سعي ترامب الأحادي لمفاتحة بوتين وما ترافق معه من تنازلات فيما يبدو بخصوص مطالب أوكرانيا الرئيسية، أثار قلق كييف والحلفاء الأوروبيين في حلف الأطلسي الذين قالوا إنهم يخشون أن يتوصل البيت الأبيض إلى اتفاق بدونهم. وقال زيلينسكي باعتبارنا دولة مستقلة، لن يكون من الممكن أن نقبل أي اتفاقيات بدوننا...
أثارت المكالمة الهاتفية "المطولة والمثمرة للغاية" التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مخاوف في أوروبا من إبرام "صفقة قذرة" لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط مواتية لموسكو دون مشاركة كييف.
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الخميس، إن أوكرانيا لن تقبل اتفاق سلام تفاوضت عليه الولايات المتحدة وروسيا وحدهما، واعترف بأنه "لم يكن من اللطيف" أن يتحدث ترامب مع بوتين قبل الاتصال بكييف، مما أثار الشك في سياسة الغرب "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا" التي صمدت إلى حد كبير لأكثر من 3 سنوات من الغزو الروسي.
ومنذ ذلك الحين، قال كل من ترامب ووزير دفاعه بيت هيغسيث إنهما يعتقدان أن المفاوضات ستشمل أوكرانيا، على الرغم من أن ترامب، عندما سأله أحد المراسلين، الأربعاء، عما إذا كان يرى أوكرانيا شريكًا متساويًا في مفاوضات السلام، أجاب فقط "هذا سؤال مثير للاهتمام".
وطالبت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون يوم الخميس بإشراكهم في أي مفاوضات سلام بعد أن تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هاتفيا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال إن كييف لن تستعيد كل أراضيها ولن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي.
وانتعشت الأسواق المالية الروسية وارتفع سعر ديون أوكرانيا مع احتمال عقد أول محادثات منذ سنوات لإنهاء أشد الحروب دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن سعي ترامب الأحادي لمفاتحة بوتين وما ترافق معه من تنازلات فيما يبدو بخصوص مطالب أوكرانيا الرئيسية، أثار قلق كييف والحلفاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي الذين قالوا إنهم يخشون أن يتوصل البيت الأبيض إلى اتفاق بدونهم.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "نحن، باعتبارنا دولة مستقلة، لن يكون من الممكن أن نقبل أي اتفاقيات بدوننا". وأضاف أن بوتين يستهدف جعل مفاوضاته ثنائية مع الولايات المتحدة، ومن المهم عدم السماح بذلك.
وقال الكرملين إن هناك خططا للإعداد لاجتماع بين بوتين وترامب، ربما في السعودية. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن أوكرانيا ستشارك "بالطبع" في محادثات السلام بطريقة ما، لكن سيكون هناك أيضا مسار تفاوضي ثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا.
واتخذ المسؤولون الأوروبيون نهجا صارما بشكل معلن وعلى نحو استثنائي تجاه مبادرة السلام التي اقترحها ترامب، قائلين إن أي اتفاق سيكون من المستحيل تنفيذه ما لم يتم إشراكهم هم والأوكرانيين في التفاوض عليه.
وقالت كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن "أي حل سريع هو صفقة قذرة". كما نددت بما قُدم سلفا من تنازلات واضحة.
وقال كالاس "لماذا نعطيهم (الروس) كل ما يريدونه حتى قبل بدء المفاوضات؟ ... إنه استرضاء. لا نجاح لهذا أبدا".
وقال مصدر دبلوماسي أوروبي إن وزراء وافقوا على الانخراط في "حوار صريح وشاق" مع مسؤولين أمريكيين.
أفضل مفاوض في الكوكب
أجرى ترامب أمس الأربعاء أول مكالمة هاتفية يجري الإعلان عنها بين الرئيس الأمريكي وبوتين منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير شباط 2022، ثم أعقبها بمكالمة هاتفية مع زيلينسكي. وقال ترامب إنه يعتقد أن الرجلين يريدان السلام.
لكن إدارة ترامب قالت علنا للمرة الأولى أيضا إن من غير الواقعي أن تتوقع أوكرانيا العودة إلى حدود ما قبل عام 2014 أو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ضمن أي اتفاق، وإن القوات الأمريكية لن تشارك في أي قوة أمنية بأوكرانيا قد يتم تشكيلها لضمان وقف إطلاق النار.
وقال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث الذي كشف عن السياسة الجديدة في تصريحات بمقر حلف شمال الأطلسي اليوم الخميس، إن العالم محظوظ بوجود ترامب، وإنه "أفضل مفاوض في الكوكب، والذي يجمع بين الجانبين للتوصل إلى سلام عبر المفاوضات".
وقال المتحدث باسم الكرملين بيسكوف إن موسكو "معجبة" باستعداد ترامب للسعي إلى تسوية.
واستولت روسيا على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، واستولى وكلاؤها على أراض في الشرق في عام 2014، قبل غزوها الشامل لجارتها في 2022 حيث استولت على مزيد من الأراضي في الشرق والجنوب.
وتمكنت أوكرانيا من صد الغزاة الروس من ضواحي كييف واستعادت مساحات واسعة من الأراضي في عام 2022، لكن قواتها الأقل عددا وتسليحا تفقد ببطء المزيد من الأراضي منذ الهجوم المضاد الأوكراني الفاشل في عام 2023.
وأدى الصراع المحتدم إلى مقتل وإصابة مئات الآلاف من الجنود على الجانبين، ولكن لا يوجد إحصاء يمكن الوثوق به لعدد القتلى. كما أصيبت مدن أوكرانية بالدمار.
وفي الوقت نفسه، لم يحدث أي تقارب في المواقف. فموسكو تطالب كييف بالتنازل عن مزيد من الأراضي وأن تكون في وضع الدولة المحايدة بشكل دائم في أي اتفاق سلام. وتقول كييف إنه يتعين على القوات الروسية الإنسحاب وأن تحصل أوكرانيا على ضمانات أمنية مشابهة لعضوية حلف شمال الأطلسي لمنع وقوع هجمات في المستقبل.
واعترف المسؤولون الأوكرانيون في الماضي أن العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي قد تكون بعيدة المنال في الأمد القريب، وأن اتفاقا مفترضا للسلام قد يترك بعض الأراضي المحتلة في أيدي الروس.
لكن كييف وحلفاءها الأوروبيين أوضحوا أنهم يشعرون بالقلق إزاء ما اعتبروه تنازلا من جانب إدارة ترامب عن هذين الموقفين قبل بدء المحادثات.
وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها إن كييف ما زالت متمسكة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما قال إنه الطريقة الأبسط والأقل تكلفة التي يمكن للغرب من خلالها توفير الضمانات الأمنية اللازمة لتحقيق السلام.
وأضاف "أكد جميع حلفائنا أن مسار أوكرانيا نحو حلف شمال الأطلسي لا رجعة فيه. وهذا الاحتمال موجود في دستورنا. وهو يصب في مصلحتنا الاستراتيجية".
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، وهو رئيس وزراء هولندي سابق برع في تسوية الخلافات بين أوروبا وواشنطن، إن من المهم أن تفهم موسكو أن الغرب سيظل موحدا، مشيرا إلى أن أوكرانيا لم تتلق وعدا قط بأن اتفاق السلام سيشمل عضوية الحلف.
واعتبر بعض الأوكرانيين تحركات ترامب خيانة. وقالت ميروسلافا ليسكو (23 عاما) في وسط كييف "إنهم فيما يبدو يريدون حقا تسليم أوكرانيا، لأنني لا أرى أي فوائد لبلدنا من هذه المفاوضات أو خطاب ترامب".
لكن الأوكرانيين أرهقتهم ثلاث سنوات من الحرب، ويقول كثيرون منهم إنهم مستعدون للتضحية ببعض الأهداف من أجل تحقيق السلام.
وعبر كثيرون عن خيبة أملهم في السياسة الأمريكية في عهد جو بايدن الذي تعهد بمساعدة أوكرانيا على استعادة كل أراضيها وزودها بمعدات عسكرية بعشرات المليارات من الدولارات، لكن بعد تأخيرات يقول قادة أوكرانيون إنها سمحت للقوات الروسية بإعادة تجميع صفوفها.
وقال تيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد إن ترامب كان على الأقل صريحا فيما يتعلق بحدود الدعم الأمريكي.
وأضاف على منصة إكس "الفرق بين بايدن وترامب هو أن ترامب يقول بصوت عال ما كان بايدن يفكر فيه ويفعله فيما يتعلق بأوكرانيا".
وبالنسبة للدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يبدو المستقبل فجأة أكثر غموضًا.
فمنذ تأسيس التحالف، اعتمدت أوروبا على المظلة النووية الأمريكية، ونشر قوات عسكرية أمريكية كبيرة في أوروبا وميزانية الدفاع الأمريكية الضخمة وخط أنابيب الأسلحة.
كانت مكالمة ترامب مع بوتين، وإعلانه اللاحق بأن المفاوضات ستبدأ فور التوصل إلى اتفاق في أوكرانيا، بمثابة صدمة للزعماء الأوروبيين وهددت بتركهم للعمل الشاق المتمثل في تمويل والإشراف على أي تسوية.
وبعبارة أخرى: ستبرم واشنطن الصفقة وقد تحصل على أموال من أوكرانيا في صورة معادن نادرة كما طالب ترامب، وستتحمل أوروبا التكاليف.
وأبلغ هيغسيث أعضاء الناتو في بروكسل أن القوات الأوروبية وغير الأوروبية ولكن ليس الأمريكيين سوف تضطر إلى مراقبة أي اتفاق بين أوكرانيا وروسيا.
وكان هناك أيضا إنكار لتطلعات أوكرانيا للانضمام إلى التحالف، وقال هيغسيث إن واشنطن "لا تعتقد أن عضوية الناتو بالنسبة لأوكرانيا واقعية".
وأفاد مسؤول في الناتو في وقت لاحق أن "عضوية الحلف ليست بالضرورة شيئا يحتاج إلى التفاوض عليه مع روسيا، إنها مسألة قرار يتخذه الحلفاء وقد تم ربط هذا القرار بالوقت المناسب"، وأصر المسؤول على أن "موقف الحلف لم يتغير وأن أوكرانيا لا تزال على طريق العضوية".
فخ مميت
ويكافح الأوروبيون، سواء في حلف شمال الأطلسي أو في الاتحاد الأوروبي، من أجل أن يسمع صوتهم بينما يركز ترامب على إبرام صفقة مع بوتين لإنهاء ما أسماه "إراقة الدماء بلا معنى في أوكرانيا".
وقالت كالاس إن "أي اتفاق خلف ظهورنا لن ينجح"، وأضافت أن "التهدئة تفشل دائمًا، لذا ستستمر أوكرانيا في المقاومة وستستمر أوروبا في دعم أوكرانيا".
وكان الحلفاء الغربيين مغرمين بشعار "لا تسوية في أوكرانيا بدون أوكرانيا"، وقد يتم توسيع هذا الشعار الآن ليشمل "بدون أوكرانيا وأوروبا".
وقالت 6 حكومات أوروبية، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، في بيان مشترك يوم الأربعاء: "نتطلع إلى مناقشة الطريق إلى الأمام مع حلفائنا الأمريكيين يجب أن تكون أوكرانيا وأوروبا جزءًا من أي مفاوضات".
وفي حديثها لشبكة CNN يوم الخميس، أشارت وزيرة الدفاع الليتوانية دوفيلي شاكاليني إلى أن أوروبا قدمت لأوكرانيا 125 مليار دولار كمساعدات العام الماضي معظمها دعم مالي، و88 مليار دولار أمريكي، لذا أعتقد أننا كسبنا مكانًا على طاولة المفاوضات".
وشاكاليني ونظرائها في منطقة البلطيق، على حدود روسيا، قلقون بشكل خاص إزاء تطور الأحداث، وقالت إن هناك خيارًا واضحًا: "إما أن نقرر الوقوع تحت الوهم بأن ترامب وبوتين سيجدان حلاً لنا جميعًا، وسيكون ذلك فخًا مميتًا، أو سنحتضن، كأوروبا، قدراتنا الاقتصادية والمالية والعسكرية".
وأقرت شاكاليني بأن الولايات المتحدة كانت تاريخيًا "تدفع ثمن أمننا، وهذا يحتاج إلى تصحيح".
ولكن أمور مثل خطوط الإنتاج والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والتجنيد لا تحدث بين عشية وضحاها، كان هناك حديث مكثف منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا حول تكثيف الصناعات الدفاعية في أوروبا لكن هذه عملية تستغرق سنوات عديدة.
وقال رئيس شركة داسو الفرنسية العملاقة للدفاع، إريك ترابييه، لصحيفة فاينانشال تايمز، العام الماضي إن "أوروبا تعتقد فجأة أن العمل في مجال الدفاع أمر جيد، وبين هذا الإدراك وواقع بناء صناعة دفاع أوروبية، فإن أوروبا لا تزال في حاجة إلى المزيد من العمل الدفاعي".
وأضاف: "سوف يستغرق الأمر سنوات عديدة وحتى عقودًا عديدة".
وقد ردد هذه الكلمات يوم الخميس الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته: "نحن لا ننتج ما يكفي وهذه مشكلة جماعية، فروسيا تنتج ذخيرة في 3 أشهر، لكن التحالف بأكمله ينتج في عام واحد".
واشتكى مصنعو الأسلحة الأوروبيون أيضًا من عمليات صنع القرار الغامضة في بروكسل، حيث سعت المفوضية الأوروبية إلى دور أكبر بكثير في المشتريات.
ومن المتوقع أن تكون هذه الزيادة المفاجئة في الإنفاق في وقت من النمو البطيء والمالية العامة الضيقة.
لقد خلفت أحداث عام 1989، عندما انهار الاتحاد السوفيتي، إرثًا من تخفيضات الدفاع في الغرب والتي يتم عكسها الآن فقط.
كما لاحظ زيلينسكي هذا الأسبوع، فإن أوكرانيا وأوروبا لديهما عدد أقل من الرجال المسلحين مقارنة بروسيا.
ويشك زيلينسكي في أن أوروبا أو قوة مراقبة أخرى وحدها قادرة على القيام بمهمة تأمين أي سلام.
وقال لصحيفة غارديان البريطانية: "لا أعتقد أن أي قوات تابعة للأمم المتحدة أو أي شيء من هذا القبيل قد يساعد حقًا، نحن مع قوة (حفظ السلام) إذا كانت جزءًا من الضمانات الأمنية، وأود أن أؤكد مرة أخرى أنه بدون أمريكا هذا مستحيل".
ويخشى بعض الوزراء الأوروبيين أن يسيء ترامب فهم بوتين بشكل قاتل، وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الخميس، إنه يأسف لأن الإدارة الجديدة سحبت عضوية أوكرانيا المحتملة في حلف شمال الأطلسي من على الطاولة على الفور، وأضاف: "بوتين يستفز الغرب باستمرار ويهاجمنا مرة أخرى، إن الاعتقاد بأن التهديد سوف يتضاءل بالفعل بعد اتفاق السلام هذا سيكون ساذجا".
إن فرصتهم التالية للحلفاء لتعديل استراتيجية الإدارة أو استجوابها على الأقل ستكون في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا الأسبوع، والذي سيحضره نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس والمبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ.
هل تم تهميش أوروبا؟
إن موسكو، بطبيعة الحال، تتفاخر بتهميش أوروبا، وردا على سؤال من مراسل CNN الدولي الكبير فريد بليتجن في موسكو يوم الخميس، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "العديد من الناس في الغرب، بما في ذلك قادة الاتحاد الأوروبي، صُدموا عندما دارت محادثة بسيطة وعادية بين فردين مهذبين ومتعلمين".
قد يُسامح الأوروبيون الآن على إلقاء نظرة إلى الوراء إلى لحظات وجودية في تاريخهم الحديث.
وأحد هذه اللحظات هو اتفاق ميونيخ لعام 1938 الذي أعطى زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر حرية كاملة لمواصلة العدوان ضد الحلفاء الذين لم يكونوا مسلحين ولا مستعدين للحرب ضد مجتمع مسلح بالكامل.
والآخر هو الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968 الذي قمع "ربيع براغ"، وهو جهد لتحرير الاقتصاد هدد هيمنة موسكو على أوروبا الشرقية، تماماً كما اعتبر بوتين ميل أوكرانيا الحاد نحو الاتحاد الأوروبي تهديداً.
وفي ذلك الوقت، قال السيناتور الأمريكي هنري جاكسون لأعضاء البرلمان في حلف شمال الأطلسي إنه في حين لم يكن هناك خلاف كبير في الولايات المتحدة حول قيمة الحلف الأطلسي، إلا أن هناك "شعوراً واسع النطاق في بلدي بأن العديد من الأوروبيين أقل اهتماماً بأمن أوطانهم منا".
وأضاف: "بالنسبة للعديد من الأمريكيين، بدا الأمر وكأن أوروبا الغربية المزدهرة لا تقدم مساهمة متناسبة بشكل معقول في الجهود الدفاعية المشتركة، وأنا مقتنع بأن حيوية التحالف في المستقبل تعتمد إلى حد كبير على درجة ونوعية الجهود الأوروبية للحفاظ على قوة حلف شمال الأطلسي".
وبعد مرور نصف قرن، أصبحت مطالب إدارة ترامب بأن يصل الأعضاء الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي، الذين كافح العديد منهم للوصول إلى هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 4 أو 5% ــ (وهو مستوى أعلى حتى من الولايات المتحدة) وتتجاوز هذه المظلة الأمنية.
ضغوط أميركية على روسيا
بدوره أكد نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس الجمعة أن الولايات المتحدة مستعدة للضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قبيل اجتماع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وسعى فانس لطمأنة البلدان الأوروبية التي تشعر بالقلق من إمكانية استثنائها من المحادثات الرامية لوضع حد للنزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات، قائلا إنه يجب بـ”التأكيد” بأن الدول الأوروبية ستكون على طاولة المفاوضات، لكنه أضاف أنه يتعين على أوروبا تحمل عبء أكبر في الدفاع عن نفسها.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن فانس قوله إن “الرئيس لن يخوض في هذا الملف مغمض العينين.. سيقول +كل شيء على الطاولة، دعونا نتوصل إلى اتفاق+”.
وأفاد فانس بأن واشطن قادرة على “الضغط عسكريا” على روسيا بينما أكد دعمه “لاستقلال” أوكرانيا “السيادي”.
وأكد فانس أن على أوروبا أن “تكثّف” جهودها الدفاعية بينما تركّز الولايات المتحدة “على مناطق في العالم معرضة لخطر كبير”.
وفي تصريحات أدلى بها قبل لقائه فانس في ميونيخ، قال زيلينسكي إنه مستعد لعقد محادثات مباشرة مع روسيا فور توصل كييف إلى موقف مشترك مع الولايات المتحدة وأوروبا بشأن كيفية إنهاء الحرب.
وقال “نحن مستعدون لأي محادثات مع الأميركيين ومع حلفائنا. إذا قدموا لنا ردودا محددة على طلبات معينة وفهما مشتركا بشأن بوتين الخطير، ومن ثم .. سنكون على استعداد للتحدث مع الروس”.
وفي هذا السياق، بحث رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندريه يرماك مع الموفد الأميركي الخاص كيث كيلوغ “تنسيق الجهود المشتركة من أجل التوصل إلى سلام عادل ودائم”، بحسب ما أفاد يرماك.
وهيمن على مؤتمر ميونيخ القلق العميق من أن تكون واشنطن وموسكو تعملان باتجاه اتفاق سلام سيء لأوكرانيا التي قد يتعين عليها التخلي عن أراض لروسيا مع حرمانها من فرصة الانضمام إلى الناتو.
وبعدما حضت واشنطن أيضا شركاءها الأوروبيين في الناتو على التركيز على الدفاع عن أنفسهم وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سادت توقعات بأن فانس سيعلن خفض عدد القوات الأميركية في القارة.
وأفاد رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هيوسغن إذاعة ألمانية الجمعة “أعتقد أن نائب الرئيس الأميركي سيعلن اليوم بأنه سيتم سحب جزء كبير من القوات الأميركية من أوروبا”.
وحذر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من أنه لا يمكن لأوروبا الاستعاضة عن القوات الأميركية في أوروبا “بين ليلة وضحاها”، وأشار إلى أنه يتعيّن بأن تكون هناك “خارطة طريق” تدريجية لأي انسحاب.
مسار روسي أمريكي منفصل
يزور زيلينسكي ميونيخ أيضا للقاء القادة الأوروبيين والضغط من أجل مطلبه تحقيق “سلام عادل” بعد نحو ثلاث سنوات على اندلاع النزاع الذي سيطرت القوات الروسية على اثره على قرابة خمس الأراضي الأوكرانية.
وقبيل خطابه في ميونيخ الجمعة، قال فانس إنه ما زال من المكبر جدا تحديد حجم الأراضي الأوكرانية التي ستبقى في أيدي روسيا أو طبيعة الضمانات الأمنية التي يمكن للولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين عرضها على كييف.
وقال “ثمة الكثير من الصيغ.. لكن يهمنا بأن تحصل أوكرانيا على استقلال سيادي”.
وحذّر زيلينسكي الخميس قادة العالم من “الوثوق في مزاعم بوتين بشأن استعداده لإنهاء الحرب”.
ويسود قلق بالغ في أوساط القادة الأوروبيين والدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين في ميونيخ حيال الهوة التي تزداد عمقا بين الولايات المتحدة وأوروبا وحتى حيال النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية.
من جهتها قالت روسيا يوم الخميس إن أوكرانيا ستشارك "بالطبع" في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب، لكن سيكون هناك مسار منفصل أمريكي روسي للمفاوضات.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أيضا إن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عدة أشهر لترتيب اجتماع بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب ربما في العاصمة السعودية الرياض.
وقال بيسكوف في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الروسي "على نحو ما، ستشارك أوكرانيا في المفاوضات بالطبع".
وأضاف "سيكون هناك مسار ثنائي روسي أمريكي لهذا الحوار، ومسار سيرتبط بمشاركة أوكرانيا".
ولم تبث تعليقاته على الأرجح الطمأنينة في كييف أو تهدئ مخاوف الحكومات الأوروبية التي تطالب بالمشاركة في المفاوضات مخافة أن تبرم موسكو وواشنطن صفقة تقوض أمنهم.
وقال بيسكوف إنه لا يعرف حتى الآن ما إذا كان لقاء ترامب وبوتين سيعقد في الرياض أو في مكان آخر، لكنه أشار إلى أن ترامب ذكر العاصمة السعودية وأن بوتين لديه "علاقات جيدة جدا" مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
الكرملين معجب بموقف ترامب
وتحدث ترامب وبوتين هاتفيا لأكثر من ساعة يوم الأربعاء، وهو أول اتصال مباشر معلن بين رئيسين أمريكي وروسي منذ أجرى بوتين مكالمة مع جو بايدن قبل وقت قصير من إرسال جيشه إلى أوكرانيا في فبراير 2022.
وقال بيسكوف للصحفيين في وقت سابق إن الكرملين أعجب بموقف ترامب بشأن إنهاء الحرب.
وقال إن هناك إرادة سياسية لدى الجانبين الروسي والأمريكي للتوصل إلى تسوية.
وقال بيسكوف "هناك إرادة سياسية تم التأكيد عليها في محادثة الأمس لإجراء حوار بحثا عن تسوية... هناك اتفاق على أن التسوية السلمية التفاوضية ممكنة".
وحين سئل عن المطالب الأوروبية بالمشاركة في محادثات السلام الأوكرانية، قال بيسكوف "فيما يتعلق بمشاركة أوروبا، لا يوجد تفاهم حتى الآن على شكل عملية تفاوض محتملة، لذلك من السابق لأوانه الحديث عنها".
سلام عادل
ورغم أنه يواجه احتمال تجاهل مطالب أوكرانيا بعد حرب طاحنة، إلا أن زيلينسكي رد بلغة معتدلة.
وقال إنه “أمر غير لطيف” بأن يكون ترامب اتصل ببوتين قبل التحدث إليه، بينما شدد مرة أخرى على أنه كان يرغب بالتوصل إلى “خطة لوضع حد لبوتين” مع الولايات المتحدة قبل إجراء أي محادثات.
ويتوقع أن يضاعف زيلينسكي جهوده للحصول على مزيد من المساعدة من أوروبا الجمعة بعدما أُجبرت طائرته على العودة بسبب مشكلة ميكانيكية.
وأفاد ترامب الخميس بأن “شخصيات عالية المستوى” من موسكو وكييف وواشنطن ستجتمع في ميونيخ الجمعة، لكن الرئاسة الأوكرانية أشارت إلى أنها لا تتوقع المشاركة في محادثات مع مسؤولين روس وأوضحت أنه “حاليا، لا يوجد أي أمر مطروح على الطاولة”.
وقال هيوسغن للإذاعة الألمانية بأن أي مسؤولين حكوميين روس لم يحصلوا على تصاريح للحضور، لكنه لم يستبعد إمكانية عقد اجتماعات خارج المؤتمر الأمني.
ولفتت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الجمعة إلى أنه “كما تعلمون، لم تجر دعوة المسؤولين الروس إلى مؤتمر ميونيخ… اتُّخذ القرار قبل عدة سنوات.. لذا لن يكون هناك أي ممثلين عن وزارة الخارجية أو هيئات روسية رسمية أخرى. يمكنني أن أؤكد لكم ذلك”.
من جهته حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من سلام يكون بمثابة “استسلام” لأوكرانيا، متسائلا إذا كان نظيره الروسي فلاديمير بوتين مستعدا “بصدق” لوقف إطلاق نار “دائم”، وذلك في مقابلة مع صحيفة فايننشل تايمز نُشرت الجمعة.
ولم يستفق الأوروبيون بعد من صدمة المحادثة الهاتفية التي أجراها ترامب الأربعاء ببوتين بشأن أوكرانيا، فيما أعلن الكرملين أنّ كييف ستشارك “بطريقة أو بأخرى” في مفاوضات السلام التي تسعى واشنطن لإطلاقها.
وحذر وزير الخارجية الاوكراني أندريه سيبيغا الخميس من باريس من أي محاولة “لتقسيم العالم” كما حصل إبان الحرب الباردة.
وبالفعل فقد شدّد القادة الأوروبيون على أنّ إحلال سلام دائم في أوكرانيا لا ينفصل عن أمن القارة.
وأدت اتفاقات مينسك التي تم التوصل إليها قبل عشر سنوات إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكنها تعرضت لانتهاكات متكررة إلى أن غزت روسيا جارتها في شباط/فبراير 2022.
بدوره، قال المستشار الألماني أولاف شولتس إنه يرفض أي “سلام مفروض” على كييف.
كما حذّر شولتس من مفاوضات تفضي إلى انتصار روسي و”انهيار” لأوكرانيا، وقال “نعلم أنّ لا احد يطمح إلى السلام أكثر من أوكرانيا، ولكن في الوقت نفسه من الواضح تماما أنّ انتصارا لروسيا أو انهيارا لأوكرانيا لن يجلبا السلام بل على العكس”.
وفي صدى لموقف برلين، انتقدت كالاس أيضا استراتيجية ترامب التفاوضية، تماما كما فعل وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في وقت سابق.
وتساءلت “لماذا نعطيهم كل ما يريدونه قبل أن تبدأ المفاوضات؟”.
لماذا اختار ترامب السعودية؟
قد يبدو إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، أن المملكة العربية السعودية من المرجح أن تستضيف قمته لصنع السلام مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين خيارا غير معتاد.
لكن الأمر بالنسبة لترامب ومستشاريه، فإن المملكة العربية السعودية تبدو منطقية تماما.
وفي الماضي، عقد الرؤساء الأمريكيون محادثات مع نظرائهم الروس في جنيف وهلسنكي وبراغ وفيينا وبراتيسلافا- وكلها في أوروبا، حيث للعلاقة بين واشنطن وموسكو تداعيات عميقة.
وقد عرضت عدد من الدول الأخرى نفسها كمواقع محتملة لقمة ترامب وبوتين القادمة، بما فيها صربيا وسويسرا.
لكن المسؤولين الروس اعتبروا أن الاجتماع في أوروبا قد يكون منحازا لصالح أوكرانيا، نظرا لأن معظم الدول الأوروبية أدانت غزو روسيا، ودعمت كييف على مدار الصراع المستمر منذ 3 سنوات، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وعلى النقيض من ذلك، حافظت المملكة العربية السعودية على موقف محايد، وتوقفت عن انتقاد موسكو أو الانضمام إلى الغرب في تطبيق العقوبات.
كما أن المملكة العربية السعودية ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق بوتين، مما يعني أن الزعيم الروسي يمكنه السفر إلى هناك لإجراء محادثات دون المخاطرة باعتقاله.
وأقام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، علاقات وثيقة مع الرئيس ترامب، وهو ما ظهر الشهر الماضي عندما أصبح أول زعيم عالمي يتحدث معه عبر الهاتف بعد أدائه اليمين.
كما يعتبر الأمير محمد بن سلمان واحدا من عدد قليل من زعماء العالم الأقوياء الذين حافظوا على علاقات وثيقة مع بوتين منذ غزو أوكرانيا.
وقال ترامب، الأربعاء، في المكتب البيضاوي: "نحن نعرف ولي العهد، وأعتقد أنها (السعودية) ستكون مكانا جيدا للغاية للذهاب إليه".
وبينما يتطلع إلى تعزيز مكانته كلاعب دولي مؤثر، حدد محمد بن سلمان أزمة أوكرانيا كمجال محتمل للفرصة. واستضاف قمة سلام في جدة العام الماضي.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، لعب الأمير محمد بن سلمان دورا أساسيا في تبادل المعتقلين الأمريكيين والروس، وأعاد الدور الذي لعبه في أغسطس/آب من العام الماضي، عندما ساعد في التوسط في أكبر عملية لتبادل المعتقلين بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الحرب الباردة.
وقال ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الذي ساعد في التوصل لعملية التبادل، لمراسلة شبكة CNN ألينا ترين إنه "لديه صداقة قوية للغاية مع الرئيس ترامب، وكان مشجعا ودافعا ويبحث عن النتيجة الصحيحة خلف الكواليس وكان ذلك مفيدا، كان كذلك بالفعل".
اضف تعليق