تُعدّ ظاهرة النينو المناخية أحد أبرز التحديات الجديدة أمام سوق الغاز العالمية، التي لم تنعم بالاستقرار الكامل منذ الحرب الروسية الأوكرانية، ما يضيف المزيد من الغموض حول التحركات المستقبلية، وتوقّع تقرير حديث أن استمرار هذه الظاهرة المناخية قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الغاز خلال فصل الشتاء المقبل (2023-2024) في آسيا وأوروبا -كونها ستجعل الشتاء أكثر دفئًا-...
بقلم: وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار
تُعدّ ظاهرة النينو المناخية أحد أبرز التحديات الجديدة أمام سوق الغاز العالمية، التي لم تنعم بالاستقرار الكامل منذ الحرب الروسية الأوكرانية، ما يضيف المزيد من الغموض حول التحركات المستقبلية، وتوقّع تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- أن استمرار هذه الظاهرة المناخية قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الغاز خلال فصل الشتاء المقبل (2023-2024) في آسيا وأوروبا -كونها ستجعل الشتاء أكثر دفئًا-، لكن في المقابل ستحدث اختناقات بسلاسل توريد الغاز نتيجة حالات الجفاف والأعاصير، واستنادًا إلى اتجاهات ظاهرة النينو خلال السنوات الـ10 الماضية، فإنها قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه سطح البحر وتزيد الاحترار العالمي في الغلاف الجوي، ما ينتج عنه ظواهر مناخية، مثل الأعاصير والفيضانات.
وبحسب ما نقله تقرير منصة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس المتخصصة (BloombergNEF)، عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تعود ظاهرة النينو المناخية إلى الظهور في المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ للمرة الأولى منذ 7 سنوات، وتحديدًا في عام 2016.
النينو تزيد تقلبات سوق الغاز
يرى التقرير أن ظاهرة النينو المناخية تنذر بتحديات جديدة لاستقرار سوق الغاز العالمية، التي تعاني في الوقت الراهن من توازن "هش"، بعد تقلبات حادّة شهدتها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقد تؤدي ظاهرة النينو إلى تفاقم الأعاصير وحالات الجفاف، الأمر الذي يؤثّر في الطلب، ويؤخر وصول شحنات الغاز إلى وجهتها بالمواعيد المحددة؛ ما يُحدث مزيدًا من التقلبات في أسعار الغاز العالمية.
ويشير التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء نتيجة ظاهرة النينو المناخية يمهّد الطريق لحدوث أنماط مناخية أكثر اضطرابًا، مثل الفيضانات والجفاف، فعلى سبيل المثال، تؤدي الظاهرة إلى شتاء أكثر دفئًا في معظم أنحاء آسيا وغرب كندا، وفي المقابل هطول المزيد من الأمطار بجنوب الصين والولايات المتحدة.
وخلال فصل الصيف، تتسبب الظاهرة المناخية بتعرُّض دول مثل أستراليا والهند وإندونيسيا والفلبين إلى الجفاف، واحتراق الغابات في أميركا الوسطى، إذ تصبح أكثر حدة مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ووفقًا للتقرير، كان شهرا يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيان الأكثر سخونة على الإطلاق، الأمر الذي زاد من الضغط على شبكات الكهرباء عالميًا؛ لمواكبة ارتفاع الطلب لأغراض التبريد، ومن ثم زيادة استهلاك الغاز، وشهدت الصين ارتفاع معدل استهلاك الغاز في محطات الكهرباء لأعلى مستوياته على الإطلاق خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2023، لتلبية الطلب المتزايد على التبريد.
توقعات الطلب على الغاز
توقعت بلومبرغ نيو إنرجي أن يقلّ الطلب على الغاز الطبيعي بمقدار 2.2 مليار متر مكعب، أو ما يعادل 1.6 مليون طن متري من الغاز المسال خلال فصل الشتاء المقبل، إذا كان تأثير ظاهرة النينو المناخية مماثلًا لما حدث خلال السنوات الـ10 الأخيرة.
وعند توسيع الإطار الزمني، بالمقارنة مع الـ30 عامًا الماضية، فإن درجات الحرارة في فصل الشتاء خلال السنوات التي شهدت ظاهرة النينو المناخية كانت أقلّ من متوسط السنوات الـ10 الأخيرة، الأمر الذي يشير إلى تزايد تأثيرات الاحتباس الحراري في المناخ.
وبناءً على ذلك، فإن متوسط الطلب على الغاز الطبيعي قد يرتفع بمقدار 3.4 مليار متر مكعب، مقارنة بالحالة الأساسية، إذ اتّبعت ظاهرة النينو الاتجاهات نفسها، التي حدثت في الـ30 عامًا الماضية، وتؤدي حالات الجفاف الناتجة عن تلك الظاهرة إلى تضرّر ممرات شحن الغاز الطبيعي المسال، نتيجة انخفاض مستويات المياه بسبب الطقس الجاف، ما ينتج عنه اختناقات في الشحن، ومنها -على سبيل المثال- ما شهدته قناة بنما التي تعدّ أكثر ممرات السفن ازدحامًا عالميًا.
ومن المتوقع أن تكون ناقلات الغاز المسال الطبيعي الأميركية المتجهة إلى آسيا هي الأكثر تضررًا، وتمثّل 20% من إجمالي تجارة سوق الغاز العالمية، وكانت قناة بنما قد أصدرت تحذيرات من أن ازدحام المرور البحري قد يستمر حتى عام 2024، بسبب انخفاض منسوب المياه الناتج عن الجفاف.
تضرر الدول المعتمدة على الطاقة المائية
على النقيض، تضطر العديد من الدول إلى زيادة استعمال الغاز الطبيعي بسبب الطقس الجاف الناجم عن ظاهرة النينو المناخية، الذي يؤدي إلى انخفاض توليد الكهرباء عبر الطاقة المائية، وعلى سبيل المثال، ارتفعت واردات كولومبيا من الغاز الطبيعي المسال لتعويض انخفاض قدرات توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية بسبب الجفاف، خاصة أنها تمثّل ثلثي سعة التوليد في البلاد.
وشهدت أول 8 أشهر من العام الجاري (2023) استيراد كولومبيا نحو 0.3 مليون طن (0.41 مليار متر مكعب) من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يتجاوز 3 أمثال الكمية المستوردة خلال المدة نفسها من عام 2022.
*مليون طن متري من الغاز المسال يعادل 1.36 مليار متر مكعب.
وحذّرت بلومبرغ نيو إنرجي من أن زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال من المستوردين الصغار، مثل كولومبيا، قد يتسبب في تشديد غير متوقع بإمدادات سوق الغاز العالمية قبل فصل الشتاء، نتيجة زيادة الطلب على الشحنات الفورية.
اضف تعليق