العقل العربي فوجئ بما حدث وكأنما شيء كبير قد انهدم، لكن لو كان الوعي جيدا لاختلف الأمر في العالم العربي، هل كنا نتبعثر وتتبعثر أوراقنا، لاعتدنا أن صبحنا يشغل مساءنا والحفيد يشبه أباه، فجأة تسقط دولة عمرها سبعون سنة. الشعوب التي تحقق رفاهية عالية لا تعترف بأنظمة حكم...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم السبت الموافق 14/12/2024 حلقته النقاشية الشهرية، ضمن نشاطات ملتقى النبأ الأسبوعي، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وجاءت الورقة تحت عنوان (أسباب الانهيار السريع والمفاجئ لأنظمة الحكم.. سوريا أنموذجا)، قدم الورقة الدكتور الأكاديمي حميد الهلالي وحضرها عدد من الباحثين والأكاديميين ومدراء مراكز البحوث والكتاب، وجاء في هذه الورقة:

إننا نواكب قضية عاجلة وآنية لحد الآن لم تستكمل حلقاتها لأن الحلقة الأولى بدأت وما زالت الحلقات الأخرى وما يحدث في سوريا والمنطقة حبلى بالمفاجآت الكثيرة، قسم منها يمكن أن توقعها وقسم غير ممكن، ولذلك كان بحثنا في هذه الحلقة يتعلق بالهم السوري وابتعدنا عن الهم الخاص بنا، يعني كيف نفكر، وكيف نناقش ونعالج بعض القضايا التي تهمنا، بلا شك كان البحث هو (الانهيار السيّئ والمفاجئ لأنظمة الحكم سوريا نموذجا).

دعونا نبحر معكم قليلا خارج هذا الموضوع، فأقول إن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل شملت المفاجأة العقل العربي أم أن المفاجأة كانت شاملة، مع أن ذلك يؤشر لسقوط أنظمة الحكم، والقادة وهل هناك مشكلة في وعينا، في موروثنا، بحيث نضفي صبغة إلهية على الحكم حتى نظن أنه هو أو الطوفان وهذه مشكلة.

لذا نلاحظ أن العقل العربي فوجئ بما حدث وكأنما شيء كبير قد انهدم، لكن لو كان الوعي جيدا لاختلف الأمر في العالم العربي، هل كنا نتبعثر وتتبعثر أوراقنا، لاعتدنا أن صبحنا يشغل مساءنا والحفيد يشبه أباه، فجأة تسقط دولة عمرها سبعون سنة.

وقبل أن نخوض في موضوع سوريا لابد لنا أن ننطلق في الفضاء العالمي وهو المتمثل في الشعوب التي تحقق رفاهية عالية لا تعترف بأنظمة حكم تستمر لدورتين، أو أن هذه الدول لا تستطيع أن تغير قادتها، وقسم منها تغير قادتها مثلما تغير ملابسها، وهي غير مستعدة لكي تعيش أو تموت من أجل القائد الأوحد على العكس منا نتمسك به ونتعبد به ونعتبره الواسطة نحو الله وهو المنقذ الملهم والفطحل وغير ذلك.

فلماذا نحن بهذه الصنمية ولماذا القائد عندنا قدر إلهي، سوريا أيقظت فينا تساؤلات كثيرة، ولكن دعونا ننظر بإمعان بأن هذا الزمان في هذه الدولة كان ساقطا من سنوات طويلة، ولكن ظروف محلية ودولية وعدم وجود بديل مقنع أطال في عمره، فهل كان سقوطه عسكريا مسرحيا بحيث تتحرك القوات بصورة خاطفة لتحتل حلب وعدد نفوسها 4 مليون نسمة وهي ثاني محافظة في سوريا فتسقط خلال 24 ساعة.

ثم تجتاز هذه القوات المهاجمة حماه وتجتاز حمص حتى تكون في وسط دمشق خلال أربعة أيام، إذن حدث هذا في سوريا وهل هناك عوامل داخلية وخارجية أدت لسقوط النظام، قطعا كان السقوط نتيجة العوامل الداخلية والخارجية.

استقراء العقلية العربية

أحاول قدر الإمكان أن أدخل إلى العقل العربي ولا دخل لي في سوريا، لكي لا نتفاجأ، لنلقي نظرة على الظروف الداخلية، الميدان الاجتماعي والحزبي، أولا الحكم في سوريا حكم الحزب الواحد، حيث بدا بحكم سوريا منذ 63 في انقلاب ثم يصحح عام 1970 بقيادة حافظ الأسد لتبدأ مرحلة حكم الحديد والنار وتُصادر الحريات وتلغى الأحزاب ما عدى المتحالفة مع النظام، وتكمم الأفواه ويتم استنساخ التجربة الروسية فتصبح الدولة مالكة لكل شيء.

وأي خلاف معها يعني الخيانة، لذلك كانت هناك اعتقالات بالآلاف تم زجهم في السجون وتم إعدام مئات الآلاف وهجر الملايين وتم قصف حماه عام 1982، لمجرد رفضها للنظام حتى تُركت الجثث في الشوارع، وبلغ عدد المهجرين 4 مليون 201 مهجرا حسب الإحصائيات الرسمية، وعند انطلاق الاحداث هجر البلد الملايين حتى بلغ عدد المهاجرين 11 مليون مهاجر سوري غصت بهم مدن العالم والموانئ في حين أن نفوس سوريا 22 مليونا.

تقريبا نصف الشعب السوري كان مهجرا في 2018، وأدت الحرب إلى تشريد الآلاف من العوائل في المنافي وبلغ عدد المهجرين أكثر من 13 مليون في آخر إحصائية، وفي ألمانيا وحدها هناك آلاف المهجرين لحد الآن ينتظرون العودة إلى بلدهم، هذا الوضع الداخلي في سوريا.

أما الظروف العسكرية فاذكرها باختصار، الكل يعلم أن الجيش السوري كان من الجيوش العقائدية الشجاعة، والقوية ومجهزة بأحسن تجهيز، ولم يحدث اعتداء إسرائيلي طيلة 40 عاما وذلك لخشية الجيش الإسرائيلي من الجيش السوري، ولكن عندما جرت أحداث 2010 بدأ الجيش السوري تحت الإغراءات والتشجيع وتم انشقاق الكثير منه الى المعارضة بمساعدة تركيا والإمارات. 

وهكذا ضعف الجيش السوري ولم يجد النظام بدا من طلب المساعدة من إيران والميلشيات التابعة لها خشية تدمير المراقد المقدسة كجدة أولى وسيطرة داعش والإرهاب حجة ثانية، وكان نتيجة ذلك أن هيمن حزب الله وميلشيات الحرس الثوري مما أدى إلى تدمير عقيدة الجيش وأصبح المدافع عنها الميلشيات قبل السقوط والتي أضعفها كثيرا أحداث لبنان ودمرت مستودعاتها، وجاء الاتفاق اللبناني الإسرائيلي ليخرج حزب الله من اللعبة.

وجاء التهديد الإسرائيلي العلني والخطير وأنها ستقوم بضرب كل الميلشيات العراقية مما اضطرها إلى ترك مواقعها المنتشرة بجوار ادلب وحلب، ولهذا تقدمت المعرضة بسرعة وراحت تسقط المدن وأن الجيش السوري لم يقاتل بما فيها الفرقة الرابعة لماهر الأسد ويبدو أن قناعة تولدت بأن النظام قد انتهى.

لقد أدى انتشار الفساد والتناحر الطائفي والرشوة والمحسوبية إلى رفض شعبي متزايد للنظام، إضافة إلى انتشار تجارة الكبتاغون، على نطاق واسع وأصبحت الخزينة تعتمد على جزء من إيراداتها على هذه التجارة، والتي كانت لها آثار خطيرة على الوضع الاجتماعي حيث بلغ معدل الوارد من هذه التجارة مليارين و200 ألف دولار شهريا وهي تعادل جزء كبير من احتياجات الميزانية السورية.

لقد كانت قوة حزب الله قوة مرعبة ومخيفة ويحسب لهاها العالم ألف حساب علاوة على قوة الميلشيات في سوريا، حيث تشير التقارير إلى وجود أكثر من 130 ألف من الميلشيات ولكن عندما بدأت أحداث غزة وبدا حزب الله يدخل المعركة فجاء الرد الإسرائيلي والذي دمر قدرات حزب الله وفرض وقف القتال حتى وجدت سوريا نفسها في أزمة. 

فشنت المعارضة هجومها بترتيب دولي ودعم إقليمي واتفاق دولي، فخرج حزب الله وإيران وحلفاؤهم من ميدان المعركة.

الآن نتطرق للوضع السوري تاريخيا وفق تسلسل الأحداث:

 1961 انطلاق حزب البعث في سوريا. 

1970 انطلاق التصحيح بقيادة حافظ الأسد.

1973 حرب تشرين.

1979 الانقلاب الفاشل في العراق وبداية الخلاف بين جناحي الحزب.

1981 انحياز سوريا إلى جانب إيران وتزويدها بالأسلحة هي وليبيا.

1990 غزو صدام للكويت ويتم تشكيل تحالف لإخراج العراق بالقوة وكان اول القوات التي وصلت للكويت هي القوات السورية.

2003 سقط نظام صدام وتحرر العراق من نظام صدام على يد القوات الأمريكية وجن جنون سوريا والجوار وبدأوا يجندون ويدربون الآلاف ويرسلونهم إلى العراق.

في عام 2009 قدم رئيس الوزراء نوري المالكي شكوى رسمية ضد سوريا حول التفجيرات التي كانت تحدث في البلد حينذاك. 

2011 انطلاق الثورة في سوريا

2014 احتلال داعش الأراضي والعراقي العراقية.

 الذي نستنتجه هو سجل غير مشرف لهذا النظام، حتى وان حاول أن يلعب على الوتر الطائفي لكننا لم نعبأ بذلك لأنها علاقة مأزومة بين العراق والأسد ولم تتغير الا مرحليا من أجل إيصال أسلحة ومعدات لحزب الله.

حاول الإعلام السوري أن يغرد بعيدا عن الإعلام الإيراني، وحاول أن يغازل دول الخليج، السعودية وقطر، بل كان لتصريح الرئيس بشار الأسد في مؤتمر الدوحة وقع خطير فحالما اتهم الأسد من قبل ميقاتي رد الأسد بالحرف الحرف الواحد إن من قتل السوريين هم عناصر حزب الله، بعد ذلك تدهورت العلاقة وبقي الحزب متفرجا، علما أن اعتماد السوريين كان على حزب الله وميلشيات العراق التي استلمت أمرا بعدم التدخل.

هل يحق للعرب أن يدخلوا المعركة، على أرضهم وبشعبهم دون إدارتهم، طبعا الموضوع فيه ألف سؤال، فلا عقلا ولا نقلا أن تدخل معركة دون رضاك وضمن سيادتك دون أن يكون لك علما بها أو رأيا بخصوصها، فليس من حق تركيا ان تعود دولة عثمانية تهيمن على الشرق، وليس من حق مصر أن تعود دولة مملوكية لتهيمن على السودان ومصر، وليس للعراق حق أن تهيمن على الكويت بحجة أن الكويت ترتبط تاريخيا بها، وليس من حق السعودية أن تسيطر على اليمن وكذلك ليس من حق ايران أن تفرض إرادتها على شيعة المنطقة.

الظروف الخارجية

تقف في مقدمة الظروف الخارجية القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن والتي فرضت على سوريا حصارا شديدا، بل ومقاطعة اقتصادية خانقة، علاوة على صدور قانون قيصر والذي أغلق كل النوافذ التي يمكن أن تتحرك بها سوريا، علاوة على إجراءات أوربية وعربية كلها كانت شديدة الحصار على سوريا وهذا ما أثر بشكل كبير على دخل المواطن السوري.

نعم كان الموقف الدولي معاديا حيث لم يقف مع سوريا سوى دول غير مؤثرة ومعدودة على عدد الأصابع.

أما تركيا فقد وافقت على استقطاب الإرهابيين وتأهيلهم وتدريبهم وزجهم في العراق وقد انقلب السحر على الساحر، وبعد العراق بسطت القاعدة سيطرتها في سوريا بما فيها من جهات وحركات عديدة، وكان تركيا تعتبر الجيش الحر المحور الأساسي فسلحه ودربه وزجه في شمال سوريا ادلب وغيرها، واحتضنت تركيا المعارضة القيادات والوزراء علاوة على احتضانها لخمسة ملايين مهاجر وكانت بوابة سوريا للعالم ولعبت تركيا دورا كبيرا في دعم وتدريب المعارضة حتى سنحت الفرصة لها في سوريا وهي تعد الأكثر إيذاء للعراق وسوريا والعرب ليس حبا بالديمقراطية ولكن رغبة بعودة الدولة العثمانية.

ملاحظات عن إيران

إن العلاقة السورية الإيرانية ليست وليدة اللحظة بل هي قديمة منذ الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، حيث كان الموقف السوري مساندا وداعما لإيران، وكان الجانب السوري يقوم بتزويدها بالأسلحة وحتى جاءت أحداث 2011 فكانت إيران أول المستهدفين بعدما وسعت وجودها في سوريا، وهكذا انخرطت في القتال الداخلي ورويدا رويدا بدأت قوات حزب الله والميلشيات العراقية تدخل في المعركة وتدافع عن الأسد، ثم أصبحت سوريا مجرد شعار وكان الموضوع تحقيق الحلم الإيراني في احتلال لبنان وهذا ما أزعج العالم جميعا لتأتي هذه المعركة الفاصلة جدا، والخشية من حرب طائفية قذرة.

إيران ارتكبت خطأ قاتلا عندما زجت غزة في معركة ضاعت بها كل غزة ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل فتحت جبهة لبنان دون أي فائدة مما أدى لدمار حزب الله وخسرنا حزبا عقائديا عظيما وكلاهما لم يجد في سوريا ناصرا. 

بعد هذا العرض الذي حاولنا فيه أن نتابع الأحداث المتلاحقة في سوريا، والتي لم تكن فعلا داخليا، فالنظام السوري كان قد سقط منذ فترة طويلة لكنه بقي بسبب التوازنات الدولية، وهنا علينا أن نوجّه السؤالين التاليين:

السؤال الاول: هل تعتق إن سقوط الأنظمة الاستبدادية يحدث لأسباب خارجية أم أن هناك أسبابا أخرى؟

السؤال الثاني: كيف ننظر إلى الشرق الأوسط بعد سوريا الأسد؟

المداخلات

إضعاف المناعة الذاتية للدولة

- د. خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

هذا السقوط السريع لنظام الحكم في سوريا يدل على أن سقوط الدول لم يعد كما كنا نتصور، أي يكون هناك جيوش تتحاب وتقاوم ويأخذ الأمر وقتا حتى تُنجز الأمور في ميدان القتال. كلا، فمن الممكن أن تكون الهزيمة أكبر وأسرع.

ان سقوط الأنظمة هو عبارة عن مزيج من الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية، كلما يكون النظام الذي يحكم الدولة نظام حكم فاشل، ومستبد، فإن هذا النظام يضعف مناعة الدولة الذاتية، ويضعف قدرتها على المقاومة والاستمرارية.

إن وجود نظام حكم فاشل وفاسد معناه وجود اقتصاد فاشل، ومعناه وجود مجتمع منقسم داخليا، ولذلك تجد أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر فرعون ذكره بقوله: (يتخذ أهله شيِعًا)، بمعنى تشجيع الانقسام الاجتماعي، وكل نظام فاشل يجعل المجتمع منقسم على ذاته، يتصارع مع بعضه، أحدهم يخشى من الثاني، وكل واحد ربما يحمل الكراهية للآخر.

وعندما يكون الوضع الاجتماعي بائسا، فأيضا وقطعا إن الوضع السياسي سوف يكون سيئا للغاية، ولذلك حتى ما ورد في الأثر حول ظلم الملوك، يعني انعكاس الظلم من خلال إصدار القرارات السيئة، مع وجود قيادات حمقاء، ظالمة، فستكون مخرجاتها سيئة وخاطئة.

لذا فإن الحاكم السيّئ تكون قراراته سيئة للغاية، ولذلك هذه الأمور تكون أسباب داخلية، كفيلة بإضعاف حصانة المجتمع، مثل الجسد إذا مناعته الداخلية تكون ضعيفة يكون من السهل اختراقه من العدوى الخارجية، والملوثات الخارجية تؤثر عليه بقوة.

إذًا الأسباب الأولى هي أسباب داخلية، ثم بعد ذلك يأتي دور الأسباب الخارجية، وهذا يدل على عدم وجود دولة، فأنا حاليا عندما آخذ دول العالم، إذا تركز عليها، لا تجد دولة من دول العالم إذا لم تكن لها أهمية جيوستراتيجية من نوع ما، لابد أن تكون لها أهمية معينة، لجوارها من الدول، وقد تختلف هذه الأهمية من دولة إلى أخرى.

اليوم نلاحظ إن كوريا الشمالية، تمتلك سلاحا نوويا، ولكن لا يوجد هناك تأثير مثلما لو امتلكت ايران السلاح النووي، لذا نلاحظ أن التركيز على إيران أكبر من التركيز على كوريا الشمالية، لأن الأهمية الجيواستراتيجية لها تختلف عن الأهمية الجيواستراتيجية في تلك المنطقة، لذلك تُمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.

هذا يؤكد لنا بأنه طالما تكون الدولة ضعيفة من الداخل، فمن المؤكد أن محيطها الخارجي والإقليمي والدولي سوف يتخذ إجراءات لحماية مصالحه، وتهديد مصالحها بشكل من الأشكال، وهذا قد يكون عبر سبل الغزو العسكري، أو سبل الاختراق الأمني.

كما نلاحظ حاليا سوريا، أنها فرضت تغييرا سياسيا بالكامل، في داخل سوريا، وبالنتيجة أن سقوط الأنظمة هو مزيج من أسباب داخلية وأسباب خارجية.

أن الشرق الأوسط بعد سوريا الأسد، يحمل من التحديات بقدر ما يحمل من الفرص، هناك تحديات كبيرة تواجه الشق الأوسط، بسبب غياب الأسد، سواء التحديات التي تتعلق بالحرب الأهلية المحتملة، والنزاع الإقليمي والصراعات إلى آخره.

ولكن في نفس الوقت من الممكن لو وُجدت قيادات جيدة، في المحيط الإقليمي والدولي، واستطاعت أن تعيد النظر بالقرارات الخاطئة كما ذكر الباحث، إيران ارتكبت حماقة في رأيي وقرارات صبيانية، حماقة في مدركها الاستراتيجي، خلال السنتين الأخيرتين، بل خلال مدة من سقوط العراق لحد هذا اليوم، كان هناك خلل بالمدرك الاستراتيجي لدى صانع القرار الإيراني، ترتب عليها أن كل الإنجازات التي حققتها خلال عشرين سنة في الشرق الأوسط، وكل التضحيات التي بُذلت، وكل الجهود التي بُذلت ضاعت، وتبددت وتلاشت.

فإذا هذه الدول الإقليمية والعالمية أدركت طبيعة أخطاءها التي ارتكبتها في هذه المنطقة وبدأت تعيد النظر بسياساتها تجاه دول المنطقة، وإذا استطاعت القوى الإقليمية أن تجلس حول طاولة حوار ترسم معالم مرحلة جديدة، في الشق الأوسط فاعتقد أننا سوف ننطلق نحو استقرار سياسي أكبر واستقرار اجتماعي أكبر، ولربما هذا سيعود بالفضل على بناء الدولة.

نحن في المرحلة التي مضت من 2003 لحد الآن، أنا أسميها مرحلة الفواعل من غير الدول حيث كان لهم التأثير الرئيس، في تدمير هذه الدول، لربما المرحلة القادمة إذا عاد التوازن لصناع القرارات الإقليمية والدولية، لربما أنه يُعاد النظر بهذا الموضوع، وتبدأ مرحلة بناء الدولة والمجتمع، فإذا حصل هذا أعتقد أن الأمور سوف تكون مثالية. 

سوريا بعد الأسد.. صراع الذات مع الذات

- الدكتور محمد مسلم الحسيني، كاتب وباحث آكاديمي:

صراع الشعوب مع ذاتها ليس ظاهرة استثنائية تحصل لدى شعب دون شعوب أخرى أو لدى أمة دون سواها، إنما هو حالة طبيعية تنشأ بأسباب ومسببات. هذا الصراع الذاتي له أسس ومحفزات تتباين بتباين الظروف والأحوال ولا يقتصر على نظام سياسي معين دون غيره أو على وضع إجتماعي خاص أو على ثقافة أو قومية أو دين أو موقع جغرافي أو تراث تأريخي أو غير ذلك، إنما هو صراع باق مع بقاء الطبيعة البشرية المجبولة على محدودية التفكير ومحدودية الفعل في تطبيق المثل العليا والأخلاق الفاضلة.

 أسباب صراعات الشعوب مع ذاتها قد تكون مبنية على طبيعة المجتمع وتركيبته التكوينية، حيث يتباين النسيج الإجتماعي طبقا للتباين العرقي أو الديني أو الطائفي أو اللغوي أو غيرها فرادى أو جمعا. تتغذى هذه الصراعات الذاتية بعوامل مساعدة فعالة أخرى كالحالة الإقتصادية المتباينة بين الأطراف المتنازعة من جهة، وبتدخلات القوى الخارجية المؤثرة التي تؤجج هذه النزاعات وتستهويها بعناصر القوة والقدرة من جهة أخرى.

بغض النظر عن طبيعة نظام الدولة السياسي المتبع سواء أكان ديمقراطياً أو دكتاتوريا شموليا، فقد ينشأ صراع الشعب الواحد مع ذاته إن توفرت أسباب هذا الصراع وتوفرت محفزاته. أمثلة هذه الصراعات كثيرة وواضحة سواء أكانت صراعات غدت في ذمة التاريخ القديم والحديث أو صراعات لا تزال قائمة في واقع نشهده في يومنا هذا.

 في سياق الصراعات الذاتية التي حصلت في الدول الأوربية المتحضرة على سبيل المثال، فقد تحولت يوغسلافيا السابقة إلى جمهوريات ودول بعد حروب أهلية طاحنة قامت على أسس قومية ولغوية ودينية وغيرها، كما أضحت دولة تشيكوسلوفاكيا السابقة دولتين هما جمهورية التشيك وجمهورية السلوفاك على أساس التباين العرقي، كذلك هو حال دول الإتحاد السوفيتي السابق التي تفككت واستقلت.

 بينما سعى إقليم الباسك الإسباني إلى الإنفصال عن أسبانيا لأسباب عرقية لغوية، واستخدم جيش أيرلندا السري العنف كي يؤثر على حكومة بريطانيا المركزية من أجل انفصال أيرلندا الشمالية عن بريطانيا العظمى تحت وطأة التاثيرات الطائفية، في حين تنوي كندا الفرنسية "كيبيك" الإنفصال عن كندا الانكليزية بسبب التباين اللغوي.

 رغم هذا وذاك فلم تعد هذه الأسباب التكوينية للمجتمع وحدها سببا في صراع الشعوب مع نفسها فحسب، إنما دخلت أسباب جديدة أخرى في قائمة العوامل والمسببات، منها التباين الطبقي والثقافي في المجتمع وإنبعاث النفس العنصري لدى بعض المواطنين مما لعب هذا دورا في تعميق الهوة بين الحزب الديمقراطي والجمهوري في امريكا، بينما تطور تنافر الأحزاب السياسية، المدرجة في السلم السياسي الديمقراطي الأوربي، عن بعضها إلى درجة تعذرت فيها إمكانية تشكيل حكومات تدير شؤون البلدان، وهذا هو الحال اليوم في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهي دول عريقة في تأريخها السياسي الديمقراطي!.

من خلال هذه الوقائع والتجارب المشهودة وهذا الوصف المختصر لواقع حال الديمقراطية في دول صنعت بنفسها أصول الديمقراطية وحيثياتها، نستطيع أن ندرك حساسية الموقف وخطورته حينما تفرض ديمقراطية جديدة قدمت على ظهر السلاح لبلد ليس له تأريخ ديمقراطي ولا يمتلك مرحلة تحضيرية إنتقالية، إنما يمتلك نسيجا إجتماعيا موزائيكيا تتباين فيه الأعراق والأديان والطوائف واللغات والولاءات، وتتربص به إرادات خارجية متصارعة فيما بينها!.

 هذا هو واقع الحال في سوريا اليوم التي لا يتوقع المراقب للأحداث أن يرى فيها صوراً قد تختلف عن صور الديمقراطيات الفتية التي سبقتها في بلداننا العربية، والديمقراطية في ليبيا نموذجاً!. هشاشة الموقف السياسي الجديد في سوريا قد يجعلها مسرحا جاهزا لصراعات قوى داخلية وخارجية، وقد تغدو سوريا لقمة سائغة وفريسة سهلة أمام الجارة التي تتصيد بالماء العكر وأقصد قطعا "إسرائيل" التي تسعى لتحقيق خطوات حثيثة إلى الأمام ضمن طموحات دولتها العميقة!.

عدم الإستقرار السياسي المتوقع في هذا البلد قد يهدد وحدة ترابه من جهة، وقد ينشر حالة عدم الإستقرار الى دول مجاورة أخرى تعاني أصلا من هشاشة في استقرارها السياسي والعسكري والامني من جهة أخرى. هواجس المستقبل في هذا البلد قد تقودنا لطرح سؤال صعب لا مناص منه وهو: أيهما أسلم ديمقراطية التقسيم ام وحدة الدكتاتورية!؟.

فشل تجربة الديمقراطية في بعض البلدان وخصوصاً البلدان العربية قد يكون حصيلة لأسباب وأخطاء معلومة نذكر بعضا منها: أصيب قادة الديمقراطيات الفتية في بلداننا بجرثومة "شبق السلطة" التي أدت إلى تهافتهم الشديد على كراسي الحكم وعلى المصالح والأهداف الشخصية، حيث إختلط الحابل بالنابل وضاعت فرصة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كما ألغي دور الكفاءة والخبرة في إدارة شؤون الدولة فضاع الخيط وضاع العصفور معه!.

هذا من جانب ومن جانب آخر، لم يلتزم قادة الديمقراطية في أغلب الأحيان في ضوابط وشروط الديمقراطية الصحيحة في ساحاتهم، مما يوحى إلى التساؤل: هل سيتحلى قادة الديمقراطية الجدد في سوريا بأصول ومستلزمات نجاح الديمقراطية التي تتمثل بالإلتزام الصارم بالمنهج الديمقراطي وتطبيق البنود المتعلقة بثقافة الديمقراطية، من خلال التصرفات العقلانية في احترام الرأي الآخر ومشاركة الأقليات في الحكم والاهتمام بمبدأ حقوق الإنسان وبالحريات الخاصة والعامة وبتطبيق العدالة وفرض المساواة بين أبناء الشعب في الحقوق والواجبات وبناء التكافل الإجتماعي وغيره من أمور تمس رفاه الشعب وبناء مستقبله وصيرورته وسلامته واستقراره وأمنه!؟. 

هل الديمقراطية المستحدثة في سوريا ستعتبر وتستفيد من الأخطاء التي حصلت خلال ممارسات غير سليمة اقترفتها السلطات التي لبست ثياب الديمقراطية في بلدان أخرى كي تتجنب الوقوع في هوة مضاعفاتها!؟.. وهل ستترك سلطة الإنقلاب المسلحة الخيار للشعب نفسه في إختيار الحكومة التي يراها مناسبة له دون تدخلات أو إملاءات أو تزوير حقائق وذلك بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة وبإشراف دولي!؟. وهل ستغادر سلطة الإنقلاب المسلحة الساحة السياسية دون رجعة بعد إنتخاب حكومة وطنية نزيهة تضم شرائح المجتمع السوري دون إستثناءات وخصوصيات!؟. 

وفوق هذا وذاك فالسؤال الهام الذي يطرح نفسه والذي يدور في صلب موضوع المقال "صراع الذات مع الذات"، فهل ستستطيع السلطة الجديدة إحتواء التباينات الإجتماعية في الداخل السوري المتمثلة بالأعراق والطوائف والملل وفي محيط خارجي مشحون ومتقاطع أم ستزيد النار حطبا وتزيد الطين بلة!؟. هذه الأسئلة الحساسة وغيرها ستبقى لغزا يكشفه قابل الأحداث والأيام والمستجدات...

طبيعة التدخلات الخارجية للتغيير السياسي

- الدكتور حسين السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

من الناحية النظرية إذا أردنا أن نعلق على الوضع في سوريا، فهي أمام مرحلة أو نمط من التغيير السياسي، وهذا التغيير السياسي عادة ما يحصل من الداخل أو من الخارج، من الخارج يحدث في نمط واحد هو التدخل بالقوة الخارجية، وهذا ما كان معمولا به أثناء الحرب الباردة، لكن حتى هذا المتغير الخارجي إذا ما لاقى مناعة قوية في الداخل، أو مواجهة كبيرة في الداخل لا يمكن أن يحصل.

فكل التدخلات الخارجية لتغيير أنظمة الحكم في أمريكا اللاتينية أو في الشرق الأوسط أو في آسيا، كانت لأنظمة استبدادية شمولية غير منصفة تجاه مواطنيها وتجاه بلدها، والتغيير الذي يحدث من الداخل يكون في نمطين، أما عن طريق النظام السياسي ذاته، فيعمل على التغيير الداخلي باتجاه تحسين أو تصحيح المسا السياسي السلبي، وأحيانا قوى المعرضة للنظام السياسي تتفق على رؤية معينة باتجاه التصحيح.

ما حصل في سوريا أعتقد هو هجين بين كونه تطور أو إجراء داخلي بالإضافة إلى الفاعل الخارجي، لكن التدخل الدولي كان كبير جدا، أين تكمن المشكلة، إنها بصراحة أن منطقة الشرق الأوسط من السمات الأساسية التي تتسم بها هي سطوة وقوة وتأثير كل الفواعل للدول الموجودة فيها، وبالتالي في أغلب دولها الأساسية سوريا والعراق ونعما لبنان.

هذه الدول كانت مهمة في الشرق الأوسط، حاليا دول الخليج هي عماد المنطقة، وهي التي تقود المنطقة اقتصاديا وسياسيا، وأمنيا.

شيء طبيعي أن الأنظمة الاستبدادية ممكن تستمر 40 أو 50 سنة، وهذا الشيء نستطيع أن نقول بأنه استنتاج لكل التغيرات والتحولات السياسية التي حدثت في كثير من الدول، كالعراق وسوريا وغيرهما، إذا جئنا إلى سوريا فإن النظام الاستبدادي هو يقوم بإنشاء عوامل إنهائه بذاته، لأن الجيش لن تكون مهمته حماية الدولة بقدر ما يكون لحماية النظام الحاكم، والسلطة الحاكمة، والاقتصاد يكون لدعم السلطة الحاكمة ودعم سياساتها وجبروتها على الناس.

أما العلاقات الخارجية فيتم توجيهها لحماية النظام الحاكم، وكل شيء يُكرس للنظام، لذلك فإن جيش سوريا هو مؤسسة عريقة وجيش قوي هذا صحيح، لكن بعد 2010 و2011 بشار الأسد ساهم في سطوة عناصر الحرس الثوري والميلشيات العراقية على هذا الجيش، وبالتالي الكثير من القيادات انشقت عن هذا الجيش لهذا السبب لأنها تأخذ أوامرها من الميلشيات من فواعل الدول الأخرى ومن عناصر في الحرس الثوري. 

وكثير من القيادات اعترضت على هذا الوضع وتم زجها في السجون بسبب النفوذ الإيراني في سوريا، حتى هذا النفوذ الإيراني هو لم يكن لحماية النظام أصلا، ولا كان لحماية المراقد المقدسة كما يُشاع، بل نوع من مارست النفوذ وتوصيل السلاح لجنوب لنان وحزب الله وامتداد وهي ورقة من أوراق القوة لدى إيران هي وكلاؤها في الخارج.

غير هذه الأمور ليس لديها قوة على المستوى الإقليمي، والتبجح بحماية المراقد وهذه الشعارات والخرافات التي صدروها للراي العام بصراحة كانت ساذجة وغير واقعية وغير منطقية في نفس الوقت، كذلك النظام الروسي لم يكن وجوده لحماية النظام بقدر ما كان ضمان إمداد الطرق للأساطيل الروسية من البحر السود للبحر المتوسط، وأيضا في مرحلة من مراحل لخدمة التدخل الروسي في ليبيا، وجانب آخر جيوبوليتيكي يتعلق بمواجهة حلف الناتو في هذه المنطقة.

وفي المستقبل يمكن لسوريا ان تكون ممرا للغاز إلى أوربا، كل هذه هي مصالح، لا زلنا نحن في العراق وسويا واليمن ولبنان، ولا زلنا نثق إن الدول الموضوعة هي ليست ضامنة لحقوقنا في المستقبل، وإنما حقوقنا في المستقبل تُضمن من خلال قوات رديفة لقوات الجيوش النظامية وتعزيز القضايا الطائفية.

هذه التساؤلات تُطرح بهذا الشكل، يبقى التعويل على هذه الجماعات من غير الدول، تكون موازية لقوة الدول وتهيمن وتسيطر على القرار السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي في لبنان وسوريا والعراق، بصراحة وصلوا بمجتمعات وشعوب هذه الدول للانهيار.

لذلك فإن الشرق الأوسط ماضي نحو اختلال في توازنات القوى، مثلا إيران خرجت اليوم من المعادلة الأمنية، والسياسية العسكرية في المنطقة، ودخل لاعب جديد بشكل قوي هو اللاعب التركي، حاليا اللاعب الإسرائيلي والتركي هو المتحكم في المنطقة، حتى الروس يمكنهم الاستمرار في دفع تكاليف إضافية.

الجانب الإسرائيلي قدم للأمريكان خدمة، كبيرة باتجاه القضاء على الفواعل من الدول التي تشكل أساس العداء لأمريكا، ونفوذها وتواجدها في الشرق الأوسط، لذلك أتصور أن توازنات القوى في المستقبل القريب سوف تكون لصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، وباتجاه فرض هيمنتها على المنطقة، وفرض رؤيتها لأمن إقليمي من نوع آخر، وهو يؤمن إسرائيل بالدرجة الأساس وهذا الضمان ليس بقوة السلاح وإنما يمكن من خلال السلام.

ان كل دول المنطقة تسير باتجاه التطبيع والسلام مع إسرائيل، وأتصور ان الضغط سوف يستمر على سوريا في هذا الاتجاه وحتى على العراق، ومستقبل النظام الإيراني لا يمكن أن يستمر بهذا التدخل وبهذه السلوكيات للسيطرة على الدول. 

مقاربة للفساد في سوريا والعراق

- الدكتور صلاح البصيصي، باحث وأكاديمي:

حول أسباب السقوط للنظام السوري، الأسباب الداخلية لو أننا أجرينا مقاربة بين سوريا والعراق، ومن هذه السباب التي عشناها في البلدين، الفساد المالي والإداري.

زج الأشخاص غير الكفوئين في أجهزة الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية، وطول أمد وجود هذه الفئات، جيل بعد جيل بعد جيل إذا أمسك غير الكفوئين بالسلطة في القطاعات الثلاثة، يترتب عليها ثقل، خاصة على أفراد المجتمع، لأن هذه الأمور سوف تتقاطع مع مصالح الناس، ومصالح المجتمع، الاقتصادية والشخصية، فهذا الأمر سوف يثقل كاهلهم، وبالتالي يولد صراعا بين السلطة وبين الشعب، وعدم مقبولية من الشعب للسلطة.

هذه صورة بالنسبة للفساد الإداري، أما الفساد المالي فهو زج أموال الدولة في أمور لا تعود بمنفعة على الشعب، في الخدمات، ومستوى النمو، ومستوى الرفاهية للناس، يعني كنا نلاحظ أن سوريا قبل سنة 2011، كانت الدولة الوحيدة في الوطن العربي وفي الشرق الأوسط غير مديونة، والفائض التجاري واسع في ميزانيتها، وصادراتها كثيرة إلى تركيا فقد عشت في سوريا ورأيت ذلك بنفسي، وكذلك صادراتها إلى روسيا من الملابس الصوفية.

كذلك صادراتها إلى العراق وإلى لبنان وتركيا، ومصر والغذاء للأردن، فالميزان التجاري كله لها، وفي صالحها، لكن في نفس الوقت وفي نفس اللحظة تلاحظ أن الشعب ومستواه الاجتماعي والخدمات التي يتم تقديمها له صفر، ونقصد خدمات البنى التحتية، مستوى الرفاهية للناس، دخل الفرد قليل بحيث بالكاد يحصل على طعامه.

فالأموال لا تتحرك في دورة صحيحة، تخدم الشعب، كلا بل تسير في دورة تخدم السلطة الحاكمة مع وفرة هذه الأموال، هذا بالطبع أدى نفور المجتمع (وقد لاحظتُ هذا بنفسي في سوريا وحتى في العراق)، من الطبقة الحاكمة، هذا ما يتعلق بجانب الفساد.

الشيء الثاني مصادرة الحريات السياسية والاقتصادية، يعني نحن نلاحظ مقاربات بين العراق وسوريا، فأي تصريح يتعلق بالعموميات ولاحظنا ذلك في العراق وفي سوريا، لكن إذا كان تصريحك أكثر تشخيصا حول القضايا السياسية وتشخيص أسباب الخلل فإن هذا الأمر قد يؤدي لا سمح الله إلى إزهاق أرواح.

وكذلك مصادرة الحريات الاقتصادية، فأي خطوة من مراكز أو شخصيات بوضع رؤية اقتصادية للدولة تواجهها السلطة بعنف.

هم يدّعون ويرفعون شعار ونظام وحدة حرية اشتراكية، ولكن هو بعيد كل البعد عن الاشتراكية، وعن التطبيقات الاقتصادية الاشتراكية، ومن الأسباب الداخلية التي لاحظناها هناك، بالنسبة للنخب (ولاحظناها في العراق أيضا)، إن السلطة تستهين بعقول النخب، بمعنى كأنما تنظر السلطة بعد أن أمسكت بالسلطة كان عقلها أفضل من عقول الآخرين، وأقوى من عقول النخب والمفكرين، وهو لا يدري بأنه صعد إلى منصبه هذا نتيجة تقاطع زمني تاريخي وصعد هو إلى السلطة، وليس بسبب رؤيته وكفاءته بل حالة شاذة لأنه ضمن التقاطعات العلمية هذا الشخص لا يصعد إلى السلطة.

لكن عندما صعد إلى السلطة وأمسك بزمام الأمور للسلطة، النخب الحقيقية التي تستطيع أن تشخص الخلل ويمكنها إيجاد الحلول يستهين بعقولها ويحاربها، وينظر لها نظرة دونية أي لهذه النخب وللذين لديهم مهارات فكرية وسواها.

لذا نلاحظ في سوريا وجود الصراعات الداخلية وحتى هنا في العراق، أحد زعماء الكتل في العراق قال في لقاء تلفزيوني، إن الذي يفكر بأن النظام الشيعي العراق سوف ينتهي فهذا الشخص على خطأ، طبعا انت شركاؤك في الوطن سنة وأكراد والعالم كله يسمع تصريحاتك، هذه تصريحات خطيرة، وأنت بهذا تُضعف نفسك بنفسك.

ما هي اقتصاديات الشيعة الآن، حتى تقول أن أهم عمود للنظام السياسي هو النظام الاقتصادي، لكن أين هو النظام الاقتصادي الشيعي الذي تفرضه على الناس وتحقق من خلاله رفاهية للناس، وأين الرؤية السياسية الشيعية التي تذكرها؟ 

ثانيا الشيعة ليست حركة سياسية، وهذا للأسف هو الذي يحدث الآن، تصدير الشيعة كحركة سياسية في حين هي حركة عقائدية تصل ما بين العبد وربه وليست حركة سياسية وهذا يتم تسويقه الآن، أما النظام السوري فنحن عاصرناه ورأيناه فهو سوّق نفسه في 2010 على هذا المنوال.

وأرى أن الشرق الأوسط ما بعد نظام بشار الأسد، هو استكمال لما بعد 2003، تغيير الشرق الأوسط الجديد يبدأ في العراق، والحركات والأحداث التي جرت في فلسطين وغيرها، والربيع العربي وما بعده هو استكمال لهذا الأمر، لكن مع الأسف نرى داخل العراق عدم وجود رؤية عن الأحداث وكيفية التعامل معها.

اضمحلال وسقوط الحضارات 

- الأستاذ خليفة التميمي، كاتب وصحفي:

هل سقوط هذه الأنظمة الاستبدادية يحدث بسبب المؤامرات، فهو نظام استبدادي، عادة في علم الاجتماع يوجد تنظير على أنه حتى النظم الناجحة أو النظم الديمقراطية، دائما تحمل في نشوئها وارتقائها بذور سقوطها، فقسم من الدول التي أدركت هذه المشكلة، أقامت كليات خاصة لمعالجة كيفية مواجهة اضمحلال وسقوط الحضارات. ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

وهذا الأمر مرتبط بـالـ (س أي أي) لمراقبة الدول والشعوب وكيفية التدخل وإسقاطها من الداخل، المؤامرات الخارجية موجودة ونظرية المؤامرة موجودة من زمن قديم.

كيف ننظر إلى سوريا الشرق الأوسط فيما بعد سقوط الأسد؟، نحن يهمنا العراق من بين منظومة الشرق الأول لأن الجميع لديهم منظرين، ولديهم قادة وسياسيين، فكل بلد أدرى بشعابه، اليوم كتبت مقالة تم نشرها اليوم وهي تتوافق مع الرؤى التي تم طرحها في هذه الورقة البحثية، عنوان هذه المقالة (اسلخ اطبع اقلع):

تظن جميع القيادات والنخب التي لها حقل الكلام والقرار إنها مواهب نادرة بقدرات خارج حدود الجغرافية، وإنها فلتة زمانها، صارت في مرحلة تاريخية ولم تحدث سابقا، يعاضدها جمهور بأيدي تجيد التصفيق، وحناجر تصدح بالثناء والتهويل، واقع يثير البهجة والسرور والغبطة والأمل الكاذب في نفوسهم، وفي نفوس مريديهم وأنصارهم.

ويثير الاشمئزاز والحزن والألم لدى المهمش العاقل المحايد المتزن، ينتقل كلامه شفاها بين شاغلي الآراء في المقاهي والمخدرات ليسمو خيالهم بأرواحهم وهي تطير على جنح الشعارات التي تحط على سرر مع الصالحين، عقول فخمة تحاكم طغاة ماتوا من زمن بعيد وطغاة ابتسم لهم زمنهم، تبرؤ متهما وتبرئ متهما، براتب 60 ألف دولار سنويا وصغيرهم ستة آلاف دولارا إذا كان موظفا، الظاهر عن العدالة بينهم كالأواني المستطرقة.

نطالبهم أن يقدموا كلماتهم وخطبهم واحتجاجاتهم، على ورق مكتوب وبلسان منطوق، لدى دور النشر شعا جميل يقول ادفع اطبع اقلع، أسرع بفكرك إلى النشر، دافع عن أطاريحك ورسالتك ومواقفك وتحليل خبزتك، اطبع ما تراه في نفوس اتباعك وانصارك ما تراه وما نذرت عمرك لتحقيقه، اقلع بعد الطبع والنشر إلى البحث والتأمل لنقل المجتمع المتعب إلى مجتمع الرفاهية والإبداع.

ماذا يحدث لو قارنا كلامهم ونشرهم وفعلهم مع كلام ونشر المبعوث الأممي حسان، نحذر الاتجاهين، الحسني والحسيني، بأن الأوضاع في المنطقة صعبة، ومتغيرة ومتسارعة وخير البر عاجله، وكأنه لسان حال الوراقين القائل ادفع اطبع اقلع.

دومينو الانهيار السريع 

- الشيخ مرتضى معاش:

الاستبداد في جوهره يحمل سقوطه، هذه الكلمة صحيحة وسليمة، ولكن الاستبداد لا يكون فقط في الأنظمة الحاكمة، وإنما أيضا نجده في الشعوب، فكما أن هذه الأنظمة كارتونية فالشعوب أيضا كارتونية، فالشعب الذي يعيش التقلب والفوضى والغوغاء في داخله، لا يمكن أن ينتج نظاما ديمقراطيا، بل ينتج نظاما استبداديا.

الاستبداد هو ناتج للفوضى، فالإنسان عندما يبحث عن الأمان ويبحث عن الضبط، يلجأ إلى الاستبداد حتى يحقق أمنا مشوها، لكنه في الواقع لا يستطيع أن يحقق الأمن وبالنتيجة سوف يسقط هذا النظام في المستقبل.

هذه الشعوب الكارتونية هي شعوب متقلبة جدا، لذلك نرى أنها تعيش يوميا في شأن، ليس لديها رؤية، وليس لديها وعي، وهذه الثلاثية هي مسيطرة دائما على الشعوب العربية، وهي (الاستبداد، العنف، العاطفة)، ونقصد بها العاطفة التي تتبعها الشعارات والحماس والثوريات والرومانسيات، لا أتكلم عن الناس العاديين فقط، وإنما أقصد النخب أيضا، لذلك نلاحظ أننا نعيش دائما إنتاج عملية الاستبداد باستمرار، انقلاب بعد انقلاب.

لماذا لا تكون عند الشعب رؤية لبناء بعيد المدى، لذلك هو يعيش بشكل مستعجل، فإذا حدث أي شيء لا سمح الله ويأتي حاكم مستبد وعنده عسكر فإن الشعب يستقبل هذا الشيء أيضا، يتقلب مع الأمور لأنه لا يمتلك عوامل داخلية لنمو النظام الديمقراطي، والتي تشمل الانفتاح والحوار والتعايش والتفاهم من اجل البناء المتراكم نحو المستقبل، والبناء البعيد المدى المستقر والمتماسك، لكن ما نلاحظه أن الشعب بطغيان الشعبوية فيه يتطلب الأشياء بشكل سريع ويريد تحقيق مكاسب فورية ومغانم سريعة.

تحركه العاطفة، العاطفة الطائفية، العاطفة القومية، العاطفة العرقية، يتحرك مع العاطفة ويبحث عن فوز سريع، كما في محور المقاومة، فهو كان يبحث عن فوز سريع، يستخدم فيه العواطف الموجودة كالطائفية والدينية، والصراع العربي الإسرائيلي بعيد المدى.

بالنتيجة هذا الصراع الذي لا يعتمد على عوامل صحيحة وسليمة يؤدي إلى عواقب وخيمة وخطيرة جدا، لذا أنا أتصور بأن قضية الشعوب الكارتونية تحتاج إلى دراسة، فنحن لحد الآن نعيش في داخلنا وفي ماضينا صراعا فكريا، لا أسميه صراعا فكريا سليما، فالصراع الفكري السليم يوصلنا إلى نتائج سليمة.

نحن لدينا صراع فكري متناقض جدا، جدلي وليس حواري ولا يؤدي بنا إلى الخروج من هذه الجدلية، ونتجاوز هذه المرحلة حتى نستطيع أن نضع الخطوة الأولى لبناء أنظمة ديمقراطية سليمة، لذلك نلاحظ أننا اليوم دائما نلجأ إلى الاستبداد والعنف، بكل أنواعه، الفكري، والكراهية، نلاحظ اليوم قضية سوريا والعراق، والمقارنة بين بشار وصدام هناك من تحركه العواطف الطائفية، يدافع عن بشار في مقابل صدام، وهناك من يدافع عن صدام في مقابل بشار.

لكن الإنسان المثقف المتوازن يعرف بأن الظلم واحد، والطاغية واحد، لكن لأن هذا الطاغية يتناغم مع عواطفي فأقوم بتأييده، لكن هذه مشكلة معقدة تبقى تكرر نفسها وتعيد نفسها.

إن هذه اللعبة هي لعبة الدومينو، بعضهم يسمي ذلك قطار التغيير والإصلاح لكنني لا أتصور ذلك، قطار التغيير يسير بهدوء إلى أن يصل إلى ما يريد، أما الدومينو فهي تمثل الانهيار السريع، مفاجئ عندما يسقط يتبعه الجميع بالسقوط مثل قطع الدومينو التي تتساقط خلف بعضها بشكل متتابع وسريع، في منظر رهيب.

فالعالم العربي والعالم الإسلامي وحتى عوالم أخرى تشبه لعبة الدومينو الخطرة التي ستؤدي بالأحداث تصل إلى العراق او إيران، وقد تصل الى دول الخليج والأردن ومصر، فالأمور لم يتم معالجتها بعد، مصر ليبيا تونس الجزائر المغرب، جميع الأمور لم تعالَج بعد، قطعة الدومينو عندما تسقط فالجميع يسقط.

وكانت سوريا تعتبر الحكم العربي الأقوى، في المنطقة وكانت لاعبا مؤثرا في كل المنطقة، لها دور في كل الدول العربية وكان معروفة عنها أنها هي التي تحرك أسس اللعبة في العالم العربي، لذلك فالدومينو قد يستمر.

ان أهم خطوة يقومون بها العرب الآن أن يفتحوا سجونهم كلها، فإذا كان بشار قد فتح سجونه، كان ترك نقطة تُذكَر له في التاريخ.

سوريا وحروب الهوية

- حسن كاظم السباعي، باحث وكاتب:

في الحالة السورية؛ كانت سوريا الأسد تدرك أنها مستهدفة طائفيا، ولذلك عمقت علاقاتها مع الحلفاء المقربين للطائفة خلال أكثر من خمسة عقود من عمرها، لكن حينما طغت العقلية القومية على الدينية أخذت تتقرب إلى (أشقائها) العرب، وكانت النتيجة أن حصل ما حصل بلمح البصر. من هنا فإن الهوية الدينية...

هل سقوط الأنظمة الاستبدادية بسبب المؤامرات الخارجية أم أن هناك عوامل أخرى، وكيف تنظر الى الشرق الاوسط في ما بعد سوريا الأسد؟

الصراعات وبمختلف أشكالها وإن كانت تظهر نفسها على انها مدنية أو اجتماعية أو سياسية أو لهدف مواجهة الاستبداد أو متجهة نحو الديمقراطية والمطالبة بحقوق الأكثرية، إلا أنها بشكل فعلي "حروب هوية" أو بصريح العبارة لها أهداف طائفية بحتة.

ولو كانت السلطة الشرعية الحاكمة تدرك ذلك لما كانت تنهار بهذه الشكل المفاجئ والسريع.

في الحالة السورية؛ كانت سوريا الأسد تدرك أنها مستهدفة طائفيا، ولذلك عمقت علاقاتها مع الحلفاء المقربين للطائفة خلال أكثر من خمسة عقود من عمرها، لكن حينما طغت العقلية القومية على الدينية أخذت تتقرب إلى (أشقائها) العرب، وكانت النتيجة أن حصل ما حصل بلمح البصر!.

من هنا فإن الهوية الدينية هي الغالبة على جميع التقسيمات الأخرى من قطرية قومية او ولاء وطني أو اجتماعي وغير ذلك.. 

ولنا في التأريخ عشرات الأمثلة والعبر؛ من التاريخ المعاصر وحتى التاريخ الغابر..

فالتقسيم الذي حصل في يوغسلافيا السابقة كان تقسيما دينيا أوجد بوسنة مسلمة وأخريات من مذاهب شتى رغم كل القرب الاجتماعي والوطني الذي كان بينهم. 

وكذلك الإتحاد السوفياتي، والسودان الجنوبية والشمالية، والهند وباكستان.. وغيرها الكثير، بل وحتى الصراعات التي لها صبغة قومية كـ" قضية الأكراد" مثلا، نرى أن محور الطائفة هو الذي يعيّن مصيرهم ويرميهم إلى الطائفة التي ينتمون إليها فترى مثلا "الفَيلي" لا يصنف كرديا بقدر ما يصنف شيعيا.

وعليه لو كان الأسد بشار يصمد كما صمد أبوه حافظ الأسد من قبل لكان باستطاعته أن يحفظ تماسك سوريا، لأن المؤامرات كانت أشد في زمن الرئيس الراحل وأشد من الحقبة الثانية، ولكن إدراكه لهذه الحقيقة جعلته يتخذ ما يناسب من تحالفات سابقة كونه يعرف أن الغدر والخذلان سيطالانه من جهات أخرى مخالفة مهما كانت التحالفات والشروط. 

وهذا ما يسميه صاموئيل هنتنجتون بـ "خطوط التقسيم الحضاري" في كتابه "صدام الحضارات" حيث يقول: "تمر حروب خطوط التقسيم الحضاري بعمليات حدة واتساع واحتواء وتوقف، ونادرا ما تصل إلى حل، وتبدأ هذه العمليات عادة متوالية ولكنها غالبا ما تتراكم، وقد تتكرر وبمجرد أن تبدأ حروب خطوط التقسيم فإنها مثل غيرها من الصراعات الطائفية يصبح لها شكلها الخاص، وتتطور بأسلوب الفعل ورد الفعل، الهويات التي كانت في الماضي متعددة وعرضية تصبح مركزة ومتصلبة، فالصراعات الطائفية تسمى (حروب هوية) وهي تسمية ملائمة..".

وفيما يرتبط بمستقبل الشرق الأوسط بعد سوريا الأسد، يبدو أن هذا المجرى جار أيضا بناء على قاعدة: "استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه.."، كما يقول أميرالمؤمنين عليه السلام.

لا يمكن للبشرية ان تعيش الاستقرار

- الأستاذ علاء الدين الجنابي، باحث وأكاديمي:

إن الله سبحانه أول ما أراد أن يخلق آدم خاطب الملائكة قال (إني جاعل في الأرض خليفة) فالملائكة مباشرة، وهذا في تصوري ليس اعتراضا، وإنما استفهام، فقالوا (أتجعل فيها من يفسد ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني أعلم ما لا تعلمون)، يعني القضية لم تبدأ اليوم وإنما من أول ما خلق آدم، فكانوا على اطلاع، الله سبحانه أطلعهم، على طبيعة هذا الإنسان الذي سيقومون بخدمته.

من الممكن أن البشرية في يوم ما أن تعيش الحالة الوردية أو حالة الرفاه أو حالة الاستقرار، فهذا الشيء مستبعد جدا، وفق النظرة القرآنية، إلا في ظل حكومة الإمام عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف.

بالنتيجة تبقى الإنسانية تحمل في داخلها هذا النزاع، عموما نحن لا نستطيع ان نتخيل بأن الوضع سوف يكون ورديا، وخصوصا في الشرق الأوسط، أنا أرى بأن الشرق الأوسط ذاهب نحو الصراع، خصوصا تزاحم المصالح بين الدول، والمصالح متغيرة وليست ثابتة، فلا يمكن أن نتنبأ ما سيحدث بشكل تام، لكن عادة يكون التنبؤ نحو الأسوأ.

كل الشعوب التي بدلت أنظمتها السياسية في الواقع دخلت في فوضى، مثل مصر وليبيا واليمن والآن سوريا، من الواضح أنها ماضية نحو الفوضى، الإمام علي يقول (حاكم غشوم خير من فتنة تدوم)، فالشرق الأوسط الآن بعد هذه التغيرات دخل في فوضى كبيرة، قتل وسلب ونهب يعني هو سائر نحو الفوضى.

في تركيا في 2016 أو 2017 حدث انقلاب، الذي أوقف ذلك الانقلاب الناس الذين خرجوا وناموا في الشوارع أمام الدبابات، فيحاول سائق الدبابة أن يتحرك للأمام لكنه لا يستطيع ذلك، فهناك تمسك بالنظام الذي كان يحكمهم، ولذلك هم مستعدون أن يموتوا من أجله، هذا الذي تفتقده كل الأنظمة الدكتاتورية.

الأنظمة الدكتاتورية هي في الواقع كما يرد في محاضرات قديمة للسيد محمد الشيرازي رحمه الله، كان يقول إن الأنظمة الديمقراطية لا تخشى الانقلابات، بمعنى لا ينام وهو يفكر أو يخاف من حدوث انقلاب، ولكن الأنظمة المستبدة تخشى وتفكر في ذلك، وهكذا يسلط كل الأجهزة الأمنية على الشعب، لأنه يوجد لديه خوف مستمر من الانقلاب لأنه هو أصلا جاء للسلطة عن طريق الانقلاب.

عموما الأنظمة المستبدة هي في الواقع تعاني من انهيار داخلي، وعوامل سقوطها داخلية، أما المؤامرات الخارجية فهذا الأمر واضح، ولكن سببها لو أن الداخل كان قويا لا أعتقد ستنجح التدخلات الخارجية، هذا ما يمكن قوله حول هذه الورقة.

نظام لا يعتمد على شعبه

- الاستاذ صادق الطائي:

هناك سببان وراء سقوط النظام السوري هما:

1- كانت هناك مؤامرة جاهزة تنتظر الفرصة، والا كيف نفسر العدد الكبير من العنصر البشري والاسلحة والتدريب الذي تدخل الساحة السورية من الشمال.

- الاتفاق اللبناني الاسرائيلي بعد الحرب وسحب قوات حزب الله وتفريغ الساحة السورية من قوات الرضوان التي تعتمد عليها في ضبط مناطق شمال سوريا.

- يقال في الصحافة ولم تكذبه الصحافة او وزارة الخارجية او أي مسؤول روسي، ان امريكا اتصلت من خلال دولة أوربية انهم يوقفون الحرب في اوكرانيا يعلنون انتصار روسيا على ان تتوقف ولا تلاحق الثوار التي تنوي اسقاط بشار الأسد وتنسحب القوات الأوربية من اوكرانيا وتطلب من اوكرانيا الصلح مع السوفيت.

٢- والسبب الثاني هو اعتماده كلياً على قوى من خارج البلد مثلا اعتمد على ايران ماديا وعسكريا يقال ايران صرفت اكثر من (٣٠٠) مليار دولار، ادخلت اكثر من (٢٠٠) ألف عسكري من حزب الله للدفاع عنه ويحفظون الامن في الشمال السوري، دون الشعب السوري نظام لا يعتمد على شعبه، كيف نرده ان يحكم ويستمر في حكمه، وكذلك اعتماده على السوڤيت كقوة دولية لها حساب بدل ان يعتمد على قوة شعبه والطاقات القادرة على اسقاط اي مؤامرة خارجية او داخلية من خلال الطاقات البشرية العملاقة التي تثور من اجل حرية واستقلال البلد على عكس بشار الاسد الذي اعتمد على أمور افقدته حريته واستقلاله حيث اموال واسلحة وعناصر عسكرية وقوة دولية للدعاية والاطمئنان في المحافل الدولية، كل هذه العناصر الخارجية لم تنفعه من السقوط. 

اعتقد النظام في ايران في خطر اسمع من افراد هنا يقولون هناك حالة اكيدة وواضحة من عدم الاهتمام والتأسف على تغير النظام وذهابه الى المجهول ويدعون انهم معزولون، يقولون هناك من الناس فقط يصنعون ويخططون لنا ونحن فقط علينا ان نقبل، هذا يعني ان جزء فقط حزبي او فئوي لهم القدرة والسلطة والهيمنة على الاوضاع، الوضع له شبه بأوضاع سوريا أمريكا تريد الجزء المخالف للنظام الاسلامي، يمكن ان يكونون جنود مطيعين لأمريكا تستعملهم لتحيق

اهدافها كما فعلت بسوريا. او دخولهم العراق باعتبار ان أبو محمد الجولاني كان يقاتل في العراق مع الزرقاوي ومحكوم بالاعدام وعليه شكايات قانونية عديدة، ولكن العراقيين عاشوا وشاهدوا فترة داعش والتنظيمات الارهابية، وعليه دخولهم وبقائهم في المحافظات السنية غير

مرغوب به بسبب الاخطاء والتجاوزات العديدة في الارض والعرض التي لا يمكن السكوت عنها او السكوت عليها.

 أمريكا تحاول ان تسيطر على ايران والعراق، هناك اخبار تقول ان هناك (١١٠) ألف مقاتل داعشي سوف يدخلون العراق، قوى الاصلاح في ايران سوف تنتصر او الانتظار بعد موت السيد خامنئي يكون هناك انفراج.

دور الثقافة في تصحيح المسارات

- الأستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

الذي يؤسس لسقوط الأنظمة هي الأسباب الداخلية، لأنه لو كان أي نظام وأي شعب وأي دولة قوية من الداخل فمن غير الممكن أن تسمح هذه القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية أيضا بتسلل اللاعب الخارجي كي يقوم بإسقاط النظام.

فأي شعب لديه قدرة ثقافية كبيرة وعمق ثقافي كبير وشعب متنوّر ومتفاعل، فلا أعتقد أنه يتعرض لهزات خارجية تطيح بالنظام، ولهذا فإن الخلل بالدرجة الأولى كما أعتقد تكمن في منظومتنا الثقافية المتأخرة كونها أولا تسمح بالاستبداد.

بمعنى أن النظام السياسي الاستبدادي سوف تجده ضعيفا ليس على المستوى الاقتصادي فقط، لذلك سوف تجد إدارة الحياة العامة ستكون بأسلوب استبدادي فتجد مؤسساتنا تُدار بطريقة استبدادية، وكذلك تجد مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا وتجارتنا وصناعتنا وكل النظام الموجود في الدولة تتم إدارته بالاستبداد، لذا تجد حتى المجتمع مستبدا، وهذه قضية ثقافية بالدرجة الأولى.

لذلك المعالجات يجب أن تتحرك النخب الثقافية وحتى المنظمات الثقافية والمجتمع بشكل عام، يجب أن يصحح ثقافته أولا، حتى تكون المكاسب التي تعود على الشعب مهمة ويبتعد البلد كله عن هذه الأزمات والمشاكل السياسية، ومن الممكن أن تتعلم الشعوب والأنظمة السياسية من تجربة سوريا لتصحيح مساراته.

العوامل الداخلية هي الأساس

- الأستاذ حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

العوامل الداخلية هي الأساس في سقوط الأنظمة الاستبدادية، وهل هناك سبب أقوى من الاستبداد لسقوط الأنظمة؟، فالاستبداد بحد ذاته هو عامل مشتق من العوامل الخارجية، فالنظام الاستبدادي بحد ذاته يخشى من السقوط ولذلك ينشئ تحالفات مع الدول الأخرى لتساعده على الحفاظ على حكمه.

لذا الاستبداد بحد ذاته هو عامل داخلي وعامل خارجي، بالنسبة للسؤال الثاني سوف يكون مرهونا بالوضع في سوريا، يعني هذه الفصائل التي بلغت السلطة هل لديها رؤية لبناء دولة تحقق الاستقرار؟، وعدم تصدير هذه الثورة إلى الخارج كما قامت إيران بذلك، يجب أن تسعى هذه الفصائل في سبيل تحقيق استقرار وانسجام داخلي حتى يسهم ذلك نوع من الاستقرار في المنطقة والعكس صحيح.

الأسباب الذاتية لسقوط الأنظمة

- الدكتور لطيف القصاب، أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

إن سقوط الأنظمة يتوقف على النظام نفسه، بصرف النظر عن كونه ديمقراطيا شكليا، لدينا ديمقراطية شكلية وليس حقيقية، حتى يقال فيها إن أسوا التطبيقات الديمقراطي هي أفضل من التطبيقات الدكتاتورية، ليس لدينا نموذج ديمقراطي ولهذا نحن كعراقيين نخاف من الديمقراطية الهزيلة التوافقية التي لا يمكن ان تلد حكما ثابتا مستقلا.

هناك مجموعة عوامل داخلية وخارجية تتعاون من أجل إسقاط النظام المعين أو الدولة المقصودة، لذلك قد تطول أعمار الدول الدكتاتورية، لدينا مثلا كوبا، أو كوريا الشمالية عمر نظامها أكثر من سبعين سنة، أما الصين فحدث بلا حرج، فإذا تعاونت العوامل الداخلية وهي حزمة من العوامل الذاتية والاقتصادية والاجتماعية أيضا.

في الحالة السورية مثلا كان يوجد عامل اقتصادي واضح، فقد مروا بفترة حصار أكثر مرارة من الحصار الذي عانى منه العراقيون إلى حد ما، هذا يسهم بالكثير في إسقاط الدولة، ويوجد عامل اجتماعي واضح وهو تسيد الأقلية على الأغلبية، ولنكن منصفين، نسبة العلويين كم تبلغ من نسبة سكان سوريا، حتى يحكمون كل هذه المدة الطويلة وإلى متى.

والآن عندما أصبح هناك تهديد لمصالح أمريكا بشكل وآخر، يعني بشار الأسد وحافظ الأسد لم يكن بريئا في التدخل بالشأن الإسرائيلي أو محاولة الانقضاض على إسرائيل، على أية حال فهي مجموعة عوامل داخلية زائدا العوامل الخارجية هي التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط هذا النظام أو ذاك، وهذا ينطبق طيعا على كل رقعة الشرق الأوسط، وهي طبعا جغرافية ممتدة من جنوب غرب آسيا وشمال شرق أفريقيا.

هذه كلها تدخل ضمن منطقة الشرق الأوسط، إيران تركيا صعودا إلى اليمن حتى أرمينيا وجورجيا تقع في صلب الشرق الأوسط بالإضافة إلى مناطق أذربيجان أيضا.

لكن بقدر ما يتعلق بنا نحن كعراقيين الحقيقة هذه القضية تخيف لماذا؟، لأنه ليس لدينا مناعة، ولو كانت لدينا مناعة تصد الفايروسات الخارجية لكنّا نقول الحمد لله والشكر، ولكن المسألة لدينا هي حالة من البناء الديمقراطي الذي يتعرض للفساد جدا وهو آيل للسقوط عاجلا أو آجلا، يجب أن يكون مستقبل العراق محميا، فأن يكون العراق بلا مستقبل هذا يخدم من؟

يخدم الأعداء سواء كانوا في الداخل أو في الخارج، ونتمنى من السياسيين العراقيين أن ينتبهوا لهذا الوضع وأن يصححوا وأن يتعظوا من تجربة سورية، فبشار الآسد كان بإمكانه على الأقل أن يخرج بالوجه الأبيض، كان لديه فسحة أن يخرج بوجه أبيض نسبيا ولكنه لم يفعل ذلك، فهؤلاء أيضا لا نقول ليخرجوا ولكن على الأقل عليهم أن يصححوا المسار تصحيحا صحيحا يخدمهم حاضرا ومستقبلا ويحافظ على العراق حاضرا ومستقبلا.

مؤشرات مستقبل الشرق الأوسط

- حسين علي حسين، كاتب وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

لو أن بشار الأسد حاول معالجة العوامل الداخلية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية هذه العوامل لو ركز على معالجتها والتعامل معها بحكمة خصوصا من ناحية مداراة شعبه.

نقصد لو أن بشار الأسد كان أكثر اطلاعا على القضايا الداخلية من خلال المتابعة والرصد، ولو أنه باشر في تقديم المعالجات الصحيحة فإنه حتما لم يسقط كما حدث مع أنظمة دكتاتورية أخرى في المنطقة.

ولا يمكن أن يكون الوضع في الشرق الأوسط أفضل مما كان عليه قبل سقوط سوريا، لأنه كما يبدو بحسب المؤشرات متجّه نحو الأسوأ، فأما أن يكون الوضع فيه كما هو سائد حاليا إذا كانت هناك حكومة سوريا متوازنة وجيدة، أما إذا ذهب الوضع في سوريا إلى الفوضى فإن حاضر ومستقبل منطقة الشرق الأوسط سوف تكون أسوأ حتما.

التشابه بين الواقعين السوري والعراقي

- الأستاذ أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

سابقا خضنا في سيناريوهات وقد صحّ بعضها فيما حدث بسوريا، فأي جسم مريض ينهكه المرض والاعتلال فإنه لاحقا سوف يستسلم إلى مبضع الجراح، اليوم السوريون قبلوا بأي تغيير يحدث، سواء كان جبهة النصرة، تركيا، غيرها، إسرائيل، المهم يحدث تغيير، لأنه مجرد حدوث التغيير مطلوب لأن سوريا أنهكت وخاصة اقتصاديا.

الوضع السوري عندما حدث الانهيار يشبه بالضبط الوضع العراقي قبل 2003، نفس الحصار، نفس المعاناة التي عاشها الناس، هذه نتيجة كل مستبد، وهذه هي السنن الكونية، فكل حاكم يستبد بالحكم له عمر معين افتراضي، بعضهم يطول عمره وبعضهم كلا يعجل عليه المرض وينهيه وتأتي له الضربة من الخارج أو من الداخل ثم ينتهي ويسقط.

نحن ذهبنا نحو الأنظمة المستبدة، لكن القضية لا تتعلق فقط بعدم وجود انتخابات وديمقراطية، فهناك أنظمة لا يوجد فيها لا دستور ولا شفافية ومنهم أمراء ومشايخ وغيرهم، شعبهم نوعا ما يجد عدالة واقتصاد يمنحهم بحبوحة من العيش، يمكن العراقيون اليوم قسم كبير منهم يقولون نحن لا نقبل أن تتغير أوضاعنا نحو أمور نجهلها ولا نعر تذهب إلى أين، لأن وضعي المادي مستقر والأمور الأخرى أيضا، لكن أنا أريد التصحيح والقضاء على الفاسدين.

ولكن لا أقبل التغيير الذي يقضي على الدستور والحياة البرلمانية أو سواها، أو تأتي جماعات مسلحة سواء كانت داعش أو غيرها، فنحن نرفض أن تأتينا أية جماعة مسلحة ونستبدل الاستقرار الذي نعيشه واستقرار الوضع الأمني والوضع الاقتصادي، لا أقبل أن أبدل هذا الوضع بوضع مجهول، أما بالنسبة للوضع في سوريا فإنها ذهبت إلى الشتات، فالكل خائف في سوريا حتى المنتصر وتجده غير مطمئن.

بالإضافة إلى الوضع الذي لا يحسد عليه النظام في ذلك الوقت في داخل سوريا، كان بين الإمارات من جهة، والإيرانيين من جهة، والأتراك من جهة أخرى، تركيا عرضت على بشار أن تتفاوض معه لكن كانت عنده خشية من حلفائه الإماراتيين، ومن الإيرانيين وحتى من المصريين، اليوم نرى الوضع في سوريا ليس بذلك الوضع الوردي، والذي قد يكون أفضل من بشار، فالوضع في سوريا سوف يسير فعلا إلى المجهول.

أنا شخصيا غير متفائل بالوضع إلى أن تتضح الأمور، قد يكون أفضل شيء يحدث في سوريا هو التوافقات والمحاصصة، الأكراد يأخذون حصة، جبهة النصرة وجماعتهم المتشددون حصة في الحكم، العلويون يأخذون حصة، دول أخرى مثلا. الحسنة الموجودة في العراق إنه يمتلك الأموال لديه النفط وقد هدأت الأمور لكن وضع سوريا نفطهم يسيطر عليه الأكراد.

فقضية سوريا الحقيقة ربما هم فعلا تخلصوا من نظام مستبد وظالم لكن عواقب النظام الجديد غير محسوبة، وهم في ورطة فعلا، وكان المفروض بإيران من البداية تتخذ قرارا بالتخلص من المشاكل الخارجية، ولو أن إيران مهتمة بداخلها، منذ تغيير الحكم في العراق 2003، لو أنها ركزت على الداخل، لكانت الآن دولة يحسب لها ألف حساب.

لكنها انشغلت في مشاريع فاشلة فعلا، وكان يمكن أن تكون لها تبادل مصالح مع الغرب الذين يهتمون بمصالحهم بغض النظر عن نوعية النظام، هل النظام السعودي مثلا نظام مثالي؟، كلا، وإنما تربط بينهم المصالح.

فنحن في العراق المفروض الأمر الذي يهمنا داخليا، هو عدم انشغالنا بقضايا الاخرين، أحدهم يقول عندما حدث التغيير في سوريا لم يهجم الثوار الجدد على العراقيين وإنما هجموا علينا الفلسطينيون الموجودون في المخيمات داخل دمشق، هجموا وسلبوا وتوعدوا، المهم من الساسة العراقيين حفظ مصالح الشعب العراقي.

اليوم توجد لدينا ازدواجية حتى في الطرح، مثلا اليوم نريد أن نهاجم الميلشيات في العراق مثلا، فهي تمثل وضع غير مستقر، انتهت مهمتها والمفروض تذهب إلى معسكراتها، لكن نحن نهاجمهم دائما ولم اسمع بشخص أو قناة إعلامية إذا نحل الميلشيات لابد من حل البيشمركة أيضا، فهل هي جيش عراقي مثلا ومرتبط بوزارة الدفاع، كلا، يتكلمون عن حل الميلشيات ولا أحد يتطرق لحل البيشمركة، مع العلم إنهم جهة مسلحة وحالها حال الحشد الشعبي. لذلك نحن نحتاج فعلا إلى تصحيح المسار ونقوي مؤسسات الدولة.

نحن البسطاء يمكن أن لا نتضرر ولكن أصحاب المصالح الكبيرة لماذا لا يأخذون عبرة من هذه القضايا، لابد من تذكر أزلام صدام وهم يشكلون طابورا خلف بعضهم مساقين إلى المحكمة هذا المنظر يجب أن يتذكره هؤلاء لأن حكمهم ليس أصلح من حكم صدام، لذا من المفروض أن نأخذ الدروس والعبرة ونصحح المسارات.

صدمات سياسية في الشرق الأوسط

- الأستاذ باسم حسين الزيدي، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

هذه اللعبة السياسية المستمرة منذ سنوات وعقود، ولكن بأوجه جديدة، عملية التغيير حتمية في علم السياسة، فهذه الدائرة لابد أن تدور، وأنت الطرف الآخر مخير بين أن يدخل في اللعبة أو يتم تدميرك، نقطة راس سطر.

الذي يمر في الشرق الأوسط في كل فترة تحدث صدمة سياسية، وهذه غالبا ما تأتي كل فترة، مثل العقد الماضي الذي حدث فيه الربيع العربي وداعش والفوضى الخلاقة التي بعثرت الأوراق وخلطتها في ذات الوقت، الآن أيضا يحدث نفس الشيء فنحن تركيزنا ينصب على سوريا، وقد كان فيها سقوط سريع وليس انهيار سريع.

الانهيار يتم عبر عقد من الزمن لكن لحظة السقوط كانت سريعة، وهذا الشيء كان متوقعا، بالضبط نفس الذي جرى على النظام البعثي في العراق مثلا، أيضا كانت فترة الانهيار استمر اكثر من عقد بينما لحظة السقوط لم تستغرق أكثر من أسبوعين، المرحلة القادمة أن سوريا هي بيدق من بيادق سقط قسم منها وسيسقط القسم الآخر قريبا، المقصود منها دفع هذه المنطقة إلى الاندماج في عملية التطور السريع، في الاقتصاد مثلا، في النظام الجديد، أما الأنظمة المتهالكة فقد انتهى دورها.

وأعتقد أن التركيز سوف يكون على الأنظمة التي تحمل أيديولوجيات، سواء دينية أو حزبية، وبدأت بالأنظمة والأحزاب، حزب الله مثلا، انهياره الذي كان مفاجئا، وسقوط سوريا وسف تتبعها خطوات أخرى أيضا، حتى مسألة التطبيع هي جزء من هذه اللعبة ومن عملية التغيير القادمة، العين الأخرى سوف تكون على إيران، فمثلما نعرف أن إيران سياسيا هي براغماتية ولكن ليست إيران التي نعرفها، حيث يوجد هناك صراع داخلي.

حتى الرئيس السابق الذي رحل في حادث أيضا ضمن اللعبة، إيران البراغماتية يراد لها أن ترجع براغماتية، المشكلة أن الذي يعيق تقدمها هو الحرس القديم، الذي يؤمن بالأيديولوجيات الدينية وتفريخ الميلشيات وإلى آخره، لذلك هي انسحبت سريعا لإعادة ترتيب أوراقها، لأنه هي مخيرة فأمام تدخل في اللعبة أو يتم تدميرها. تدريجيا أو بشكل مباشر ولا أتصور أن يتم تدميرها مباشرة لأنهم يريدونها أن تكون لها مستقبل في المنطقة.

أعتقد أن القادم سوف يتم ترتيب الأوراق وإزاحة الدول التي تمتلك أيديولوجيات حزبية أو دينية، أو أنها تنزع نحو التطرف، وأعتقد حتى هذه الأحزاب أو الميلشيات التي سيطرت على سوريا هي عملية توريط لها، يعني ما جرى ليس انتصار، وفي المستقبل سوف يكون نوعا من المحرقة لها استعدادا لترتيب نظام جديد لسوريا قد يندمج في لعبة الأمم.

من يدرك هذا الأمر ينجو مثل السعودية التي استدارت 180 درجة، بالنسبة للعراق أتصور إن العراق هو داخل هذه اللعبة، ولكن المشكلة في فهم القادة أو المسؤولين عن السلطة أن فهمهم بطيء، يعني العالم يتطور في ثلاث ثوان والقادة في العراق يدركون أن هذا التطور متأخر جدا، ولكن أن تدرك الشيء قبل فواته أفضل من ألا تدركه تماما.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025

www.fcdrs.com

اضف تعليق