حاملاً بيده مظاريف رصاصات وقعت قرب منزله، يتحدّث الرجل السبعيني مصطفى أحمد بحرقة عن معاناة سكان قريته هرور، الواقعة في أقصى شمال إقليم كردستان العراق، مع النزاع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني والذي بات يهدّد حياتهم وسبل معيشتهم، ويقول الرجل "يطلقون النار علينا وطائراتهم تحلّق فوق رؤوسنا باستمرار...
حاملاً بيده مظاريف رصاصات وقعت قرب منزله، يتحدّث الرجل السبعيني مصطفى أحمد بحرقة عن معاناة سكان قريته هرور، الواقعة في أقصى شمال إقليم كردستان العراق، مع النزاع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني والذي بات يهدّد حياتهم وسبل معيشتهم، ويقول الرجل "يطلقون النار علينا وطائراتهم تحلّق فوق رؤوسنا باستمرار"، مضيفاً "لم يعد باستطاعتنؤا الذهاب لمزارعنا أو رعي أغنامنا، أغلب سكان القرية غادروها". بحسب فرانس برس.
ومنذ عقود يرزح شمال العراق تحت وطأة النزاع المتواصل بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني. وعلى التلال الخضراء في إقليم كردستان، أنشأت تركيا عشرات المواقع العسكرية، فيما يتخذّ مقاتلو حزب العمال الكردستاني من تلك الجبال قاعدة خلفية لهم.
من منزله الصغير المزروعة أمامه شجرة جوز كبيرة يستظلّها، يستذكر أحمد سقوط قذيفة أمام بيته، قائلاً "تحولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق"، من بين أولاده الاثني عشر، غادر عشرة القرية الحدودية مع تركيا. ويروي أنه "من أصل 50 عائلة هم سكان هذه القرية الصغيرة، لم تتبق سوى 17 عائلة"، ويضيف "جميعهم تركوا بيوتهم ومزارعهم وغادروا خوفاً من عمليات القصف، ومن بقي ليس له مكان يذهب إليه. لم نعد نشعر بالأمان في بيوتنا".
ويؤكّد أنّ من بقي من سكّان القرية يعيشون في ظلّ هاجس الطائرات العسكرية التي تحلّق فوق رؤوسهم، وقصف المسيرات التركية الذي بات جزءاً من حياتهم اليومية، ويقول أحمد ناظراً إلى الجبال أمامه وبيده سيجارةً يقوم بلفّها "إنهم هناك فوق هذه الجبال حولنا، الآن هم يروننا ويعرفون ماذا نفعل"، ويضيف "نحن محاصرون من قبلهم ولا نستطيع التحرك بحرية والذهاب لرؤية مزارعنا المليئة بشتى صنوف الفاكهة من التفاح والخوخ والمشمش والتين والإجاص والدراق".
أصحاب الأرض
ويشنّ حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤه الغربيون بأنها "إرهابي"، تمرّداً على الأراضي التركية منذ العام 1984، لكن في شمال العراق، يشنّ الجيش التركي بشكل متكرر عمليات برية وضربات جوية ضدّ التنظيم.
وبعد أن اتّهمت حزب العمال الكردستاني بـ"اختراق" مطار السليمانية، ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق، أغلقت تركيا مجالها الجوي في مطلع نيسان/أبريل أمام الطائرات الآتية من المطار وتلك المتجهة إليه، وبعد ذلك بأيام، اتهم العراق تركيا بقصف استهدف محيط المطار، وفي هرور، وقف أديب موسى البالغ من العمر 60 عاماً والأب لعشرة أولاد، أمام شاحنته البيضاء استعداداً للذهاب إلى قرى بعيدة عن القصف، وقد وضع أغنامه وماشيته فيها ليطمئن عليها، ويقول موسى الذي يؤكّد أنّ زوجته أصيبت بجلطة قلبية بسبب الخوف من القصف إنّ "هذه هي السنة الثالثة على التوالي ونحن على هذه الحال. تركيا دخلت مناطقنا وطوّقت قريتنا، كأننا لسنا أصحاب هذه الأرض".
ويضيف بينما يسحب نفساً عميقاً من سيجارته أنّ "هذا المكان أصبح مخيفاً وحياتنا أصبحت صعبة جداً، فقد سقطت القنابل والشظايا والرصاصات على الكثير من المنازل التي تضررت"، وفي قطعة أرض صغيرة داخل القرية زرعت بأشجار الرمان، يعمل جاره مهفان أحمد البالغ من العمر 37 عاماً والأب لطفلين بسرعة قبل أن يحلّ الظلام، ويقول مهفان "نحاول إنجاز عملنا خلال النهار لأنه دائما وبعد حلول الظلام نسمع أصوات الطلقات النارية ودوي انفجار القنابل"، وأضاف بينما هو يصعد على سطح منزله الذي لا تزال آثار القصف ظاهرةً عليه "لقد آذونا كثيرا. نأمل من الحكومة أن تتدخل وتجد حلاً لهذه المشكلة كي يرحل الأتراك وتعود حياتنا إلى طبيعتها وأن يعود السكان الذين غادروا إلى قريتهم".
إلى الأبد
وتُتّهم بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان، بغضّ الطرف عن العمليات العسكرية حفاظاً على تحالفهما الاستراتيجي مع أنقرة، أحد أهمّ الشركاء التجاريين للعراق، مع ذلك، ومع كلّ تصعيد للعنف، تندّد الحكومة العراقية بانتهاك سيادة البلاد وبآثار هذا القصف على المدنيين، وفي تمّوز/يوليو 2022، استهدفت ضربات مدفعية نسبت إلى أنقرة منتجعاً سياحياً في كردستان العراق وأودت بتسعة مدنيين من بينهم نساء وأطفال. ونفت تركيا أيّ مسؤولية عن القصف واتّهمت حزب العمال الكردستاني بالوقوف خلفه.
وأصيب رمضان عبدالله البالغ من العمر 70 عاماً بجروح خطيرة في حزيران/يونيو 2021 بعد سقوط قنبلة على مزرعته عندما كان يعمل فيها. وطالت الإصابات أسفل ظهره وقدميه ويديه.
ويقول عبد الله الأب لأربعة أبناء إنّ "بعض الشظايا لم يستطع الأطباء إخراجها من قدمي التي لا تزال تؤلمني بشدة خصوصا أيام البرد حتى إني أصبحت أستعين بعكاز للخروج من المنزل وزيارة جيراني".
ولتسهيل علاجه، يقطن عبدالله الآن عند ابنه في زاخو المدينة التي تبعد نحو 9 كيلومترات عن الحدود، ويضيف "لو تأخّر إيصالي إلى المستشفى 20 دقيقة لكنت فارقت الحياة من كثرة الدماء التي سالت من جسمي، والناس تسألني متى ستعود إلى القرية... كيف لي أن أعود وأنا على هذه الحال"، ويتابع بينما يشير إلى صور على هاتفه المحمول ليوم إصابته ودخوله المستشفى أنّ "الأتراك آذونا كثيراً، وأملي من الله أن أغلق عيني وأفتحهما وقد غادر كل الجنود الأتراك قرانا وإلى الأبد".
اضف تعليق