(رويترز) - كان سامي يوحنا يعيش عيشة كريمة من زراعة القمح حتى هدده المتشددون بمسدس في رأسه وأعلنوا أن أرضه في محافظة نينوى بالعراق أصبحت من ممتلكات داعش، وتمكنت حملة شنها الجيش العراقي من طرد المسلحين من الجزء الشرقي من الموصل عاصمة نينوى والمدن والقرى القريبة منها مثل قراقوش حيث توجد حقول يوحنا.
لكن مرحلة الرعب وسوء الإدارة التي استمرت عامين تحت حكم التنظيم بعد سيطرته على المنطقة التي تعد قلب الزراعة في العراق دمرت المزارعين وأدت إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء في البلاد.
ويقيم يوحنا - الذي اعتاد على بيع نحو 100 طن من القمح سنويا - الآن في عربة مقطورة صغيرة ويعمل سائقا على سيارة أجرة في العاصمة الكردية أربيل ليدبر قوت يومه بصعوبة. ومازالت تطارده أشباح اليوم الذي وصل فيه المسلحون.
وقال يوحنا "استولوا على كل شيء أملكه"، ويخشى المزارعون من أن يستغرق الأمر سنوات حتى يتمكن قطاع الزراعة من التعافي مع فقدان الجرارات ووجود ألغام لم تنفجر في الحقول وتضرر المجمعات الزراعية جراء الهجمات الجوية على المسلحين الذين عمدوا إلى بيع سلع أساسية مثل القمح لتمويل عملياتهم.
وكانت نينوى أكثر المناطق الزراعية إنتاجا في العراق قبل وصول تنظيم الدولة الإسلامية حيث كانت تنتج نحو 1.5 مليون طن من القمح سنويا أو ما يعادل 21 بالمئة من إجمالي إنتاج العراق من القمح و32 بالمئة من إنتاج الشعير.
وفر ما يُقدر بنحو 70 بالمئة من المزارعين حينما سيطر تنظيم الدولة على المنطقة ومن بقى فرضت عليه ضرائب باهظة، وكان يوحنا باعتباره مسيحيا عرضة للإيذاء على وجه الخصوص من المسلحين السنة الذين حاولوا إقامة خلافة مكتفية ذاتيا وقتلوا كل من يعارض أفكارهم المتطرفة، وقال يوحنا "الناس الذين انقلبوا ضدي كانوا جميعا من نفس المنطقة. أعرف كل فرد منهم. انضموا إلى داعش" مشيرا إلى تنظيم داعش.
ولم تتمكن رويترز من الحصول على أرقام رسمية للإنتاج الزراعي خلال حكم تنظيم الدولة نظرا لغياب الحكومة عن المناطق التي سيطر عليها المتشددون ، وقال حيدر العبادي رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية في العراق لرويترز بالهاتف إنه يقدر أن الإنتاج هبط إلى نحو 300 ألف طن بناء على حساب كميات الحبوب التي باعها المزارعون، وتابع "اعتاد تنظيم الدولة على محاصرة المزارعين بشكل عام ومنعهم من الذهاب إلى الحقول وزراعة أرضهم خشية أن يهربوا أو ينضموا إلى قوات الحكومة"ن وأضاف "من الصعب أن نرى تحسنا في هذا الموسم. الأمل الوحيد في أن يتمكن المزارعون من بيع إنتاجهم إلى الحكومة مجددا. أستبعد أن يزيد المحصول عن 500 ألف طن هذا الموسم".
ويتفق فاضل الزعبي ممثل العراق لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في أن الآفاق قاتمة، وقال الزعبي في رد مكتوب لرويترز "من المهم للغاية دعم المزارعين حيث يتسم موقفهم في المناطق المحررة حديثا بصعوبات بالغة تعرقلهم عن البدء في الزراعة لهذا الموسم 2016-2017".
وتابع "لا تتوافر البذور والأسمدة والوقود والكهرباء ومعدات الزراعة المستدامة إضافة إلى قنوات الري والآبار وإمدادات مهمة أخرى حتى يتمكن المزارعون من استعادة زراعتهم المعتادة"، وسيطر المسلحون على 1.1 مليون طن من القمح كانت في صوامع الحكومة بحسب الزعبي. وقال العبادي إن نحو 40 بالمئة من المعدات الزراعية بيعت كأجزاء أو جرى تهريبها إلى دول مجاورة لتمويل لأنشطة التنظيم.
الأمن الغذائي
ويعد دائما ضمان الأمن الغذائي أحد أكبر التحديات المحورية للحكومة وأكثرها إلحاحا، وحتى الرئيس الراحل صدام حسين كان يتوخي الحذر عندما يتعلق الأمر بالغذاء. وتم إنشاء برنامج لتوزيع الطحين (الدقيق) وزيت الطهي والأرز والسكر وحليب الأطفال بالبطاقات في 1991 لمواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق.
ويواصل العراقيون الفقراء الاعتماد على هذا النظام الذي اعتراه الفساد والتبديد على مر السنين بالإضافة إلى تقلصه بشكل حاد في مناطق الصراع، وتقدر الفاو بأن هناك نحو 2.4 مليون شخص في العراق لا يحصلون على طعام تتوافر فيه العناصر الغذائية التي تلبي احتياجاتهم الغذائية، وميز تنظيم الدولة الإسلامية نفسه عن جماعات متشددة مثل القاعدة بالسيطرة على أراض ومحاولة إنشاء إدارة يمكن أن توفر الخدمات الأساسية من أجل كسب تأييد الناس. ولكن التنظيم أخفق في مجالات مثل الزراعة.
وقال مزارعون إن أحد الأمور هو أن التنظيم لم يطابق الأسعار الحكومية. وعلى الرغم من اعتياد الدولة على دفع ضعف سعر السوق لسلع مثل القمح على سبيل المثال دفع التنظيم سعرا أقل من المتوسط العالمي، وقال الزعبي "كانوا يدفعون للمزارعين نحو 200 دولار للطن في حين أن الحكومة اعتادت على دفع ما يصل إلى 600 دولار للطن"، واعتاد غانم حسين على زراعة 100 دونم (250 ألف متر مربع) بمحصولي القمح والشعير تحت السلاسل الجبلية. وعندما جاء المتشددون تقلصت مزرعته إلى عشرة دونمات لأنه لم يكن يتعاون معهم بشكل كامل، وقال حسين وهو ينثر البذور يدويا على قطعة صغيرة من الأرض حول منزله في قريته "لم يشتروا أي شيء منا. كنت أزرع ما يكفي لإطعام حيواناتي. دمار كامل"، وهو يواجه الآن مخاوف على سلامة أولاده لأن الكلاب التي كانت تأكل الجثث التي كانت ملقاة في الشوارع نتيجة القتال تعض الناس في قريته.
لا أمل
قال المزارعون إن فشل الدولة الإسلامية في توفير الاحتياجات الأساسية للعراقيين سيقوض على الأرجح أي محاولة من جانبها للعودة إلى العراق إذا حاولت التعافي من خسائرها في سوريا وليبيا، لكنهم قالوا إن الحكومة لا تقدم أملا هي الأخرى مع رصد مواردها لجهود إخراج المتشددين من الموصل.
واعتاد المزارع عبد الحكيم علي بيع ما يتراوح بين 50 و100 طن من القمح والشعير سنويا إلى صوامع تديرها الحكومة قبل وصول الدولة الإسلامية. واتصل علي ومزارعون آخرون بالحكومة لمعرفة هل يمكن إحياء النظام القديم، وقال علي "قالوا (لنا) انتظروا لأن الميزانية ضعيفة. الحكومة تنهار هذه حكومتنا. قالوا انتظروا الفرج من الله"، وهذه قصة معتادة بين المزارعين. وحين سيطر التنظيم على الموصل في يونيو حزيران 2014 كان المزارعون ينتظرون أموالا حكومية مقابل كميات من القمح باعوها في ذلك العام.
وقال كاظم البهادلي المستشار الحكومي في الشؤون الزراعية إن الجهود جارية لدفع وتعويض المزارعين وتقديم قروض للبذور رغم انخفاض أسعار النفط ومعاناة المالية العامة، وقال إن الحكومة وضعت بالفعل خططا لتعويض مزارعي الموصل على القمح الذي نقلوه إلى الصوامع قبل وصول التنظيم ناصحا المزارعين بالصبر نظرا لتعقد المسألة والحاجة للمزيد من الوقت، وعرض عارف حسن مسؤول جمعية المزارعين في بعشيقة التي تضم 1100 عضو صورا على رويترز لبلدة كانت تحفها الخضرة في السابق لكنها سويت بالأرض في إطار جهود طرد المتشددين، ولم يعد للبلدة سوى عدد قليل من الأسر.
وترجل حسن في بستان للزيتون وهو يأسى على مشهد الأشجار التي حرقها المتشددون واحدة تلو الأخرى في محاولة لإشعال حرائق تجنبهم الضربات الجوية على ما يبدو، وقال إن تجديد البستان قد يحتاج إلى عشر سنين موضحا أنه توجد حاليا أمورا أكثر إلحاحا، وقال حسن "لا تزال توجد ألغام وعبوات ناسفة على مساحة كبيرة تعيق عمل المزارعين"، وتابع قائلا "نأمل أن تطهر المنظمات الدولية ومنظمات إزالة الألغام المناطق الزراعية. لا يمكن للمزارع العودة إلى مزرعته قبل تطهير هذه المزارع".
اضف تعليق