من خصوصية البحث والتجريب والتأليف ومساحة افكاره وحريته وتفرده في ميدانه.
ويجمل فنان الكاريكاتير \"جورج البهجوري\" عوامل ما أسماه \"أزمة الكاريكاتير\" وفق وسام الباش في مقال نشر في جريدة طنجة الأدبية بعنوان الكاريكاتير العربي: ازدواجية الرسم الساخر.. من موقف الحياد إلى خط المواجهة السياسية، في عدم إفساح المجال أمام الرسامين الشبان، وغياب المناخ الملائم اجتماعيا وسياسيا، وغياب المنابر الصحفية لأشكال الكاريكاتير بعامة والسياسي بخاصة، وغياب \"مشروع وطني أو قومي\" يزدهر خلاله هذا الفن، وضعف الأجور، وغياب معايير موضوعية لاختيار الرسامين، وإذا كان العالم العربي شهد ولادة جديدة للرسم الكاريكاتيري بتقاليده وأسسه الحديثة مع يعقوب صنوع، صاحب الجريدة الهزلية «أبو نضارة» التي لاقت رواجاً كبيراً، فإن فنانين آخرين لعبوا دوراً كبيراً في تأليب الرأي العام ولفت انتباهه إلى تفشي ظواهر اجتماعية وقضايا سياسية خطيرة، أمثال صلاح جاهين، جورج البهجوري، ناجي العلي وبهجت عثمان.
ويضيف وسام الباش أن هؤلاء هم الدفعة التي غيرت وجه الكاريكاتير العربي في أوائل الخمسينات، إذ نجحوا في ابتكار شخصيات عبروا من خلال حركاتها وسكناتها عن همومهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، وعندما نستعرض الأسماء الفنية البارزة في مجال الفن الكاريكاتيري في الوطن العربي لا يغيب الملف العراقي عن الساحة، حيث يقف الفنان كفاح محمود بين الأسماء اللامعة في هذا المجال، فقد شغل الناس بأعماله التي كانت تتلقفها بلهفة الصحف والمجلات العراقية مثل (ألف باء)، التي كانت زاويته الكاريكاتورية الأسبوعية فيها (أسبوعيات حمدان) شاخصة في الأذهان إلى هذا اليوم، كما عمل رساماً للكاريكاتير في مجلة المرأة، ووعي العمال وجريدتي الجمهورية والقادسية وجريدة العراق، وأما الصحافة المصرية فهي المدرسة الأشهر للكاريكاتير في الوطن العربي؛ وذلك مع انطلاق مجلة \"صباح الخير\" عام 1956؛ التي تخرج فيها \"صلاح جاهين\"، و\"جورج البهجوري\"، و\"ناجي العلي\"، و\"بهجت عثمان.
ويؤكد حمدان خضر سالم في مقال له حول الاتجاهات السياسية للكاريكاتير في جريدة الشرق الأوسط نشر بمجلة الباحث الإعلامي، أن باب الصحـافة الكاريكاتيرية فتح ولم يغلق، فقد شـهدت المنطقـة العربـية ظهور العديد من الصحف الهزلية الساخرة، التي وجدت في الرسم الكاريكاتيري مادة ممتعة مرحـة تستقـطب القـراء وتحمل المضامين الكثيرة التي تريد ايصالها الى الجمهور المتلقي، فكان أن اتسـعت دائرة الكاريكاتير وتعدد أصحاب هذه الصنعة التي تميزت بتفوقها وقدرتها على التأثير في المتلقي، بـما يفوق غيرها من فنون العمل الإعلامي وذلك لروح السخرية، التي تشـع منها ولقـدرتها على ترسـيخ الافكار في ذهن القراء، وأصبح اليوم لا غنى لأي صحيفة عن رسام الكاريكاتير الذي برز بشكل واضح واحـتل مكانة متميزة، ونحت اسمه في سجل الصحافة حتى نال بعضهم صفة النجومية من خلال رسومهم، وأصبـح لكل منهم لونه الخاص وأسلوبه الفني الذي يميزه عن غيره، حـتى أن بـعضهم صارت له شـخصية كاريكاتيرية يطلق رسائله الاتصالية من خلالها، وباتت هذه الشخصية حية في أذهان القراء حتى بـعد رحيل صاحبها، كما هو الحال لدى الفنان الفلسطيني ناجي العلي والفنان العراقـي غازي عبد الله وغيرهم.
اضف تعليق