اضحى صعود تيار اليمين المتطرف في اوروبا اتجاها عاما في السنوات الأخيرة في ظل ارتفاع التأييد للأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من البلدان الاوروبية وما تتبناه من أفكار شعبوية متشددة وقد برز ذلك جليا في نتائج عدد من الانتخابات العامة التي جرت في بعض الدول الاوربية...

ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الشهرية في ملتقى النبأ الأسبوعي موضوعا حمل عنوان (صعود اليمين المتطرف وتحديات الوجود الإسلامي في الغرب)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية، قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الاستاذ الدكتور صلاح جبر البصيصي/ استاذ اكاديمي في جامعة كربلاء، وابتدأ حديثه قائلا:

اضحى صعود تيار اليمين المتطرف في اوروبا اتجاها عاما في السنوات الأخيرة في ظل ارتفاع التأييد للأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من البلدان الاوروبية وما تتبناه من أفكار شعبوية متشددة وقد برز ذلك جليا في نتائج عدد من الانتخابات العامة التي جرت في بعض الدول الاوربية مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والمجر وغيرها مما يعزز المخاوف من عواقب انتشار أفكار اليمين المتطرف في اوروبا كلها وما يسببه ذلك من مخاطر على المجتمعات الاوربية عموما والمجتمعات الإسلامية خصوصا.

ويشير مصطلح اليمين المتطرف الى القوميين الأوربيين من الجنس الأبيض والذين يؤمنون بتفوق هذا الجنس على غيره من الاجناس والتعصب القومي له إضافة الى التعصب الديني ومعاداة المهاجرين الأجانب ولاسيما المسلمين الذين تعدهم تهديدا للهوية العرقية والوطنية للقوميات الاوربية وسببا رئيسا في ارتفاع معدلات البطالة والجريمة في المجتمعات الاوربية واليمين المتطرف يتمسك تمسكا حادا ومتطرفا بالقيم الوطنية والهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويدعو الى رفض كل اندماج إقليمي وحتى الاندماج الأوربي وقد أسهمت جملة من العوامل على صعود اليمين المتطرف في اوروبا في السنوات الأخيرة، واهمها العوامل الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى النفسية وقد باتت الهجرة احدى القضايا الرئيسة التي ساهمت في صعود احزاب اليمين المتطرف في اوروبا ويعزو اليمين المتطرف الى الهجرة بانها السبب الأول للمشكلات التي تواجهها المجتمعات الاوربية وان الهوية الوطنية الاوربية في خطر ويجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثل في المهاجرين الذين يشكلون تهديدا لهذه الهوية ولعل من اهم أسباب صعود اليمين المتطرف:

1- توظيف الأحزاب اليمينية قضية الهجرة في التسويق لليمين المتطرف بهدف إضفاء شرعية على خطابه العنصري المعادي للأجانب.

2- ظهور اليمين المتطرف أيضا العامل الاقتصادي، اذ ازداد الاستياء للمواطنين من سوء الأوضاع الاقتصادية في ظل الأحزاب الحاكمة.

3- ارتبط صعود تيار اليمين المتطرف بارتفاع معدلات البطالة ارتفاعا غير مسبوق وقد شهدت اوروبا زهاء 20 مليون عاطل عن العمل وارجع اليمين المتطرف هذه البطالة الى المهاجرين الذين يتقاضون أجور اقل من نظرائهم الاوروبيين فضلا عن التكلفة التي تتحملها الدول المضيفة للاجئين في عدد من المجالات مثل المرافق العامة والتعليم والصحة.

4- رافق صعود اليمين المتطرف صعود ظاهرة رهاب الإسلام (الاسلاموفوبيا) التي تروج العداء للمسلمين وتربطهم بالإرهاب ولاسيما بعد تعرض اوروبا لعدد من الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة كما في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها.

5- يستخدم اليمين المتطرف بشكل واسع منصات التواصل الاجتماعي في ترويج أفكاره واستقطاب عدد من المناصرين وخاصة فئة الشباب.

لقد شهدت أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية صعود اليمين المتطرف في أوروبا على مستوى الأحزاب السياسية والبرلمانات والبرلمان الأوروبي بالتوازي مع تمدد اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية في أوروبا وهذا ما يمكن اعتباره (جرس إنذار) ومؤشر خطير على تراجع الأحزاب التقليدية الكبيرة في أوروبا، فقد انتخبت بولندا حكومة يمينية متطرفة ثم شهد العام التالي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي في عام 2016 وتبع ذلك انتخاب حكومات يمينية متطرفة في النمسا وإيطاليا وعزز ذلك فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية عام 2016 وقد احتلت أحزاب اليمين المتشدد المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة في فرنسا والنمسا وكذا الحال في انتخابات البرلمانات الاوربية فوصلت الى نسبة 20% من اجمالي الأصوات في النمسا والدنمارك والسويد ونفس الشيء على مستوى البرلمان الأوربي اذ حصلت هذه الأحزاب على 105 مقاعد وبما يعادل ثلث المقاعد تقريبا.

يعتمد خطاب اليمين المتطرف على عامل (الهوية) وتكمن المشكلة أن الناخبين الأوروبيين ينجذبون إلى لغة تعطي الأولوية للهوية الوطنية وتزامن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا مع تصاعد العداء للمسلمين أو ما بات يعرف بـ(الإسلاموفوبيا) وهي ظاهرة فكرية تستند إلى استعداء المسلمين المهاجرين وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب واللافت في هذا الصعود أنه قد اقترن بهذه الظاهرة وهي ظاهرة فكرية بدأت تتقوى وتستشري في المجتمعات الأوروبية لتصبح أيديولوجية ترتبط بنظرة اختزالية وصورة نمطية للإسلام ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا، كمجموعة منغلقة على ذاتها ومحدودة، تؤمن بقيم رجعية تحض على العنف والاختزال والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان ولا شك في أن هذا التزامن يؤشر إلى وجود علاقة بين الظاهرتين ويبرر بالتالي طرح إشكالية ارتباط صعود اليمين المتطرف الأوروبي.

ان العداء للإسلام والمسلمين في الغرب ازداد هذه الأيام بشكل غير مسبوق حيث أصبح جلياً للمراقبين والباحثين والدارسين لهذه الظاهرة أن هناك منظومة متكاملة تعمل على تهجين هذه الظاهرة ضمن سلسلة من المراحل مترابطة ومحكمة بشكل وثيق ومتناغمة مع الأجواء الدولية المتشابكة وتتفاوت حدتها من بيئة إلى أخرى ورغم الوزن المؤثر للمسلمين داخل المجتمعات الغربية، فإنهم يواجهون جملة من التحديات؛ يأتي في مقدمتها التمييز والعنصرية وقد كشف استطلاع للرأي أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية أن قرابة 92% من المسلمين عانوا من التمييز العنصري بأشكاله المختلفة، 53% منهم بسبب أسمائهم، في حين تعرضت 94% من النساء لمضايقات عنصرية بسبب الحجاب، ويواجه المسلمون الجدد ممن اعتنقوا الإسلام حديثا في أوروبا أوجها عديدة من التطرف تمنعهم حتى من حقوقهم كمواطنين وتحرمهم الحق في التعبير وممارسة الشعائر الدينية في حين يبدون في أمسّ الحاجة إلى الاندماج في المجتمعات، وتبدو الحكومات الأوروبية في موقف صعب حيث يجدر بها العمل على احتواء الأزمة وخلق تسامح مجتمعي وصيغة للإسلام تضمن احترام قوانينها واحترام المسلم في حد ذاته من قبل غيره من المواطنين.

وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول/ ما هي اسباب صعود احزاب اليمين المتطرف وخصوصا في اوروبا؟

السؤال الثاني/ كيف ستكون تأثيرات هذا الصعود عالميا وبالخصوص على المسلمين؟

المداخلات

ضياع الهوية الوطنية القومية

- الدكتور أوليفر شاربرودت/ باحث واكاديمي في جامعة لوند بالسويد:

السبب الأهم لصعود اليمين المتطرف هو سبب اقتصادي، وبدأت الأزمة الاقتصادية في 2008 وننظر بعدها كيف ان الوضع الاقتصادي في الغرب ضعف وهذا يعني يوجد تأثير كبير بسبب الحرب ضد أوكرانيا، وبعد 2008 شعر الناس أن الحياة صارت أصعب وبنفس الوقت يرى الناس أن الخدمات العامة تراجعت في أوروبا، أعتقد ان الوقوف امام امتداد الاحزاب المتطرفة يحتاج الى حل اقتصادي، لأن المجتمع الأوروبي يحتاج الى مهاجرين فكل الشركات الكبيرة في أوروبا تحتاج الى مهاجرين من بلدان مختلفة لأن السكان في أوروبا يقل عددهم، لكن المشكلة الآن في مجتمعات اوروبا انها تحتشد ضد المهاجرين مما يؤدي الى فوز احزاب اليمين لأنها تخالف المهاجرين وهذا الاختلاف بين احتياجات المجتمع واحتياجات الاقتصاد الحقيقية والرأي العام في مجتمع أوروبا.

السبب الثاني هو مسألة هوية وطنية هوية قومية، نرى الآن كيف ان التعددية القومية، الدينية، الجنسية، ثقافية في مجتمع أوروبا زادت وكثير من الناس يتخوفون من مستقبل هويتهم ويسألون من نحن وما هويتنا، يعني بشكل واضح تخالف مفهوم هوية وطنية محدودة، وطبعا في نظري اذا نجد ازمة اقتصادية وكثير من الناس عندهم خوف على حياتهم ويبحثون عن هوية واضحة، لأنه التعددية الثقافية والجنسية والدينية في مجتمع أوروبا هي الحقيقة ومستحيل ان نغير هذه الحقيقة، لكن الخطاب السياسي لا يقبل هذه الحقيقة.

السخط من الأحزاب التقليدية

- الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث واكاديمي:

الحركات اليمينية والأحزاب المتطرفة في أوروبا التي تبالغ في مناهضتها لوجود الاجانب هي ليست حالة غريبة أو وجود استثنائي آني، إنما هي ظاهرة كائنة ومعروفة منذ القدم. الجديد في هذه الظاهرة هو أن الأحزاب اليمينية المتطرفة قد تألق نجمها وبرزت سطوتها بشكل متزايد مع حركة الزمن، بعدما كانت أحزابا معزولة مغمورة لا تنتخبها إلا قلة من الناس، حيث تبقى عاجزة عن تولي السلطة، بل حتى في المشاركة في حكومات هذه الدول. بدأ حديثاً العد التنازلي للأحزاب التقليدية الحاكمة في دول أوروبا الغربية، في حين تنامت الأحزاب اليمينية المتطرفة وازدهرت آفاقها إذ أصبحت حصصها من أصوات الناخبين ملموسة في كل الانتخابات التي جرت خلال العقدين الأخيرين بشكل عام وخصوصا في العقد الأخير منهما.

 لقد توضحت الصورة خلال أزمة عام 2008 الاقتصادية والمالية التي ضربت أوروبا بعد انهيار البنك الأمريكي العملاق (ليمان بروذرز) كردة فعل للأزمة الاقتصادية، آنذاك فرضت السلطات المعنية تقشفا في الصرف أدى إلى تقلص في مساحة الرفاه الاجتماعي وسخط من بعض شرائح المجتمع المتضررة في معاشها وسبل رفاهها. منذ ذلك الحين بدأت الأحزاب اليمينية في حصد أصوات الناخبين في كل عملية انتخابية جديدة حتى بانت النتائج المتميزة في الانتخابات المحلية والفيدرالية والانتخابات الأوربية الأخيرة، إذ حصلت الأحزاب اليمينية على نسب قياسية من أصوات الناخبين وخصوصا في دول أوربا الغربية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والنمسا والسويد وغيرها، مما أربك هذا الحالة السياسية بشكل عام وجعل هذه الأحزاب فارضة لنفسها كي تقود سدة الحكم أو على الأقل المشاركة فيه! لم تقتصر هذه الظاهرة الجديدة على بلدان أوربا الغربية فحسب إنما مضت الحالة أيضا في دول أوربا الشرقية. فحزب اتاكا البلغاري وحزب فيدس ويوبيك المجريان وحزب القانون والعدالة البولندي وغيرها هي أفضل أمثلة على ذلك، وتناغي هذه الأحزاب أحزاب اليمين المتطرف في أوربا الغربية مثل حزب إخوة إيطاليا والرابطة الإيطاليين وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، والحزب القومي وحزب البديل الألمانيين، وحزب الشعب الدانماركي، وحزب الشعب والحرية الهولندي والتحالف الفلمنكي الجديد وحزب الفلامز بلانك البلجيكيين، وحزب الحرية النمساوي وغيرها. شكلت هذه الأحزاب كتلة كبيرة في البرلمان الأوربي خلال الانتخابات الأوربية الأخيرة التي جرت بين السادس والتاسع من شهر حزيران الماضي، سميت بنادي اليمين الأوربي حيث تلتقي هذه الأحزاب، وان اختلفت في أمور كثيرة، في أمرين رئيسيين هامين وهما النزعة القومية ورفض المهاجرين، حيث ترفض هذه الأحزاب اليمينية الإندماج مع الثقافات الأخرى معتبرة إياها تهديدا لهويتها القومية.

تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا وانجرار الاوربيين في منح أصواتهم الانتخابية لها هو ردة فعل قوية ضد السياسات المتبعة من قبل الأحزاب التقليدية الحاكمة التي كانت سببا مباشراً أو غير مباشر في صنع هذه الأزمات بمختلف ميكانيكياتها! هذه الأزمات المبنية على أصول الخلل في الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والتي حولت خيارات الناخبين نحو الأحزاب اليمينية المتطرفة، يمكن إيجاز بعضها بما يلي:

أولا/ تنامي الهجرة إلى أوربا: تنامت الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى أوروبا الغربية في الآونة الأخيرة بشكل حاد وخارج عن نطاق السيطرة، إذ بلغت مستويات فاقت الاستيعاب مما أثقل كاهل الدول المضيفة للاجئين إداريا واقتصاديا وماديا. توسعت مطالب دوائر الضمان الاجتماعي ولوازمها من أجل تأمين احتياجات المهاجرين من جهة، وتزايدت بواعث المنافسة على مواقع التوظيف والعمل في دوائر ومنشآت الدول من جهة أخرى. هذا الكم المتزايد من المهاجرين هو حصيلة أجواء جيوسياسية واقتصادية وحروب أهلية وغير أهلية كان للغرب يد فاعلة في صناعتها! الحروب والأوضاع غير المستقرة الناتجة عنها في كل من أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من جهة، والحرب الروسية الأوكرانية التي تلتها من جهة أخرى، كان لها الأثر الكبير في هروب جماعي للمهاجرين من أوطانهم المبعثرة إلى أماكن الأمان والسلامة. فوق هذا وذاك لعب كل من الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الكبير دورا هاما في نشر الفوضى العارمة في البلدان المستهدفة وضاعف نسب الهجرة الجماعية منها إلى أوربا الغربية أيضا.

ثانيا/ هشاشة الوضع المالي والاقتصادي الأوربي: تعاني كثير من الدول الأوربية المضيفة للمهاجرين من وهن في المنظومة الاقتصادية حيث تفاقمت الأزمات الاقتصادية والمالية نتيجة لمضاعفات جائحة كورونا التي اجتاحت أوربا أوائل العشرينات من هذا القرن. قبل أن تتعافى أوربا من تأثيرات ومخلفات هذه الجائحة المؤثرة، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، غير الضرورية، والقت بظلالها المؤلمة وبأثارها ومضاعفاتها الثقيلة. لقد أربكت هذه الحرب ميزانيات هذه الدول نتيجة تكاليفها المباشرة من جهة، وارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الاقتصادي من جهة أخرى، مما فاقم في معاناة الناس وزاد في احتياجاتهم اليومية ورفع نسب العوز والفاقة في المجتمعات المعنية. انعكست مردودات هذه الأمور بصور الضجر والتذمر من واقع الحال ومن تزايد الهجرة المصاحبة لها والتي زادت في الطين بلة! وأثرت سلبا على ميزانيات هذه الدول وعلى مصاريفها!.

ثالثا/ الحالة الأمنية غير المستقرة: كثرة حوادث العنف والاعتداء على أرواح الناس وممتلكاتهم في دول أوربا الغربية حيث كانت نسبة صناعها من الأجانب في تزايد مستمر. لقد لعبت الحرية غير المحدودة والاسترخاء المستمر في أجهزة الدولة الأمنية، في قمع حالات الإعتداء المتزايدة، عاملا هاما في استغلال المغامرين من المهاجرين لهذه الحرية وشجعتهم في اقتراف الاعتداءات والمثالب والجرائم ضد بعض السكان المحليين مما خلق جوا مشحونا ضد الأجانب بشكل عام.

تزايد الضجر والخوف من الأجانب المسلمين خصوصا بعد حوادث الإرهاب التي اقترفتها قوى المنظمات الإرهابية المتسمية باسم الإسلام مثل قوى القاعدة في أوربا الغربية مما أحدث ظاهرة الإسلام فوبيا او رهاب الإسلام اي التخوف والرهبة من الإسلام والمسلمين. لعبت هذه الأحداث دورا هاما في تخلي بعض الأوروبيين عن التصويت لصالح الأحزاب التقليدية التي لم تأبه في معالجة مخاوف المجتمع رغم الوعود المتكررة ورغم متطلبات الأحداث المتزايدة ونواصيها.

رابعاً/ صعوبة اندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة: التباين الثقافي والعقائدي والديني والاجتماعي والنفسي بين المهاجر والبيئة الجديدة يشكل عقبة كبيرة في اندماج المهاجرين بمجتمعاتهم الجديدة. في كثير من الأحيان لا يتقن المهاجر لغة البلد المضيف ولا يحاول التأقلم على البيئة الاجتماعية الجديدة، مما يخلق فجوة واسعة بينه وبين من حوله، حيث يتقوقع المهاجر في كثير من الأحيان على ذاته ويعيش بجسده في مكانه الجديد دون توافق ادراكي حسي منسجم مع الجو الاجتماعي الجديد. هذا التباعد النفسي والاختلاف المنهجي والسلوكي مع الواقع الجديد قد يخلق حاجزا ومانعا هاما في عملية اندماج الأجنبي في دائرة العيش الجديدة. ليس المهاجر وحده مسؤول عن هذا الخلل، إنما هو خلل تشترك فيه عوامل متعددة تجتمع مع بعضها في تصعيب عملية الاندماج بين بعض المهاجرين والبيئة الجديدة.

خامسا/ ديموغرافية المسلمين في أوربا: تزايد أعداد اللاجئين المسلمين في أوربا وسرعة تكاثرهم وعدم التوازن في النمو السكاني بين الاوربيين المسيحيين والمهاجرين المسلمين بدأ يشكل هاجسا محسوسا لدى الاوربيين الذين لديهم رهاب الاسلام. وهكذا بدأ الحديث عن مصطلح أسلمة أوربا وبدأ الخوف يتوسع في نفوس بعض الاوربيين أمام هذا المد الديموغرافي الوافد والذي ينذر، في نظرهم، بعواقب قد لا تحمد عقباها.

سادساً/ دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة: لم تعد الأحداث والحوادث تخفى على أحد في عصر إنتشار المعلومة، فكل صغيرة وكبيرة تصل الى عيون القراء والمشاهدين واسماعهم بأسرع من لمح البصر. وهذا ما يكشف بسرعة بعض التصرفات غير السليمة وغير اللائقة التي يرتكبها بعض المهاجرين، حيث تصل الآخرين بشكلها الحقيقي وربما المشوه مما يزيد حنق الناس ومخاوفهم من الأجانب. تلعب الدعاية العدائية للمسلمين دورا محسوسا في هذا المضمار، حيث تستغل الموقف وتملي أجندتها المدروسة في تشويه الصورة أكثر فأكثر!.

هذه الأسباب وغيرها التي تلقي شرائح مجتمعية كبيرة من الاوربيين بها على عاتق الأحزاب التقليدية التي لم تحاول معالجتها كما ينبغي في نظرهم، قد خلق حالة قلق مستمر وجوا مشحونا لدى بعض الناس ضد السياسات الحالية المتبعة، مما دفع ذلك الكثير من الناخبين إلى تغيير خياراتهم سخطا وجزعا من أحزاب تقليدية لا تسمعهم، وهي إشارة امتعاض لهم، عسى أن تنتبه هذه الأحزاب وترعوي لهواجسهم ومخاوفهم ومعاناتهم التي تتزايد مع حركة الوقت والزمن.

المهاجر لا يشكل عبئا

الاستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

المهاجر أو القادم إلى دولة دائما يكون موضع توجس وخوف من المواطن الاصلي وينظر إليه عبئ عليه حتى لو كان يحمل له الخير، مثلا في الأربعينيات عندما هاجر عدد من اهالي جنوب العراق إلى بغداد وكونت مدينة الزعيم في وقتها، كثير صرحوا بأن الحياة المدنية البغدادية تم تشويهها بسبب موجة المهاجرين في داخل البلد فكيف اذا حدثت هذه الهجرة وأصبحت هجرة دولية، ولكن في نفس الوقت هذه المدينة التي أسست في بغداد خرج منها كبار المبدعين على المستوى الأدبي وعلى مستوى الفنون وعلى مستوى المفكرين وحتى على مستوى الرياضيين، هذا يحدث ايضا في الهجرة الدولية، مثلا بالفريق الفرنسي أفارقة كثيرين حملوا الجنسية الفرنسية والآن هم يقودون الفرق في كل أوروبا، إذاً لا يعني المهاجرين دائماً هم عبء على الآخر بل بالعكس تجد منهم المبدعين والمفكرين وحتى الفلاسفة.

لابد ان تكون هناك اتفاقيات دولية كبيرة تنظم اوضاع المهاجرين حتى يُحد من قضايا الكراهية وصعود اليمين المتطرف لأن هذه قضية بصراحة مدروسة وما يحدث الآن في فرنسا خطير جدا وكذلك ما حدث في إيطاليا نفسه وهذا طبعا حقيقة يستهدف المسلمين بشكل واضح ويتعرضون لها كثير من المشاكل والعنصرية.

اتساع الفجوة بين المؤسسات والمواطن الاوروبي

- د. خالد العرداوي/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:

ينبغي أن لا ننظر لليمين المتطرف على أنه تيار سياسي موجهة ضد المسلمين لأنها نظرة ستكون قاصرة وأعطيكم مثلا لو أن اليوم المسيحيون يهاجرون الى العراق فكيف سيكون ردة فعل المسلمين الموجودين، اعتقد سوف لن يأخذوهم بالأحضان ويستقبلوهم هذه ردة فعل طبيعية، اليمين المتطرف هو ليس تيار واحد وإنما هو تيارات متعددة وحتى في داخل البلد الواحد مختلف مستوياته من تيار سياسي لتيار سياسي آخر، واسباب ظهوره كثيرة واحدة من هذه المظاهر هي أزمة الهوية نلاحظ نحن في كربلاء مثلا أن هناك عدد كبير من المهاجرين أو النازحين من محافظات أخرى ونشعر أن هناك تململ داخل المجتمع الكربلائي ويعتقدون أن هؤلاء الذين جاءوا إلى كربلاء بدأوا يشكلون عبء على مصادر الداخل، اضافة الى انهم يلعبون دورا كبيرا في تغيير البنية الثقافية داخل المدينة وهذه حالة طبيعية وهنا نتكلم عن هوية واحدة هوية عراقية أو هوية إسلامية، فما بالك لما تكون الهويات مختلفة والمهاجر هو من دول اخرى وليس من نفس الدولة هذا طبعا يخلق ازمة هوية، وطبعا هذا الامر ينبغي ان ينظر اليه بطريقة موضوعية ولا ينظر إليه على أن المجتمعات الأوروبية هي مجتمعات شاذة أو مجتمعات عنصرية.

 الأزمة الاقتصادية ايضا تلعب دور في بروز اليمين المتطرف بسبب المشاكل الاقتصادية ونلاحظ ان اليمين المتطرف في فرنسا يدعو الخروج من الاتحاد الاوروبي لاعتقاده ان وجوده ضمن الاتحاد الاوروبي شكل عبء اقتصادي على المواطن الفرنسي بل حتى البريكست في بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي هو مظهر من المظاهر اليمين ولكن هو أيضا من أسبابه الشعور بالعبء الاقتصادي لتواجد بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي.

أيضاً الأسباب الأخرى هو فقدان ثقة المواطنين الأوروبيين بالمؤسسات التقليدية سواء كانت مؤسسات دينية أو مؤسسات سياسية أو دستورية أصبح هناك فجوة تتسع يوم بعد يوم بين هذه المؤسسات التقليدية وبين المواطن الأوروبي وهذا يخلق ميولا ونزعة متطرفة داخل المجتمع، ايضاً دور العلم التكنولوجي تلاحظون ان السوشيل ميديا قربت الناس بعضهم للبعض الاخر وسابقاً اذا كان ممكن ان الحصون الثقافية تبدو منيعة تجاه التأثير الخارجي او منيعة في قضية التواصل بين الناس اليوم السوشيل ميديا قربت المسافات اكثر واكثر وجعلت مواطن يشعر بالضغط الثقافي عليه وفي نفس الوقت يعطيه القدرة على أن يعبر عن ما في نفسه داخل الفضاء الالكتروني وصوته يكون مسموع يستطيع أنه يوصل صوته ويؤثر في الآخرين بسهولة.

في الوقت الذي ينخفض السكان في أوروبا تزداد حاجتهم للمهاجرين ولذلك أوروبا في عام 2050 هي أقل من أوروبا اليوم وهذه مشكلة حقيقية هم يشعرون بها وليس أمامهم إلا أنه يستقبلون المهاجرين ولكن وفق تنظيم الهجرة مما يعني يستقبلون المهاجرين الذين يحتاجونهم وليس المهاجرين المفروضين عليهم وهذا طبعاً يحتاج أن المهاجر نفسه ينتقل إلى أوروبا ويتخلى عن معتقدات السابقة أو هويته ويندمج في داخل الهوية الأوروبية نفسها.

تأثيراتها على المسلمين قطعاً سوف تكون تأثيرات سلبية لان المشاكل كلها مستمرة وازداد مد اليمين المتطرف وسيواجه المسلم مشاكل كبيرة وهذا الأمر يذكرنا كيف أن أوروبا تخلصت من اليهود قد بعثتهم إلى فلسطين، وهذه الأزمة مع تصاعد اليمين سيكون هناك فجوة كبيرة في المجتمع لربما تؤثر في النتيجة على الصدام داخل المجتمعات الأوروبية وإذا ما حصل هذا الصدام سيكون الضحية الأساسية الأمن والاستقرار في أوروبا.

ليبرالية ماكرون المتوحشة

- الاستاذ صادق الطائي:

تداول كلمة اليمين المتطرف في الاخبار والصحافة اعتقد خطأ وقعنا فيه لا شعوريا، هناك مسألتين لابد من معرفتها هما: اليمين الفرنسي له علاقات جيدة مع الكرملين وبوتين، وادانة كاملة ورفض لحرب اوكرانيا والنفقات الاقتصادية المؤثرة على الاقتصاد الفرنسي. هذه وغيرها من مواقف هذا الفصيل الفرنسي، تعتبره امريكا ضدها وضد وجودها في فرنسا، عندها قررت اتهامها بالمتطرف، اليمين الفرنسي يؤمن بان امريكا وبريطانيا تريد طمس دور فرنسا القيادي وتحويلها الى تابع اكيد لها تأسس التجمع الوطني الفرنسي عام (١٩٧٢) على يد جان لوبان، ولكن الاخطاء الكبيرة والخطرة التي اتخذت في مجلس النواب الفرنس والتصويت على مجموعة اشياء مثل قرار التقاعد العام، والخدمات الصحية، والخدمية، والضمان الاجتماعي.

اذن ظهورها بهذا الشكل الذي اكتسح التنظيمات الاخرى هو (غضب وثورة وقيام) لأخطاء ماكرون وتقصيره امام الشعب ودور أمريكا وبريطانيا وتأثيرها في رفع اسعار الغاز المستهلك في الاسعار وحذف دور فرنسا القيادي في اوروبا والتاريخي، ادى الى صعود اليمين في فرنسا ولا يمكن اعتباره خطراً جديداً ومهماً امام الوجود الاسلامي في الغرب بل هو خوف غير طبيعي او لنقل بشكل صريح لعبة أمريكية.

مثلا كان ماكرون يقول ويسوق منهج جديد يسميه (الاسلام الجديد) الذي يطبق في فرنسا هذا الاسلام المحرف فقط مسموح به فرنسا، كانوا يقولون ان الليبرالية المتوحشة التي كان يمارسها ماكرون، ادت الى صعود اليمين الذي حقق نسبة عالية في الانتخابات ٣٤٪ والجبهة الشعبية الجديدة ٢٩٪ حقق معسكر الدولة ٢١٪ لم يصرح التجمع الوطني اليمين الفرنسي اي تصريح او حديث حول الاسلام انما حول المهجرين يقولون نحن ليس فندقاً او مكاناً لإيواء المتعبين من افريقيا بسبب رؤساؤهم (نحن نقول كذلك افريقيا لم تكن مخزن ثروات بلا ناس) انتم سرقتم وصنعتم رؤساء يدافعون عنكم، الان عليكم ان تتحملوا أعباء تلك المرحلة.

غرس مفاهيم الضد النوعي

- د. خالد الاسدي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

أجد أن هناك من يجد من في الغرب خطورة من الإسلام الإرهابي لذا احتاجت إلى الضد النوعي فلذلك أوضح هذا ان هناك فرق بين التوجه الحكومي والتوجه الشعبي، التوجه الحكومي هو الذي يمسك بزمام الإعلام فأغرس في ذهن الشعب بأن هناك إرهابا اسمه إرهاب الإسلام فلذلك لما وضع هذا الإرهاب في ذهن المتلقي وجه الأذهان إلى أن هؤلاء الذين هاجروا إليكم جاؤوا بكثير من الإرهاب يريدون أن يزرعوه بينكم، فأعتقد أن الشعب أحتاجه بأن يجد ضد نوعي لردع هذه الفئة التي جاءت إليهم، ومن الممكن أن تكون من أسباب صعود اليمين المتطرف في أوروبا هو معاقبة الشركات التي دعت إلى الهجرة بأن دخول المهاجرين إلى بلاد أوروبا.

أما مدى تأثير جائحة كورونا في أوروبا بيّنت لجميع الشعب الأوروبي بأن هذه السلطات ليس لديها الحل النهائي أو ليس لديها القدرة على مواجهة أضعف أزمة في أوروبا لذلك أرادت أن تجد هنالك بديل ولم تجد إلا اليمين المتطرف لمواجهتهم.

فشل اليسار الليبرالي

- الشيخ مرتضى معاش:

صعود اليمين المتطرّف هو ردة فعل على فشل تيار اليسار الذي تغير مساره نحو الوسط منذ ثلاثة عقود، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي انتقل اليسار الأوروبي والغربي نحو الوسط ودخل في عالم الرأسمالية وأصبح يرفع لواءه حيث اعتقد أن الحافلة التي سوف تقوده نحو الصعود في الانتخابات هو الانتماء إلى العالم الرأسمالي، وفعلا نجح الوسط الليبرالي أو اليسار الليبرالي لأن يركب قطار العولمة، ولكنه كان استفزازياً جداً لمختلف الهويات في العالم وخصوصاً الهويات الهويات المحافظة. 

وهناك فرق بين التيار اليميني الذي هو تيار شعبي، بينما تيار اليسار الوسط هو تيار نخبوي تحرري ينتمي إلى الليبرالية على عكس التيار اليميني الذي هو ضد الليبرالية الاجتماعية والنيوليبرالية الاقتصادية، فالطبقة التي كانت ترفع لواء العولمة فشلت في عملية بناء اقتصاد سليم قائم على المساواة بل أدت إلى التفاوت الطبقي الهائل بين طبقة الأغنياء جداً وهم اقلية ضئيلة، وطبقة وسطى تقتات على طبقة الاغنياء وهم اقلية كبيرة تمثل أصحاب الاختصاصات والمهارات، حيث احتكرت الطبقتان المنافع، وطبقة الفقراء والعمال وهي طبقة هائلة كبيرة من المهمشين الغاضبين وقد يشكلون مجموع الثلثين من سكان العالم او اكثر من ذلك حيث تتصاعد اعدادهم مع ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض القوة الشرائية، فالعولمة كانت مسارا خاطئا منذ بداياتها والتبشير بفردوسها في سنة 2000، ولكن لم يتبين ذلك الا في سنة 2008 عندما انفجرت الفقاعة بالازمة المالية العالمية وكشفت عن فشل قيادة يسار الوسط للعولمة الذي اندمج بمنافع الاقتصاد الرأسمالي المتوحش والاسواق الحرة المنفلتة، وأدى هذا إلى فشل مشروع العدالة الاجتماعية في أوروبا لأنه لم يحقق المساواة بل حقق المزيد من التفاوت والتهميش للعمال الذين كان يتبناهم اليسار سابقا.

الهجرة حاجة ملحة سببها الانقراض السكاني المتصاعد في أوروبا بالتأكيد سوف يحتاج الى المهاجرين وأنا متأكد حتى اليمين المتطرف سوف لن يتنازل عن المهاجرين لأنهم المغذي للاقتصادات الأوروبية ولا يمكن أن يحارب المهاجرين ولكن يريدون حدود وقيود لانهم يمثلون العمالة الرخيصة التي أدت إلى انهيار الطبقة الوسطى في أمريكا وأوروبا وأصبحت الطبقة الوسطى بلا مهارات ولا قدرة لأن كل شيء أصبح في متناول يد العمالة الرخيصة في شرق آسيا وخصوصا في الصين، وادت الى قلة فرص العمل في اوروبا وهذا ادى الى عملية صعود اليمين المتطرف كما يقولون ويسمونه.

 واليمين المتطرف استخدم الانتخابات لتحريك الغرائز القديمة عند الإنسان غريزة الهوية الذاتية، غريزة الانتماء الاجتماعي، الانتماء القومي قضية الانتماء الديني حركها واستفاد منها وحرك هذه الغرائز وجعلها ايديولوجية صدام مع الآخرين من أجل الوصول إلى السلطة، لكن نرى بعض الجماعات المتطرفة عندما صعدوا للسلطة خففوا قليلا من مطالبهم الايديولوجية لأن هذا التوجه سوف يؤدي إلى تحديات اقتصادية خطيرة.

الليبرالية الاجتماعية أيضا كانت من الأسباب الخطيرة جدا، هذا التحرر الموجود عند اليسار سواء كان في أوروبا او في أمريكا أدى إلى صدام مع الأديان وصدام مع المجتمعات مما أدى إلى استفزاز المجتمعات المحافظة، وأعتقد حتى جماعات الكنيسة المسيحية هي موجودة في خلف الصورة مع هذا اليمين من أجل مواجهة التيارات الليبرالية التي تحاول أن تنشر نزعات تحررية مطلقة حتى الأوروبيين لا يقبلوها وخصوصا في فرنسا.

أما في قضية مستقبل المسلمين لابد من تمييز واقع توجهات اليمين المتطرف هل هي اقتصادية اكثر ام هي ايديولوجية؟، اذا كانت الايديولوجية فوق الاقتصادية سوف يكون مستقبل المسلمين في خطر، أما اذا كانت التوجهات الاقتصادية أقوى من التوجهات الايديولوجية فالبراغماتية الواقعية سوف تؤدي لقبول اليمين بالوجود الإسلامي ولكن مع ضغط كبير عليهم، كما ان المسلمين سواء كانت الجاليات الإسلامية أو الدول الإسلامية بحاجة لبناء التواصل الفعال مع الشعوب والنخب الأوروبية من أجل الاتفاق على حدود معينة تقتضيها تحقيق الاستقرار في العلاقات بين المجتمعات الأوروبية والإسلامية.

والأوروبيين عليهم مسؤولية كبيرة في تحقيق العدالة الانتقالية من الاستعمار حتى تحل المشاكل خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وارضاء الشعوب عبر تحقيق الاستقرار في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث سوف يؤدي هذا الامر إلى تخفيف الهجرة إلى اوروبا التي سببها الصراعات الاستعمارية الموجودة في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، الآن الانقلابات التي حدثت في النيجر وفي كونغو وفي السودان وفي بلدان افريقية أخرى وكذلك الربيع العربي هي صراعات أوروبية جيوسياسية استعمارية قديمة كما يقول المحللين الغربيين تعود مرة أخرى فتؤدي إلى مزيد من الهجرة إلى أوروبا، ما لم يقوم الغرب بعملية تحول كبير لتحقيق الاستقرار في الدول الإسلامية والعربية والافريقية عبر التوافق بين القوى العظمى لاستئصال النزعات الاستعمارية.

سرديات تكفيرية

- الاستاذ عباس الصباغ، كاتب واعلامي:

لا يمكن فصل صعود احزاب اليمين المتطرف لاسيما في أوروبا بمعزل عن الاسباب التي ادت لذلك الصعود، والنتائج التي تمخضت عنه، ومن اهم الاسباب التي ساعدت على تفشي ظاهرة التطرف اليميني ونشوء الاحزاب ذات التوجه اليميني حتى في البلدان التي تعتبر سابقا معتدلة هو السرديات الاسلامية التكفيرية المتطرفة والاقصائية التي تستند في رؤيتها العقائدية على فلسفة الالغاء والاقصاء المتطرف والتخريب المتعمد بواسطة قطع الرؤوس والذبح والسبي ومصادرة الاموال لجميع المخالفين لهم كما حدث في الامس الغابر لبني اسرائيل على يد فرعون وقومه (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)، كما حدث في العراق للمناطق التي استولى عليها داعش فالقتال للرجال والسبي للنساء والاطفال اما الممتلكات فتصادر وكما فعل تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا ومن قبله القاعدة والنصرة وبوكو حرام في افريقيا وبقية التنظيمات الاجرامية والتي اشاعت القتل والدمار وعاثت في الارض فسادا، ما اعطى صورة سلبية وتخريبية للإسلام بنسخته الاموية ذات الفكر والممارسات الخوارجية الشاذة (نسبة الى الخوارج الفرقة الاسلامية المنحرفة عن حظيرة الامة بجميع مذاهبها والاسلام منهم براء وحتى الانسانية)، وقد نتج عن ذلك كنتيجة حتمية (الاسلام فوبيا) أي الشعور السلبي بالرفض لكل ما هو اسلامي واتهام الاسلام بالعدوانية والتخريب والقتل والسبي وقطع الرؤوس، فنشأ اليمين المتطرف في أوروبا وغيرها كرد عملي ايديولوجي على تلك السرديات الشاذة مطالبا بطرد جميع المسلمين من أوروبا ومنع حق اللجوء اليها بل وحظر جميع النشاطات الاسلامية على الاراضي الاوربية، ولم تتكرر تلك الفوبيا مع بقية الاديان المتعايشة في أوربا حتى مع الاديان الوثنية والطوباوية بسبب ما ورد آنفا.

ان تأثير صعود اليمين المتطرف له اكثر من جنبة سلبية على السلم الاهلي والتعايش السلمي على عموم العالم وخاصة الشعوب المسلمة ويتنافى مع المبادئ الانسانية التي اقرتها جميع المواثيق والاعراف الدولية ويشكّل بذلك حاجزا نفسيا مستديما امام تعامل الغرب مع الدول الاسلامية ويعرّض جميع المسلمين بكافة مذاهبهم الى الخطر والفناء لاسيما المعتدلين منهم، ما يعيد الى الاذهان الحروب الصليبية سيئة الصيت، لذا يتوجب على المسلمين من اتباع اهل البيت (عليهم السلام) بل ومن جميع المسلمين قاطبة والذين يسلكون المنهج الاسلامي/ المحمدي الاصيل ان يبرزوا للعالم اجمع وخاصة في أوروبا المحاسن والمبادئ الحقة للدين الاسلامي الصحيح والنسخة الحقيقية لهذا الاسلام اسلام محمد (صلى الله عليه واله) وعلي واهل البيت (عليهم السلام) من خلال سرديات اسلامية توضح تلك الحقائق مع بث الفكر الرصين وايديولوجية الائمة المعصومين (عليهم السلام) المستمدة من جوهر الاسلام المحمدي الاصيل ونشر تلك السريات عبر وسائل الاعلام كافة مدعمة بالأدلة والبراهين كي تتوضح الصورة الحقيقية المحترمة عن الاسلام وتنتفي صورة الاسلام فوبيا التي رسمها اليمين المتطرف عن الاسلام والمسلمين.

وهنا تقع المسؤولية كاملة على رجال الدين والحوزات الدينية والمثقفين في توضيح الامر للرأي العام العالمي وابعاد الصورة السلبية النمطية عن الاسلام المزيف و(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) دين محمد وعلي لا الدين بنسخته الاموية الداعشية كي لا تتكرر مهزلة الإسلام فوبيا وتنتهي حجة اليمين المتطرف.

تراكم الازمات

- الاستاذ احمد جويد/ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

ما يحدث في أوروبا هو نتاج طبيعي لما يحدث في العالم اليوم الذي يعيش في فوضى حروب، فوضى اقتصاد، فوضى عدم الثقة بالمؤسسات الدولية والمنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة اعتقد ان هناك عودة الى الثلاثينات من القرن الماضي بهذه الفوضى وتلك الفترة التي افرزت موسليني وهتلر وستالين من الممكن ان تنتج لنا اشخاص بنفس التطرف يقودون العالم قد تكون حرب عالمية ثالثة لا سامح الله، أيضا ما حدث في أوروبا العامل الاقتصادي هو مؤثر جدا على الوضع في داخل أوروبا الأزمات الاقتصادية الوضع الربوي في المصارف إضافة إلى ما أنهكتهم قبل سنتين هي الحرب في أوكرانيا التي أحدثت أيضا مشاكل كبيرة على الإنسان الأوروبي وخاصة في قضية أزمة الغاز الروسي التي أثرت بشكل كبير على المواطن الأوروبي وخاصة في السويد، شاهدت غلاء كبير في جانب الوقود وغيرها وقضايا مصادر التدفئة الإنسان الأوروبي كان يحتاج إلى مهاجرين وايدي عاملة رخيصة الآن يمتلك المهاجر شركات ويمتلك أموال في هذه المدد الطويلة وبالتالي بدأ يعكس أيضا قسم من ثقافته الدينية وثقافة القومية في داخل المجتمع، أعتقد لو كان الاستقرار الاقتصادي جيد في أوروبا ما كان ظهرت إلى السطح هذه المشاكل لكن دائماً هو عامل الاقتصاد هو اللاعب الاساس وكما قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه (النفس لو حرزت قوتها اطمأنت) لكن ترى الشعوب الآن كلها في قلق على وضعها الاقتصادي والتخبط في الدول الكبرى خاصة بالأزمات العالمية خاصة من موقف الحروب وغيرها والأزمات وتصدير الأزمات وبالتالي عكست على الواقع الأوروبي الأزمات التي خلقت مثلا في أفريقيا وفي الشرق الأوسط وحتى في أوكرانيا 3 ملايين مهاجر دفعة واحدة استقبلتهم أوروبا بدأت أنه تخرج هذه الأصوات اليمين المتطرف خاصة بعد ان بدأت تنمو في المانيا ما يسموهم النازيين الجدد وهو حزب البديل او هم النازيين الجدد فهذا شيء طبيعي ومن السنن التاريخية أن الدول تصل إلى مرحلة من الانتعاش والاستقرار ومن ثم تبدأ الى الهاوية والسقوط والأزمات وغيرها وتبدأ مرة أخرى تعود نفسها، هذه سنن كونية وسنن إلهية وإذا كنت تتحدث عن سنن كونية فهذا سنن كونية نجد هذه الشعوب تصل إلى ذروة من التقدم والحضارة وغيرها تعصف بها حروب وأزمات اقتصادية ومن ثم تعود من الصفر وتبدأ حياتها.

صدام حضاري

- الاستاذ جواد العطار:

سجلت أحزاب اليمين المتطرف زيادة في عدد المقاعد بانتخابات البرلمان الأوربي قبل شهر من الان، بحصولها على المركز الأول في إيطاليا وفرنسا والثاني في هولندا وألمانيا، وتأتي هذه الزيادة في المقاعد لأحزاب اليمين المتطرف بعد تركيزها المستمر في الحملات الانتخابية على قضايا الهجرة والهجرة غير الشرعية للمسلمين والخطر الذي يشكلوه على المجتمعات الأوربية في إحياء واضح لمصطلح "الاسلاموفوبيا" المترسخ في اذهان الكثير من الاوربيين.

اما بالنسبة لتداعيات تقدم هذه الاحزاب في البرلمان الأوربي، فانه سيكون وبلا شك سلبيا في جانبين:

الاول: داخلي يتعلق بتعاطي المجتمعات الأوربية مع المسلمين المتواجدين هناك وتأثيره على قوانين العمل والهجرة التي ستضر الجاليات المسلمة والتضيق عليها في عباداتها وتعايشها داخل المجتمعات وتقليص مظاهرها الإسلامية.

الثاني: خارجي يتعلق بمواقف الدول الأوربية تجاه القضايا العربية والإسلامية وبالذات حول قضايا الشرق الاوسط وفلسطين.

ورغم ان هذا التقدم لا يشكل الا الربع من عدد المقاعد ولكن خطر توسعه مستقبلا ينظر بصدام حضاري بين الشرق والغرب.

التفسير الأكثر منطقية 

الاستاذ محمد علاء الصافي، مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

اعتقد صعود احزاب اليمين او قوى اليمين حصلت على زخم كبير عند وصول الرئيس ترامب للولايات المتحدة يعني اعطى حافز حتى للدول الشرقية ان تنافس الاحزاب اليمينية او الشخصيات اليمينية للوصول الى السلطة لان نحن نعرف اوروبا تتأثر كثيرا بالولايات المتحدة وتقريبا العالم كله يتأثر بالولايات المتحدة بالجانب السياسي ترامب اعطى زخم لهذه القوة للصعود وفعلا بعد عام 2016 قوة الاحزاب اليمينية والمحافظة بدأت تحقق نتائج حتى في امريكا الشمالية مثلا كندا الان الانتخابات ليست بعيدة المؤشرات والتقديرات كلها تشير ممكن ان تسقط حكومة اليسار الموجودة حاليا، تراكمات كثيرة العالم تغير بعد 2020 فمن غير المنطقي ان الأنظمة السياسية والحكومات لا تتغير، والتغير انا اعتبره تغيير منطقي مثل ما حدث بعد الازمات الاقتصادية واذا نقارن ان الازمات الاقتصادية التي كانت بنهاية العشرينات والثلاثينيات بالقرن الماضي تقريبا القضية مشابهة للازمة التي يعيشها اليوم العالم وخصوصا اوروبا فالتغيير منطقي.

اما بخصوص قضية تأثيره على المسلمين صراحة انا اعتقد من خلال كثيرا من القراءات والمؤشرات ان الحكومات اليسارية واليسار الوسط هي ايضا كان وجودها وتأثيرها خطير جدا على الجاليات الاسلامية في الدول الغربية من حيث تشريعها للقوانين التي تدعو للتفكك الاسري والقوانين التي اعطت المساحات الكبيرة مثلا قضية المثليين والشواذ وغيرها وايضا صعود اليمين هي ردة فعل على هذه الإجراءات وعلى هذه القوانين وعلى هذه التغيرات التي كانت غريبة ما على المجتمعات وخاصة المهاجريين والمجتمعات الاوربية تكون منطقية فممكن الكثير من الناس ممن كانوا هم ضد الاحزاب اليمينية او هم فعلا غير متطرفين لكن من باب تعديل المسار اتجهوا الى الاحزاب اليمينية وهذا أعتقد هو التفسير الأكثر منطقية لصعود قوة اليمين اليوم في أوروبا.

الهامش السياسي

- الاستاذ حيدر الاجودي، مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

على مدى عقود من الزمن الاتحاد الأوروبي قد وضع اليمين المتطرف على الهامش السياسي لكن في هذه الانتخابات الأخيرة جعلت من الأحزاب المتطرفة لاعب أساسي ورئيسي في السياسات الدولية الخارجية والداخلية بدء من الهجرة وإلى الأمن والمناخ مما جعل هذا الأمر يمثل انعطافه كبيرة لكن هل سيؤثر أو سيغير الشيء الكثير أعتقد حسب المعطيات أنه لن يغير الشيء الكثير في السياسات الأوروبية على الرغم من صعود اليمين المتطرف لكن هناك أيضا موجودة الأغلبية من التيارات الوسط والليبرالي في البرلمان الأوروبي وفي أيضاً السياسة الدولة التنفيذي والتشريعي أيضاً موجود، ومن الأسباب التي ادت إلى صعود اليمين المتطرف بالإضافة إلى ما تم ذكره قضية المشاكل الداخلية التي لم يحصل لها حل مثل مشكلة البطالة ومشكلة الصحة والتعليم في المجتمع الأوروبي أيضاً سبب كثير من الأزمات ولحد الآن ربما تبعاتها مستمرة، والشريحة الأكبر ربما أثرت في هذا الأمر هم شريحة المزارعين وقطاع الزراعة بصورة عامة في أوروبا حقيقة اتجه نحو اليمين المتطرف بسبب السياسات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي في الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون والحد من تربية المواشي فسبب خسائر كبيرة لهذا القطاع ولهذه الشريحة فاتجهت نحو اليمين المتطرف عسى ولعل انه يحيدون عن هذه السياسات فنراهم انه اتجه نحو اليمين المتطرف والخطابات التي اعتمدت عليها احزاب اليمين المتطرف يحاولون الحد من السياسات الاقتصادية، نعم هناك تأثيرات ربما ستكون على المسلمين إذا كان خطاب متطرف ربما سيكون بالمقابل خطاب متطرف من الجهات الإسلامية ربما ستكون الصدامات والمشاحنات حاضرة وخصوصا في غياب أصحاب العقول الراجحة.

وفي ختام الملتقى الفكري خرجت الورقة البحثية بمقترحات تمثلت بما يلي:

1– وضع اتفاقية دولية لحماية الأديان وبالذات الإسلام واعتبار السلوكيات العدائية ضد الإسلام والمسلمين جريمة يُعاقب عليها القانون الدولي وعدم الاكتفاء بالتوصيات والاعلانات الدولية غير الملزمة.

2- سن تشريعات وقوانين في الدول الاوربية تستهدف الجماعات المتطرفة والعنصرية التي تمارس مظاهر عدائية ضد المسلمين على الأرض وافتراضيا وتضمن معاقبتهم على الجرائم العنصرية المُرتكبة.

3- رفع دعاوى وشكاوى من قبل الجاليات الإسلامية ضد الأحزاب اليمينة المتطرفة والمتطرفين امام المحاكم الوطنية والاوربية، كما يمكن ان ترفع دول هؤلاء الرعايا دعاوى ضد الدول التي تتساهل مع المتطرفين امام محكمة العدل الدولية.

4- تفعيل الأدوار السياسية والاجتماعية للجاليات المسلمة باعتبارهم جزء من نسيج المجتمع وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.

5- تعزيز الحملات الإعلامية الرامية إلى زيادة الوعي بخطر الإسلاموفبيا وتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام وتقديم أعمال درامية تعكس الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق