q

يعيش السودان أزمات خطيرة تفاقمت حدتها بعد بشكل كبير بعد انفصال الجنوب في 2011، وهو ما أدّى وبحسب بعض الخبراء، إلى خسارة السودان نحو ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، ونصف إيراداته الحكومية، ونحو ثلثي احتياطاته من العملة الصعبة. وتمثّل قدرة الاقتصاد السوداني على التكيّف مع صدمة بهذا الحجم تحدِّياً في غاية الصعوبة، تفاقمه الأوضاع الأمنية المتدهورة وقدرة البلاد المحدودة على الولوج إلى الدعم المالي الخارجي.

هذه المشاكل والازمات وبحسب بعض المراقبين أثر بشدّة على شعبية حكومة الرئيس عمر البشير التي كانت تحتفظ بقدر من التعاطف والتأييد كان واضحاً للرأي العام إبّان أزمة محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق البشير عام 2009. في تلك الفترة العصيبة من عمر النظام، كانت قطاعات عديدة من جموع الشعب السوداني ترفض فكرة مثول الرئيس عمر البشير إلى محكمة الجنايات الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، غربي البلاد.

ويبدو أن بعض دوائر الحكم في السودان بدأت تستشعر مؤخراً خطر الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها المحتملة؛ إذ بدأت تنطلق من داخل صفوف الحزب الحاكم أصوات تحذر من آثار الأزمة الاقتصادية ومن (ثورة الجياع) ما لم يحدث تغيير جذري في الوضع الاقتصادي الراهن وبالسرعة المطلوبة، حيث اكدت بعض المصادر أن الأزمة الاقتصادية في السودان اقتربت كثيراً من مرحلة الانفجار وما عاد في مقدور الناس احتمال المزيد من تداعيات هذه الأزمة الزاحفة التي كانت واضحة على مدى السنوات الخمس الماضية وظلت الحكومة تتعامل معها بعدم الجدية والسياسات الخاطئة وبالتجاهل وسوء الإدارة.

ففي الفترة الاخيرة تصاعدت حدة الغضب الشعبي والاصوات المطالبة بإجراء اصلاحات جديدة، حيث لجأت الحكومة إلى إجراءات اقتصادية رفعت بموجبها الدعم عن المحروقات، بعد حوالي عامين من انفصال الجنوب، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات واحتجاجات شعبية قابلتها السلطات الأمنية بالعنف، وراح ضحيتها نحو 200 متظاهر "بحسب إحصائيات منظمة العفو الدولية". كما شهدت الفترة الاخيرة، تحركات ودعوات للعصيان المدني إحتجاجا على غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية أطلقتها مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي وتلقفتها احزاب المعارضة . دعوة شهدت إنقساما بين مؤيد يؤكد على نجاحها وبين معارض يقول بفشلها، خصوصا وان الحكومة قد تعهدت باستخدام العنف ضد المعارضين لسياساتها وقراراتها فقد هدد الرئيس السوداني عمر البشير باستخدام القوة ضد تظاهرات المعارضين لنظام حكمه كما حدث في ايلول/سبتمبر 2013 عندما قتل عشرات خلال صدامات من هذا النوع.

وجاء تهديد البشير بعد ان دعا ناشطون معارضون الى العصيان المدني ضد قرار الحكومة برفع الدعم عن المنتجات النفطية الذي ادى الى ارتفاع اسعار كل السلع. وقال البشير امام حشد من مناصريه في مدينة كسلا بشرق السودان، في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي "سمعنا خلال الايام الماضية من ناس يتخفون خلف الكيبورد، دعوة الى اسقاط هذا النظام"، في اشارة الى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت.

واضاف الرئيس السوداني "نريد ان نقول لهم اذا اردتم اسقاط النظام واجهونا مباشرة في الشارع ولكني اتحداكم ان تأتوا الى الشارع (...) نعلم انكم لن تأتوا لانكم تعلمون ما حدث في السابق"، مؤكدا ان "هذا النظام لا يمكن اسقاطه بواسطة الكيبوردات". وفي 2013 استخدمت الحكومة القوة في مواجهة تظاهرات ضد زيادات في الاسعار ايضا، مما ادى الى مقتل عشرات في الشارع. وقدرت منظمات حقوقية عدد القتلى حينذاك باكثر من مئتين بينما تؤكد الحكومة ان العدد لم يصل الى مئة قتيل.

تقشف واحتجاجات

يشغل المتجر الصغير الذي يملكه محمد ياسين موقعا جيدا في الخرطوم لكن معظم رفوف المتجر خالية بسبب هبوط الجنيه وسلسلة من إجراءات خفض الدعم أدت لارتفاع الأسعار وعزوف الزبائن عن الشراء. قال ياسين (44 عاما) "الأسعار ترتفع يوميا بعد قرارات الحكومة ولم يعد بوسعنا إعادة ملء الأرفف لأن رأس مالنا يفقد قيمته." وأضاف "هبطت المبيعات كثيرا... لا نعرف إلى متى نستطيع التعامل مع الأمر. نخشى أن نتوقف عن العمل." وأذكى التضخم الذي تقترب نسبته من 20 في المئة والإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة استياء متزايدا واحتجاجات نادرة في السودان في الأسابيع القليلة الماضية.

ولا تزال الاحتجاجات حتى الآن محدودة لكن حكومة الرئيس عمر حسن البشير التي تضع في اعتبارها الغضب الشعبي الذي أطاح بعدد من الحكام العرب في 2011 سارعت لإسكات انتقادات وسائل الإعلام لتعاملها مع الأزمة. وتتصاعد المشكلات الاقتصادية التي يواجهها السودان منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 ليأخذ معه ثلاثة أرباع إنتاج النفط وهو المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية والدخل الحكومي. وفي ظل تراجع عوائدها بدأت الحكومة خفض الدعم على الوقود والكهرباء في 2013 وأعلنت جولة جديدة من التخفيضات في أوائل نوفمبر تشرين الثاني مما أدى لارتفاع أسعار البنزين بنسبة 30 في المئة تقريبا.

في الوقت نفسه سعى السودان لتخفيف أزمة نقص الدولار من خلال استحداث سعر ثان للصرف إلى جانب السعر الرسمي وهو 6.4 جنيه مقابل الدولار. ويسمح ما يسمى بنظام الصرف الأجنبي التحفيزي للبنك المركزي بشراء الدولار من العاملين السودانيين بالخارج بنحو 16 جنيها سودانيا ويهدف إلى تعزيز تدفق العملات الأجنبية على النظام المصرفي. وسعى السودان لخفض الطلب على الدولار وحماية الصناعة المحلية فحظر واردات اللحوم والأسماك وزاد التعريفة الجمركية على سلع أخرى. لكن القيود فاقمت التضخم في بلد ما زال يعتمد بشدة على استيراد السلع.

وقالت فاطمة صالح (39 عاما) وهي موظفة حكومية تعول أسرة من خمسة أفراد "الحياة أصبحت غير محتملة. أسعار الخضروات واللحوم والسكر والنقل في ارتفاع مستمر والحكومة لا تشعر بنا. لا ندري ماذا نفعل." بينما يشعر المزيد من السودانيين بوطأة الأزمة المالية يزداد الاضطراب. وفي الأسبوع الأخير شهدت الخرطوم ومدن أخرى احتجاجات نادرة. ونظم أكثر من 150 محاميا اعتصاما بوسط الخرطوم. وفي أجزاء أخرى من العاصمة استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين أغلقوا طريقا.

وألقت السلطات القبض على أربعة معارضين وأغلقت قناة تلفزيونية وصادرت طبعات أربع صحف. ولم يتسن الوصول لمسؤولين حكوميين للتعقيب لكن ربيع عبد العاطي المسؤول الكبير في الحزب الحاكم الذي يتزعمه البشير قال لرويترز إنه كان لا بد للحكومة أن تخفض الدعم. وأضاف أن سياسات الدعم ستؤدي إلى كارثة وعبء على الاقتصاد مشيرا إلى أن الدعوة للعصيان المدني فشلت لأن من أطلقوها محل شك ومن أيدوها ليس لهم ثقل سياسي.

وتزداد الأزمة تفاقما في اقتصاد متعثر بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عام 1997 على حكومة اتهمتها واشنطن برعاية الإرهاب. وتم تشديد العقوبات عام 2006 لدور البشير في الصراع في دارفور. وتواجه الشركات صعوبات للحصول على الدولار من البنوك الممنوعة بموجب العقوبات من تلقي تحويلات من الخارج وهو ما اضطرها للجوء للسوق السوداء حيث الأسعار أعلى.

وقال مسؤول مالي بشركة تستورد المنتجات الزراعية "مثلنا مثل كل المستوردين نشتري العملة الأجنبية من السوق السوداء في بعض دول الخليج وهي تباع هناك بأسعار أعلى من الخرطوم نتيجة العقوبات الأمريكية التي تحظر التحويلات للسودان." وأضاف "نعدل أسعار منتجاتنا يوميا بناء على سعر الدولار... نعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة لكن هذه أصعب فترة في تاريخنا."

وتحد عزلة السودان من خياراته. وتسعى المحكمة الجنائية الدولية للقبض على رئيسه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب. وعلى النقيض من مصر التي ساعدتها إصلاحات اقتصادية أجرتها على نيل موافقة صندوق النقد الدولي على إقراضها 12 مليار دولار.. يقف السودان وحده. ونتيجة تركيز البشير على تعزيز قبضته على الحكم ومحاربة المتمردين في دارفور ومناطق أخرى عانى الاقتصاد إهمالا لفترة طويلة. كانت حكومة البشير تعتمد على النفط ولم تستعد كما يجب للصدمة الاقتصادية التي خلفها انفصال الجنوب فواجهت صعوبات كبيرة للتعامل مع الموقف. بحسب رويترز.

ويقول منتقدو البشير إن الإنفاق العسكري يستنزف الميزانية ويطالبونه بالسعي إلى السلام قبل خفض الدعم. وقال محمد الجاك أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم إن على الحكومة اتخاذ خطوات جادة إزاء خفض الإنفاق. ومع سعيه الدؤوب للبحث عن مورد دخل جديد تخلى السودان عن حليفته القديمة إيران في الأعوام القليلة الماضية لصالح السعودية. لكن الاستثمارات السعودية التي بلغت قيمتها مليارات الدولارات فشلت في تغيير دفة التراجع الاقتصادي الذي يشعر الشباب بوطأته أكثر من أي فئة أخرى. وقال محمد إسحق (19 عاما) الذي يعمل في ورشة حدادة "أتقاضى 50 جنيها في اليوم... لكن هذا لا يكفي للإفطار والمواصلات. "كل الأسعار ارتفعت... والدخل ثابت. لا أعرف ما هو الحل."

موازنة 2017‎

من جانب اخر توقع السودان وكما نقلت بعض المصادر، أن يبلغ عجز موازنته للعام المقبل، 18.9 مليار جنيه ( 2.8 مليار دولار) بنسبة 2.1 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقدمت وزارة المالية السودانية موازنة 2017، للبرلمان على أن يتم التصويت فيما بعد، بعد خضوعها للنقاش والمداولات من قبل أعضاء البرلمان. ويضم البرلمان 486 عضواً، ويحتاج تمرير الموازنة إلى أغلبية (50% +1).

وبلغت تقديرات الموازنة العامة 83.8 مليار جنيه (12.50 مليار دولار)، بعجز وصل إلى 2.1 مليار دولار، وهو أعلى من العجز بميزانية العام المنتهي والتي كانت 1.9% من الناتج المحلي. وأرجع بدر الدين محمود، وزير المالية، ارتفاع المصروفات إلى “زيادة أجور العاملين بالدولة”، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها بلاده في أسعار صرف الدولار، في إشارة إلى التحرير الجزئي لترتفع قيمة الدولار من 6 جنيهات إلى 6.5.

واستبقت وزارة المالية الموازنة بتطبيق حزمة من الإجراءات الاقتصادية، بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شملت رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وتحرير “جزئي” لسعر الصرف. وتوقع محمود ارتفاع مؤشرات التضخم في الربع الأول من العام المقبل إلى أن يستقر في حدود 17% . ويتوقع أن تحقق موازنة العام المقبل معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بـ5.3%، مقارنة بمعدل نمو 4.9% في الموازنة الأخيرة.

اعتقالات ومحاكمات

على صعيد متصل قال تحالف المعارضة بالسودان إن السلطات اعتقلت أربعة من قياداته بينهم السياسي المخضرم صديق يوسف وذلك في إطار حملة لقمع الاحتجاجات. ويوسف من أبرز السياسيين في البلاد وأحد قيادات تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض للرئيس عمر حسن البشير. والبشير الذي تولى السلطة في انقلاب عام 1989 متهم بأنه العقل المدبر لعمليات إبادة جماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب أثناء صراع دارفور. وهو مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والتي أصدرت مذكرة اعتقال في حقه عام 2009. وهو ينفي ارتكاب أي مخالفات. واعتقلت السلطات أيضا محمد ضياء الدين الناطق باسم تحالف قوى الإجماع الوطني وكذلك منذر أبو المعالي وطارق عبد المجيد العضوين بالتحالف المعارض.

م جانب اخر مثل ثمانية من اصل 26 شخصا اوقفوا في السودان بعد تظاهرات احتجاج على زيادة اسعار المحروقات، امام محكمة. وكان جهاز الامن والمخابرات اعتقل هؤلاء المتظاهرين وبينهم 12 امرأة بعد ان نظموا تظاهرة صغيرة في شارع رئيسي بالخرطوم فرقتها شرطة مكافحة الشغب. وقال الادعاء ان كل الموقوفين" يواجهون تهما بالازعاج ومخالفة قانون السلامة العامة"، مؤكدا ان ال18 شهصا الآخرين سيمثلون امام القضاء في الايام المقبلة. بحسب فرانس برس.

وخرج متظاهرون في مجموعات صغيرة في عدد من مناطق الخرطوم بعد ان رفعت الحكومة اسعار منتجات النفط بنسبة 30 بالمئة. كما اعتقل جهاز الامن عددا من زعماء الاحزاب المعارضة وناشطين سياسيين بعد ان دعوا للتظاهر ضد قرارات الحكومة بزيادة اسعار المنتجات النفطية . وتهدف السلطات الى منع تكرار تظاهرات امتدت لشهرين في 2013 قامت بتفريقها بالقوة مما تسبب ذلك في مقتل العشرات.

اضف تعليق