يبدو ان ايران على موعد مع صراع محتدم بشأن السلطة والقيادة العليا خلال المستقبل القريب، إذ يرى الكثير من المحللين انه على الرغم خضوع الزعيم الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي (75 عاما) لجراحة لاستئصال سرطان البروستاتا، لم يكتسب النقاش العام عمن سيخلفه زخما على الإطلاق في الدوائر الرسمية تجنبا لخطر أن يعتبر ذلك تقويضا لأقوى شخصية في ايران، ولكن مع إجراء انتخابات مجلس الخبراء في فبراير شباط وهو الهيئة الدينية التي تعين الزعيم الأعلى فإن من المؤكد أن تطفو هذه المناقشات على السطح.
ففي السنوات الأخيرة دعا بعض أعضاء المجلس في أحاديث خاصة إلى ادخال تغييرات على نموذج القيادة واقترحوا أن يتولى خليفة خامنئي القيادة لفترة محددة بدلا من القيادة مدى الحياة واقترحوا أيضا أن يحل مجلس للزعماء محل الزعيم الأعلى، ويرفض خامنئي أي حديث عن الإصلاح ما دام هو الزعيم الأعلى.
إذ يرى الكثير من المحللين بالشؤون الايرانية انه من المتوقع أن يسعى حسن حفيد آية الله روح الله الخميني إلى انتخابه أوائل العام القادم عضوا في المجلس الذي يختار الزعيم الأعلى لإيران ويقال إنه يحظى بمباركة متحفظة من الزعيم الحالي آية الله علي خامنئي.
وأثار احتمال ترشيح حسن الخميني في انتخابات مجلس الخبراء في فبراير شباط مجادلات ساخنة بالفعل بين المتشددين والمعتدين لأن عضوية المجلس ستجعله في قمة المؤسسة السياسية في إيران. ويقول البعض إنه يتطلع في نهاية المطاف إلى شغل منصب الزعيم الأعلى.
وحسن الخميني رجل دين معتدل سياسيا عمره 43 عاما وقال أصدقاء الأسرة ومصادر قريبة منه إنه يعتزم ترشيح نفسه في الأيام القادمة، ونظرا لأنه يحظى بتأييد أنصار أقوياء فإنه في موقف جيد للفوز بمقعد في مجلس الخبراء المؤلف من 88 عضوا.
ومع وفاة أبناء الخميني الآن فإن حسن الخميني الذي تربطه صلات وثيقة بالإصلاحيين يعتبر الوريث الرئيسي للأسرة وأضفى قراره دخول الساحة السياسية كثيرا من الصخب والحيوية على عالم السياسة في طهران، وبحسب المراقبين سيكون حسن الخميني وهو رجل دين معتدل سياسيا يبلغ من العمر 43 عاما أول أفراد أسرة الزعيم الإيراني الأعلى الراحل الذي يختبر شعبيته في انتخابات.
في المقابل عبر المحافظون المقربون من خامنئي عن مخاوف إزاء ترشح حفيد الخميني وحذروا من خطر تشكل تحالف إصلاحي يظهر في قمة المؤسسة السياسية الإيرانية، وحسن الخميني مقرب من الرئيس حسن روحاني الذي زادت شعبيته بفضل الاتفاق النووي الذي توصلت إليه حكومته مع القوى العالمية في يوليو تموز، ويأمل روحاني في استغلال تلك الشعبية في مساعدة سياسيين يتبنون نفس التوجهات في الفوز بأغلبية في مجلس الخبراء وفي الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في اليوم نفسه.
إذ يرى المحللون ان الرئيس المعتدل حسن روحاني وحلفاؤه يأملون باستغلال الشعبية التي اكتسبوها بعد إبرام الاتفاق النووي مع القوى العالمية الذي يفترض أن يؤدي لرفع العقوبات ومن ثم الفوز بأغلبية المقاعد في مجلس الخبراء وفي الانتخابات البرلمانية.
وقال سياسي متخصص بالشؤون الايراني "ما نراه هو تنافس واضح بين حسن الخميني ومجتبى خامنئي ابن الزعيم الأعلى الحالي"، وأضاف "كلاهما يريد أن يخلف آية الله خامنئي ولذلك بدأ الاثنان تدريس بحوث (الخارج) في الفقه ودورات متقدمة في الفقه الإسلامي تعتبر ضرورية لمن يريد أن يصبح آية الله"، ومجتبى خامنئي وهو أيضا في العقد الخامس من العمر مقرب من المحافظين والحرس الثوري. ويعتقد كثيرون أن له دورا كبيرا في الصعود المفاجئ لمحمود أحمدي نجاد للرئاسة في عام 2005 وإعادة انتخابه التي كانت مثارا للطعن والانتقاد في عام 2009.
فيما يقول مسؤولون ومحللون إن الحلفاء المتشددين للزعيم الأعلى الإيراني يشنون حملة على النشطاء والصحفيين والفنانين في محاولة لإحكام قبضتهم على الساحة السياسية قبل انتخابات مهمة تشهدها البلاد.
ويعتقد بعض المسؤولين والمحللين أن الهدف هو الحد من نفوذ الرئيس حسن روحاني وشعبيته بعد نجاحه في التوصل الى اتفاق نووي تاريخي مع القوى العالمية الست في يوليو تموز أنهى مواجهة استمرت لما يزيد على عقد من الزمن، وقال محللون آخرون "المتشددون يشعرون بالقلق من نفوذ روحاني في الداخل والخارج. يخشون من أنه قد يضر بتوازن القوى في إيران"، ويقول المحللون إن المتشددين يأملون أن تساعد موجة الاعتقالات في إحكام قبضتهم على السلطة وحماية سلطة خامنئي من أن يتحداها الرئيس مع اقتراب الانتخابات التي تجري بعد أسابيع.
ويعتقد محللون ومسؤولون مقربون من الحكومة أن الاعتقالات ايضا ستكشف عن حدود سلطة الرئيس في الداخل وتثبط الإيرانيين الذين يمكن أن يدعموا مرشحين من دعاة الإصلاح في الانتخابات القادمة.
ويعتقد المتشددون أنه اذا فاز فصيل روحاني في انتخابات البرلمان أو مجلس الخبراء وهو مجلس لرجال الدين له سلطة صورية على الزعيم الأعلى فإن هذا سيمنحه قدرا اكبر من اللازم من النفوذ والسلطة في البلاد، وقد يحقق روحاني ومؤيدوه من المنتمين لتيار الوسط والمعتدلين مكاسب كبيرة في صناديق الاقتراع من خلال وعودهم الانتخابية بمجتمع اكثر تحررا.
خميني إصلاحي
في سياق متصل قالت الإذاعة الرسمية الإيرانية إن حسن الخميني حفيد قائد الثورة الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني رشح نفسه لعضوية مجلس الخبراء الذي ستجرى انتخاباته في فبراير شباط، ويختار مجلس الخبراء الزعيم الأعلى للبلاد.
وقال مصدر مقرب من الخميني الحفيد إن ترشحه حظي بمباركة متحفظة من الزعيم الحالي آية الله علي خامنئي الذي حذره في اجتماع عقد الأسبوع الماضي قائلا إنه يجب عليه أن يتفادى الإساءة إلى سمعة جده، وقال المصدر إن خامنئي قال لحسن الخميني "لا مانع (من ترشحك) ولكن احذر أن تسيء إلى سمعة الخميني واحترامه".
وقال أحد الأصدقاء المقربين من حسن الخميني لرويترز طالبا ألا ينشر اسمه إن حسن "رجل دين تقدمي لاسيما حينما يتصل الأمر بالموسيقى وحقوق النساء والحرية الاجتماعية"، وأضاف قوله "إنه يتابع عن كثب الاتجاهات السائدة على وسائل التواصل الاجتماعي ويقرأ الصحف. وهو مهتم بالفلسفة الغربية بقدر ما يهتم بالدراسات الإسلامية".
في العام الماضي ظهر حسن الخميني في حدث نادر في أكثر برامج كرة القدم شعبية على شاشة التلفزيون الحكومي وأظهر معرفته الواسعة بدوري كرة القدم الإيراني. وكان لاعبا متحمسا لكرة القدم حتى سن 21 عاما حينما أصر جده على أن يذهب إلى مدينة قم لتلقي الدراسات الدينية الإسلامية.
وقال أثناء لقائه لاعبين إيرانيين كبارا لكرة القدم في مكتبه "كنت أجيد اللعب في خط الدفاع ولو واصلت اللعب في كرة القدم فلربما حققت شيئا"، ولحسن الخميني أربعة أبناء وأصبح ابنه أحمد من مشاهير موقع التواصل الاجتماعي انستجرام في إيران إذ يبلغ عدد متابعيه نحو 200 ألف. والصور الخاصة بشكل غير عادي التي ينشرها على الموقع تُظهر الصداقة الوثيقة لأبيه مع الإصلاحيين لاسيما الرئيس السابق محمد خاتمي الذي لا يحظى الآن بقبول لدى خامنئي، كان خاتمي انحاز إلى المحتجين الذين قاموا بمظاهرات لم يسبقها مثيل في الشوارع في أعقاب انتخابات متنازع عليه في عام 2009، ولا ينحاز حسن الخميني علانية مع الإصلاحيين لكن في تحد لموجة الاعتقالات التي أعقبت الاحتجاجات التقى بالسجينين السياسيين علي رضا بهشتي ومحمد رضا جلالي بور بعد الإفراج عنهما بيومين في عام 2010.
وقال ناشط سياسي مقرب للاثنين لرويترز إن "لعائلة الخميني روابط وثيقة بالإصلاحيين من خلال عدة زيجات، وكانت تربط حسن الخميني وخاتمي صداقة وثيقة وقتا طويلا. كانا يتريضان معا ويسبحان معا".
وقال حسن الخميني لصحيفة شهروند الأسبوعية في عام 2008 "من يزعمون الولاء للإمام الخميني عليهم اتباع أمره بأن يبتعد الجيش عن الحياة السياسية"، واعتبرت كلماته تلك هجوما مباشرا على الحرس الثوري وهم قوة عسكرية ذات نفوذ سياسي هائل في البلاد، وقال ياسر ميردامادي الباحث في الفلسفة والدراسات الدينية الذي أجرى دراسة متعمقة لمحاضراته "حسن الخميني يروج للجانب العصري والديمقراطي لميراث جده لكنه يلزم الصمت عن الجانب التسلطي المظلم"، وأضاف ميردامادي "إنه يريد أن يثبت أن الخميني الحق هو من يحترم حقوق كل الفئات وأن الجانب التسلطي كان ضرورة وقتية في السنوات الأولى للثورة"، ويعتقد ميردامادي أن المتشددين الذين يبجلون الخميني المتشدد المعادي للغرب سيرفضون ما يرون أنه التفسير الانتقائي لميراثه من قبل حفيده محذرين من ظهور ما سموه "الخميني ضد الخميني"، وفي هجوم غير مباشر على رجل الدين قالت صحيفة كيهان القريبة من خامنئي الأسبوع الماضي إن ترشيح حسن الخميني "حركة تكتيكية لإخفاء التحريفية الجديدة" في إيران التي تريد أن "تستحوذ على جزء من أسرة الإمام الخميني واستغلاله فيما يناقض الطريق الحق للخميني".
وهون صديق مقرب من شأن الآراء التي ذهبت إلى القول بأن انتخاب حسن الخميني سيزيد التوتر بينه وبين المتشددين. وقال إن شخصية حسن تتسم بالهدوء والواقعية وعدم الميل إلى الصدام.
رفسنجاني وروحاني
من جهته قال الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني إن لجنة إيرانية تدرس المرشحين المحتملين لشغل منصب الزعيم الأعلى وهو ما يمثل كسرا لأحد المحرمات بالحديث علنا عن خلافة هذا المنصب في الجمهورية الإسلامية.
ونقلت وكالة العمال الإيرانية للأنباء عن رفسنجاني الحليف القوي لروحاني قوله "سيتحرك مجلس الخبراء عند الحاجة لتعيين زعيم جديد. إنهم يستعدون لذلك الآن ويدرسون الخيارات"، وأضاف رفسنجاني في تصريحات نادرة الحدوث "عينوا مجموعة لإعداد قائمة بالمؤهلين وستطرح للتصويت (في المجلس) حين يحدث أمر"، والمجلس المكون من 82 عضوا مكلف باختيار الزعيم الأعلى والإشراف عليه بل واستبعاده.
وينتخب الشعب مجلس الخبراء كل عشر سنوات تقريبا وربما تهدف تصريحات رفسنجاني الى الحصول على دعم الجماهير للانتخابات ولحلفائه لإعطائهم قوة أكبر عند اختيار الزعيم القادم، وخلال السنوات العشر الماضية حصل المحافظون على معظم مقاعد مجلس الخبراء والبرلمان لأن أوراق كل المرشحين تخضع للفحص في مجلس صيانة الدستور الذي يختار الزعيم الأعلى أكثر أعضائه تأثيرا إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقال رفسنجاني إن مجلس الخبراء مستعد لاختيار "مجلس زعماء اذا دعت الحاجة" بدلا من الزعيم الأعلى الوحيد الذي يحكم مدى الحياة.
المتشددون ضد فكرة اختيار مجلس لخلافة الزعيم الأعلى
في المقابل هاجم رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية بشدة اقتراحات بأن يخلف مجلس زعماء الزعيم الأعلى وحذر من "مؤامرات" ضد وحدة البلاد، وافتتح التسجيل في انتخابات مجلس الخبراء التي تجرى في فبراير شباط ويتولى المجلس اختيار الزعيم الأعلى. بحسب رويترز.
ويحق للمجلس تغيير الزعيم الأعلى وهو حاليا آية الله علي خامنئي لكن عمليا لا يتوقع أحد أن يحدث ذلك. وتدور معظم التكهنات حول كيفية ترتيب الخلافة بعد وفاة خامنئي.
وفي الأسبوع الماضي قال أكبر هاشمي رفسنجاني وهو رئيس سابق للبلاد وعضو نافذ في مجلس الخبراء إن المجلس يعتزم دراسة اختيار مجلس زعماء بدلا من زعيم واحد يحكم مدى الحياة، وقال حسن فيروز آبادي رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية في بيان نشرته وكالة فارس للأنباء "لم يكن لدينا مجلس زعماء في التاريخ أو مجلس يقود الجيش"، وأضاف "كل المؤامرات فشلت... الآن يستعيدون خدعة مجلس الزعماء الجديدة... لتقويض قيادتنا التقدمية والمستقرة"، وقال "إذا أصبحت القيادة مجلسا فسوف تعاني البلاد... وسوف تنهار وحدتنا القوية ضد أمريكا والصهاينة والأعداء الأمبرياليين".
الى ذلك قالت جماعات حقوقية ومواقع الكترونية معارضة إن وزارة المخابرات استدعت العشرات للاستجواب وتم احتجازهم. ونفت الحكومة الإيرانية أن تكون هناك موجة اعتقالات ووصفت التقارير بأنها "لا أساس لها". بحسب رويترز.
وانتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الانسان والأمم المتحدة ايران لما وصفتها بأنها حملة على حرية التعبير ووسائل الإعلام. ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد من ألقي القبض عليهم أو تفاصيل عن الاتهامات التي وجهت لهم او ما اذا كانت وجهت من الأساس وإن كانت أي محاكمات قد جرت، وأصدر القضاء الإيراني حكما بسجن الصحفي الأمريكي من أصل ايراني جيسون رضائيان الصحفي في جريدة واشنطن بوست بعد إلقاء القبض عليه في يوليو تموز 2014 في اتهامات بالتجسس. ورفضت الحكومة الأمريكية وعائلة الصحفي الاتهامات. وصدر الحكم بعد إلقاء القبض على رجل الأعمال الأمريكي من أصل ايراني سياماك نامازي حين كان يزور أقاربه في طهران، وقال المحلل المقيم في ايران سعيد ليلاظ "كان هذا هو الوضع دائما في ايران قبل الانتخابات... بالطبع الاتفاق النووي والجهود لإنهاء عزلة إيران زادا من شعبية روحاني"، وأضاف "يشعر معارضو روحاني بالقلق من تأثيره على نتائج الانتخابات".
"خط احمر" بالنسبة لخامنئي
يقول المحلل السياسي حميد فرح فاشيان "ارتفاع مكانة روحاني في الداخل والخارج يعني سلطة أقل لخامنئي وكان هذا دائما خطا احمر بالنسبة لخامنئي"، وأضاف "المزيد من المرونة في السياسة الخارجية يقود دوما الى مزيد من الضغوط في الداخل في ايران"، ودعت الأمم المتحدة ايران الى وقف اعتقال ومضايقة ومحاكمة الصحفيين والنشطاء. بحسب رويترز.
وقال مير جاويدانفار المحاضر المتخصص في السياسة بمركز الدراسات المتخصصة في هرتزليا "من المرجح أن يستمر ذلك على الأقل حتى الانتخابات القادمة وربما بعدها... يشعر المتشددون بالقلق من شعبية روحاني الأعلى نسبيا... بسبب الاتفاق النووي"، وأضاف "من خلال إلقاء القبض على الصحفيين والنشطاء يحاولون أن يظهروا روحاني ضعيفا وغير كفء"، وحقق روحاني فوزا كاسحا في انتخابات 2013 ببرنامج تقدمي وينتقد الحملة على الصحفيين والنشطاء والفنانين من حين لآخر لكنه لم يبذل جهدا يذكر لوقفها، وبدأ صبر بعض أنصار روحاني ينفد فهم يخشون من أنه الآن ربما يفتقر الى السلطة التي تمكنه من إقامة مجتمع اكثر تحررا، وقال صحفي في طهران طلب عدم نشر اسمه "يلقي روحاني باللوم على المتشددين في القيود لكن الكلمات لا تكفي. ما زلت أؤديه لأنه لا يوجد خيار آخر"، وأضاف "شاغله الوحيد هو الاقتصاد والحفاظ على منصبه"، ويقول محللون إن روحاني لا يتمتع بالصلاحيات الدستورية التي تتيح له اتخاذ إجراءات عملية لوقف القمع. وبموجب الدستور الإيراني فإن خامنئي له القول الفصل في كل شؤون الدولة.
اضف تعليق