يتصور البعض ان على رجل الاستخبارات ان يكون ذو مواصفات خارقة، وقد كُتبت الكثير من المقالات وبتفاصيل متنوعة وطويلة عن مواصفات رجل الاستخبارات، واعتقد ان ما كتب لا ينطبق الا على امثال شخصية سوبرمان!!.

فكتب عن الخبرة والمهارة والدهاء والتمويه وحب العمل والطاعة وتنفيذ الاوامر وحفظ الاسرار والكتمان ومعرفة البيئة وتوصيل المعلومات وقوة الملاحظة وعدم حب الظهور وعدم الثرثرة، وغيرها من الشروط، وبرغم انها مواصفات ممتازة الا انها ببساطة لا تصلح كشروط للتعيين وانما تُكتسب بالمران داخل الاجهزة الاستخبارية من خلال التدريب، وإذا بحثنا عن شخص بمواصفات خارقه فلا نجد أحدا، ولعل المواصفات التي يذكرها البعض لا تتوفر في رئيس الجهاز الاستخباري نفسه.

ان البعض لا يفرق بين مواصفات عنصر الجيش ومواصفات عنصر الامن ومواصفات عنصر الاستخبارات ويجمع بين الثلاثة، وهذا خطا كبي، فلكل عمل نوعيته واساليبه، فرجل الاستخبارات مطلوب منه ان يعيش لصف العدو احيانا، لذا، لو كان الجندي يحتاج للتدريع في الجبهة، فرجل الاستخبارات قد يحتاج ان يطيل لحيته ويمسك مسبحة في مسجد ما في مدينة عدوه على حدود بلاده، يختلف توصيف الطاعة بين الجندي وعنصر الاستخبارات، فالجندي ملزم بالطاعة بدقة والابتعاد عن اية صلة بالعدو والحرص منه، بينما يدرب عنصر الاستخبارات على التعايش مع العدو.

المواصفات والكفاءة

يجب ان يتميز جهاز الاستخبارات بقدرة تشخيص ماذا يريد، ويجب ان يبحث الجهاز عن المشترك العام بالحد الادنى كمميزة لجذب الشخص، ومن ثم يقوم الجهاز المحترف بتربيه وتعليم الموظف على ما يريد، ان اهم عاملين لهما تأثير كبير في اكتمال منظومة الاستخبارات هما الاخلاص والكفاءة، فالإخلاص: هو عنصر اساس في اختيار الشخص للعمل الاستخباري (في مركز الجهاز) فيجب ان يتمتع بالإخلاص لوطنه ولمواطنته، والكفاءة: هي من واجبات الاستخبارات التي يجب ان تعمد الى زياده المعرفة والمهارات والقدرات والقابليات ليصل العنصر الى المستوى الذي يؤهله ليكون في مؤسسة الاستخبارات، فالمعايير تأتي قبل التوظيف الاستخباري اما الكفاءة فتأتي بالمران.

وتعتمد الأجهزة معايير وخطوات للاختيار منها السيرة الذاتية وتدقيقها والتصريح الامني (وهو تدقيق موقف الفرد وعائلته) التخصص والمهارة وتطابقها مع حاجة المؤسسة والفحوص الطبية ومراقبة السلوك الشخصي والاختبارات وهي متنوعة، وتتنوع المعايير حسب الدول والاخلاقيات السائدة في كل بلد ومجتمع، وتكبر وتصغر حسب متطلبات الجهاز، لكن بالمستوى العام هناك معايير مشتركة في كل دول العالم كالذكاء والاستقامة وحسن السلوك والوطنية والسلامة الجسدية والعقلية.

ولكن الامر لا يبدو دوما بتلك البساطة، فقد ذهبت بعض الاجهزة الى اصطياد بعض المجرمين من اصحاب السوابق كالمزورين والمهربين او بعض الهاكرز لاستكمال حاجتها لبعض المهارات المهمة كما في قصة رأفت الهجان، فبرغم استهتاره وسمعته وماضيه الا انه المصري الوحيد الذي استطاع ان يخترق ويعيش في اسرائيل ويصل الى مستوى الاشخاص المعروفين ويرفد المخابرات المصرية طيلة 20 عام بالمعلومات القيمة.

فهنا لا يوجد مقياس حقيقي للعمل الاستخباري بالمعايير، فمن يذهب للعمل مع العدو يجب ان تكون له قدرات خارج معاييرنا كما ان المعايير والقيم تختلف من بلد لآخر، فذبح حاتم الطائي فرسه لضيوفه يُعد عندنا خلق رفيع وكرم لكنه في معايير دول اوروبية وحشية، اما الكفاءة فهي من واجب الجهاز وهو المسول عن تطويرها كالخبرة وحب العمل والمغامرة والطاعة وحفظ الاسرار وانتحال الصفة والتمويه وقوة الملاحظة والعيش بشخصية اخرى (في بعض الدول المحترفة لا يمنح عنصر الاستخبارات سلاحاً شخصيا ليتعود كيف يعيش بين الناس منتحلاً شخصية وعمل اخر).

ويتكامل التقييم بالرقابة الدقيقة الصارمة والتدريب والتعليم المستمر والحوافز والعدالة الادارية والمراجعة الدورية ومكافحة نقاط الضعف كالثرثرة وحب الظهور والانحراف الفكري والمشاكل النفسية والعائلية ومراقبة الموقف المالي وتدقيق سوابق المقربين والاستغلال وغيرها، ومن هنا فإن من الخطير ان يفرض احد ما بنفوذه، او تفرض الحكومة على الاجهزة الاستخبارية عناصر لتوظيفها، لان الوساطة في تلك الاجهزة تدمر العمل الاستخباري.

طرق التوظيف الاستخباري

ذكرنا في مبحث سابق (راجع: التوظيف الاستخباري) مواضيع تخص كثيرا كيف يتم اختيار الشخص للعمل في هذا المجال ومنها:

1-التوظيف الداخلي: وهو اعاده هيكلة المؤسسة من خلال تصحيح استخدام الموارد البشرية فيها، فهناك من يستطيع ان ينجح في العمل الميداني واخر في العمل المكتبي واخر لديه قدرة على التحليل واخر لديه قدرات في الاختراق او البرمجة او التنصت وغيرها.

ويتم تمييز الاجهزة المحترفة للضباط بين العمل الميداني والعمل المكتبي، اي بين القوه الفاعلة والقوه العاقلة خلال سنوات فتضع العنصر من 10 الى 15 عام من بداية الخدمة في العمل الميداني والمتبقي من الخدمة للعمل المكتبي لان الفترة الاولى هي فترة الشباب والقوة وتكون الاخطاء في الميدان اقل كلفه وضرر من الاخطاء في المكتب، فيعتبر الميدان محل اختبار وكسب المهارة والتعلم والنشاط ليتحول الى خبرات تُستثمر فيما بعد في فترة العمل المكتبي.

2-التوظيف الانتقالي: وهو أفضل حالات التوظيف لأنه يتم عبر تشخيص واصطياد العنصر الذي عمل في الجيش او المؤسسات الامنية الاخرى بشكل دقيق ومعرفة كفاءته وتقييماته السابقة ويتم نقله الى الجهاز الاستخباري، وهذه الحالة معتمدة في اغلب الاجهزة المحترفة.

3-التوظيف الانتقائي: ويتم بتكليف بعض الأساتذة في الجامعات بشكل خاص لتشخيص بعض الطلبة من اصحاب المواهب والمهارات والقابليات ويتم تدقيق موقفهم ومن ثم مفاتحتهم.

4-التوظيف العشوائي: وهو الاعلان من خلال شبكة التواصل والتلفزيون ويكون التقديم متاحا للجميع.

هدهد سليمان

لو وضعنا هدهد سليمان في مقياس العمل الاستخباري سنلاحظ ان الهدهد لم يكن مكلف بالواجب ولكن احساسه بالمسؤولية دفعه للمبادرة، كما لم يطل الانقطاع عن القائد وعاد سريعا اي انه تواصل مع القائد بسرعة وتثبَّتَ وتأكد من الموضوع اي احاط به وامتص غضب القائد (احطت بما لم تحط به وجئتك من سبا بنبأ يقين) اي عدم اشغال القائد بالتفاصيل والكلام غير الدقيق واكمل واجبه وعاد لتقديم التقرير, كما ارسل المعلومة بسرية, بلغة الطير بينه والقائد اي الكتمان والسرية، وكانت لديه القدرة على العودة الى الهدف وتنفيذ قرار الحاكم والوصف الرائع والدقيق وحسب حاجه القائد، ثم تقديم المقترحات في نهاية التقرير وهذا ما فعله الهدهد بالذكاء الكامل في التوصيف والتسلسل والتوصيات، ان الكثير من المعاني والمعايير في قصة الهدهد ولو طبقت سنرى اننا بلا استخبارات.

ما بعد التوظيف

ان عناصر الاستخبارات في الدول الكبرى ليسوا ملائكة لكن، ميزة العمل الاستخباري لها خصوصية عن باقي الأجهزة، ففي الأجهزة الامنية والجيش يتدرب عناصرها دوما لمنعهم من الاقتراب من العدو وقتل العدو في حال حاول ان يقترب، اي ان العدو وحش يجب ان لا نقترب منه او نسمح له ان يقترب منا، ولكن عنصر الاستخبارات يتدرب لكي يتعلم كيف يذهب ويعيش مع العدو، اذن هو صاحب مهمة أخطر من الجيش فهو مع العدو لوحده ولا أحد يسانده سوى عقله وتدريبه وذكائه.

لذا يخضع رجل الاستخبارات طيلة فتره عمله الى رقابة في كل شيء، في العمل والإجازة والعائلة والاصدقاء والحسابات المصرفية واسلوب العيش وكل اتصالاته تخضع للمراقبة وهو يعلم بذلك، وعندما ينفك من العمل يذهب للتدريب والتعليم والدورات مستمرة دوما حتى نهاية الخدمة، بل ان بعض الأجهزة تزود عناصرها بساعات يدوية او سوار لكي تعرف اين هو دوماً كما ان جميع عجلاتهم مزوده بنظام جي بي اس وبيوتهم مثبتة وارقام هواتفهم.

تنوع القدرات

تتنوع قدرات الضابط الاستخباري وفق ابداعاته وامكاناته وبروزه، فالضابط الميداني في الاستخبارات قد يحتاج الى الارتجال والفطنة والشجاعة لأنه يتعامل مع المخبر والمصدر والعدو بشكل مباشر، اما الضابط المكتبي فيحتاج الى التروي وشده الملاحظة والتحليل ودراسة الاخبار والمعلومات، فمثلا ضابط التحليل عليه ان يفهم ويحلل مواد خام من المعلومات، رغم انه لا يرى الحدث الا من خلال عين المصدر الذي وصف له مشاهداته.

كما ان الاستخبارات تتعامل بشكل كبير مع المخبرين والمصادر وقد يكون المصدر جاء للعمل مقابل المال او للتضليل، وهنا نفقد المعايير وتبقى الاهداف هي الاساس في كيفية الافادة من مصدر هو في جانب العدو ولا تنطبق عليه معاييرنا كالوطنية والإخلاص، هنا تصبح المعلومة هي الملاك والمعيار فمن يأتي بها فهو الأفضل، ففي مجال التجنيد تعمل الاستخبارات وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فالاستخبارات تقوم بالكثير من الاعمال غير المشروعة لتحقيق الاهداف وقد تستطيع الاستخبارات تجنيد ابن ابو بكر البغدادي وابوه اكبر مجرم عالمي حاليا اذا تحققت الفائدة من التجنيد.

معاييرنا

ان ما يحدث لدينا هو تعيين الاقارب والمتحزبين والمدللين بلا ضوابط ولا وطنية او استقامة او تدقيق السجل الجنائي، ولو احصت الحكومة حالات التعيين في العراق خلال 13 عام لحصلنا على ارقام مخيفه في الرشوة والمحسوبية وعناصر الاحزاب وذوي الجنسيتين والاختصاصات البعيدة عن الاستخبارات والاميين واصحاب السوابق او من عوائل ذات سوابق، ناهيك عن ترهل الأجهزة الاستخبارية، وهو امر يشمل كافة المستويات الاستخبارية وهو امر ادى الى نزف انهار من الدماء.

ان فشل الدولة في بناء اجهزه الاستخبارات من الناحية البشرية وفشل انتاج قيادات استخبارية محترفة في كافة المجالات كان له الدور الاكبر في تغول التهديدات وانهيار الامن وانتشار الفساد والفاسدين.

فنحن نعيش فوضى دون موازين او معايير لاختيار الافراد من المستوى القيادي حتى المستوى الاخير، فنحن نمتلك الاموال ونمتلك الامكانيات والمعدات وتتوفر الكثير من الخدمات اللوجستية التي كانت مفقودة في عمل اجهزة النظام السابق، ولكن فقدان عنصر الكفاءة والتفريط بالكفاءات السابقة (من غير الذين أجرموا بحق الشعب)، اضاع علينا ثروة وطنية من تراكم المهارة والخبرة وأصبح من السهولة ان تلاحظ فقدان القدرة والكفاءة الفردية للعاملين مما ينتج جهاز غير كفوءٍ، ومن هنا لابد من ان نشدد على ان العمل الاستخباري هو علم لا تنفع معه الوساطات وانما هي الكفاءة وحدها المعيار.

اضف تعليق


التعليقات

عبد الحكيم
الجزائر
كيف تستخدم علوم الغيبيات مثل السحر والجن في مراقبة الافراد2018-03-27
المهندس هادي هاني
بغداد
تحيه اخويه سيادة الفريق وبعد
ضباط التجنيد لهم عدة تسميا ت لكن في حقل جمع المعلومات الاستخباربه اكثر الاجهزه تعتمد وصف ( ضباط القضيه case officre فهم يقومون بتجنيد وادرة المصادر البشريه الاستخباريه وقد يسمونهم ضباط جمع (collector officer ) تفظلكم وبيان راي سعادتكم بما جاء انفا.2024-02-13