نشرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن "نحو 73 في المائة من سكان العالم لا يملكون القدرة على الوصول إلى تدابير الحماية الاجتماعية، تقطن غالبيتهم في مناطق ريفية. ولا يحتاج تقديم مجموعة أساسية من منافع الضمان الاجتماعي لجميع فقراء العالم سوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم (منظمة العمل الدولية – 2006)، والنساء أقل وصولاً إلى الحماية الاجتماعية من الرجال لأنهن يعملن بشكل عام في القطاع غير الرسمي".
جاءت المادة " 22 " من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر العام 1948، تنص على أن: «لكل إنسان بصفته عضوا في الجماعة الحق في الضمان الاجتماعي...» وأوضح الإعلان معنى هذا الضمان في المادة "25" حيث نصت على أن: «لكل إنسان الحق بالضمان في حالة البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها المرء وسائل معيشته... الخ».
تعتبر الحماية الاجتماعية حق أساسي من حقوق الإنسان، كما إنها تؤدي دورا مهما للحماية من الفقر وتخفيفه، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على كرامة الإنسان، وهي إطار واسع يشمل "السياسيات الاجتماعية" أو "الضمان الاجتماعي" أو "التامين الاجتماعي" أو "شبكات الأمان" وتركز الاتجاهات الحديثة للحماية الاجتماعية على توسيع نطاق الحماية لتشمل كافة شرائح المجتمع، وأيضا المجالات المختلفة التي تهتم بفئات المجتمع مثل: المجالات التي تهتم بقضايا المرأة والعمال والأسرة والطفولة والشباب والصحة... وغيرها. والاهتمام بمواجهة الأزمات والكوارث.
وفي سنة ٢٠٠١، أوصت الاستنتاجات التي خلص إليها مؤتمر العمل الدولي في دورته التاسعة والثمانين، في جملة أمور، بضرورة إعطاء الأولوية القصوى إلى تصميم السياسات والمبادرات لجعل الضمان الاجتماعي متاحاً لمن لا تغطيهم النظم النافذة. ودُعيت منظمة العمل الدولية إلى إطلاق حملة عالمية ترمي إلى تحسين تغطية الضمان الاجتماعي وتوسيع نطاقه ليشمل جميع من هم في حاجة إلى هذه الحماية. وقد أدت نتائج تلك الحملة الدولية إلى ما يُعرف بمفهوم "أرضية الحماية الاجتماعية".
مفهوم "أرضية الحماية الاجتماعية" هو مجموعة متكاملة من التدابير المتخذة من أجل ضمان أمن الدخل والوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية للجميع، ولا سيما الفئات المستضعفة. وهي تضمن: أمن الدخل الأساسي في شكل تحويلات اجتماعية (نقداً أو عيناً)، كمعاشات التقاعد للمسنين وإعانات المعوقين والأسرة والأطفال والبطالة وتقديم الخدمات للعاطلين عن العمل والفقراء العاملين. وتوفر وإمكانية تحمل كلفة الخدمات الاجتماعية الأساسية فيما يتعلق بالرعاية الصحية ومياه الشرب والصرف الصحي والتعليم والأمن الغذائي والسكن ومجالات أخرى تُحدَّدُ استناداً إلى الأولويات الوطنية.
السؤال المهم هو كيف أسس الإسلام مفهوم "الحماية الاجتماعية" أو "الضمان الاجتماعي" في إطار مفهوم "التكافل الاجتماعي" للمجتمع المسلم؟ وما هي الآليات التي أوجدها الإسلام للوصول إلى مجتمعات تنعم بالعدالة الاجتماعية والسلم؟
مبدئيا، دفع الإسلام المسلمين إلى العمل والإنتاج والاستثمار عن طريق تقدير العمل، وإحداث الرغبة فيه في نفوسهم، وطبعهم على حبه، والنصوص التالية كفيلة بذلك قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور»، «فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله». وجاء عن أهل البيت (ع): «ان الله يحب المحترف الأمين»، «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا». «من بات كالا عن طلب الحلال، بات مغفورا له». وبلغ تقدير الإسلام للعمل والعمال أن رئيس الدولة الإسلامية محمد (ص) يأخذ يد عامل قد خشنت من العمل يقبلها ويقبلها ويقول: «هي يد يحبها الله ورسوله» هذا من جهة.
من جهة ثانية، نهى الإسلام عن "البطالة" ووصف الإنسان المتعمد للبطالة بأنه عبء ثقيل على كاهل الحياة والمجتمع، فاقد للعزة والكرامة، مهين عند الله لا يستجيب له، وعند المجتمع لا يقيم له وزنا. فقد جاء عن أهل البيت (ع). "إياك والكسل والعجز فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة" و"ملعون من ألقى كله على الناس".
وفي ضوء مبدأ الحث على العمل ونبذ البطالة، وفر الإسلام منهجا وآليات عمل تطبيقية تضمن حياة كريمة للفئات الاجتماعية المستضعفة، كالأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم ممن هم بحاجة إلى رعاية الدولة والمجتمع معا.
فقد حمل الإسلام مسئولية الإنفاق والإعالة لمن لا يقوى على العمل، ومن لم يعمل بسبب مشروع على أولياؤهم الشرعيين، واعتبرهم المسئولين عنهم شخصيا إن كانوا قادرين على ذلك، فالزوج مكلف بإعالة زوجته، بل هو حق لها على الزوج كانت غنية أو فقيرة. والوالدان ملزمان بالإنفاق على الولد، والولد مكلف بالإنفاق على والديه، وفي الحالات التي يكون المولى الشرعي غير قادر فيها على الإنفاق أو كان مفقودا وكان المولى عليه فقيرا تؤمن حياته عن وسيلة «الضمان الاجتماعي» وتكون الدولة ملزمة الإنفاق عليه بما يكفيه، أو يكمل العوز في مستواه المعيشي إذا كان مكسبه لا يقي حاجته.
والإسلام يدعو كل فرد للإنفاق وتفقد الفقراء، ويترتب على هذا أنه لو وجد شخص من أولئك المستحقين للكفالة الاجتماعية ولم يقم أحد من المسلمين ممن يعلم بنقصه وفقره بإسعافه وهو قادر على ذلك إثم جميع العالمين به، لأن إغاثته وإنقاذه فرض كفاية، يكلف به الكل ويسق التكليف به بامتثال البعض، فمتى تقاعس الكل عن امتثاله أثموا جميعا.
وقام الإسلام بربط الفقراء بالأغنياء برباط وثيق من المحبة والتعاون وحرك عواطف الأغنياء نحو الفقراء لا تكاد تجد صورة من سور القرآن إلا وهي تحرك مشاعر الأغنياء نحو الفقراء، وافهم الأغنياء بأن الفقراء أمانة في أعناقهم وأن المال الذي بأيديهم ليس لهم وحدهم، بل الفقراء فيه نصيب وقسمه «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم»، وأفهمهم بأن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وأنهم ليسوا بأكثر من مشرفين وأمناء وعليهم أن يتبعوا ما يخطط لهم المالك الحقيقي من وجوه التصرف في المال.
يقول الإمام الشيرازي " ومن الواضح أن التكافل بين الفرد والجماعة يؤدي إلى السلم والسلام، فكل يحنو على الآخر ويريد رضاه ويسعى لأجله. وإذا كان هناك تكافل متبع بين أفراد المجتمع وفق النظرية الإسلامية سيعم أبناءه الأمن المعيشي والسلام الاقتصادي، وأما إذا صار المجتمع طبقاتٍ، طبقة فقيرة وأخرى غنية ولم يكن بينهما تكافل، فهناك انعدام السلام، وكثيراً ما يوصل ذلك إلى الاضطرابات والمظاهرات وإلى الثورة أو الحرب".
نخلص مما تقدم أن الإسلام أولى مبد الحماية الاجتماعية للمواطنين لاسيما المحتاجين والمعوزين منهم وذلك من خلال الآتي:
1- مسؤولية المجتمع كله عن حفظ ورعاية الحياة الكريمة للمواطنين المعوزين وغير القادرين على توفير احتياجاتهم بأنفسهم، مثل الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ومن لا يقدر على العمل أو يقدر ولكن لا يحصل عليه. وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار".
2- مسؤولية الدولة في الإسلام عن سد النقص والعوز الذي يلحق الفرد. وهي مسئولة عن توفير الحاجات الضرورية للفرد في القيام بشئونه، مسئولة عن تسديد بقية نفقته ونفقة عياله وما يحتاج إليه من بيت المال.
3- مسؤولية الدولة في الإسلام عن توفير الحاجات الضرورية للفرد في حالات: المرض، العجز، الشيخوخة، الترمل، البطالة المشروعة، أي عدم الحصول على العمل، فالعاجز عن العمل لمرض أو شيخوخة أو غير ذلك إذا لم يكن له مال ولا ولد ينفق عليه تكون الدولة مسئولة عن الإنفاق عليه.
4- مسؤولية الدولة في الإسلام عن اتخاذ شتى الأساليب اللازمة لتفقد أحوال أفراد الأمة وتعيين أهل الحاجة منهم، كأن تؤلف الجان وتشكل الهيئات لهذه الغاية فتفحص عنهم وترفع التقارير إلى المسئولين عن رعايتهم ليقوموا بإصلاح شأنهم المعيشي إذ ربما يكون ملا يقوى على الوصول إلى المسئولين أو توجد أسباب تعجز بينه وبين المسئولين، وبلغ من اهتمام الإمام أمير المؤمنين (ع) في أيام حكومته -على ما يحدث المؤرخون- أن وضع بيتا سماه بيت القصص يلقى فيه الناس رقاعهم لتحمل حاجاتهم إلى الأمام.
.....................................
اضف تعليق