الحق في الصحة "حق شامل لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضاً المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والإصحاح المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، والظروف الصحية للعمل والبيئة، والحصول على التوعية والمعلومات فيما يتصل بالصحة..." وذلك بحسب لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 2000.
يضمن حقّ الصّحة للطّفل الحصول على جميع الخدمات الصحيّة والتّطعيمات اللازمة للحفاظ على صحّة الطّفل الجسديّة، والعقليّة، والنفسيّة، والحصول على عناية صحيّة خاصّة تُناسِب طبيعة الأطفال الضّعيفة والهشّة ومناعتهم المحدودة، ووقايتهم من الأمراض السّارية وغير السّارية، والأمراض الوراثيّة، وسوء التّغذية، وغيرها من الأمراض.
علاوة على ذلك، يضمن الحق في الصحة حصول الأطفال على توعية صحيّة كافية لمساعدتهم على المحافظة على صحّتهم، وذلك عن طريق اتّباع تعاليم النّظافة والصحّة، ووقايتهم من مخاطر الأمراض المُعدِية، كما يشمل حقّهم الحصولَ على غذاء وماء نظيفَين؛ لمنع إصابتهم بالأمراض التي تنتقل عبر الغذاء والماء المُلوَّثَين.
يقول خبراء الصحة العالمية إن "الوسيلة الأولى لحماية تلك الحقوق وإعمالها هي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وتعكس تلك الاتفاقية توافق الآراء الدولي بشأن معايير ضمان العافية، إجمالاً، لجميع الأطفال والشباب حتى سنّ الثامنة عشرة. وهي تمثّل، بالإضافة إلى كونها قناة من قنوات الدعوة والدعم العملي من أجل صحة الأطفال والمراهقين، إطاراً معيارياً وقانونياً لما تؤديه منظمة الصحة العالمية من عمل في جميع المجالات التي تُعنى بصحة الأطفال والمراهقين ونمائهم".
هذا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية، في أغلب الأحيان، لا تسير الأمور بحسب ما تنص عليه لوائح الأمم والمتحدة والمنظمات الإنسانية الصحية، فالعبرة ليست في تشريع اللوائح، بل في قدرة برامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية والصحية على تنفيذ تلك الرؤى والأفكار الواردة في تلك القوانين، وتطبيقها على أرض الواقع.
حيث توجد في مجال حقوق الإنسان فجوة بين المبادئ والتطبيق، وبين الالتزامات وتنفيذها، وذلك بسبب ضعف نظام الإشراف العام لمؤسسات الأمم والمتحدة، وهذه الفجوة تتسع أيما اتساع عندما يتعلق الأمر بحقوق الأطفال.
يتعرّض الطفل لانتهاك كثير من حقوقه، ومن ظواهر انتهاك حقوق الطفل مشاركة الأطفال في النزاعات أو الخلافات بين الناس، واستغلالهم للقيام ببعض الممارسات المؤذية لهم. وعمالة الأطفال، حيث يلجأ الطفل للعمل نتيجة الإهمال من قبل الأهل بالإضافة إلى الفقر الشديد وحاجة أسرته، وعدم إكمال تعليمه نتيجةً لجهل الأهل أو عدم القدرة على تحمّل تكاليف الدراسة، وعدم حصول الطفل على الرعاية الصحية والعلاج، بالإضافة إلى عدم حصوله على الرعاية النفسية والاهتمام، وغيرها من الانتهاكات.
ترى الأمم المتحدة أنه "في جميع أنحاء العالم، يشكل الأطفال ما يقرب من نصف 900 مليون شخص تقريبا من الذين يعيشون بأقل من 1.90 دولار في اليوم. وتكافح أسرهم من أجل تغطية تكاليف الرعاية الصحية الأساسية والتغذية اللازمة لتوفر لهم بداية قوية. وترك هذا الحرمان بصمات دائمة. ففي عام 2014، عانى ما يقرب من 160 مليون طفل من التقزم".
لقد أدت الحرب الدائرة في اليمن إلى افتقاد سبعة ملايين طفل للرعاية الصحية الأساسية، وجعل ما يزيد على تسعة ملايين طفل بحاجة لخدمات الإصحاح البيئي والنظافة العامة. وتجاوزت حالة الوضع الصحي لأطفال اليمن المقاييس العالمية، فمعدل سوء التغذية بلغ 30%، بينما معدل الطوارئ لسوء التغذية في العالم هو 15%.
وتسعى منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" خلال هذا العام لعلاج نحو ستين ألف طفل في الحديدة، ولكن هناك مليونا ونصف مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون سوء تغذية حادا في اليمن، وعدد مماثل من الأطفال معرضون لخطر الحصبة، وأكثر من مليون وربع مليونِ طفل مهددون بخطر التهابات الجهاز التنفسي.
ومن هذا المنطلق، حذر مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين من "أن اليمن يتجه نحو الانهيار الكامل، ويواجه سكانه الحرب والمجاعة وانتشار وباء الكوليرا القاتل بينما يقف العالم متفرجا" وقال أوبراين أمام مجلس الأمن الدولي" إنه حان الوقت لإنهاء أكبر حالة طوارئ غذائية في العالم وإعادة اليمن إلى طريق البقاء"، وأكد أن "الأزمة ليست قادمة أو وشيكة، بل إنها حقيقة واقعة اليوم وتحت أنظارنا، والناس العاديون يدفعون الثمن".
وفي هذا الصدد، يقول جيرمي هوبكنر، ممثل اليونيسف في اليمن: "يصحو الأطفال كل يوم على أصوات القصف المريعة، وصوت الاقتتال في الشوارع، والأسوأ من ذلك أن العديد منهم لا يملك الطعام الكافي، وليس لديهم مياه مأمونة، ويعانون من سوء التغذية، ولا يستطيعون الوصول للعيادات والمستشفيات الصحية التي يحتاجون حقا للوصول إليها" وتتوقع اليونيسف أن تدهور الخدمات الصحية في البلاد سيتسبب في إصابة حوالي 2.5 مليون طفل بالإسهال، و1.3 مليون طفل بالالتهاب الرئوي، و280,000 طفل بسوء التغذية الحاد والوخيم.
المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك، قال: "أبلغنا زملاؤنا في اليمن أن ما يقدر بنحو 7.6 ملايين شخص يعيشون في المناطق المعرضة لخطر انتقال الكوليرا. ويؤدي عدم كفاية البنية التحتية للصرف الصحي، بجانب النزوح، وأماكن الإيواء والمستوطنات المكتظة إلى زيادة خطر انتقال الكوليرا من شخص إلى آخر..."
وحذرت منظمة "أطباء بلا حدود" من أن تفشي الكوليرا في اليمن، قد يخرج عن السيطرة، في حال لم تكن هناك استجابة طارئة تتناسب مع حدة الوضع. وأضافت المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أن "الأعداد المتزايدة من إصابات الكوليرا والإسهال المائي الحاد تشكل مصدر قلق هائل في اليمن". وأشارت المنظمة إلى أنه "تم بالفعل تشخيص أكثر من 17.000 حالة، وأن فرقها الطبية عالجت حتى اليوم أكثر من 3000 مريض في محافظات عمران والحديدة وحجة والضالع وتعز وإب". ولفتت إلى "أن تفشي الكوليرا يتزايد بسرعة كبيرة في أنحاء اليمن وتم تشخيصه بالفعل في 18 محافظة من أصل 22 محافظة يمنية". وأشارت إلى أن "عدد الحالات المشتبه بها قد تخطى 23500 حالة حتى يوم 19 مايو/أيار بحسب منظمة الصحة العالمية".
إن الشعب اليمني، ولاسيما أطفال اليمن يمرون بظروف قاسية ومرعبة، نتيجة استمرار الحرب، منذ ما يزيد على سنتين، والتي ساعدت على تدهور الوضع المعاشي والصحي لعدد كبير من الأطفال اليمنيين، وأن هناك توقعت أن يرتفع عدد المصابين بمرض الكوليرا في اليمن إلى 300 ألف حالة إصابة، خلال الشهور الستة المقبلة.
وعليه فإن اليمنيين عموما وأطفال اليمن خاصة هم بحاجة إلى:
1. أن تتدخل الأمم المتحدة والدول والمنظمات الإنسانية، بشكل عاجل وفوري وفعال لإنهاء الصراع بين الأطراف المتنازعة، وإيجاد حلول سياسية دائمة لإيقاف العنف في اليمن لا سيما بحق الأطفال والنساء.
2. أن تقوم الدول والمنظمات الدولية بتقديم الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل عاجل، بما فيها مستلزمات علاج الكوليرا ومحاليل الإماهة الفموية والسوائل الوريدية إضافة إلى توفير الأثاث واللوازم الطبية لدعم توسيع نطاق مراكز علاج حالات الإسهال.
3. أن تعمل الدول والمنظمات الدولية على تحسين الوضع الصحي في اليمن من خلال رفع الحظر عن توريد الوقود والإمدادات الغذائية تجاريا، والتي يعتمد عليها 90% من اليمنيين، وإرسال الأطباء إلى اليمن لسد الفجوة الطبية في اليمن، وتخصيص ميزانية سنوية للمناطق المتضررة، ولاسيما المناطق الريفية.
4. إنشاء صندوق عربي لمساعدة ودعم الأسر المتأثرة بالحروب والنزاعات المسـلحة في اليمن بتمويل من المنظمات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد.
5. تشكيل فريق من المحامين والقضاة يمكن أن يقوم برفع قضايا ضد الجهات والقوى الدولية التي تتسبب في انتهاك حقوق الأطفال ومطالبتهـا بتحمـل مسؤولياتها تجاه الأسر المنكوبة، خاصة من حيث توفير الدعم المالي والعيني.
.....................................
اضف تعليق