مع تضرر أو تدمير أكثر من 80 في المائة من المدارس في غزة، قد يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم الإبادة التعليمية. تشير "الإبادة التعليمية" إلى المحو المنهجي للتعليم من خلال اعتقال...
قال خبراء أمميون إن "الهجمات القاسية المستمرة" على البنية التحتية التعليمية في غزة لها تأثير مدمر طويل الأمد على حقوق السكان الأساسية في التعلم والتعبير عن أنفسهم بحرية، "مما يحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم".
وفي بيان، قال الخبراء المستقلون إنه مع تضرر أو تدمير أكثر من 80 في المائة من المدارس في غزة، "قد يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم الإبادة التعليمية".
تشير "الإبادة التعليمية" إلى المحو المنهجي للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية.
وبعد ستة أشهر من الهجوم العسكري على غزة، قُتل أكثر من 5,479 طالباً و261 معلماً و95 أستاذاً جامعياً، وأصيب أكثر من 7819 طالباً و756 معلماً - مع تزايد الأعداد كل يوم. كما لا يحصل ما لا يقل عن 625 ألف طالب على التعليم وفق ما جاء في البيان.
وتم تدمير أو تضرر 195 موقعاً تراثياً، بما في ذلك الأرشيف المركزي لغزة الذي يحتوي على 150 عاماً من التاريخ، بالإضافة إلى 227 مسجداً وثلاث كنائس. كما تضررت أو دمرت 13 مكتبة عامة، وهدم الجيش الإسرائيلي جامعة الإسراء في 17 كانون الثاني/يناير، وهي آخر جامعة متبقية في غزة. وأكد الخبراء أن حتى مدارس الأمم المتحدة التي "تؤوي المدنيين النازحين قسراً تتعرض للقصف، بما في ذلك في المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي على أنها الآمنة".
وشددوا على أن هذه الهجمات ليست حوادث معزولة، إنما "تمثل نمطاً ممنهجاً من العنف يهدف إلى تفكيك أسس المجتمع الفلسطيني"، وقالوا: "عندما يتم تدمير المدارس، يتم تدمير الآمال والأحلام كذلك".
وقال الخبراء إنهم فزعوا بنفس القدر من سحق القطاع الثقافي في غزة، من خلال تدمير المكتبات ومواقع التراث الثقافي، وأضافوا أن: "أسس المجتمع الفلسطيني تتحول إلى أنقاض، ويتم محو تاريخه".
وقال الخبراء: "لا يمكن التسامح مع الهجمات على التعليم. ويجب على المجتمع الدولي أن يبعث برسالة واضحة مفادها أن أولئك الذين يستهدفون المدارس والجامعات سيتحملون المسؤولية"، مضيفين أن المساءلة عن هذه الانتهاكات تشمل الالتزام بتمويل وإعادة بناء النظام التعليمي.
وقالوا: "نحن مدينون لأطفال غزة بدعم حقهم في التعليم وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر سلاماً وعدلا."
قصف أكثر من مائتي مدرسة
وأثّر القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، بشدة، وبشكل خاص على المدارس بجميع أشكالها، حيث تم قصف 212 مدرسة بشكل مباشر، وفقا لتحليل مجموعة التعليم في الأرض الفلسطينية المحتلة.
التقرير الذي نشرته المجموعة التي تشارك في قيادتها اليونيسف ومنظمة إنقاذ الطفولة كشف عن صور للأقمار الصناعية أظهرت أن ما لا يقل عن 53 مدرسة قد "دمرت بالكامل" منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وأكدت نتائج التقرير أن ما لا يقل عن 167 مدرسة أخرى قد تعرضت لأضرار يرجح أن تكون شديدة، فيما تشير إلى أن أكثر من 80 بالمائة من جميع المدارس في قطاع غزة قد تضررت بشكل من الأشكال.
وأشار مؤلفو التقرير إلى أن "الاتجاه المتزايد للهجمات على المرافق المدرسية" أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل، وسط "قصف إسرائيلي مكثف، من الجو والبر والبحر، في معظم أنحاء قطاع غزة".
كانت محافظة شمال غزة هي الأكثر تضررا، حيث أصيب أو تضرر نحو 86.2 في المائة من المباني المدرسية، بشكل مباشر، تليها محافظتا غزة وخان يونس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما لا يقل عن 107 من مدارس الأونروا – أي ما يعادل 57 في المائة من مدارس الوكالة – تندرج أيضا ضمن هذه الفئة، بالإضافة إلى 73 في المائة من المدارس الحكومية و55.8 في المائة من المدارس الخاصة في القطاع.
كما أفاد التقرير باستخدام 320 مبنى مدرسيا في غزة كملاجئ من قبل النازحين الذين فروا من منازلهم، وأن 188 من تلك الملاجئ أصيبت أيضا بشكل مباشر أو تضررت.
ولتسليط الضوء على حجم تأثير الصراع، أشار تقرير مجموعة التعليم إلى أن أكثر من 625 ألف طالب وطالبة و22 ألف معلم ومعلمة كانوا يرتادون 563 مبنى مدرسيا قبل الحرب.
جدير بالذكر أن التقرير يعتبر أن المدرسة قد ضُربت بشكل مباشر عندما يصاب مبنى واحد على الأقل من مبانيها بشكل مباشر. كما يعتبر المدرسة متضررة عندما يتضرر موقع واحد على الأقل ضمن مسافة 30 مترا من مبنى المدرسة، مما قد يشير إلى أضرار جسيمة قد لحقت به.
أطفال غزة يتوقون إلى أيام الدراسة
ينظر تلاميذ في العاشرة من العمر إلى مدارسهم المدمرة في غزة ويتألمون بينما يتذكرون ما فقدوه من التعليم والوقت الذي قضوه مع الأصدقاء في أفنيتها بعد اندلاع الحرب قبل أكثر من ستة أشهر، والتي أصابتهم بصدمة.
وقال عابد القرا التلميذ بالصف الخامس بينما كان يتفقد الأضرار مع صديقه محمد الفجم في بني سهيلا بشرق مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة "كنا ندرس في هادول المدارس، كنا نلعب في الساحة وينزلولنا اللعب والكور، وكنا نطلع على الصفوف نلفلف ويجي علينا المدير يلفلف على الصفوف ويوزع علينا الكتب. كنا ننزل هناك ونشوف البني آدمين اللي رايحين ونقف على بوابة المدرسة. كنا عايشين يعني".
أحدث الرصاص ثقوبا في المباني وتناثرت الأوراق في الفصول الدراسية المدمرة وتمزقت الملصقات على الجدران وتلفت الكتب.
وكل هذا تذكير قاس بما فقده أولئك الذين يمثلون مستقبل غزة من تعليم وأحلام منذ اندلاع الصراع في السابع من أكتوبر تشرين الأول في القطاع المكتظ بالسكان الذي يعاني نقصا حادا في المياه والغذاء والدواء والرعاية الصحية.
تقول السلطات الصحية في غزة إن الهجوم الاسرائيلي أسفر عن مقتل اكثر من 33 ألف فلسطيني، وسوى جزءا كبيرا من مباني غزة بالأرض، بما في ذلك المدارس التي لها مكانة كبيرة في مجتمع يشكل فيه الأطفال حوالي نصف السكان البالغ عددهم 2.3 مليون في غزة.
وصار تلاميذ صغار متعطشون للتعلم يتساءلون ما إذا كانوا سيستطيعون حزم كتبهم والعودة إلى المدرسة مجددا. وسكان غزة كبارا وصغارا في حاجة ماسة لرؤية أي مؤشر على أن القتال سينتهي، لكن لا يوجد شيء.
وجلس المدرس محمد الخضري على الأنقاض وكتب على قطعة من الورق ما عبر فيه عن الخراب الهائل الذي أصاب منظومة التعليم بجميع مراحلها، من رياض الأطفال إلى الجامعات.
وقال "نحن نهيب بالجميع الاهتمام بالعملية التعليمية (في غزة) وإعادة التعليم إلى ما قبل الحرب".
ومع ذلك فإن البعض لم يفقد الأمل مثل محمد الفجم التلميذ بالصف الخامس.
وقال "أنا من الأوائل.. أجيب 98 أجيب 100.. كنت من الأوائل".
وأضاف "بدنا نعمل خيام وندرس فيها. وبدنا ندرس فيها الخيام إيش ما كان التمن هندرس فيها. شوف صفنا يا الله كيف انحرق شوف غرفة المدير اللي كان يجي منها الكتب وهالحلويات كان يوزع علينا كل حاجة وكان يوزع علينا ألعاب".
"بعدما كانت قلعة للعلم والتعليم، أصبحت الآن للإيواء"، هكذا وصف أيمن إبراهيم جودة الذي كان يُدرس مادة الرياضيات لطلاب الصف الخامس في مدرسة دير البلح الابتدائية ( أ )، حال مدارس الأونروا الذي تبدل.
كما أن جودة لم يعد يعمل مدرسا في خضم الظروف التي يمر بها القطاع، فقد "انتقل من مهنة التدريس إلى مساعدة النازحين، وتقديم المساعدات العينية والتغذية بالإضافة إلى الإجابة عن استفسارات النازحين الذين ينزحون من مناطق شمال ووسط غزة إلى مدينة دير البلح".
وقال جودة لمراسل أخبار الأمم المتحدة في غزة زياد طالب، الذي زار مركز الإيواء في مدرسة ذكور دير البلح الإعدادية، إن ساحة المدرسة تعج بالخيام التي تؤوي النازحين، بعد أن كانت تلك الساحة مخصصة "لحصص الرياضة التي كان الطلاب يمرحون ويلعبون فيها".
عبد الرحمن الشامي، مدرس آخر يعمل في مركز الإيواء في دير البلح، بعد أن نزح من مدينة غزة في أعقاب اندلاع الأعمال العدائية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقال الشامي لمراسلنا إن الحياة قبل التصعيد "كانت راقية، وكنا نقدم خدمات تعليمية جيدة". لكنه أضاف أنهم أصبحوا الآن نازحين في تلك المنطقة بعد أن اضطروا للنزوح جنوبا.
وأكد أن "الحياة هنا صعبة ومريرة. نتمنى أن نعود إلى الحياة السابقة والحياة الأفضل".
إحدى الفتيات التي نزحت مع أسرتها إلى مركز الإيواء في دير البلح تقول إنها حُرمت من مدرستها ودراستها، بعد أن كانت تتطلع لتحقيق حلمها في أن تكون صحفية عندما تكبر، وهو أمل كان يراودها منذ نعومة أظفارها.
وتحدثت عن الوضع الذي يعيشونه الآن حيث لا تتوافر مياه نظيفة مثلما كان الحال من قبل، علاوة على البرد والأمطار لا سيما أنهم يعيشون في خيمة.
مراهق آخر تحدث عن فقدان مدرسته التي كان يدرس ويلعب فيها، لكنها "دُمرت"، قبل أن ينزح مع أهله إلى دير البلح.
طفلة صغيرة أخرى- تحدث معها مراسلنا- أصبح مركز الإيواء مسكنها هي وأهلها، قالت إنها تتمنى أن يعودوا إلى بيوتهم "وترجع الحياة طبيعية، ونرجع للمدرسة".
ما يحدث في غزة حرب على الأطفال
وكان نائب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تيد شيبان قد قال سابقا إن "قتل الأطفال يجب أن يتوقف فورا" في قطاع غزة، مجددا التنبيه إلى أن ما يحدث هناك هو "حرب على الأطفال".
وقال شيبان إنه التقى أثناء زيارته بأطفال وعائلاتهم ممن "يعانون بعضا من أفظع الظروف التي رأيتها على الإطلاق".
بدوره، قال المفوض العام لوكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فيليب لازاريني إنه في كل مرة يزور غزة، يشهد " كيف غرق الناس أكثر في اليأس، حيث الكفاح من أجل البقاء يستهلك كل ساعة". ووصف الوضع في رفح قائلا إنها مزدحمة "لدرجة أن المرء بالكاد يستطيع قيادة سيارة وسط بحر من الناس".
وأشار إلى أنه على مدى 100 يوم، انتقل سكان غزة من "الصدمة المطلقة لفقدان كل شيء، وفي بعض الحالات كل فرد من أفراد أسرهم، إلى كفاح منهك للبقاء على قيد الحياة وحماية أحبتهم".
وقال لازاريني إن الانقطاع الطويل والمتكرر في وسائل الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت والهواتف المحمولة، "يزيد من المحنة" حيث يشعر الناس بأنهم معزولون عن بقية العالم، مضيفا أن "الحصار هو القاتل الصامت للكثيرين".
بدورها حذرت خبيرة بالأمم المتحدة من مخاطر انتشار الأمراض النفسية بين سكان غزة بعد سنوات من الآن بسبب الصراع الدائر حاليا.
وقالت تلالنج موفوانج المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة ”بطبيعة الحال، نرى الإصابة الجسدية، ولأنها جسدية، يمكن للمرء أن يقدر مدى خطورتها.
“لكن الألم النفسي الحاد الذي سيتحول بعد ذلك إلى رهاب وأنواع أخرى من الأمراض النفسية في مرحلة لاحقة من الحياة هو أمر مهم حقا للبدء في وضعه في الاعتبار”.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في فبراير شباط أن تقديراتها تشير إلى أن 17 ألف طفل في غزة انفصلوا عن عائلاتهم خلال الصراع، وأن جميع الأطفال تقريبا في القطاع يُعتقد أنهم بحاجة إلى دعم فيما يتعلق بالصحة النفسية.
وأدت العملية العسكرية الإسرائيلية إلى تدمير المستشفيات في جميع أنحاء القطاع، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الذي كان أكبر مستشفى في قطاع غزة قبل الحرب، فضلا عن مقتل وإصابة العاملين في المجال الصحي.
وقالت موفوانج “دُمرت المنظومة الصحية في غزة بالكامل، كما تم محو الحق في الصحة على جميع المستويات.
“الظروف الملائمة لوصول الجميع إلى أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والنفسية غير متوفرة”.
وأضافت موفوانج أنها تشعر بقلق إزاء خطر الأمراض المنقولة عبر المياه والهواء ونقص الإمدادات الطبية وخدمات الصحة الإنجابية والنفسية في قطاع غزة.
اضف تعليق