يبدو أن إيران تسعى لعلاج مشاكل قديمة سواء في الداخل أو الخارج بانتهاج سياسية اكثر توازنا يقودها الرئيس حسن روحاني وحكومته منذ توليه الحكم، واعطى فرصة ممكنة لحل بعض المشكلات المستعصية محليا ودوليا، إلا أنه لا يملك زمام الأمور كاملة لفرض تغييرات، وسيظل القول الفصل للزعيم الاعلى آية الله علي خامنئي، وأي تغيير يحتاج لموافقته.
ولعل أهم ما اذكاه الصراع الداخلي في ايران هو قضية تتعلق بالسياسية الخارجية وتحديدا تتعلق بالملف النووي والمفاوضات مع الغرب التي فتحت آفاقا جديدة قبل نحو عام لكنها تنم عن مؤشرات فشل مرة أخرى، ففي كل مرة تصل بها المحادثات الى انفراجة واتفاق مأمول تصدها عقبات وعوائق متزايدة من لدن طرفي المفاوضات.
ويرى المحللون انه من أبرز النقاط العالقة الرئيسية أمام التوصل الى اتفاق نهائي هو رفع وتيرة العقوبات وحجم قدرة إيران على انتاج الوقود النووي بشكل يحول دون امتلاك قدرة على تصنيع قنبلة نووية ومدة أي اتفاق، الى جانب مطالبة إيران بأن توافق القوى الغربية على إنهاء العقوبات في مجالي النفط والبنوك سريعا.
فيما يرى بعض المتخصصين في شأن الملف النووي الايراني إن أي تمديد آخر لمهلة التوصل لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي ليس في مصلحة أحد رغم أن عدم التوصل لاتفاق لن يكون نهاية العالم.
وينظر إلى التوصل لاتفاق نووي شامل على أنه وسيلة مهمة لتقليص خطر اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط في الوقت الذي تنخرط فيه إيران بصراعات في سوريا والعراق.
حيث حددت المفاوضات بين إيران والقوى الست وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين مهلة تنتهي في 30 يونيو حزيران القادم للتوصل لاتفاق نهائي يحد من أنشطة إيران النووية المتنازع عليها مقابل رفع تدريجي للعقوبات المفروضة عليها.
وفي نوفمبر تشرين الثاني الماضي فشلت ايران والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا والمانيا وروسيا في تسوية نزاع مستمر منذ 12 عاما بسبب طموحات طهران النووية واتفقوا على مهلة سبعة شهور أخرى للتوصل الى اتفاق تاريخي.
ويقول مسؤولون غربيون إنهم يسعون للتوصل الى اتفاق حول مضمون الاتفاقية النهائية بحلول مارس آذار لكن هناك حاجة لمزيد من الوقت لتحقيق توافق في الآراء بشأن التفاصيل الفنية المهمة كافة.
ويرى المتخصصون في هذا الشأن أن الاتفاقية تهدف إلى إنهاء العقوبات مقابل فرض قيود على برنامج إيران النووي لكن خلافات تستعصي على الحل لا تزال قائمة خاصة فيما يتعلق بتوقيت تخفيف العقوبات الاقتصادية ومدة الاتفاق.
على صعيد ذي صلة يواجه كل من روحاني -الذي يقول مسؤولون إيرانيون إنه يجازف بتاريخه السياسي في سبيل هذا الاتفاق- والرئيس الأمريكي باراك أوباما معارضة شرسة للاتفاق داخل بلديهما مما يحد من أفق التنازلات.
ذكر مسؤولون إيرانيون أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حذر الولايات المتحدة من أن عدم التوصل لاتفاق نووي ينذر على الأرجح بتضرر النفوذ السياسي للرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني مما يزيد المخاطر في صراع يمتد الى عشر سنوات ويقترب من مرحلته الأخيرة.
يأتي التحذير من أن انهيار المحادثات سيزيد من قوة المحافظين في إيران بينما وصل النزاع النووي المستمر منذ 12 عاما إلى مرحلة حاسمة في ظل مهلة تنتهي يوم 30 مارس آذار للتوصل إلى اتفاقية سياسية قبل إبرام اتفاق نهائي بحلول 30 يونيو حزيران.
وأشار مسؤولون غربيون إلى أن هذه الخطوة ربما تكون مجرد حيلة تفاوضية لإقناعهم بتقديم مزيد من التنازلات لكنهم اتفقوا مع الرأي الذي يقول إن النفوذ السياسي لروحاني سيتضرر كثيرا بفشل المحادثات.
في حين يعزو المحللون الضعف الاقتصادي للعقوبات الدولية وسوء الادارة الاقتصادية خلال عهد نجاد الذي استمر ثمانية اعوام، ويهيمن خامنئي على السياسة النووية الايرانية لكن الرئيس يتمتع ايضا ببعض النفوذ في هذا الملف، ومع اتهامه للغرب بالسعي إلى تغيير النظام أكثر من سعيه لإنهاء النزاع لم يعبر خامنئي عن رغبة في حل قضية أدت إلى فرض عقوبات صارمة على قطاع النفط الايراني وعلى الاقتصاد بشكل عام.
حيث اتهم الزعيم الإيراني الاعلى الغرب بأنه مهتم بتغيير النظام اكثر من إنهاء الأزمة، عبر خامنئي عن رغبته في حل القضية التي أدت الى فرض عقوبات هي الأقسى من نوعها على قطاع النفط الايراني وعلى الاقتصاد بوجه عام، غير ان خامنئي الذي اختير لمنصب المرشد مدى الحياة عام 1989 مقتنع فيما يبدو بأن الغرب عازم على إزاحته وتدمير نظام ولاية الفقيه الذي يقوم عليه نظام الحكم في ايران.
وعليه يرى أغلب المحللين ان اتفاقا نهائيا حول البرنامج النووي الايراني تم مع القوى العظمى، بينما يعتقد اخرون انه من غير الممكن تحقيق ذلك، لكن ومع استمرار الغموض حول المحادثات التي تهدف الى انهاء الجدل القائم حول البرنامج منذ 12 عاما، فإن العراقيل تتزايد امام التوصل الى اتفاق، وعليه فأنه على الرغم من ازدياد الآمال في حل الخلاف النووي عندما انتخب روحاني، لكن خامنئي هو الذي يملك القول الفصل بشأن التوصل لاتفاق، مما يعني تسوية الأزمة النووية الإيرانية معلقة حتى إشعار آخر.
خامنئي والغرب
في سياق متصل قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إنه سيقبل أي اتفاق نووي مع القوى الست الكبرى لا يحصل فيها أي من الجانبين على كل ما يريده ليعزز بذلك موقف المفاوضين الإيرانيين الذين يتعرضون لانتقادات من المحافظين المعارضين للتقارب مع الغرب. بحسب رويترز.
وقال خامنئي في بيان صدر عن مكتبه ونقلته وكالة الطلبة للأنباء "سأقبل أي اتفاق. بالتأكيد لا أريد اتفاقا سيئا. عدم التوصل لاتفاق أفضل من اتفاق لا يكون في مصلحة بلادنا"، وفي إشارة مباشرة للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أحيا المسار الدبلوماسي مع القوى الغربية بعد فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2013 قال خامنئي "الرئيس المحترم ذكر شيئا جيدا وهو "المفاوضات تهدف إلى محاولة التوصل لموقف مشترك"، وتابع "هذا يعني أنه لن يحصل جانب واحد على كل ما يريده"، وقال خامنئي "يحاول مفاوضونا (النوويون) نزع سلاح العقوبات من العدو.. إذا استطاعوا فإن ذلك سيكون أفضل بكثير. وإذا فشلوا فعلى الجميع أن يعلم أن لدينا وسائل كثيرة لتخفيف وطأة هذا السلاح".
تمديد المحادثات لن يكون في مصلحة الجميع
من جهته قال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر ميونيخ للأمن حيث التقى بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري ومسؤولين ألمان وروس وبريطانيين "لا أعتقد أننا إن لم نتوصل لاتفاق فستكون هذه نهاية العالم، "ولكني لا أعتقد أن أي تمديد آخر سيكون في مصلحة أي طرف إذ لا أرى أن هذا التمديد كان ضروريا أو مفيدا" مشيرا إلى مهلة 30 يونيو حزيران من أجل التوصل لاتفاق لكبح برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات. بحسب رويترز.
وردا على سؤال عن مخاوف اسرائيل من برنامج ايران النووي الذي تعتبره تهديدا لوجودها قال ظريف إن اسرائيل تستخدم "التهديد الايراني الافتراضي كستار" لما اسماه بالأعمال الوحشية ضد الفلسطينيين وغيرهم في المنطقة، وأكد مجددا أن ايران لا تسعى مطلقا لصنع أسلحة نووية ولن تفعل. بحسب رويترز.
كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قال خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته "تمضي القوى العالمية وايران في سبيل التوصل لاتفاق سيتيح لايران تسليح نفسها بالأسلحة النووية وهو شيء سيهدد وجود دولة اسرائيل"، وأضاف أنه "سيتخذ كل الاجراءات للتصدي لأي اتفاق سيء وخطير".
روحاني وفشل المحادثات النووية
على الصعيد ذاته نفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الأحد تقارير إعلامية بأنه أبلغ الولايات المتحدة خلال المحادثات النووية أن نفوذ الرئيس الإيراني حسن روحاني سيتضرر بشدة إذا فشلت المفاوضات. بحسب رويترز.
ونقل تقرير لرويترز عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار طلبوا عدم نشر أسمائهم قولهم إن ظريف حذر واشنطن وقوى غربية أخرى اثناء المحادثات النووية الجارية من أن الفشل في التوصل لاتفاق سيعجل من تراجع النفوذ السياسي لروحاني.
ويقول مسؤولون غربيون إنه مثلما يشير المفاوضون الإيرانيون في الأحاديث الخاصة إلى أن مساحة التنازلات المتاحة لهم تنحسر فإن الأمر نفسه ينطبق على الوفود الأوروبية والوفد الأمريكي، وتساور الشكوك إسرائيل والسعودية حيال قرار الولايات المتحدة التفاوض مع إيران بشأن القضية النووية. وهددت إسرائيل باستخدام القوة العسكرية لضرب المواقع النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في احتواء الخطر الذي تعتقد أن إيران تمثله، ويقول مسؤولون على دراية بالمحادثات إن الولايات المتحدة قدمت بالفعل تنازلات في مسألة عدد أجهزة الطرد المركزي الذي سيسمح لإيران بتشغيله، ومن الممكن أن يعلق أوباما الكثير من العقوبات الأمريكية الأحادية القاسية ضد إيران لبعض الوقت لكن رفعها بشكل نهائي يتطلب موافقة الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون حيث تقل الرغبة في تخفيف العقوبات.
ويضع مجلس الشيوخ الأمريكي اللمسات الأخيرة على مشروع قانون لفرض عقوبات أكثر صرامة إذا لم يتم التوصل لاتفاق نهائي بحلول 30 يونيو حزيران. وتعهد أوباما برفض أي مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على إيران، وقال مسؤول غربي آخر إن روحاني أخطأ على ما يبدو في تقدير عزم واشنطن وأوروبا على المطالبة بفرض قيود على الأنشطة النووية الإيرانية لمدة عشر سنوات أو أكثر مقابل تخفيف العقوبات.
أمريكا وايران
من جانبه شدد وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال لقائه نظيره الايراني محمد جواد ظريف على ضرورة التوصل الى اتفاق سياسي حول البرنامج النووي الايراني "بحلول نهاية اذار/مارس" المقبل ، وقال مسؤول في وزارة الخارجية في ختام لقاء بين وزيري خارجية البلدين دام ساعتين في ميونيخ (جنوب المانيا) ان كيري "كرر الاعراب عن الامل بالتقدم نحو حل سياسي بحلول نهاية اذار/مارس"، واضاف هذا المسؤول في الوقت الذي تشهد فيه هذه المفاوضات تعثرا "لقد اتفقنا على ابقاء اتصالاتنا قائمة وسنسعى للالتقاء مجددا قريبا". بحسب فرانس برس.
والتقى كيري وظريف مرارا خلال الاشهر القليلة الماضية كما تتواصل المفاوضات بين الطرفين على مستوى الخبراء، والقى وزير الخارجية الصيني يانغ جيشي كلمة امام مؤتمر الامن في ميونيخ اعتبر فيها ان هناك "فرصة كبيرة لحل المسالة النووية الايرانية"، واضاف "ان الصين مستعدة لتعزيز اتصالها وتعاونها مع الطرفين من اجل التوصل سريعا الى اتفاق متوازن وشامل".
وفي واشنطن، يدرس الكونغرس فرض عقوبات جديدة على ايران رغم نداءات البيت الابيض لإفساح مزيد من المجال امام المحادثات.
ورد المتشددون في ايران بتهديد مقابل وباتوا يعملون على مشروعي قانون يمكن ان يقوضا المحادثات، ويقول المحللون ان الضغوط تتزايد مع تعثر المحادثات بسبب الخلاف حول مستوى تخصيب اليورانيوم الذي سيسمح به لايران وحول جدوى رفع العقوبات المفروضة عليها، ومع ان موعد 30 حزيران/يونيو للتوصل الى اتفاق نهائي بين ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والمانيا) لا يزال بعيدا الا ان المهل السابقة مرت دون تحقيق اي نجاح.
اضف تعليق