مع اقتراب الحرب في سوريا من إتمام عامها الرابع يتراجع شكل الدولة أكثر وأكثر لصالح مجموعة من المليشيات المتحاربة، مما يجعل القوى الأجنبية أكثر عزوفا عن التدخل في هذا البلد حتى مع تحوله بشكل أكبر إلى بؤرة لتقويض استقرار المنطقة.
فمنذ بدء الحرب في سوريا أصبحت أعمال العنف مشهدا شبه يومي يتكرر في معظم المدن السورية، حتى صار موت المدنيين والمسلحين مجرد إحصاءات قتلى لمنظمات رسمية وغير رسمية في ظل استمرار الصراع على نحو مضطرد، وهذا يبقي على نزيف الدم السوري مستمرا، لتصبح موجات العنف والحروب مأساة إنسانية تهدد السلم الأهلي، وتؤكد هذا المأساة واقعاً قاسياً لوضع يزداد سوءا ليجسد معاناة كل السوريين.
ويرى معظم المراقبين انه بعد سقوط 200 ألف قتيل وتشرد الملايين يمكن أن تزداد سوريا تمزقا لأسباب كثيرة أضيف إليها الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط في ديسمبر كانون الأول. هذا الضغط الاقتصادي الإضافي سيجعل من الصعب على أي طرف إحراز تقدم حاسم.
ويرى هؤلاء المراقبون أن محاولات إيجاد حل سياسي تبددت أيضا لشراسة الحرب في الميدان وعزوف الدول الاقليمية والدولية على ايجاد حل فاعل للازمة السورية، في نفس الوقت يستمر تفتت سوريا وهو أمر يبدو أنه يفيد لاعبا واحدا فقط هو تنظيم داعش الذي شكل هياكل إدارية لملء حالة الفراغ والفوضى التي خلفتها الحرب.
فميا يرى بعض المحللين ان العديد الدول العدائية الاستعمارية في اوربا وبعض الدول الإقليمية والعربية قد سعت في جعل سوريا محور الصراع ومرتع الأزمات في الشرق الأوسط، وذلك لتحقيق أجندة خاصة بنقل وتداول أزمات تلك الدول، لتمرير أزماتهم الى داخل سوريا، لكن تظهر التطورات الأخيرة بالانتصارات التي حققها الجيش السوري على حساب هذه المجاميع الإرهابية ان الإرهاب انقلب على داعمي الإرهاب، مما شكل تهديدا مباشرا لأمن الاتحاد الاوروبي الذي يستعد للتصدي المقاتلين الاوروبيين الاسلاميين العائدين من سوريا.
ويحذر الخبراء في مكافحة الارهاب من ان هؤلاء الشبان الاوربيين العائدين من مناطق القتال في سوريا يمثلون التهديد الرئيس على صعيد امكان شنهم اعمال عنف على الاراضي الاوربية، وعليه تشير المعطيات آنفة الذكر ان الارهاب في سوريا قد يشكل خطرا امنيا يتعدى اعتاب البلاد السورية ليصبح إرهاب متنقل ربما يهدد أغلب بلدان العالم، بينما يقول محللون كثيرون إن الضربات الجوية ضد داعش لن تفعل أكثر من كبح الجماعة التي حصنت نفسها جيدا في الأجزاء التي تسيطر عليها في سوريا.
وكان عدد السكان في سوريا قبل نشوب الحرب يبلغ نحو 23 مليون شخص، وإلى جانب القتلى والجرحى تقول الأمم المتحدة إن نحو 3.73 مليون سوري فروا من البلاد وسجلوا أسماءهم رسميا كلاجئين في الخارج.
وتجسد حالة تدهور الوضع الإنساني للاجئي سوريا مشهدا لمأساة إنسانية مهدت لكارثة حقيقية، ويظهر هذا المشهد واقعاً قاسياً لوضع يزداد سوء بشكل يومي لمعاناة هؤلاء اللاجئون بعد تدفق مضطرد وهائل من النزوح الى لبنان وتركيا والعراق والأردن وبعض الدول الأوربية.
على صعيد ذي صلة يتجه مجلس الأمن الدولي على ما يبدو الى حظر كل أشكال الإتجار في الآثار من سوريا والتهديد بفرض عقوبات على كل من يشتري نفطا من متشددي تنظيم الدولة الإسلامية او جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة ويندد بدفع فدى لهاتين الجماعتين.
وعليه يبدو أن عام 2015 سيكون عام الفوضى الشاملة في سوريا استنادا لما اظهرته المستجدات الأخيرة في القضية السورية، من مفارقات وتباينات متعددة المقاصد من لدن بعض الدول الإقليمية والعالمية المشاركة بشكل مباشر في هذه القضية الدولية، حيث تسعى تلك الى إيجاد حل سياسي لتسوية الازمة في سوريا بالظاهر، بينما تذكي الازمة وتزيد من تعقديها بالخفاء، مما وضع النزاع السوري داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع الذي يغذي العنف وينشر الدمار في البلاد، وهذا ما جعل منها أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية ودولية، قد تكون الأخطر على السلم والأمن العالميين منذ الحرب العالمية الثانية، ليبقى المشهد السوري غامضا حتى اللحظة الراهنة.
أكثر 210 آلاف قتيل
في سياق متصل قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد القتلى منذ نشوب الحرب في سوريا ارتفع إلى 210060 نصفهم تقريبا من المدنيين لكن العدد الفعلي للقتلى قد يكون أكبر من ذلك بكثير، وذكر المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له ويتابع الصراع من خلال شبكة نشطاء داخل سوريا أن عدد القتلى يشمل 10664 طفلا و6783 امرأة. بحسب رويترز.
ولم يتسن لرويترز التحقق على نحو مستقل من العدد الذي أعلنه المرصد، وقال المرصد إنه أحصى سقوط 35827 قتيلا في صفوف مقاتلي المعارضة و45385 من قوات الحكومة السورية، لكن رامي عبد الرحمن مدير المرصد قال إن العدد الفعلي لقتلى الجانبين أكثر بكثير على الأرجح ربما بما يقدر بأكثر من 85 ألف شخص.
وقال عبد الرحمن إن القتلى الذين يشملهم العدد المعلن هم من تمكن المرصد من التحقق منهم إما عن طريق الاسم أو وثائق الهوية أو الصور أو مقاطع الفيديو، وذكر أن جماعات من الجانبين تحاول إخفاء عدد قتلاها مما يجعل من الصعب للغاية قياس عدد القتلى في صفوف المقاتلين.
2014 العام الاكثر دموية في النزاع السوري
فيما قتل اكثر من 76 الف شخص في اعمال عنف في سوريا خلال العام 2014، الاكثر دموية في النزاع الذي بدأ في منتصف آذار/مارس 2011، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان، في 2013، بلغت حصيلة قتلى النزاع 73447، و49394 في 2012، و7841 في 2011، وقال المرصد السوري في بريد الكتروني "وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 76021 شخصاً منذ بداية العام الفائت وحتى تاريخ 31 كانون الاول/ديسمبر 2014"، واوضح ان بين القتلى 17790 مدنيا، 3501 منهم من الاطفال.
واشار المرصد الذي يستند الى شبكة واسعة من المندوبين والمصادر الطبية في كل المناطق السورية، الى ان 15747 مقاتلا معارضا قتلوا خلال السنة، بالاضافة الى 16979 جهاديا، غالبيتهم من غير السوريين. بحسب فرانس برس.
ويقاتل تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي اعلن في حزيران/يونيو اقامة "دولة الخلافة" انطلاقا من الاراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، ضد قوات النظام، وضد فصائل المعارضة السورية، وضد الاكراد.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "شهدنا هذه السنة ارتفاعا في عدد المقاتلين الاجانب القتلى"، كما تتضمن الحصيلة مقتل 12861 جنديا في قوات النظام، و9766 من المسلحين السوريين الموالين لها و2512 من المسلحين غير السوريين بينهم 345 من حزب الله اللبناني.
ويشير المرصد الى ان هذه الحصيلة لا تشمل الاف المفقودين من الذين اعتقلوا في سجون النظام او لدى مجموعات جهادية. كما يرجح ان الحصيلة اكثر ارتفاعا بسبب تكتم الاطراف المقاتلة على خسائرها البشرية.
سوريا تزداد تمزقا
من جانب آخر قال ناصر قنديل المشرع السابق الذي يرأس تحرير صحيفة لبنانية وتربطه علاقات طيبة بدمشق إن فكرة وجود معارضة للأسد تبخرت بالنسبة للسعودية. وأضاف أن السعوديين يعلمون أن الاختيار المتاح الآن هو إما الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وإما الأسد ولا يوجد خيار ثالث، وتابع قنديل أنه بدلا من ذلك اختار كثير من اللاعبين الإقليميين وربما القوى الغربية استراتيجية التراجع مما يعني ترك الجماعات المتحاربة في سوريا تحسم المواجهة بنفسها. بحسب رويترز.
وقال جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما إنه حتى مع إقامة منطقة عازلة فإن الأمر سيحتاج الى موارد أكثر بكثير مما تعهدت به الولايات المتحدة "للأخذ بيد حفنة من الميليشيات المنقسمة التي تسيطر على واحد أو اثنين في المئة من سوريا وتحويلها إلى قوة تفتح كل الأراضي (السورية)."
وأشار إلى إنفاق الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات خلال سنوات من الاحتلال العسكري للعراق الذي مازالت حكومته تكابد لتحقيق الاستقرار.
وقال لانديس "لن يفعل أحد ذلك من أجل سوريا. كل الأطراف.. كل هذه الجيوش التي تحارب بالوكالة في سوريا يبدو أن داعميها مستعدون لإنفاق أموال تكفي فقط لجعلهم لا يخسرون لكن لن يقدموا ما يكفي لتحقيق مكاسب حاسمة."
أما مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا ستيفان دي ميستورا -الذي شغل هذا المنصب بعد استقالة مبعوثين سابقين لشعورهما بالإحباط- فيبدو أنه أدرك أن إيجاد حل شامل للصراع في هذه المرحلة أمر غير عملي.
وبدلا من حل شامل ركز ميستورا على التوسط من أجل إيجاد "مناطق مجمدة" تتوقف فيها العمليات العسكرية أو اتفاقيات هدنة محلية في مدينة حلب بشمال البلاد وهي خطة يبدو أنها تقر بواقع دولة مقسمة بين مئات الجماعات المحلية.
وقد عبر مقال بصحيفة الحياة التي تصدر في لندن عن هذا الوضع بكل صراحة. يقول الكاتب: من بين كل القوى التي تقاتل في سوريا فإن تنظيم الدولة الإسلامية وحده هو الذي يملك استراتيجية محددة بوضوح للحاضر وللمستقبل.
حظر الإتجار في آثار سوريا ونفطها
من جهة أخرى قال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة تعمل مع بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا لوضع مسودة قرار يوزع على بقية أعضاء المجلس المكون من 15 دولة، وقال مسؤول أمريكي إن روسيا اقترحت في البداية أن يزيد المجلس الضغط على داعش. بحسب رويترز.
وقال مسؤول أمريكي مطلع على المناقشات بشأن مشروع القرار "نحن متفائلون نسبيا ونعتقد أنه سيحظى بتأييد المجلس" وأضاف أنه يهدف الى "إضعاف قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على جمع الأموال ونقلها"، وقال المسؤول إن من المأمول أن يتمكن المجلس من التصويت عليه الأسبوع القادم. وتسعى المسودة التي اطلعت رويترز على نسخة منها الى أن تكون امتدادا لقرارات سابقة بشأن تمويل الإرهاب.
وسيحظر القرار كافة اشكال الإتجار في الآثار من سوريا ويؤكد مجددا حظرا يفرضه المجلس على الآثار العراقية منذ نحو عشر سنوات، ويعبر مشروع القرار عن القلق من حصول الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وجماعات أخرى على عائدات من التجارة غير المشروعة في الآثار "التي تستخدم لدعم جهودهما لتجنيد عناصر وتعزيز قدرتهما الميدانية على تنظيم وتنفيذ هجمات إرهابية".
وسيصدر القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجعله ملزما قانونا ويعطي المجلس سلطة تطبيق القرارات باستخدام العقوبات الاقتصادية او القوة. لكنه لا يجيز استخدام القوة العسكرية، وذكر تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني أن الدولة الإسلامية تنهب الآثار في سوريا والعراق وأن هناك أدلة ايضا على أن التنظيم المتطرف يشجع نهب وتهريب الآثار ثم يحصل ضرائب من سارقيها. لكنه قال إن من الصعب جدا تقدير حجم الأموال التي جناها، وقال ايضا إن الدولة الإسلامية تجمع عدة ملايين من الدولارات شهريا من فرض ضرائب غير قانونية وما بين 96 الفا و123 الف دولار يوميا من الفدى بينما تجني عائدات من النفط الخام تتراوح بين 864 الفا و1.6 مليون دولار في اليوم.
لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) كانت قد قالت إنها وجدت أن النفط لم يعد مصدر الدخل الرئيسي للدولة الإسلامية. وقال دبلوماسيون غربيون طلبوا عدم نشر اسمائهم إن هذا نتيجة الضربات الجوية التي استهدفت منشآت نفطية الى جانب تراجع أسعار النفط مما أثر على أسعار السوق السوداء.
ويدعو مشروع القرار الدول الى دراسة اتخاذ الإجراءات الملائمة لتجنب تهريب الأسلحة خاصة الصواريخ أرض جو للدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات المرتبطة بالقاعدة، وسيدعو المجلس الدول لاتخاذ خطوات لوقف استخدام الطائرات والسيارات والشاحنات لتهريب النفط والمعادن النفيسة والحبوب والماشية والالكترونيات والسجائر لبيعها دوليا او مقايضتها بالأسلحة، ويطلب مشروع القرار من الدول رفع تقارير خلال 90 يوما بشأن الإجراءات التي اتخذتها تنفيذا للقرار.
خسائر الشرق الأوسط
الى ذلك قال تقرير أصدره البنك الدولي إن دول منطقة شرق البحر المتوسط خسرت 35 مليار دولار من اجمالي الدخل بسبب الحرب في سوريا وتوسع تنظيم داعش الارهابي. بحسب رويترز.
واضاف تقرير "الآثار الاقتصادية للحرب السورية وتقدم الدولة الاسلامية في شرق البحر المتوسط" والصادر عن مكتب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا أن الخسارة البالغة 35 مليار دولار تعادل حجم الاقتصاد السوري في 2007، وقال التقرير "للاسف فهذا هو الحد الأدنى لتقديرات الخسائر الاقتصادية بالمنطقة".
وأشار إلى أن تكلفة الحرب تتوزع بشكل غير متساو في المنطقة حيث تتحمل سوريا والعراق عبء التكلفة المباشرة للحرب حيث تراجع الانفاق على الرفاه لكل فرد في البلدين بنسبة 14 في المئة و16 في المئة على التوالي.
وفي الدول المجاورة هبط نصيب الفرد من الدخل بأكبر نسبة في لبنان وبلغت 11 في المئة في حين لم يتجاوز التراجع في تركيا ومصر والاردن 1.5 في المئة مما يعكس الأثر الكبير في لبنان الذي توجد به اكبر نسبة من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان.
وانخفض الناتج المحلي الاجمالي السوري بنسبة 30 في المئة بسبب الحظر على التجارة مع سوريا، واشار التقرير إلى أنه لو كان العراق وسوريا تمكنا من تجنب الصراع لكان نصيب الفرد من الدخل أعلى في المتوسط بمقدار الثلث والربع على التوالي.
وتضررت جميع الاطراف الفاعلة في الاقتصاد في سوريا لكن خسارة اصحاب الاراضي كانت الأكبر حيث انخفض الطلب على الأراضي بحدة في انعكاس لتدفق اللاجئين الى خارج البلاد، وعلى النقيض من ذلك استفاد اصحاب الاراضي والشركات في لبنان وتركيا في حين تضرر العمال نظرا للضغوط التي فرضها تدفق اللاجئين على الطلب على السلع والخدمات، وتسببت الحرب في تشريد 18 مليون سوري بينهم 12 مليون نازح داخل سوريا في حين لجأ أغلب الباقين الى الدول المجاورة.
اضف تعليق