في شرق أوسط مضطرب تربط الحليفان واشنطن والرياض علاقة معقدة ومصالح عميقة، تشير الى أن التحالف الامريكي السعودي يتجاوز المصالح النفطية ويمتد إلى الأمن الإقليمي، وهو ما تجسد في زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية لتقديم العزاء للملك السعودي الجديد سلمان في وفاة سلفه الملك عبد الله، وتجيء الزيارة التي لم يكن جدول أعمال اوباما يتضمنها بينما تواجه واشنطن صراعا متفاقما في الشرق الاوسط وتعتمد على الرياض كواحدة من عدد قليل من الشركاء الدائمين في حملتها ضد الدولة الإسلامية التي سيطرت على مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وفي إبراز لمدى أهمية التحالف السعودي بالنسبة لاوباما قطع الرئيس الامريكي زيارته للهند التي كانت ستستغرق ثلاثة أيام وتوجه الى الرياض على رأس وفد كبير يضم 30 عضوا من كبار المسؤولين وجمهوريين مخضرمين.
ويرى الكثير من المحللين انه بعد وفاة الملك عبد الله سيحاول أوباما تسيير العلاقات بسلاسة مع الملك الجديد سلمان الذي يتولى السلطة بعد فترة شهدت مقدارا من التوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض.
وبحسب هؤلاء المحللين، أن اوباما سيسعى لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية التي تضررت خلال السنوات الاخيرة على الرغم من استمرار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين مع وجود مصالح مشتركة ضخمة، في المقابل يتطلع الملك السعودي الجديد سلمان الى مزيد من الالتزام الاميركي حول ازمات المنطقة.
لكن يرى محللون آخرون أنه على الرغم من التحالف القديم بين البلدين والذي كان حجر زاوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فقد عبرت الرياض عن نفاد صبرها من عدم إقدام إدارة أوباما على بذل المزيد للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وقلقها من السعي الأمريكي لإبرام اتفاق نووي مع إيران.
وزاد هذا من شعور الحكام السعوديين بأن أوباما يخذل حلفاءه العرب القدامى وكان أبرز واقعة عن هذه السياسة تخلي الولايات المتحدة عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي أطاحت به انتفاضة شعبية عام 2011، وتحسنت العلاقات الأمريكية السعودية حين زار أوباما الرياض في مارس آذار الماضي لرأب الصدع.
ويرى بعض المحللين ان الرياض تثير إمكانية توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران احتمالات عديدة غير مستساغة منها استمرار هيمنة إيران على دول عربية كبيرة مجاورة مثل سوريا والعراق بالإضافة إلى احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران تجد دول الخليج نفسها محاصرة وسطها.
وتضيف المصادر ان خيبة أمل السعودية في واشنطن حقيقية وتدفعها لتفقد بدائل لاعتمادها منذ نحو 70 عاما على هذا التحالف الاستراتيجي ومع ذلك لا يعتقد أحد حقيقة ان التعاون السعودي مع واشنطن سيتوقف.
ويرى الكثير من المحللين ان العلاقات الأمريكية السعودية شابتها موجة من الفتور حادة، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية للشعور بخطر خسارة السعودية، كما اعربت الدولة نفسها عن مخاوفها من أن إيران تحاول توسيع نفوذها في الشرق الاوسط، واستغلال حالة الفتور التي حدثت بين الجانبين الأمريكي والسعودية، لتعزيز موقعها في منطقة الشرق الاوسط، إلا أن أمريكا تداركت هذا الامر بعد ما اكدت رغبتها في تعزيز العلاقات من خلال الزيارة الاخيرة في معظم المجالات، وأهمها أزمتي اليمن ونووي ايران، فضلا عن تنامي الارهاب وازمة اسعار النفط، وعليه تظهر المؤشرات آنفة الذكر بأن سياسة الولايات الخارجية في الوقت الراهن ستكون ذات طابع متوازن سياسيا في المرحلة المقبلة، لكن رغم كل ذلك يرى هؤلاء المحللين ان امريكا تغير مواقفها بناء على مصالحها.
أوباما يعزز علاقته بالسعودية
في سياق متصل تفاقم القلق الأمني الأمريكي في الاونة الاخيرة بسيطرة الحوثيين الذين تدعمهم إيران على الحكومة في اليمن في انتكاسة لجهود واشنطن لاحتواء جناح القاعدة هناك والحد من النفوذ الإقليمي لإيران الشيعية.
وصرح بن رودز نائب مستشارة الامن القومي الامريكية للصحفيين بأن اوباما يود ان يناقش مع العاهل الجديد الحرب ضد الدولة الاسلامية والموقف الهش في اليمن والمحادثات لإنهاء النزاع الطويل بشأن طموحات ايران النووية. بحسب رويترز.
وقال البيت الأبيض إن الجمهوريين جيمس بيكر وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الأب وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي للرئيسين جيرالد فورد وبوش الأب سينضمان إلى أوباما لتقديم العزاء في وفاة الملك عبد الله.
وترافق أوباما أيضا كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس جورج بوش الابن وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في نفس الإدارة والسناتور الجمهوري جون مكين الذي عادة ما ينتقد سياسة أوباما الخارجية.
ويضم الوفد أيضا وزير الخارجية جون كيري ومدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان إضافة إلى سوزان رايس وليسا موناكو مستشارتي أوباما.
وكتب صمويل هندرسون الخبير في العلاقات الأمريكية السعودية في معهد سياسة الشرق الأدنى "بغض النظر عما سيجيء في البيان الختامي فإن المواضيع المرجحة للنقاش هي سوريا وإيران والدولة الإسلامية وأسعار النفط"، واستطرد "أهم سؤال بالنسبة للرئيس أوباما هو ما إذا كان الملك سلمان وفريق مستشاريه لديهم أولويات تختلف عن أولويات الملك عبد الله". بحسب رويترز.
وكان العاهل السعودي الجديد وكبار الأمراء والمسؤولين السعوديين في استقبال اوباما وزوجته ميشيل وكان من بين المستقبلين ولي العهد الامير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف ووزير النفط علي النعيمي.
وعادة ما يحتل الانتقاد الامريكي لسجل السعودية في حقوق الانسان مرتبة متراجعة. ومن المتوقع ان يظل كذلك في الاولويات الامريكية، وانتقدت منظمات دولية لحقوق الانسان السعودية لزجها بعدد من النشطاء البارزين في السجن ولقيامها هذا الشهر بجلد علني لمدون.
صفحة ثقة جديدة
تتطلع القيادة السعودية الجديدة التي يزورها الرئيس باراك اوباما الثلاثاء، الى التزام اميركي متجدد في المنطقة بعد ان تدهورت ثقة الرياض بواشنطن بشدة.
من جهته، قال الخبير المتخصص في شؤون الشرق الاوسط فريديريك ويري لوكالة فرانس برس هناك اعتقاد بانه لم يكن هناك علاقة شخصية جيدة بين الملك عبدالله واوباما "ومن هنا فان التغيير يمكن ان يكون صفحة جديدة على هذا المستوى". بحسب فرانس برس.
لكنه اضاف "على المستوى التنفيذي، ليس هناك اي تغيير من الجانب السعودي لان اشخاصا مثل وزير الداخلية الامير محمد بن نايف (الذي يمسك بالملف الامني واصبح وليا لولي العهد) ما زالوا موجودين لا بل تعزز موقعهم".
وفيما يستمر التحالف الاستراتيجي بين البلدين والقائم على مصالح مشتركة ضخمة، الا ان السنوات الاخيرة طبعت باستياء سعودي ازاء ما اعتبرته الرياض نقصا في التزام واشنطن ازاء قضايا المنطقة بحسب خبراء.
وفي المقابل، تقاربت واشنطن نسبيا مع خصم السعودية التقليدي ايران في وقت تزداد فيه احتمالات التوصل الى اتفاق نووي مع طهران.
ومن موقف واشنطن ازاء الاحتجاجات في العالم العربي، الى انفلات الوضع العراقي وانهيار اليمن والتأزم في ليبيا وعدم التدخل في سوريا وصولا الى استراتيجية محاربة الارهاب وعدم ممارسة ضغوط كافية على اسرائيل، تبدو سنوات اوباما سيئة بالنسبة لحكام السعودية مقارنة مثلا بعهد جورج بوش. بحسب فرانس برس.
وقال انور عشقي رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في جدة لوكالة فرانس برس "هناك ملفات لا بد ان يكون هناك تفاهم حولها بين الملك سلمان واوباما، لان المملكة تتفق مع واشنطن على كثير من الاهداف، لكن الاختلاف واضح حول عدد كبير من المسائل".
وبحسب عشقي، فان السعودية تختلف مع واشنطن في الاستراتيجيات حول ملفات متنوعة، وقال "في التعامل مع الارهاب وتنظيم الدولة الاسلامية، ترى السعودية انه يجب زوال السبب وهو غياب العدالة في العراق والعنف في سوريا الذي يشكل حاضنة للارهاب، وليس فقط التعامل مع الظاهرة".
وفي الموضوع الايراني، ترى السعودية بحسب عشقي ان الولايات المتحدة "تركز فقط على مسالة السلاح النووي لكن المملكة تريد منها ان تواجه سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة".
وتتهم السعودية ايران بالتدخل في شؤون الدول العربية في المنطقة، لاسيما في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين.
كما تتطلع السعودية الى التزام اميركي اكبر في ليبيا وفي اليمن "لاجبار الجميع على العودة الى العملية السياسية" بعد ان سيطر المتمردون الحوثيون الشيعة على صنعاء وما تلاها من استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي.
ورغم جهود بذلها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، لم تحقق عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين اي تقدم فيما تتمسك المملكة بالمبادرة العربية للسلام التي اطلقتها في 2002 وعرضت بموجبها سلاما شاملا مع اسرائيل مقابل الانسحاب من الاراضي المحتلة في العام 1967.
لكن الواقع ان العلاقات الاميركية السعودية لم تكن في افضل اوضاعها في عهد اوباما بحسب الخبير في الشؤون النفطية والاستراتيجية جان فرانسوا سيزنيك.
وقال سيزنيك ان "السعوديين على كل المستويات يرون بان الاميركيين لم يعودوا محل ثقة"، وعما اذا كان السعوديون قلقون ازاء امكانية توصل مجموعة الدول الكبرى والمانيا الى اتفاق نووي مع ايران، قال سيزنيك "ان السعوديين ينظرون في الواقع الى هذا الاتفاق بشكل ايجابي".
وبحسب هذا المحلل، فان السعوديين يرون ان "الاميركيين سينسحبون (استراتيجيا) من المنطقة بكل الاحوال، وبإمكانهم ان يتوصلوا بدورهم الى اتفاق مع ايران بعد اتفاقها مع القوى الكبرى، وبامكانهم بموجب هذا الاتفاق ان ينسقوا مع الايرانيين لترتيب شؤون المنطقة من سوريا الى اليمن".
وخلص سيزنيك الى القول قد يكون هناك مناسبة الآن للتلاقي بين واشنطن والرياض، لكن "السعوديين فقدوا ثقتهم بالاميركيين على المدى الطويل"، لكن اوباما قد يكون يحصل حاليا على هدية ثمينة من قبل السعوديين بفضل سياستهم النفطية التي ساهمت في انخفاض اسعار الخام عبر عدم التدخل لخفض الانتاج، وقال ويري "ان انخفاض اسعار النفط هدية لاوباما لان انتعاش الاقتصاد الاميركي يرتبط بذلك وعلى اوباما ان يكون ممتنا لذلك".
علاقة معقدة في شرق اوسط مضطرب
الى ذلك تعود العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الى زمن بعيد تجمع بينهما مصالح مشتركة في المنطقة، لكن احداثا عدة في السنوات الاخيرة تسببت باهتزاز علاقاتهما. بحسب فرانس برس.
فقد بدأت الولايات المتحدة والسعودية باقامة علاقات دبلوماسية في العام 1940 ابان الحرب العالمية الثانية ثم تكرست هذه العلاقات بعد خمس سنوات من ذلك اثناء لقاء بين العاهل السعودي انذاك الملك عبد العزيز بن سعود وفرنكلين ديلانو روزفلت على متن السفينة يو اس اس كوينسي في قناة السويس.
وجعل اكتشاف احتياطات كبيرة جدا من النفط في باطن ارض المملكة في ثلاثينات القرن الماضيى منها شريكا اساسيا للولايات المتحدة النهمة للمواد الاولية رغم خلاف مبكر حول انشاء دولة اسرائيل.
ومنذ ذلك الحين عملت الرياض بشكل منتظم مع واشنطن من اجل حماية المصالح الاميركية لكن رغبة الرئيس باراك اوباما في ابرام اتفاق حول الملف النووي مع ايران، العدو اللدود للسعودية، ورغبته في التوصل الى الاستقلالية في مجال الطاقة تسبب بتعقيد العلاقات.
وتلخص مارينا اوتاواي الاخصائية في مركز وودرو ويلسون الحالة بقولها "ان الاهم في هذه العلاقة هو ان كلا البلدين بحاجة للاخر"، مضيفة "ان السعودية تبقى هامة بالنسبة للولايات المتحدة في مجال امن الطاقة والسعوديين يشعرون على الدوم بالحاجة الى الحماية"، كذلك فان السلطة المعنوية التي تتمتع بها الرياض كونها حارس الموقعين الاكثر قداسة في الاسلام سمح باستقرار نسبي في منطقة الشرق الاوسط رغم اضطرابه الشديد.
ففي العام 1991 اثناء اجتياح الرئيس العراقي انذاك صدام حسين للكويت تمكنت واشنطن من الاعتماد على حليفها لشن عمليتها "عاصفة الصحراء" من قواعد عسكرية جوية واقعة في اماكن استراتيجية في السعودية، وقد ذكر الرئيس الاميركي انذاك جورج بوش الاب في تحيته ل"صديقه الغالي" الملك عبد الله الذي وافته المنية الخميس، بانها كانت "لحظة تعاون لا نظير لها بين امتين كبيرتين".
لكن اوتاواي ترى ان الرياض لم تغفر مطلقا في الحقيقة اطاحة صدام حسين في 2003 التي "تعتبر بمثابة خطأ فادح لانها فتحت الباب امام النفوذ الايراني"، واهتزت العلاقات ايضا بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 لان 15 من قراصنة الجو ال19 كانوا سعوديين.
ولفت روبرت جوردان السفير الاميركي السابق في السعودية الى "ان السعوديين لا يمكنهم التصديق بان 15 من ابنائهم خطفوا تلك الطائرات وفعلوا ما فعلوا". واضاف "انهم كانوا في حالة جحود تام"، الا ان سلسلة اعتداءات دامية في 2003 في المملكة سجلت منعطفا ودفعت الرياض الى ان تصبح حليفا اكثر متانة في مكافحة تنظيم القاعدة.
وهكذا كانت طائرات المطاردة السعودية بين الاولى التي ساندت الطائرات الاميركية في ايلول/سبتمبر الماضي لقصف الناشطين السنة في تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا.
لكن الرياض ابدت اسفها لان الولايات المتحدة لا تبذل جهودا اكبر لازاحة الرئيس السوري بشار الاسد عدو المملكة السعودية منذ مدة طويلة. وذلك اثار بعض التوترات الخفية، وحتى وان اشاد باراك اوباما بالملك عبد الله واعتبره رجلا "صادقا" و"شجاعا" فان العلاقات بين البلدين لم تعد كسابق عهدها براي سلمان شيخ مدير مركز بروكينغ الدوحة في واشنطن.
ومن بين المواضيع المثيرة للخلاف لفت شيخ الى عجز اوباما عن الايفاء بوعده لاصلاح علاقات الولايات المتحدة مع العالم الاسلامي، او الروابط الوثيقة التي تقيمها واشنطن مع اسرائيل، واضاف "بكثير من الجوانب يعد قادة دول الخليج الايام قبل نهاية ادارة اوباما وينتظرون وصول الادارة المقبلة".
وتوافق كارن اليوت هاوس الخبيرة في شؤون السعودية والكاتبة هذا الرأي فتقول "لا ارى شيئا يمكن ان يحسن العلاقات لان الرئيس (اوباما) لن يفعل ما يريدون"، وما زاد المخاوف رغبة اوباما في التقدم في الملف النووي لايران التي تعتبرها الرياض "اكبر خطر خارجي"، وحالة الفوضى التي سادت في الايام الاخيرة في اليمن المجاور.
وفي هذا السياق قال سلمان شيخ "ان دول الخليج لديها الانطباع اكثر فاكثر بان ايران تسعى الى تطويقها"، و"ذلك يحدث في الوقت نفسه التي تسعى فيه الولايات المتحدة الى رؤية ما اذا كان بإمكان ايران العودة الى (الاسرة الدولية) عبر اتفاق حول النووي".
اضف تعليق