في الفترة التي سبقت الانتخابات تمَلَّك المعارضة شعور بأنها نالت أفضل فرصها حتى الآن لإسقاط أردوغان بدعم من استطلاعات الرأي التي أظهرت أنه يتخلف عن منافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو. لكن النتائج تشير إلى أن أردوغان وحزبه نجحا في حشد الناخبين المحافظين على الرغم من أزمة غلاء المعيشة...
حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقدما مريحا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بينما يواجه منافسه مهمة شاقة لمنعه من تمديد حكمه لعقد ثالث في جولة الإعادة.
وتتّجه تركيا الاثنين للمرة الأولى في تاريخها نحو جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية، في أعقاب جولة أولى متنازع عليها. ويتعيّن أن يتقرّر في 28 أيار/مايو فوز الرئيس رجب طيب إردوغان أو منافسه الرئيسي كمال كيليتشدار أوغلو.
ويأتي ذلك فيما لا يزال من المنتظر صدور النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت الأحد. وتوافَد 64 مليون ناخب تركي على صناديق الاقتراع، حيث بلغت النسبة الأولية للمشاركة 90 في المئة.
بعد فرز أكثر من 99 في المئة من الأصوات، حصل إردوغان على 49,4 في المئة من الأصوات في مقابل 44,95 في المئة لخصمه الرئيسي الاشتراكي الديموقراطي، وهي نتيجة أفضل من المتوقّع للرئيس مقارنة باستطلاعات الرأي الأخيرة.
لكن هذه النتيجة غير مناسبة لمعسكر المعارضة الذي دعا في الأسابيع الأخيرة إلى "الانتهاء (من الانتخابات) من الجولة الأولى"، كما أكّد مساء الأحد أنه "في الصدارة".
وقال كيليتشدار أوغلو الذي يرأس تحالفاً واسعاً من ستة أحزاب معارضة، "إذا كانت أمّتنا تريد جولة ثانية، إذاً سننتصر في الجولة الثانية"، مشيراً إلى أنّ "الرغبة في التغيير في المجتمع أكبر من 50 في المئة".
كذلك، تحدّث إردوغان ليلاً أمام حشد من أنصاره. وقال الرئيس الموجود في الحكم منذ العام 2003 "أنا أؤمن من أعماق قلبي بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة".
وكان أعيد انتخاب إردوغان في العام 2018 من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.
وكان قد ضاعف في الأسابيع الأخيرة الوعود الانتخابية لمحاولة التخفيف من التضخّم المرتفع للغاية الذي يضرب البلاد.
في هذه الأثناء، يسير حزب "العدالة والتنمية" التابع للرئيس وحلفاؤه على المسار الصحيح للاحتفاظ بالغالبية في البرلمان.
لكن في ظلّ أجواء عدم اليقين، انخفض المؤشّر الرئيسي لبورصة اسطنبول بنسبة 4 في المئة الإثنين.
إردوغان سيفوز
على بعد عدّة أمتار، قال حمدي كرم محمود (40 عاماً) الذي يعمل في قطاع السياحة، إنّ "طيب إردوغان سيفوز. إنه قائد حقيقي، الأتراك يثقون به ولديه رؤية لتركيا".
وأضاف "بالتأكيد، هناك أشياء يجب أن تتحسّن، في الاقتصاد أو التعليم أو سياسة استقبال اللاجئين. لكننا نعلم أنّه الشخص الذي يمكنه إصلاح كلّ هذا". خاض المعسكران معركة الأرقام حتّى الليل، كما أمرا مراقبيهم بالبقاء في مراكز تعداد الأصوات "حتى النهاية".
واعترض معسكر كيليتشدرا أوغلو مباشرة على الأرقام الأولية التي منحت إردوغان تقدّماً مريحاً، مؤكداً أن نتائج مراكز الاقتراع الأكثر ملاءمة لمرشّح المعارضة لم تُحسب بعد، خصوصاً بسبب الطعون المتعدّدة.
ورأت صحيفة "صباح" الموالية للحكومة، أن تصّدر الرئيس المنتهية ولايته نتائج الجولة الأولى "يعدّ نجاجاً كبيراً".
وتراجعت الأصول التركية بعد أنباء حصول أردوغان على أقل قليلا من نسبة 50 بالمئة المطلوبة ليتجنب البلد العضو في حلف شمال الأطلسي جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية التي يُنظر إليها على أنها استفتاء على حكمه السلطوي.
ورحبت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة بالنتيجة إذ ذكرت صحيفة يني شفق أن "الشعب انتصر"، في إشارة إلى تحالف الشعب بزعامة أردوغان الذي يبدو أنه فاز بأغلبية في البرلمان مما قد يمنح أردوغان ميزة حاسمة في جولة الإعادة الرئاسية.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها أمام أنصاره المبتهجين في مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية في العاصمة أنقرة ليلة الأحد "الفائز هو بلا شك بلدنا".
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات تمَلَّك المعارضة شعور بأنها نالت أفضل فرصها حتى الآن لإسقاط أردوغان بدعم من استطلاعات الرأي التي أظهرت أنه يتخلف عن منافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو. لكن النتائج تشير إلى أن أردوغان وحزبه نجحا في حشد الناخبين المحافظين على الرغم من أزمة غلاء المعيشة.
وتعهد كليتشدار أوغلو ممثل تحالف المعارضة السداسي بالفوز في جولة الإعادة واتهم حزب أردوغان بالتدخل في إحصاء النتائج وإعلانها، داعيا أنصاره إلى التحلي بالصبر.
انتخابات محورية
من شأن تمديد حكم أردوغان أن يثير قلق نشطاء الحقوق المدنية الذين يدعون لإصلاحات لاحتواء الضرر الذي يقولون إنه ألحقه بالديمقراطية.
وقد يمهد فوز المعارضة الطريق أمام الإفراج عن آلاف السجناء السياسيين والناشطين.
وتراجعت الأسهم التركية واستقرت الليرة قرب أدنى مستوى لها في شهرين وانخفضت السندات السيادية الدولارية وارتفعت تكلفة التأمين على الانكشاف على ديون البلاد.
وتحظى الانتخابات بمتابعة وثيقة في أوروبا وواشنطن وموسكو، وأيضا في أنحاء المنطقة حيث سعى أردوغان إلى ترسيخ نفوذ بلاده بينما يوطد روابطها مع روسيا مما أدى لتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة حليفتها التقليدية.
وأردوغان هو أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيسيين، وقد يعزز أداؤه القوي في الانتخابات موقف الكرملين لكنه سيثير على الأرجح حفيظة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والعديد من قادة أوروبا والشرق الأوسط الذين ساد التوتر علاقاتهم مع أردوغان.
وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات التركية أحمد ينر إنه بعد فرز 99 بالمئة من صناديق الاقتراع تقدم أردوغان بنسبة 49.4 بالمئة من الأصوات في حين حصل كليتشدار أوغلو على 44.96 بالمئة وإن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 88.8 بالمئة.
وقال جاليب دالاي الزميل المساعد لدى تشاتام هاوس إن تحالف أردوغان الحاكم سيدخل الجولة الثانية "بمزايا عددية ونفسية".
وأضاف دالاي "من المرجح خلال فترة الحملة التي تسبق جولة الإعادة أن يركز الرئيس أردوغان على (مسألة) الاستقرار لأنه يحتفظ بالفعل بالأغلبية في البرلمان".
صانع الملوك
ستعتمد نتيجة الجولة الثانية جزئياً على رجل ثالث هو سنان أوغان (قومي)، الذي فاز بحوالى 5 في المئة من أصوات الجولة الأولى، غير أنّه لم يدعو بعد مناصريه إلى دعم أحد المرشّحَين.
وقال محللون إنه يمكن أن يلعب دور "صانع الملوك" في جولة الإعادة إذا قرر دعم أحدهما.
في منطقة سيشانه في اسطنبول، انقسمت الآراء صباح الاثنين بشأن الحكم الذي من المتوقّع أن يصدر من صناديق الاقتراع في 28 أيار/مايو.
فرأت بتول يلماز (26 عاماً)، أنّ "كيليتشدار أوغلو يمكن أن يفوز إذا ما أقام تحالفاً مع سنان أوغان". لكنّها أضافت أنّ النتائج قد "تكون متقاربة".
بدوره قال سنان أوغان، المرشح القومي الذي حل في المركز الثالث في انتخابات الرئاسة التركية، إنه لا يمكن أن يدعم مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة إلا إذا وافق على عدم تقديم تنازلات لحزب مؤيد للأكراد.
وحصل أوغان فقط على 5.2 بالمئة من الأصوات في انتخابات يوم الأحد. وقال أوغان لرويترز في مقابلة يوم الاثنين "سنتشاور مع قاعدة ناخبينا قبل التوصل لقرار حول جولة الإعادة، لكننا أوضحنا أن محاربة الإرهاب وإعادة اللاجئين ’خطوط حمراء’".
كليتشدار أوغلو يواجه مأزقا
مع تعثر الاقتصاد التركي وبعد حصوله على تأييد ستة أحزاب، بدا كمال كليتشدار أوغلو مفعما بالثقة قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد متوقعا فوزه بها وبزوغ فجر "ربيع" جديد لتركيا بعد عقدين تولى فيهما رجب طيب أردوغان مقاليد السلطة في البلاد.
لكن آماله في القيادة نحو حقبة جديدة تبددت بعد أن أظهرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تقدم أردوغان، بصورة تجعل من الصعب على مرشح المعارضة تحقيق النصر في جولة الإعادة المقررة في 28 مايو أيار.
ويحمل كليتشدار أوغلو، رئيس أكبر حزب معارض في تركيا، آمال ناخبين يتشوقون ليوم يرون فيه نهاية لحكم أردوغان الاستبدادي.
ورغم افتقاره إلى الكاريزما التي يتمتع بها منافسه، سعى كليتشدار أوغلو لحشد أصوات الناخبين من خلال برنامج انتخابي شامل وإطلاق الوعود ببدء حقبة ديمقراطية جديدة للبلد الذي يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة، بما في ذلك العودة إلى نظام الحكم البرلماني واستقلال السلطة القضائية التي يقول منتقدون إن أردوغان استخدمهما في قمع المعارضة.
كما وعد بإنهاء السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي يقول منتقدو أردوغان إنها تسببت في ارتفاع التضخم وأزمة غلاء المعيشة التي استنزفت شعبيته، إلى جانب استعادة العلاقات الطيبة مع الغرب.
ولم يظهر كليتشدار أوغلو (74 عاما) أي علامة تدل على استسلامه بعد نتائج الجولة الأولى يوم الأحد، متهما حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بالتدخل في فرز الأصوات وإعلان النتائج وهو ما نفاه الحزب.
وقال كليتشدار أوغلو لأنصاره مع بدء إعلان النتائج "رغم كل الافتراءات والشتائم، لم يحصل أردوغان على النتيجة التي كان يتوقعها".
وأضاف "الفوز في الانتخابات لا يكون من الشرفة"، في إشارة إلى الخطاب الاحتفالي الذي ألقاه أردوغان لمؤيديه من شرفة مقر حزبه.
وتابع قائلا "إذا قالت أمتنا إنه ستكون هناك 'جولة ثانية' فليكن ذلك. سنفوز بالتأكيد في هذه الانتخابات في الجولة الثانية. سيرى الجميع ذلك".
ويقول منتقدون إن كليتشدار أوغلو -الذي سخر منه أردوغان بعد تعرضه لهزائم متكررة في الانتخابات كرئيس لحزب الشعب الجمهوري- يفتقر إلى قدرة خصمه على الحشد ولا يمتلك رؤية واضحة لحقبة ما بعد أردوغان.
ويعلق كليتشدار أوغلو آماله في الفوز على فوز المعارضة في 2019 عندما هزم حزب الشعب الجمهوري حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان في إسطنبول ومدن كبيرة أخرى في الانتخابات المحلية، وذلك بفضل دعم ناخبي أحزاب المعارضة الأخرى.
وسعى كليتشدار أوغلو إلى حشد الأتراك من مختلف الأطياف في تحالف يضم قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين. وتساءل منتقدون عما إذا كان بإمكانه الحفاظ على مثل هذا التحالف في حالة الفوز في الانتخابات.
وعمل كليتشدار أوغلو قبل دخوله عالم السياسة في وزارة المالية ثم شغل منصب رئيس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية خلال معظم فترة التسعينيات. ودأب أردوغان في خطاباته على انتقاد أداء كليتشدار أوغلو عندما كان في ذلك المنصب.
كان كليتشدار أوغلو خبيرا اقتصاديا وأصبح نائبا في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري في عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة لأول مرة. وحزب الشعب الجمهوري المنتمي ليسار الوسط هو حزب أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، ويجد صعوبات في محاولة تجاوز أصوله العلمانية والتقرب من المحافظين.
وتحدث كليتشدار أوغلو خلال السنوات الماضية عن الرغبة في مداواة الجروح القديمة مع المسلمين المتدينين والأكراد.
وصعد كليتشدار أوغلو إلى صدارة المشهد في حزب الشعب الجمهوري باعتباره مناهضا للفساد، وظهر على شاشة التلفزيون ملوحا بملفات أدت إلى استقالات لمسؤولين رفيعي المستوى. وبعد عام من خسارته سباقا على رئاسة بلدية اسطنبول، انتُخب زعيما للحزب في عام 2010 دون أي منافسة وهو ما عزز آمال الحزب في بداية عهد جديد.
لكن التأييد لحزب الشعب الجمهوري فشل منذ ذلك الحين في أن يتجاوز حاجز 25 بالمئة. وكان حزب العدالة والتنمية قد حصل على 43 بالمئة في أحدث انتخابات برلمانية عام 2018.
لكن البعض يرون أن كليتشدار أوغلو أدخل بعض الإصلاحات على الحزب وهمش "الكماليين" المتشددين، بينما ساند أعضاء يُنظر إليهم على أنهم أكثر التزاما بقيم الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية.
ويقول منتقدون إنه أخفق في إضفاء المرونة على حزب الشعب الجمهوري وفرض نفسه في النهاية مرشحا رئاسيا متجاوزا آخرين أظهرت استطلاعات الرأي أنهم أفضل منه في مواجهة أردوغان.
وُلد كليتشدار أوغلو في إقليم تونجلي بشرق البلاد، وينتمي إلى الطائفة العلوية وهم أقلية تنتشر فيها أفكار شيعية وصوفية وتقاليد منطقة الأناضول. ويغلب السنة على سكان تركيا.
ويطلق الإعلام التركي عليه لقب "غاندي كمال" نظرا للشبه الكبير بينه وبين السياسي الهندي الراحل، المهاتما غاندي، بسبب نظارته الطبية ومظهره البسيط. ونال كليتشدار أوغلوا استحسانا كبيرا من الناس في عام 2017 عندما أطلق "مسيرة من أجل العدالة" لمسافة 450 كيلومترا من أنقرة إلى إسطنبول بسبب اعتقال نائب من حزب الشعب الجمهوري.
أوجه قصور في الانتخابات
بدوره دعا جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تركيا يوم الثلاثاء إلى معالجة أوجه قصور في العملية الانتخابية أشارت إليها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وأضاف في بيان "نلاحظ النتائج والاستنتاجات الأولية للبعثة الدولية لمراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا وندعو السلطات التركية إلى معالجة أوجه القصور المذكورة.
"يولي الاتحاد الأوروبي أهمية قصوى لضرورة إجراء انتخابات شفافة وشاملة وذات مصداقية في ساحة منافسة متكافئة".
وقال مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن اللجنة العليا للانتخابات في تركيا أظهرت أنها لا تتمتع بالشفافية في إدارتها للانتخابات يوم الأحد، وإن التغطية الإعلامية الحكومية المنحازة للانتخابات تعد مبعث قلق.
وذكر وفد من المنظمة أن الرئيس رجب طيب أردوغان والأحزاب الحاكمة في البلاد تمتعوا بامتيازات غير مبررة على أحزاب المعارضة التي واجهت ظروفا غير متكافئة في أثناء حملتها الانتخابية.
وأصدرت هذه النتائج بعثة مراقبة مشتركة تضم مكتب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان والجمعية البرلمانية لنفس المنظمة والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
وقال السفير يان بيترسن رئيس بعثة مراقبة الانتخابات من مكتب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في مؤتمر صحفي بأنقرة يوم الاثنين "يؤسفني أن أقول إن إدارة الانتخابات كانت تفتقر إلى الشفافية، فضلا عن الانحياز الواضح في وسائل الإعلام العامة والقيود المفروضة على حرية التعبير".
وذكر بيترسن أن الانتخابات العامة كانت "سلمية في الغالب" رغم وقوع عدد من الحوادث وأن اللجنة العليا للانتخابات عملت بكفاءة. وأشاد الوفد بالإقبال الكبير مشيرا إلى أنه مؤشر واضح على "الروح الديمقراطية القوية".
وجاء في تقرير البعثة الدولية لمراقبة الانتخابات أن "عملية التعامل مع الشكاوى على جميع مستويات إدارة الانتخابات تفتقر إلى الشفافية، وقرارات اللجنة العليا للانتخابات التي نشرت لم تكن مؤيدة بمبررات كافية بشكل عام".
وأعلنت اللجنة العليات للانتخابات إجراء جولة إعادة في 28 مايو أيار بين أردوغان ومنافسه المعارض كمال كليتشدار أوغلو بعدما أخفق كلا المرشحين في الحصول على نسبة 50 بالمئة اللازمة للفوز في الانتخابات الرئاسية. ومع فرز 99 بالمئة من صناديق الاقتراع، تقدم أردوغان بحصوله على 49.4 بالمئة من الأصوات على كليتشدار أوغلو، الذي حصل على 44.96 بالمئة من الأصوات.
وقالت البعثة، التي نشرت 401 مراقبا من 40 دولة في جميع أنحاء تركيا، إن حزب اليسار الأخضر الموالي للأكراد تعرض لترهيب واسع النطاق بدون أن تحدد المسؤول عن ذلك. وأضافت دون الخوض في تفاصيل أن بعض السياسيين المعارضين يخضعون لقيود.
ودعا الوفد السلطات إلى اتخاذ خطوات ملموسة لضمان زيادة إقبال الناخبين في المدن المتضررة من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا في فبراير شباط.
وقالت بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إنها ستولي اهتماما كبيرا لجولة إعادة الانتخابات الرئاسية في 28 مايو أيار.
إقبال كبير على التصويت
وصوت الناخبون وإجمالي عددهم 64 مليونا لاختيار أعضاء برلمانهم أيضا في جميع أنحاء هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة ويشهد تقليديا إقبالا على التصويت يتمثل بنسب مشاركة تزيد على ثمانين في المئة.
في أجواء احتفالية في هذا اليوم المصادف عيد الأمهات في تركيا، حضر الناخبون الى مكاتب الاقتراع في أجواء جيدة.
حتى قبل بدء عمليات التصويت، امتدت طوابير طويلة الأحد أمام مراكز الاقتراع في المدن الكبرى في تركيا وبين المقترعين سيلا البالغة من العمر 19 عاما والتي قالت "كانوا موجودين منذ أن ولدت، أريد التغيير!".
تلتقط سيرين (19 عاما) التي تحضر لامتحانات الجامعة صور سيلفي مع بطاقتها الانتخابية وتقول عن تصويتها للمرة الأولى "انا متحمسة جدا، لذلك جئت في هذا الوقت الباكر".
يرفض عدد من الأشخاص المعارضين للنظام ذكر كنيتهم في بلد يخشى فيه من الانتقام.
ثمة خمسة ملايين ناخب على غرار هاتين الشابتين، يصوتون للمرة الأولى في هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ويصل عدد الناخبين المسجلين في تركيا إلى 64 مليون ناخب في حوالى 200 الف مكتب اقتراع، بعضهم مصممون على "استعادة كرامتهم" والبعض الآخر على "المضي قدما" بين السأم والأمل والخوف من الغد.
تدلي نوركا سوير وهي تضع الحجاب بصوتها في حي أوسكودار المحافظ المؤيد للرئيس المنتهية ولايته على الضفة الاسيوية من البوسفور في اسطنبول، موضحة "أقول +استمروا+ مع اردوغان".
في هذا الحي صوت رجب طيب إردوغان ظهرا وسط حماية مشددة من الشرطة.
وقالت "كنا في ظل حكم جيد وستتحسن الأمور" رغم الأزمة الاقتصادية.
من جهته يقول رجب توركتان (67 عاما)، "ما يهم هو ألا تنقسم تركيا" التي تعد 85 مليون نسمة وتشهد انقساما عميقا.
من الجانب الآخر من البوسفور في شوارع منطقة شيشلي الأوروبية تظهر رغبة أيضا في الوحدة. وتقول هاندي تيكاي (55 عاما) "سواء كنا متدينين أو علمانيين أو شيوعيين أو غير ذلك، يجب أن نعيش جميعنا معا بوئام".
وقالت هاندي تيكاي (55 عاما) في حي شيشلي الراقي في اسطنبول "الاقتصاد ليس أولوية، يجب أن نبدأ بالمواضيع الأساسية: إعادة حقوق الإنسان والديموقراطية واستعادة كرامتنا".
الى جانبها قال ألفي أمينتشي"لتبسيط الأمور، نريد الثورة الفرنسية: +مساواة، حرية، أخوة+ لأن كل هذا فقد في السنوات العشرين الماضية".
وأدلت نوركا سوير بصوتها وهي تضع الحجاب في حي أوسكودار المحافظ المؤيد للرئيس المنتهية ولايته على الضفة الاسيوية من البوسفور في اسطنبول، موضحة "أقول: استمروا مع إردوغان".
وكشفت استطلاعات الرأي أن خطاباته القصيرة والهادئة خلافا لما يعبر عنه إردوغان من غضب وشتائم، أقنعت غالبية 5,2 ملايين شاب تركي سيصوتون للمرة الأولى.
وقال الخبير السياسي أحمد إنسل الذي يقيم في باريس إن "هزيمة إردوغان ستظهر أنه يمكننا الخروج من نظام استبدادي راسخ، عبر صناديق الاقتراع".
من جهته، قال بيرم بالسي الباحث في "مركز الدراسات الدولية-علوم سياسية" في باريس والمدير السابق للمعهد الفرنسي لدراسات الأناضول إن "فوز كيليتشدار أوغلو سيُظهر أنه يمكننا تحقيق انتقال سلس في بلد مسلم".
وتجري الانتخابات وسط متابعة دقيقة من الخارج لما قد يشكل "ربيعا تركيا"، إذ إن هذا البلد العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) يتمتع بموقع فريد بين أوروبا والشرق الأوسط وهو لاعب دبلوماسي رئيسي.
ألفي أمينتشي هو أحد آلاف المراقبين الذين أوفدهم حزب الشعب الجمهوري لمراقبة حسن سير الانتخابات. ويقوم هذا المتطوع الذي تدرب لثلاثة أشهر وتساعده محامية، بمراقبة الانتخابات في مدرسة أرمنية صغيرة في اسطنبول.
هناك في القاعة نصب تمثال برونزي لمصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية قبل مئة سنة.
كل شيء يسير حتى الآن بدون عوائق. يتشارك المراقبون القهوة والمعجنات وعلى الرصيف يتحدث ثلاثة شرطيين مع متقاعد أدلى بصوته للتو. بالقرب من هناك فرش بائعو أزهار باقاتهم على الأرصفة في هذا اليوم الذي يصادف عيد الأمهات في تركيا.
وقالت هاندي تيكاي "لن نحتفل في الشارع الليلة حتى لو فاز حزب الشعب الجمهوري، طُلب منا البقاء في المنزل لأن خطر العنف قائم. سواء كانت أخبارا كاذبة أم لا، سأنتظر النتائج في منزلي".
انطاكية المدمرة لن تصوت لإردوغان
وتبدو الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا هذا العام مختلفة عن سابقاتها "بسبب الزلزال والاقتصاد"، بحسب طوبال أوغلو.
ويقول المزارع والأب لأربعة أطفال الذي وقف عند مدخل مدرسة تحولت لمركز اقتراع "قمت بالتصويت لإردوغان في المرتين السابقتين، لكن لن أصوت له مرة اخرى حتى لو كان والدي".
واستقلت سمرة كاركاس وابنتها ايلين (23 عاما) الحافلة ل14 ساعة من أجل العودة للتصويت في انطاكية. ودمرت شقتهم في الزلزال المدمر الذي ضرب في السادس من شباط/فبراير الماضي. وتعيشان منذ ذلك الوقت في أنطاليا عند الساحل الجنوبي للبلاد.
وتقول الشابة التي تدرس الهندسة المعمارية "حتى قبل الزلزال، كان تصويتي محددا ولكنه تأكد بعد الزلزال".
وسيصوت أكثر من 5,3 ملايين شاب للمرة الأولى في الانتخابات التركية هذه العام، ويشعرون بالتضرر من الأزمة الاقتصادية والتضخم وانخفاض قيمة العملة.
وبحسب ايلين كاركاس فإن "الدولة لم تأت لمساعدتنا" مشيرة إلى أن الممثلين عن الدولة "وصلوا بعد ثلاثة أو أربعة أيام بعد" الكارثة.
وبحسب الشابة فإن عدد المقترعين لصالح إردوغان الذي يتولى السلطة منذ عشرين عاما، "سينخفض كثيرا" هذا العام في محافظة هاتاي حيث تقع انطاكية، وهي من أكثر المناطق تضررا من كارثة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.
وتتذكر والدتها سمرة بتأثر "الأطفال القتلى" بين الأنقاض في انتظار المساعدات التي لم تحضر، بسبب "البرد".
وأكدت "هذه الكارثة ستؤثر على التصويت".
ودخلت مجموعة من الشبان فناء المدرسة ويقول أحدهم بعد أن عرف عن نفسه باسم سركان "يجب أن يذهب طيب إردوغان!".
ويرى جميل كاناتشي أن "كل الانتخابات مهمة ولكن هذه الانتخابات أهم من غيرها بسبب الزلزال". وبحسب الرجل السبعيني فإنه "من الممكن" أن يصوت بشكل مختلف عن السابق.
وتتفق دريار دنيز (35 عاما) على هذه الانتخابات "أكثر أهمية" من سابقاتها.
وبالنسبة لهذه العاملة في المجال الطبي التي تعيش في خيمة مع ستة أشخاص آخرين منذ وقوع الزلزال فإنها تعرف الكثيرين الذين صوتوا دائما لإردوغان والذين لن يقوموا هذه المرة بالتصويت له، من دون معرفة إن كان هذا كافيا.
ولكنها تؤكد "حال سقطت هذه الحكومة، فإن (محافظة) هاتاي ستكون لعبت دورها" في ذلك.
اضف تعليق