تصدر رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرنسوا فيون نتائج الدورة الثانية والأخيرة من الانتخابات التمهيدية ليمين الوسط الفرنسي، وفاز بترشيح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الفرنسية في ربيع 2017، بعد أن ألحق هزيمة كبرى بمنافسه آلان جوبيه، الذي حاز على 33,5 في المئة فقط من الأصوات، مقابل 66,5 في المئة لفيون.
وبعد ساعات من صدور نتائج الانتخابات، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "هاريس انترأكتيف"، أن فيون سيتمكن بسهولة من هزيمة الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية ونال فيون في الاستطلاع على 67 في المئة من الأصوات مقابل 33 في المئة للوبان كما بيّن الاستطلاع أن الرئيس الحالي الاشتراكي فرانسوا هولاند لن يحصل سوى على 9 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، كما سيحصل رئيس الوزراء مانويل فالس، إذا ترشح بدلاً من هولاند، على 9 في المئة أيضاً.
وبحسب الاستطلاع نفسه، سيحصل اليساري والعضو السابق في الحزب الاشتراكي جان لوك ميلينشون على ما بين 13 و15 في المئة، فيما سيجمع وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون ما بين 13 و14 في المئة من الأصوات ووفقاً للقانون الفرنسي، يخوض جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، المرشحان اللذان حصلا على أكثرية الأصوات في الجولة الأولى.
وكان جوبيه قد اعترف في وقت متأخر من ليل الأحد بفوز غريمه فيون، قائلاً إنه سيدعمه، فيما تعهد فيون بخطاب النصر بـ "توحيد" معسكر اليمين خلف مشروع "إصلاحات عميقة" في فرنسا، وقال أمام أنصاره "نهجي معروف: لا يمكن لفرنسا أن تتحمل تراجعها إنها تريد الحقيقة والعمل"، وأضاف "سأضطلع بتحدٍ غير تقليدي لفرنسا قول الحقيقة وتغيير برمجتها تماماً".
سيرته الذاتية
فرنسوا فيون (4 مارس 1954)، رئيس الوزراء الفرنسي منذ 17 مايو 2007 حتى 15 مايو 2012، وهو عضو في الحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني وهو والد لخمسة أولاد، هادئ ومعروف بفاعليته في العمل، برز خصوصاً من خلال عملية إصلاح قانون التقاعد التي قادها في عام 2003 عندما كان وزيرًا للشئون الاجتماعية.
يتمتع بأناقة وحس فكاهي يقال إنهما يشبهان أناقة البريطانيين وطبعهم، علماً أنه متزوج من بريطانية من ويلز وهو معروف باعتداله، حتى أن البعض يصفه بالديغولي الاشتراكي وهو معجب بكتابات شاتوبريان وهو هاوي للتسلق وكرة القدم وسباق سيارات ويشارك كل سنة في سباق مان الممتد على مدى 24 ساعة في سيارة فيراري معروف بتفضيله الحوار ومناقشة الأفكار ويقول أحد أصدقائه: "ليس من النوع الذي يقيم شبكة مساعدين وموظفين من حوله، بمعنى أنه لا يريد أن يخلق إقطاعيات".
مناصبه التشريعية
انتخب في الأعوام 1981، 1986، 1988، 1993، 1997 و2002 في الجمعية الوطنية عن المقاطعة الرابعة في منطقة سارت ممثلاً لكتلة "التجمع من أجل الجمهورية" اليميني.
عضو لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية.
رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية التايلاندية في الجمعية الوطنية.
شيخ منتخب عن منطقة سارت منذ 2005
مناصبه الوزارية
احتلّ عدّة مناصب وزارية منها:
وزارة التعليم العالي والبحث بالفترة من 1993 إلى 1995.
وزارة الاتصالات والبريد بالفترة من 1995 إلى 1997.
وزارة الشؤون الاجتماعية والشعل والتضامن بالفترة من 2002 إلى 2004.
وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث بالفترة من 2004 إلى 2005.
رئاسة الحكومة
عينه الرئيس نيكولا ساركوزي رئيسًا للوزراء في 17 مايو 2007 وكان قد تقدم على جان لوي بورلو الذي كان يحظى بالكثير من الاهتمام الإعلامي إلا أن شخصيته القوية كانت ممكن أن تتسبب بنزاعات بينه وبين نيكولا ساركوزي، ورأى فيه البعض رئيس الحكومة الوحيد الذي يمكن أن يقبل بأن يكون بمثابة "مدير مكتب مطلق الصلاحيات" ومستعد للإمحاء أمام ساركوزي الذي يطرح نفسه "كرئيس نشيط وفاعل" يستعد فيون لوضع الإصلاحات التشريعية التي أعدها مع الرئيس الجديد، موضع التنفيذ عيّنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رئيساً للوزراء في 17 مايو 2007.
أسلوبه السياسي
ينظر إليه إجمالاً على أنه رجل سياسة فاعل ولكن شديد الحذر أحياناً إلا إنه قادر أحياناً على إحداث مفاجئات، فقد تعرض لانتقادات حتى من أعضاء حزبه عندما اقترح المضي في إصلاح التقاعد ليشمل الأنظمة الخاصة التي يفيد منها 6.1 ملايين من الموظفين العامين القدامى، الأمر الذي وصفه اليسار بالاستفزاز واضطر في ربيع 2005 عندما كان وزيراً للتعليم إلى التراجع وإعادة النظر في مشروع له بشأن التعليم في مواجهة إقدام التلاميذ على تنظيم تظاهرات وإغلاق عدد من المدارس، وقد استبعده رئيس الوزراء آنذاك دومينيك دو فيلبان في يونيو 2005 من الحكومة، ما دفعه إلى الانضمام إلى فريق المؤيدين لنيكولا ساركوزي.
أصغر نائب في البرلمان الفرنسي (1981)
بدأ فرانسوا فيون مسيرته السياسية كملحق برلماني للنائب عن منطقة سارت (غرب فرنسا) جويل لو تول، صديق والديه وعندما أصبح هذا الأخير وزيرا للنقل ثم الدفاع، وظف معه فيون كمكلف مهمات وفي 1981، انتخب الشاب فرانسوا (27 سنة) نائبا في الجمعية الوطنية ليكون أصغر نائب يدخل البرلمان وفي 1983، فاز في الانتخابات المحلية ببلدة سابلي سور سارت بمنطقة سارت، وكان فيون من المقربين جدا من وزير الداخلية ورئيس البرلمان السابق فيليب سوغان، أحد أبرز المدافعين عن أفكار الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول.
الخطوات الأولى لفيون في النشاط الحكومي (1983)
بدأ فرانسوا فيون مسيرته الحكومية في 1993 حيث شغل منصب وزير التعليم العالي في حكومة إدوار بلادور (1993-1995). وحافظ على منصب في حكومة آلان جوبيه في 1995 عقب فوز جاك شيراك بالرئاسة على حساب مرشح فيون في هذا الاستحقاق (بلادور)، فأصبح وزيرا للتكنولوجيا والبريد والمواصلات، وفي 2003، تم تعيين فرانسوا فيون في منصب وزير الشؤون الاجتماعية ثم وزيرا للتربية الوطنية في حكومة جان بيار رفران.
مرشح المقاولين
يوصف فيون بمرشح "المقاولين" وأرباب العمل وهو يريد إحداث "صدمة"، على حد قوله، في الاقتصاد الفرنسي لكي ينتعش ويسمح للشركات الصغيرة أن تنمو بسرعة وتخلق فرص عمل جديد، كما يريد تسهيل عملية تمويل الشركات الصغيرة عبر تخفيض نسبة الضرائب التي تدفعها هذه الشركات بين 30 و50 بالمائة، كما أنه ينوي إعادة النظر في النصوص التي تقنن "الإرث العائلي" وتسهيل نقل الشركات والممتلكات العائلية من الآباء إلى الأولاد.
واقترح فيون إلغاء نحو نصف مليون وظيفة في القطاع العمومي خلال خمس سنوات فضلا عن تمديد ساعات العمل من 35 ساعة في الأسبوع إلى 39 ساعة، إضافة إلى تمديد سن التقاعد إلى 65 سنة على الأقل، كما أعلن عن خطة تقشف تتضمن تجميد رواتب رئيس الجمهورية والوزراء في حال انتخب رئيسا.
شعبوية فيّون تلاقي شعبوية ترامب
فاز فرانسوا فّيون نجح نائب باريس الهادئ في ان يكون مرشّح حزب اليمين لانتخابات الرئاسة المقبلة فوزه كان مدوّياً في الدورتين الاولى والثانية في الاولى اخرج نيكولا ساركوزي رئيس الحزب من السباق ومن الحياة السياسية وفي الثانية سحق منافسه آلان جوبيه، السياسي العتيق حصل فيّون على 66.5 في المئة من الاصوات مقابل 33.5 في المئة فقط لخصمه حسم اليمين مرشّحه للرئاسة اما اليسار، فتسود اوساطه حالة ارتباك وبلبلة وعدم وضوح حتى الساعة.
اعادة ترشّح الرئيس الحالي ستكون كارثية على اليسار وتضمن فوز اليمين ففي آخر استطلاعات الرأي الفرنسية لم يحصل هولاند على أكثر من 14 في المئة من المؤيدين إنه في وضع أسوأ من أي وضع مرّ به رؤساء الجمهورية الخامسة على هذا الصعيد رئيس وزرائه مانويل فالز مرشّح محتمل ولكن هو ايضاً لا يتمتع بشعبية كبيرة (15 في المئة من المؤيّدين) خط الوسط ينقسم بين فرانسوا بايرو وايمانويل ماكرون.
هذا الاخير يدعو بايرو الى الالتحاق به ولكن هل يقبل وهو مؤسّس الوسط الفرنسي؟ المفاوضات لم تبدأ في كل الاحوال ماكرون، السياسي الشاب الصاعد، يشكّل حالة يمكن ان تفاجئ المجتمع الفرنسي اما اليمين المتطرّف فالأمر محسوم في معسكره رئيسته مارين لوبّان ستكون المرشّحة لرئاسيات 2017.
إنها مرشّحة جدّية يحسب لها منافسوها حسابًا أكثر مما كانوا يحسبون لوالدها جان ماري لوبّان، بخاصة مع تنامي موجة التطرّف في العالم وفرنسا مع بداية العام 2017 ستفتح معركة الرئاسة الفرنسية على مصراعيها مواضيعها متعدّدة ومثيرة الركود الاقتصادي، البطالة، الاصلاح الاجتماعي، مستقبل الاتحاد الاوروبي بعد خروج بريطانيا وفي ظل ازمة النازحين، حل الاشكالية بين السيادة الوطنية وصلاحيات الاتحاد، الارهاب وكيفية الحماية منه، الازمة الاوكرانية والعلاقات مع روسيا،… وعلى خلاف الانتخابات الاميركية، ملف الشرق الاوسط والازمة السورية سيكونان موضوعين أساسيين في الانتخابات المرتقبة.
في الولايات المتحدة الاميركية كان الموضوع هامشياً، على خلاف ما نعتقد نحن في الشرق الاوسط غالبية الشعب الاميركي تجهل تماماً ما يدور في منطقتنا وتجهل سياسات بلادها تجاهنا فالشرق الاوسط بعيد جغرافياً ولا يشكّل النازحون تهديداً ارهابياً او ديموغرافياً والارهاب لم يضرب بقوّة منذ فترة بينما فرنسا على تماس مباشر مع احداث المنطقة جيوسياستها تتأثر مباشرة بجيوسياسة الشرق الاوسط، وتؤثّر فيه.
لها حدود بحرية معه وترتبط معه بشراكة أورو – متوسطّية وقد ضربها ارهاب "داعش" بقوّة في السنوات الاخيرة من هنا كانت خطابات المرشحين حول الشرق الاوسط، وتحديداً الازمة السورية، موضع اهتمام المتابعين والاعلام في فرنسا فما هي رؤية الفائز في انتخابات اليمين التمهيدية حول المنطقة وسوريا والارهاب والاسلام المتطرّف…؟ يريد فرانسوا فيّون ان تعود فرنسا لاعباً اساسياً في قضايا المنطقة.
وينتقد في خطاباته ومقابلاته السياسات السابقة (على رغم انه كان رئيس الوزراء في بداية "الربيع العربي") التي اخرجت فرنسا من معادلة الشرق الاوسط ويعتبر انه ابتداءً من صيف 2013 اصبحت الدبلوماسية الفرنسية "خارج اللعبة" (السورية) ويضيف: ان "الاميركيين والروس وضعونا خارج المفاوضات" ولكن ماذا عن التدخّل العسكري الروسي في سوريا؟ مرشّح اليمين الفرنسي يهنئ نفسه بهذا التدخّل (في تصريح له في تشرين الاول 2015).
ويعتبر انه لولا هذا التدخّل لكان "داعش" قد سيطر على جزء كبير من سوريا وعلى العاصمة دمشق. ولتمكّن من الوصول الى البحر المتوسط ما كان سيكسبه موقعاً استراتيجياً كبيراً انطلاقاً من هذه المقاربة، التي تشبه الى حد بعيد تلك التي للرئيس الاميركي الجديد، يدعو فيّون الى التفاوض مع فلاديمير بوتين من اجل بلورة استراتيجية موحّدة لمواجهة ارهاب "داعش" واعادة تحرير الاراضي السورية من سيطرته.
رئيسة "الجبهة الوطنية" مارين لوبّان هي أكثر المتضرّرين من فوز فرانسوا فيّون في الانتخابات التمهيدية لحزب اليمين حزبها نشأ وتطوّر على خطاب شعبوي متطرّف نجح في محطات انتخابية باستقطاب قسم من اليمين المعتدل وهي تعوّل عليه للوصول الى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة فأصوات "الجبهة" وحدها لا تسمح بإيصال مرشّحتها الى الدورة الثانية.
في انتخابات العام 2002 واجه جان ماري لوبّان جاك شيراك في الدورة الثانية بفضل تكتيك هذا الاخير الذي نجح في اخراج منافسه اليساري من السباق من الدورة الاولى في العام 2007 سقط لوبّان الأب من الدورة الاولى ولم يحصل على أكثر من 10.5 في المئة من الاصوات وفي العام 2012 تقدّمت شعبية ابنته وحلّت ثالثة بـ 18.5 في المئة من الاصوات مستفيدة من أخطاء نيكولا ساركوزي بخطاب شعبوي متطرّف.
على رغم ذلك خرجت من الدورة الأولى خطاب فيّون حول "التوتاليتارية الإسلامية" والارهاب ومراقبة الحدود للحد من الهجرة وغيرها من الملفات يقطع عليها الطريق لذلك يتّفق المحللون الفرنسيون على ان مرشّح اليمين سيكون اسوأ خصم لمارين لوبّان في انتخابات 2017، خصوصًا وان لدى فيّون مشروع اقتصادي اجتماعي متكامل للخروج من الازمات التي تعاني منها فرنسا ولكنه في الوقت نفسه نقطة ضعف في حملته.
مواقف فيون تتقاطع مع مواقف ترامب
تتقاطع مواقف فيون وأفكاره مع مواقف الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، والذي يرى في الإسلام عدوّاً مباشراً لبلاده، ولذلك فإنه لن يمانع على الإطلاق في التحالف مع النظام السوري لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وكلاهما يرى أن روسيا على حق في تدخلها في سوريا، بل ويؤيدان هذا التدخل، وقد لا يتأخران عن الالتحاق به، كما تشير تصريحاتهما حتى الآن على الأقل.
فيون وتوجهات السياسة الفرنسية
أفصح فوز فرانسوا فيون في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الفرنسية على غريمه آلان جوبيه، عن جملة من الملامح المهمة التي يمكنها أن تسم السياسة الخارجية الفرنسية المقبلة بميسمها في حال فوز مرشح يمين الوسط بمنصب الرئاسة، وبخاصة ما يتعلق بملفات العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا ودول الشرق الأوسط وفي مقدمها سوريا.
إذ إنه وعلى خلاف جوبيه الذي كانت تشير تصريحاته بأنه يمثل نوعاً من الاستمرارية في خط السياسة الفرنسية الراهنة، فإن مواقف فيون السياسية بدت قريبة إلى حد بعيد من مواقف أغلب الأحزاب الأوروبية اليمينية وعلى رأسها أحزاب أقصى اليمين ذات التوجهات الشعبوية، وتحديداً فيما يتصل بالعلاقة مع موسكو وملفات الشرق الأوسط.
وجّه فيون انتقادات عنيفة للسياسة الخارجية الفرنسية المتبعة حاليا من طرف الرئيس هولاند، ووصفها بعدم الانضباط، وقال عنها إنها لا تخدم المصالح العليا للدولة الفرنسية وتشكل تهديداً للأمن القومي الفرنسي، كونها لا تتعامل بالجدية الحاسمة والمطلوبة مع ملف مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق.
ويرى بعض المهتمين بشؤون السياسة الفرنسية، أن مواقف فيون أثناء الحملة الانتخابية التمهيدية، موجهة في قسم كبير منها نحو الناخب الفرنسي المستاء من السياسة الحالية لليسار الفرنسي على المستويين الداخلي والخارجي، حيث اتسمت مرحلة حكم الرئيس هولاند بضعف كبير أدى إلى فقدان فرنسا للكثير من مواقعها في أوروبا وبقية أنحاء العالم وكان لافتاً وجود إحالات متكررة في خطابات فيون إلى المرحلة الديغولية.
وذلك في إشارة واضحة منه إلى رغبته في إعادة أمجاد السياسة الخارجية الفرنسية المنتهجة في عهد شارل ديغول حيث رد فيون على منتقديه، فيما يتعلق برغبته في فتح صفحة جديدة في العلاقات ما بين باريس وموسكو، بقوله لقد كانت لديغول سياسة إيجابية اتجاه الاتحاد السوفييتي ولم يتهمه أحد بالانتماء للشيوعية، وكان أول رئيس دولة غربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين الشيوعية سنة 1964 دون أن يقال إنه أصبح ماويا.
وأكد فيون في السياق نفسه، على أن ما يشغله ليس هو المحافظة على علاقة التحالف التقليدي مع واشنطن، ولا مسألة نسج علاقات جديدة ومتميزة مع روسيا، ولكن اهتمامه الرئيس سيكون منصباً على الدفاع عن المصالح العليا لفرنسا أولا وقبل كل شيء وبالرغم من كل هذه التصريحات القوية والمثيرة للجدل، التي عبّر عنها فيون في ما يتعلق ببعض ملفات السياسة الخارجية الحساسة، فإن حدود التغييرات المحتملة في التوجهات الدبلوماسية لباريس تبقى محدودة إلى حد بعيد، لاسيما إذا أخذنا في الحسبان أن فيون كان رئيساً للوزراء في عهد نيكولا ساركوزي الذي كانت له مواقف حاسمة حتى لا نقول متشددة تجاه النظام في دمشق.
هذا ما يفسّر في رأي بعض المراقبين اتسام مواقف فيون الأخيرة وتصريحاته بشأن الأزمة في سوريا بنوع من التناقض، عندما سعى لأن يدفع عن نفسه تهمة الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مع تأكيده في السياق نفسه أن الأولوية الكبرى بالنسبة لهذا الملف الشائك تتعلق بمحاربة تنظيم "داعش"، وليس تغيير النظام في سوريا وتشير هذه المعطيات إلى أن جزءاً من التخبط الحاصل حاليا في السياسة الفرنسية اتجاه سوريا سيظل قائماً في عهد فيون.
لأن هناك أوساطاً عديدة، سبق لها أن أشارت إلى وجود نوع من التنسيق الاستخباراتي بين دمشق وباريس فيما يتعلق بتبادل المعلومات بشأن الإرهابيين الأوروبيين لاسيما الفرنسيين منهم، الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا، وذلك تزامنا مع الخطاب التصعيدي الذي تروِّج له باريس إعلامياً ضد حكومة بشار الأسد.
أما تصريحات فيون المتعلقة بعلاقة بلاده مع بعض الدول العربية التي يتهمها بإيواء بعض "المتشددين" الذين "يحرّضون" على خطاب الكراهية، فهو موجّه كما أسلفنا نحو الاستهلاك الداخلي ومن أجل استقطاب جزء من أنصار أقصى اليمين، الذين يروِّجون لخطاب عدائي تجاه دول عربية بعينها وتستهدف تلك التصريحات دفع شبهة المواقف الغامضة التي تُتهم الطبقة السياسية الفرنسية بأنها تتبناها في مواجهة الخطاب الديني المتشدد الذي تسبب في وقوع الكثير من العمليات الإرهابية القاتلة فوق التراب الفرنسي.
وبالتالي فإن العلاقات الاستراتيجية وخاصة العسكرية والاقتصادية التي تربط فرنسا ببعض الدول العربية مثل مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، تجعل النخب السياسية الفرنسية، تحرص كل الحرص على المحافظة على هذه العلاقات التي تمثل رهاناً أساسيا بالنسبة للجانب الفرنسي، وذلك بصرف النظر عن هوية المتربع على عرش الإليزيه.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن ردود الأفعال التي أثارها فوز فيون في انتخابات اليمين، تشير إلى أن معركة الرئاسة المقبلة ستعرف صراعاً شرساً واستقطابا حاداً بين مختلف التشكيلات السياسية، وقد حرص فيون من جهته على تدشين معركته الانتخابية من خلال تحديد خصومه السياسيين الرئيسيين في المرحلة المقبلة، انطلاقا من الحديث عما أسماه، "فشل وإخفاق اليسار وإفلاس اليمين المتطرف".
صديق بوتين
صعد فيون ليعين وزيراً للتربية الوطنية في حكومة جان بيار رفران حينها طرح رؤيته لإصلاح النظام الدراسي وفي العاشر من فبراير عام 2005 تظاهر أكثر من 100 ألف طالب ثانوية فرنسي ضد مشروع القرار الذي تقدم به فيون، وأغلقت العديد من المدارس أبوابها، وقد اضطر فيون لإجراء العديد من التعديلات على المشروع نزولاً عند رغبة الشارع الطلابي الغاضب.
في العام نفسه تعرض اليمين لخسارة قاسية في الانتخابات البرلمانية أمام اليسار وحل دومينيك دو فيلبان رئيساً للوزراء بدلاً من رافران، وغادر فيون الحكومة من بابها الواسع ليتفرغ للعمل الحزبي ودعم المرشح اليميني ساركوزي في الانتخابات الرئاسية، ومع وصول الأخير إلى قصر الإليزيه عام 2007 تبوّأ فيون منصب رئيس الوزراء، وتوصف فترة رئاسته للحكومة والتي استمرت طيلة فترة رئاسة ساركوزي بأنها أشبه بمنصب "مدير مكتب مطلق الصلاحيات"
فقد كان مستعداً تماماً لتنفيذ ما يطلبه ساركوزي دون مناقشة على الرغم من أن ما يميز شخصيته، تفضيله للحوار ومناقشة الأفكار.
ما تزال الأفكار المتعلقة بالسياسة الداخلية هي نفسها التي كان يحملها فيون منذ سنوات فهو يوصف بأنه أقرب إلى الليبراليين من الناحية الاقتصادية، لكنه محافظ من الناحية الاجتماعية وأما ما أعلنه من خلال برنامجه الانتخابي وتصريحاته المتلاحقة عن سياسته الخارجية فهي تضعه بشكل أو بآخر في إطار القطيعة مع القيم الفرنسية، كما يقول منتقدوه اليساريون، فهو يبدي ميلاً للتقارب مع روسيا بوتين التي أعلنت أوروبا القطيعة معها، وذهب بعض رسامي الكاريكاتير لتصويره وكأنه دمية سيلعب بها بوتين في حال تمكّن من الوصول إلى الرئاسة الفرنسية.
إلا أن تلك الآراء لا تبدو مزعجة بالنسبة إليه، ويقول رداً على ذلك "رأيت بعضهم يرسم صورة كاريكاتورية عنّي، على أنني مقرّب من الرئيس الروسي، وهذا أمر سخيف، فحين انحازت فرنسا المقاومة إلى ستالين ضد النازية، هل قلنا وقتها إن الجنرال ديغول أصبح شيوعياً".
الدفاع عن العبودية
قوانين الهجرة هي الورقة التي يلوّح بها اليمين واليمين المتطرف في أوروبا، وهي التي منحت العديد من الأصوات للشعبويين في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا لكن فيون يحمل مشروعاً متكاملاً فهو يطرح في برنامجه حول الهجرة تعديلاً دستورياً، وذلك بربط استقبال ودمج المهاجرين بالطاقة الاستيعابية لفرنسا من خلال تحديد عدد المهاجرين الذين يسمح لهم بدخول البلاد والاستقرار فيها سنويا، وفقا لتصويت البرلمان.
ولأن القانون الفرنسي يمنع القيام بإحصاءات مبنية على الأصل أو اللون أو غيرها من الخصائص التي يمكن أن تكون تمييزية، فإن فيون سيعمل للتخفيف من هذه القيود الدستورية حتى يسهل على حكومته تطبيق سياسته، بهدف تحقيق نوع من التوازن العددي بين الدول المصدرة للمهاجرين، كما يقول.
إصلاحاته ستشمل أيضاً قانون "جمع الشمل العائلي" بحيث يخضع المرشحون للهجرة إلى فرنسا لامتحانات مسبقة حول معارفهم بشأن الثقافة والقوانين الفرنسية كما سيعمل في اتجاه تقليص مدة البث في ملفات طلبات اللجوء من عامين إلى ستة أشهر، بحيث يتم ترحيل الأشخاص الذين يتم رفض طلباتهم وذلك في إطار تخفيف الأعباء المادية عن كاهل الحكومة الفرنسية.
أوائل سبتمبر الماضي وفي حشد جماهيري قال فيون "إن فرنسا غير مذنبة عندما حاولت تقاسم وترويج ثقافتها وقيمها لدى الشعوب الأفريقية والآسيوية وشعوب أميركا الشمالية فرنسا ليست هي التي اخترعت نظام العبودية والاستعباد" وقد أثارت تصريحاته تلك غضباً واستياء شديدين في أوساط الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان عامة، وعن حقوق السود في فرنسا بوجه الخصوص.
وطالبت تلك الجمعيات وقتها حزب الجمهوريين الذي ينتمي إليه فيون بفصله نهائياً من الحزب، لأن كلامه ذاك يعكس تراجعاً أخلاقياً، وتزييفاً للتاريخ ولم يعد فيون لإطلاق مثل تلك التصريحات، لكنه لم يتراجع أو يعتذر عنها أيضاً.
فيون والإسلام
في أعقاب هجوم نيس الدامي في 14 يوليو 2016 أصدر فيون كتاب "هزيمة الشمولية الإسلامية" والذي أكد فيه أنه حان الوقت كي "نسمي الأمور بأسمائها الحقيقية، نعم إن منطقتنا تتعرض لغزو دموي إسلامي" واعتبر في كتابه أن "الاجتياح الإسلامي الدامي لحياتنا ينذر بحرب عالمية ثالثة" ولمواجهة هذا التهديد، يعتزم فور وصوله إلى سدة الرئاسة "إعادة النظر جذريا في مبدأ سيادة الدولة".
من خلال عدد من الإجراءات بينها بناء "جهاز استخباراتي فعال" ورفع قدرة استيعاب السجون الفرنسية إلى 80 ألف مكان منها “5 آلاف في مؤسسات ذات حراسة مشددة" يطالب فيون بالترحيل الفوري دون إمكانية العودة للأجانب الذين يمثلون تهديدا لأمن البلاد، ويقترح "إسقاط الجنسية ومنع الفرنسيين الذين ذهبوا للقتال في صفوف الإرهابيين من العودة إلى تراب الجمهورية".
ويعتبر أن الشمولية الإسلامية تهدد جزءا كبيرا من العالم وهي شبيهة بالنازية حيث أن لها نفس الأهداف "إرادة فرض تنظيم للمجتمع بالقوة، تنظيم أفقي يراقب الضمائر، ونفس نزعة الإبادة بما أنها تريد إبادة مسيحيي الشرق وطرد اليهود منه" ولذلك فإنه يعتزم إنشاء "هيئة توافق بين الدولة والإسلام في فرنسا" تكون مختلفة عن "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" كما يرغب في حظر كل تمويل خارجي لممارسة هذه الديانة وفى نفس الوقت عدم استعمال المال العمومي، فهو يعتبر أن "المسلمين كثيرون كفاية في فرنسا لتمويل عبادتهم".
اليسار الفرنسي التائه
ما بين هذا الصعود الذي يوصف بالمفاجئ لفيون مرشح اليمين وصاحب الأفكار المتطرفة، والذي سيجد نفسه في مواجهة مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، يبدو اليسار الفرنسي تائهاً، ولم يستقر بعد على خطته التي سيدخل بها الانتخابات الرئاسية المرتقبة في أبريل المقبل، إذ توصف فترة رئاسة اليسار بقيادة الرئيس الحالي هولاند بأنها واحدة من أكثر الرئاسيات فشلاً في التاريخ الفرنسي، ولا يرى الكثير من المراقبين والمحللين أيّ أمل لليسار في مواصلة الحكم.
فالأعباء الاقتصادية ومعدلات البطالة، وتزاحم الملفات الخارجية، بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية التي ضربت فرنسا خلال العامين الماضيين، كل تلك الأوراق أسقطت اليسار من اللعبة السياسية المرتقبة، ولن يبقى أمام الفرنسيين سوى الاختيار ما بين السيء والأسوأ.
وهذا ما يراه عدد من المواطنين الذين التقتهم "العرب" فاعتبر برنارد (65 عاماً) وهو موظف متقاعد وكان سبق له أن انتخب اليسار في الانتخابات الرئاسية الماضية أنه سيكون مضطراً إما لمقاطعة الانتخابات أو الرهان على حصان خاسر حسب تعبيره، فلا يبدو أن اليسار يمتلك حظوظاً للمنافسة.
فيما ترى جولييت (25 عاماً) طالبة دراسات عليا، أنه إذا كان عليها أن تنتخب فإنها تفضل فيون بطبيعة الحال، فهو على الأقل يمتلك مشروعاً لدعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وهذا ما نحتاجه في بلادنا أكثر من أيّ شيء آخر، أما لوبان فهي تتحدث فقط ويتفق معها جيرارد الذي أنهى دراسته الجامعية منذ أشهر أما كاترين المدرّسة المتقاعدة فتقول "نحن أمام كارثة، من المؤلم أن فرنسا وصلت إلى هذه الحال، لم أكن أتخيل أن أسمع سياسيي بلادي يتحدثون بهذه العنصرية كلهم يتحدثون باسم فرنسا، ولكن هذه ليست فرنسا".
حقائق عن فيون
بعد تحقيقه النصر في الانتخابات يستعرض التقرير المنشور بموقع "ذا لوكال" الفرنسي الناطق بالإنجليزية حقائق عن "فيون"، رئيس الوزراء السابق والمرشّح الرئاسي اليميني الذي لم تُسلّط عليه الكثير من الأضواء الإعلامية في هذه الانتخابات.
- من معجبي "مارجريت ثاتشر"
في 2014، قال "فيون" عن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة "مارجريت ثاتشر" إنها "كانت رمزًا للإرادة السياسية الصلبة العازمة على إيقاف الانحدار" ليس الإعلان عن تأييد "ثاتشر" أمرًا مستساغًا في الداخل الفرنسي، حيث يُنظر إليها إلى جانب الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" باعتبارهما من آباء الثورة الاقتصادية النيوليبرالية التي تضررت منها فرنسا في الثمانينات ولم تتمكن من التأقلم معها أبدًا.
قبل الجولة الأولى، ردّ "فيون" على من حاولوا استغلال إعجابه العلني بسياسات "ثاتشر" للنيل منه، قائلًا إنها "على الأقل تركت بصمتها باعتبارها شخصًا استقامت على يده أمور البلاد"، مضيفًا إنها "انتُخبت ثلاث مرات متتالية وليس هناك رئيس واحدٌ للجمهورية الفرنسية انتُخب ثلاث مرات، لقد حازت على ثقة البريطانيين".
- صديق رجال الأعمال
لماذا يحبّ المرأة الحديدية؟ لأنّه يريد فعل ما فعلته هي في بريطانيا من أجل إنقاذ اقتصاد فرنسا المتعثر، يريد "فيون" تقليص الإنفاق الحكومي تقليصًا حادًا، وفرض سياسات اقتصادية ليبرالية الإجراءات التي ينتوي اتخاذها تتعلّق بتقليل الوظائف الحكومية المدنية، ورفع سنّ التقاعد إلى 65 عامًا، ورفع عدد ساعات العمل الأسبوعي، بالإضافة إلى تقليل إعانات البطالة ومن أجل كسر قوة الاتحادات العمالية، يخطط "فيون" لإلغاء أغلب قوانين العمل في فرنسا، ويترك النزاعات ليتمّ حلّها على مستوى الشركات أو القطاعات.
في المقابل، "فيون" صديقٌ لرجال الأعمال، ويسعى إلى تخفيض الضرائب على الشركات والعقارات، وكذلك تخفيض ضريبة التضامن المفروضة على الأثرياء لتعويض تلك التخفيضات، فإنه سيلجأ إلى رفع القيمة المضافة بنسبة 2%.
- محافظ حتى النخاع
يحمل "فيون" الكثير من الآراء المحافظة ليس من مؤيّدي زواج المثليين، مع أنّه نفى كونه سيحاول إلغاء تقنين زواج المثليين، إلا أنّه يريد منعهم من تبني الأطفال كذلك يعارض "فيون" تأجير الأرحام والولادة المُستحدثة طبيًا بالنسبة للزوجات السحاقيات كما أنّه عبّر عن ندمه على التصريح بأن الإجهاض "حقٌ أساسي للمرأة" لكن "فيون" يرغب في رفع البدلات العائلية، وتوحيدها بدلًا من ربطها بالرواتب.
- لا يؤمن بالتعدد الثقافي الفرنسي
مطالبًا المهاجرين باحترام تراث فرنسا الثقافي، يقول "فيون"، "عندما نذهب إلى بيت أحدهم، فإننا لا نحاول الاستيلاء على السلطة" ففرنسا "لديها تاريخ، ولغة، وثقافة بالطبع أثريت هذه الثقافة وتلك اللغة بمساهمات الشعوب الأجنبية، لكنها تظل أساسًا لهويتنا" وبسؤاله في مناظرة عمّا إذا كانت فرنسا بالفعل دولة متعددة ثقافيًا، كان قاطعًا في النفي.
- يرى أن الاستعمار كان مجرد "مشاركة ثقافية"
ربّما أكثر مواقف "فيون" إثارة للغضب والسخرية هو رؤيته بشأن الاستعمار الفرنسي لجنوب إفريقيا، والذي لا يجب أن تشعر فرنسا بالذنب تجاهه، وفقًا لما قال في خطابٍ لمؤيديه فالأمر كله كان مجرّد "مشاركة للثقافة" سيسعى "فيون" إلى تغيير المناهج الدراسية التاريخية "لكي لا يتعلّم الطلاب أن يشعروا تجاه بلادهم بالخزي".
اضف تعليق