وتخشى طوكيو أن تحاول بكين السيطرة بالقوّة على تايوان، ما قد يجرّ الجيش الياباني إلى النزاع إلى جانب واشنطن. غير أن ماضي البلد العسكري يحرك ذكريات أليمة للكثير من اليابانيين. ويحظر الدستور الذي صاغته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية والذي يحظى بدعم شعبي كبير، على طوكيو اللجوء...

فيما يحيي العالم الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، تسعى اليابان التي اعتنقت النهج السلمي منذ هزيمتها في تلك الحرب إلى توسيع صفوف جيشها للتصدّي للطموحات الصينية، لكنها تواجه صعوبات في استقطاب مجنّدين.

وفي العام 2023، بدأت اليابان برفع ميزانيتها الدفاعية بهدف بلوغ 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2027-2028، فيما تحثها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الذهاب أبعد في مساعيها.

وتخشى طوكيو أن تحاول بكين السيطرة بالقوّة على تايوان، ما قد يجرّ الجيش الياباني إلى النزاع إلى جانب واشنطن.

وفي العام 2023، كانت السلطات تأمل بتجنيد 20 ألف عنصر لكنها بالكاد وصلت إلى نصف هذا العدد، بحسب وزارة الدفاع. والنتيجة أن الجيش يفتقر إلى 10% من عديده المزمع بالأساس وقدره 250 ألف عنصر.

وتسعى طوكيو لتعزيز قدراتها العسكرية في مناطق الجنوب الغربي، مثل أوكيناوا، الموقع الاستراتيجي لمراقبة الصين، ومضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية.

ويرى مسؤولون وخبراء عسكريون أن طبيعة العمل المحفوف بالمخاطر والرواتب المتواضعة والتقاعد المبكر بحدود 56 عاما هي من العوامل التي تثني الشباب عن التطوع.

وما يزيد من صعوبة التجنيد انخفاض معدّل الولادات والتراجع الديموغرافي في البلد.

ونظرا للوضع الأمني، أعلن رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا في حزيران/يونيو أن توسيع صفوف قوّات الدفاع بات أولوية مطلقة.

غير أن ماضي البلد العسكري يحرك ذكريات أليمة للكثير من اليابانيين. ويحظر الدستور الذي صاغته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية والذي يحظى بدعم شعبي كبير، على طوكيو اللجوء إلى القوّة، ولا يعترف بقوّات الدفاع الذاتي كجيش رسمي.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “غالوب إنترناشونال” ونشرت نتائجه العام الماضي أن 9% فقط من اليابانيين المستطلعين مستعدون للقتال دفاعا عن بلدهم في حال وقوع حرب، في حين أن 50% يرفضون القيام بذلك. وعلى سبيل المقارنة، أعرب 46% من الكوريين الجنوبيين و41% من الأميركيين عن استعدادهم لخدمة بلدهم عند الاقتضاء.

ومنذ فترة وجيزة لفت ريويشي أوريكي رئيس الأركان السابق للقوات اليابانية إلى أن الرأي العام الياباني لطالما ركّز على السبل الدبلوماسية، و”لم تجر نقاشات كثيرة حول وسائل صون السلم والأمن”، مضيفا “آمل أن يصبح للرأي العام فهم أعمق لواقع الدفاع القومي”.

ميزانية دفاعية قياسية

وتسعى وزارة الدفاع اليابانية لتعزيز ترسانتها من المسيرات في إطار طلب قياسي آخر للإنفاق تقدّمت به الجمعة للتعامل مع “بيئة أمنية تزداد حدة بشكل كبير”.

ويبلغ الطلب الذي قدمته وزارة الدفاع الجمعة للموازنة الجديدة للعام المالي الذي يبدأ في الأول من نيسان/أبريل واطلعت عليه فرانس برس، 8,8 تريليون ين (59,9 مليار دولار).

وهو يتجاوز المبلغ القياسي السابق الذي خصصته رابع قوة اقتصادية في العالم لهذا الغرض في العام المالي الحالي حتى آذار/مارس 2026، والذي بلغ 8,7 تريليون ين.

وبعد 80 عاما على الحرب العالمية الثانية والقصف الذري لهيروشيما وناغازاكي، ما زال الدستور الياباني يفرض قيودا على إمكانيات البلاد العسكرية لتقتصر على الدفاع.

لكن الزيادة الجديدة في الميزانية تعكس “البيئة الأمنية التي تزداد حدة بشكل كبير” حول اليابان، بحسب ما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع الصحافيين في طوكيو، طالبا عدم الكشف عن هويته.

ويدعو طلب الموازنة لمضاعفة الإنفاق على مختلف المسيرات والمركبات غير المأهولة بثلاث مرّات تقريبا إلى 313 مليار ين.

سلّطت الحرب المتواصلة في أوكرانيا منذ الغزو الروسي عام 2022 الضوء على القوة المدمّرة للمسيّرات ودورها المتنامي في الحروب الحديثة.

وبموجب الخطة التي كُشف عنها الجمعة، تسعى طوكيو لاستخدام المسيّرات لتعزيز نظام دفاعي ساحلي تطلق عليه “شيلد” يعد قادرا، بحسب المسؤول، على التصدي لأي غزو يقترب من البر.

وأثناء زيارة إلى اسطنبول هذا الشهر، وافق وزير الدفاع الياباني غين ناكاتاني على النظر في إمكانية شراء مسيرات تركية، بحسب ما أفادت وسائل إعلام يابانية.

وتضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيضا على اليابان التي تستضيف حوالى 54 ألف عسكري أميركي، لتعزيز إمكانياتها الدفاعية.

وتعمل واشنطن وطوكيو على تحضير قواتها للرد على تهديدات على غرار أي غزو صيني لتايوان.

أول تجربة محلية لصاروخ أرض-بحر

وأكدت اليابان أن إجراءها أول تجربة محليا لاطلاق صاروخ أرض-بحر يعد تدريبا ضروريا في ظل “البيئة الأمنية الصعبة” الحالية، مع سعيا لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة الصين.

وأطلقت قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية صاروخا واحدا من طراز “تايب-88” المضاد للسفن، باتجاه مياه المحيط الهادئ من مقر تدريب في جزيرة هوكايدو الشمالية.

وجرت العادة أن تجري القوات المسلحة اليابانية تدريباتها على إطلاق صواريخ أرض-بحر في قواعد في الولايات المتحدة، إلا أن هذه التدريبات مكلفة وغالبا ما يكون عدد الأفراد المشاركين فيها محدودا.

وقال المتحدث بإسم الحكومة يوشيماسا هاياشي خلال مؤتمر صحافي دوري إن “تدريبات محلية بالرماية الحية، كهذه، توفر فرصا لتدريب عدد أكبر من الجنود”.

وأضاف أن مثل هذه التدريبات “مهمة للغاية بالنسبة لنا للحفاظ على القدرة على الدفاع عن الجزر وغيرها من المناطق وتحسينها، في ظل البيئة الأمنية الصعبة الحالية”.

وأكد أن التدريب لم يكن موجها إلى دولة بعينها، إلا أن اليابان سبق وأن وصفت جارتها الصين بأنها أعظم تحد أمني، في وقت تعمل بكين على تعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة.

وبدأت اليابان في عملية طويلة الأمد لزيادة إنفاقها الدفاعي ليصل إلى المستويات الحالية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والبالغة حوالى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما أنها تعزز تحالفها العسكري مع واشنطن، وتسعى لجعل القوات الأمريكية واليابانية أكثر مرونة في التعامل مع تهديدات محتملة مثل الغزو الصيني لتايوان.

مناورات بحرية مشتركة

كما اجرت اليابان مناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة والفيليبين، في خطوة تعدّ بمثابة رسالة قوية إلى الصين بشأن نفوذها المتزايد في المياه الإقليمية المتنزاع عليها.

وهي ثاني مناورة عسكرية من هذا النوع بين البلدان الثلاثة، بعد مناورات أولى نظّمت في الفيليبين سنة 2023.

وفي ظل التوتّرات القائمة بين الصين وبلدان أخرى في المنطقة حول مناطق متنازع عليها في بحر الصين الشرقي والجنوبي، عملت اليابان على توطيد علاقتها بالفيليبين والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

وفي العام 2024، نشرت البلدان الثلاثة بيانا مشتركا عالي النبرة إزاء بكين أعربت فيه عن “بالغ القلق حيال السلوك الخطر والعدائي لجمهورية الصين الشعبية في بحر الصين الجنوبي”.

ومنذ عدّة أشهر، تدور مواجهات بين الصين والفيليين في بحر الصين الجنوبي التي تطالب بكين بالسيادة شبه الكاملة عليه، بالرغم من قرار دولي خلص إلى أن مطالبها لا تستند إلى أيّ أساس قانوني.

كما يشه بحر الصين الشرقي مواجهات بين سفن لخفر السواحل الصينيين واليابانيين بشأن جزر متنازع عليها.

وقال دايسوكي كاواي الباحث المتخصّص في شؤون الأمن في جامعة طوكيو لوكالة فرانس برس إن بحر الصين الجنوبي بات يعتبر من البؤر الأشدّ توتّرا في العالم حيث قد يتحوّل أيّ حادث في البحر إلى أزمة حدودية”.

وأشار إلى أن “إطار التعاون الثلاثي بين خفر السواحل يعمّق المعارف في المجال البحري وقدرات تطبيق القانون، ما يصعّب على بلد واحد، أي الصين، استهداف شريك أضعف على نحو منعزل”.

وأخيرا تبادلت طوكيو وبكين الاتهامات إثر اقتراب اعتبر خطيرا بين طائرات عسكرية كانت تحلّق فوق المحيط الهادئ.

صراع على الطاقة والاقتصاد

من جهتها رفضت الصين احتجاجا قدمته اليابان بشأن تطوير حقول غاز في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.

وكانت وزارة الخارجية اليابانية قد أعلنت أنها تأكدت من قيام بكين بنصب منصات حفر في المنطقة حيث تتداخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يطالب بها كل طرف، و”وجهت احتجاجا شديدا” إلى السفارة الصينية.

وتعقيبا على ذلك، رفضت الخارجية الصينية “الاتهامات اليابانية الباطلة ورفضت ما يسمى باحتجاج اليابان”.

وبموجب اتفاقية ثنائية أبرمت عام 2008، وافقت اليابان والصين على تطوير احتياطيات الغاز البحرية في المنطقة المتنازع عليها بشكل مشترك مع حظر قيام أي منهما بالحفر بشكل مستقل. لكن المفاوضات حول تنفيذ الاتفاقية علّقت عام 2010. 

واتهمت اليابان الصين بنصب ما تشتبه بأنها 21 منصة حفر في الطرف الصيني من الحدود البحرية المتعارف عليها مضيفة “من المؤسف للغاية أن الصين تمضي في تطوير أحادي الجانب”,

وأكدت طوكيو خشيتها من احتمال استخدم المنصات لاستخراج الغاز من الجانب الياباني كذلك.

وحضت اليابان “الصين بشدة على استئناف مبكر للمحادثات بشأن تنفيذ” الاتفاقية الثنائية المبرمة عام 2008.

ولطالما أصرت اليابان على أن خط المنتصف بين البلدين يجب أن يرسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما. الا أن الصين تصرّ على أن الحدود يجب أن تكون أقرب إلى اليابان، مع أخذ الجرف القاري وخصائص أخرى للمحيط في الاعتبار.

والى الخلاف بشأن حدود المنطقة الاقتصادية، تنخرط اليابان والصين في نزاع منفصل بشأن جزر متنازع عليها في مكان آخر في بحر الصين الشرقي. 

وتعتبر الصين أن ملكية سلسلة جزر دياويو التي تشير إليها اليابان باسم سينكاكو، تعود إليها، وترسل بانتظام السفن والطائرات إلى المنطقة لاختبار سرعات استجابة طوكيو لهذه التحركات.

وللصين نزاعات مع دول أخرى في بحر الصين الجنوبي الذي تؤكد حقها بالسيطرة الكاملة عليه.

بديلا للصين في أفريقيا

واستضافت اليابان قادة أفارقة جاءوا لحضور مؤتمر للتنمية، مع الترويج لنفسها كبديل للصين في الوقت الذي تعاني فيه القارة من أزمة ديون تفاقمت بسبب تخفيض المساعدات الغربية والنزاعات وتغير المناخ. 

ومن بين الحاضرين في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (تيكاد) الرئيس النيجيري بولا تينوبو ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا ورئيس كينيا وليام روتو والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. 

وقال مكتب رامابوزا في بيان إن أزمة الديون والسيولة في القارة الأفريقية تُفاقم من صعوبة البيئة الاجتماعية والاقتصادية، وتُقيد الحيز المالي المتاح أمام الحكومات لبسط شبكة أمان تحمي مواطنيها”.

استثمرت الصين بكثافة في إفريقيا على مدى العقد الماضي، ووقعت شركاتها صفقات بقيمة مئات المليارات من الدولارات لتمويل تشييد موانئ الشحن والسكك الحديد والطرق ومشاريع أخرى في إطار مبادرة بكين للبنية التحتية العالمية المعروفة باسم “الحزام والطريق”. 

لكن مصادر الإقراض الجديدة في حالة نضوب فيما تواجه الدول النامية “موجة عارمة” من الديون المتراكمة تجاه الصين والدائنين الدوليين من القطاع الخاص، وفق تقرير نشره في أيار/مايو معهد لوي، وهو مركز أبحاث أسترالي. 

كذلك، شهدت الدول الإفريقية تقليصًا في المساعدات الغربية، لا سيما بعد قرار الرئيس دونالد ترامب تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). 

ومن المتوقع أن يتطرق مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية إلى فرص توقيع اتفاقيات التجارة الحرة بين اليابان ودول إفريقية وضمانات القروض وحوافز الاستثمار للشركات اليابانية، وفقًا لما ذكرته وسائل الإعلام المحلية. 

ومع ذلك، قال اتحاد الأعمال الياباني وهو أكبر مجموعة ضغط لرواد الأعمال في اليابان، إن على طوكيو أن تعمل على كسب ثقة الدول النامية. 

وجاء في توصية رفعها اتحاد الأعمال في يونيو/حزيران أن “من خلال المساهمة الفعالة في حل القضايا الاجتماعية التي تواجهها دول الجنوب العالمي، ينبغي أن تكون اليابان الخيار الطبيعي كشريك يُعتمد عليه”.

وقال رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا لصحافيين إن إفريقيا تقدم فرصًا بفضل شبابها ومواردها الطبيعية. وأضاف “سنناقش كيفية الاستفادة من هذه الموارد البشرية والمادية كقوة دافعة للنمو وربطها بنمو اليابان وازدهار العالم”. 

وأضاف إيشيبا “بدلاً من التركيز على احتياجاتنا الخاصة، نريد أن نتعرف على احتياجات شركائنا وأن نكسب ثقتهم”.

وذكرت وكالة كيودو للأنباء أن إيشيبا قد يقترح خلال المؤتمر، وهو التاسع منذ 1993، إنشاء “منطقة اقتصادية” تشمل منطقة المحيط الهندي وإفريقيا. 

وأضافت الوكالة أن اليابان ستتعهد تدريب 30 ألف خبير في مجال الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعزيز رقمنة القطاع الصناعي وتوفير فرص عمل.

ندم عميق بعد 80 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية

تحدى عشرات آلاف الأشخاص الحر الشديد لزيارة ضريح ياباني مثير للجدل، في وقت عبّر الامبراطور ناروهيتو عن “ندم عميق” في الذكرى الثمانين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وكان وزيران في الحكومة اليابانية من بين الزوار الذين توافدوا على ضريح ياسوكوني في طوكيو الذي يحيي ذكرى 2,5 مليون جندي غالبيتهم من اليابانيين قضوا منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكنه يكرم أيضا مدانين بجرائم حرب.

ولطالما أثارت زيارات المسؤولين الحكوميين إلى الضريح غضب دول عانت فظائع ارتكبها الجيش الياباني، خصوصا الصين وكوريا الشمالية.

وقال ناروهيتو إنه يشعر بـ”حزن عميق ومتجدد” في كلمة مؤثرة ألقاها وإلى جانبه الإمبراطورة ماساكو داخل قاعة مغلقة في وسط العاصمة اليابانية، حيث تم تنكيس العلم الوطني في الخارج.

وأضاف الإمبراطور البالغ 65 عاما “أفكاري مع العدد الكبير من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم الثمينة في الحرب الأخيرة ومع عائلاتهم الثكلى”.

أضاف “ومن خلال التأمل في ماضينا واستحضار مشاعر الندم العميق، آمل بألّا تتكرر مآسي الحرب مجددا”.

كما ألقى رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا كلمة في المراسم تعهد فيها “الحفاظ على الذكريات المؤلمة للحرب… ونقلها عبر الأجيال، والسعي إلى اتخاذ خطوات نحو سلام دائم”.

ولم يزر أي رئيس وزراء ياباني الضريح منذ العام 2013 حين أثارت زيارة قام بها رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي غضب بكين وسيول، وتسببت في توجيه الولايات المتحدة حليف طوكيو الوثيق، توبيخا دبلوماسيا نادرا لطوكيو.

التخلي عن السلاح النووي

بدورها أحيت هيروشيما ذكرى مرور 80 سنة على إلقاء الولايات المتّحدة قنبلة ذرية على المدينة اليابانية بإقامة مراسم شاركت فيها أكثر من مئة دولة والتزم خلالها الحضور دقيقة صمت للمناسبة.

صبيحة السادس من آب/أغسطس 1945، في تمام الساعة 08:15، ألقت طائرة عسكرية أميركية قنبلة ذرية على هيروشيما أدت إلى مقتل نحو 140 ألف شخص. وبعد ثلاثة أيام، ألقت الولايات المتحدة قنبلة نووية أخرى على مدينة ناغازاكي في جنوب اليابان مما أسفر عن سقوط نحو 74 ألف قتيل.

هاتان الضربتان اللتان عجّلتا بنهاية الحرب العالمية الثانية هما الحالتان الوحيدتان اللتان استُخدم فيهما سلاح نووي في زمن الحرب، على مر التاريخ.

وبمناسبة هذه المراسم، حضّت هيروشيما مجددا قادة العالم على التحرّك للتخلّص من الأسلحة الذرية.

وقال رئيس بلدية المدينة كازومي ماتسوي إنّ “الولايات المتّحدة وروسيا تمتلكان 90% من الرؤوس الحربية النووية في العالم، وفي سياق الغزو الروسي لأوكرانيا والوضع المتوتر في الشرق الأوسط، نلاحظ اتجاها متسارعا لتعزيز القوة العسكرية في سائر أنحاء العالم”.

وأضاف أنّ “بعض القادة يقبّلون بفكرة أنّ الأسلحة النووية ضرورية لدفاعهم الوطني، متجاهلين بشكل صارخ العبر التي يتعين على المجتمع الدولي أن يستخلصها من مآسي التاريخ. إنّهم يهدّدون بتقويض آليات تعزيز السلام”.

سبق لماتسوي أن دعا في تمّوز/يوليو الفائت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارة هيروشيما بعد أن قارن الملياردير الجمهوري الغارات الجوية التي أمر بتنفيذها على إيران بالقنبلتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي في 1945.

وذكر رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في هيروشيما بأن “اليابان هي الدولة الوحيدة التي تعرضت لقصف ذري خلال الحرب، وهي مكلّفة بقيادة الجهود الدولية من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية.”

شارك ممثّلون عن 120 دولة ومنطقة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في المراسم التي أقيمت الأربعاء في هيروشيما، وفقا لمسؤولي المدينة.

غير أن دولا نووية كبرى مثل روسيا والصين وباكستان غابت عنها. 

وبخلاف المعتاد، أعلن الجانب الياباني أنه لم “يختَر ضيوفه” لهذه الذكرى، بل “أخطر” جميع الدول والمناطق بذلك، مما أتاح لفلسطين وتايوان، اللتين لا تعترف بهما طوكيو رسميا، الإعلان عن حضورهما للمرة الأولى.

وقال البابا لاوون الرابع عشر في بيان “في ظل هذه المرحلة المليئة بالتوترات والصراعات المتصاعدة، تظل هيروشيما وناغازاكي شاهدتين حيَّتين على الرعب العميق الذي تسببها الأسلحة النووية”.

وهيروشيما باتت اليوم مدينة مزدهرة تعد 1,2 مليون نسمة، لكن وسطها لا يزال يضم أنقاض مبنى يعلوه هيكل معدني لقبة لا تزال قائمة تذكيرا بفظاعة الهجوم. 

وتوجه عدد من الأشخاص لزيارة النصب التذكاري للصلاة، من بينهم تاكاكو هيرانو (69 عاما)، التي فقدت والديها، وقالت “لا ينبغي أن يتكرر القصف بالقنابل الذرية أبدا … يسعى أهالي هيروشيما بكل ما أوتوا من قوة لنقل رسائل السلام وشهادة المعاناة التي قاسوها”.

وقالت يوشي يوكوياما البالغة من العمر 96 عاما وحضرت على كرسي متحرك برفقة حفيدها هيروكو يوكوياما “لقد كان والدي وجداي ضحايا القنبلة. توفي جدي بعد وقت قصير، بينما توفي والدي ووالدتي بعد إصابتهما بالسرطان … بعد 80 عاما، ما زال الناس يعانون”. كما علق حفيدها قائلا “أشعر بالحاجة إلى الاستماع أكثر، ونقل القصة لأطفالنا”.

تدعو منظمة “نيهون هيدانكيو” اليابانية المناهضة للأسلحة النووية والتي تجمع ناجين من القصف الذري والحائزة على جائزة نوبل للسلام في 2024، الدول إلى التحرك من أجل التخلص من الأسلحة النووية، مستندة إلى شهادات الناجين من هيروشيما وناغازاكي، ويطلق عليهم اسم “هيباكوشا”. .

في آذار/مارس، بلغ عدد الهيباكوشا 99130 شخصا ومتوسط أعمارهم 86 عاما، حسب وزارة الصحة اليابانية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان “رغم تراجع عددهم من عام لآخر، إلا أن رسالتهم الخالدة للسلام ستظل حاضرة معنا إلى الأبد”، وتوجه إلى أهالي هيروشيما بالقول “لم تكتفوا بإعادة بناء مدينة فحسب، بل منحتم العالم الأمل وأحييتم الحلم بعالم خالٍ من الأسلحة النووية”.

وأشار يوكيو كوكوفو البالغ من العمر 75 عاما، إلى أن والدته تعرضت لحروق مروعة، في حين قُتل شقيقه الأكبر الذي كان يبلغ من العمر 18 شهرا على الفور. وأضاف “يتحدث الناس عن الردع النووي، آمل أن يفكر الجميع أكثر في سبل تحقيق السلام”.

* المصدر: وكالات+فرانس برس

اضف تعليق