لازال للصراع الاميركي الايراني، المستمر منذ عقود، تأثيراته السياسية – الامنية والاقتصادية على العراق والمنطقة. هذا الصراع اخذ انماط وصور، عدة وصاحبه متغيرات اقليمية ودولية عدة فاقمت منه تارة، وخففت وتيرته تارة اخرى. وكان عاملاً دافعا لتطورات ومستجدات عدة اقليمية ودولية وكان لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على المنطقة...
بحضور نخبة من المختصين والمهتمين بالشأن الدولي والعراقي، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية عقد حلقة نقاشية تحت عنوان: (الصراع الاميركي -الايراني وتأثيراته السياسية-الامنية، والاقتصادية في العراق سنة ٢٠٢٣) وذلك في يوم السبت الموافق ١١/ ٢/ ٢٠٢٣ في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، وقد سلط المشاركون الضوء على هذا الموضوع المهم والشائك من جوانب عديدة.
المشاركون في الحوار:
د. حميد الهلالي
السيد احمد جويد
د. قحطان حسين طاهر
السيد صلاح الجشعمي
م. م. حامد عبد الحسين الجبوري
السيد حيدر الجراح
نص التقرير:
لازال للصراع الاميركي الايراني، المستمر منذ عقود، تأثيراته السياسية – الامنية والاقتصادية على العراق والمنطقة. هذا الصراع اخذ انماط وصور، عدة وصاحبه متغيرات اقليمية ودولية عدة فاقمت منه تارة، وخففت وتيرته تارة اخرى. وكان عاملاً دافعا لتطورات ومستجدات عدة اقليمية ودولية وكان لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على المنطقة والعراق بشكل خاص.
بداية هناك حاجة الى بيان جذور واسباب الصراع، وهي جذور تعود الى ثمانينيات القرن الماضي عقب الثورة الاسلامية في إيران وصعود التيار الديني الاسلامي وتسلمه مهام الحكم في إيران، الامر الذي فجر مخاوف واشنطن من صعود المد الديني. كما ان ضمان امن الحلفاء في المنطقة وفي مقدمتهم "اسرائيل"، والحلفاء التقليدين مثل السعودية والامارات والبحرين وقطر والبحرين، فضلا عن الحاجة الى ضمان امن الطاقة العالمي في اهم مناطق توريد الطاقة في العالم.
فهم واشطن وطهران لضمان وحماية الامن القومي لبلديهما مختلف ومتعارض احيانا معينة، فواشنطن تنظر الى الامن العالمي على انه جزء من امنها القومي، في حين ترى طهران ان الامن الاقليمي جزء من الامن القومي الايراني، وهذا ما دفع إيران الى تعزيز قوتها العسكرية بعد اتفاقيات الحماية الامنية التي عقدت بين واشنطن وحلفائها في الخليج العربي عقب غزو العراق لدولة الكويت. وهذا التعارض بين مفهوم كل منهما لأمنه القومي والتهديدات والمخاطر التي تواجه امن كل منهما.
تعد واشنطن منطقة الشرق الاوسط واحدة من اهم المناطق بعد جنوب اسيا حيث الصين العدو الاسرع نمواً، التي تشغل حيزا مهما لدى صاع القرار الاميركي، وضمان امن المنطقة والتوازنات الاقليمية الهادفة الى تحقيق الامن الاقليمي، من اهم الاهداف لدى صانع القرار الاميركي. هذه الاهداف تتعارض مع الاهداف الايرانية التي تريد ان تصل الى التحكم في التوازنات الاقليمية وتكون لاعبا محوريا فيها لضمان مصالحها والحفاظ على امنها بالدرجة الاساس. وهذه التعارضات تمثل اسباب الصراع الاميركي الايراني في المنطقة.
هذا الصراع اتخذ من بعض دول المنطقة لبنان وسوريا واليمن، فضلا عن العراق ساحة له، واعتمدت كل من إيران والولايات المتحدة وسائل عدة تراوحت بين القوة الخشنة والقوة الناعمة.
العقوبات الاقتصادية كانت السلاح الابرز لواشنطن ضد إيران والتي اشتدت منذ عام 2009 وكانت لها نتائج مؤثرة في تراجع قيمة العملة الايرانية (التومان)، وفي نفس الوقت شجع إيران الى زيادة صادراتها الى الدول المجاورة ومنها العراق الذي مثل من أكبر الاسواق للسلع الايرانية الغذائية والصناعية، مما أثر على الاقتصاد العراقي بفعل غياب سياسات اقتصادية وطنية والتأثير الايراني الكبير على الاحزاب الموالية لايران والمؤسسات الاقتصادية المتحكمة بالمشهد الاقتصادي العراقي.
وهذه العقوبات شهدت تصعيد كبير بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ونظرا لعدم توصل المفاوضات بين ايران والادارة الاميركية وحلفائها، ولضرورة اجبار المفاوض الايراني على الخضوع للشروط الاميركية في شمول برنامج الصواريخ الايرانية ضمن الاتفاق الجديد، فرضت واشنطن "الضغوط القصوى" على ايران الامر الذي اسهم في تراجع المؤشرات الاقتصادية الكلية وفي مقدمتها تراجع قيمة العملة الايرانية الى مستويات مخيفة مما اثر على المستوى المعاشي للمواطنين الايرانيين مما دفع الكثير منهم الى التظاهر والاحتجاج ضد النظام شهدتها معظم المدن الايرانية، والتي استمرت اكثر من سابقاتها وتجاوزت الثلاثة اشهر ولازالت الى الان تظهر احتجاجات ضد النظام الايراني.
القوة الصلبة والمتمثلة بالقوة العسكرية لم تكن بعيدة عن استخدام الطرفين، اذ قامت الادارة الاميركية السابقة باغتيال الجنرال في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020 الامر الذي دفع طهران للرد على واشنطن في العراق اذ اطلقت عدة صواريخ بمديات طويلة ضد قاعدة عين الاسط التي تضم قوات اميركية غرب العراق، وعلى الرغم من ان الصواريخ لم تتسبب بضرر بشري للمصالح الاميركية في القاعدة الا انها اعظم تجسيد لعدم اكتراث ايران، ومن قبلها واشنطن، للسيادة العراقية وعدم الاكتراث بالمصالح الامنية والسياسية للعراق.
خلال العام الماضي، لم تتردد طهران في استهداف المصالح الاميركية في شمال العراق بشكل مباشر وعبر صواريخ انطلقت من اراضيها، وتكررت هذه الحالة مرات عدة، وهي مؤشر على التصعيد بين الطرفين بشكل أكثر مباشرة بعد ان كانت عبر أذرعها (أي إيران) في العراق.
هذا التطور في الصراع كان له، ولازال، تأثيره المباشر على العراق سياسيا واقتصاديا. فأطراف الصراع تستبيح السيادة العراقية ولاتكترث بالمصالح الوطنية العراقية سياسا وامنيا واقتصاديا وثقافيا ... الخ. فإيران تستخدم نفوذ وسيطرة وكلائها في العراق على المستوى السياسي والاقتصادي والامني للتخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من واشنطن، ولتوظيف العراق كورقة في التعاطي مع واشنطن. وأبرز أثر يمكن تلمسه هو ما حصل مع الية الرقابة من قبل الفيدرالي الاميركي على تحويلات الدولار للخارج من قبل البنك المركزي العراقي، الامر الذي تسبب في انخفاض قيمة العملة العراقية.
العراق خلال السنوات القليلة الماضية بدأ ينسحب الى محيطه العربي ولاسيما الخليجي بهدف التحرر من السيطرة الايرانية او على الاقل تحقيق التوازن في علاقاته مع واشنطن وطهران.
في نفس الوقت هذا الصراع يخدم طرفيه بصور شتى، فالولايات المتحدة نجحت في ايجاد من يقاسم "اسرائيل" الرفض والكره العربي، فإيران باتت في نظر البعض هي التهديد الاكبر والاخطر للدول العربية، وهذا ما دفع الى بعض دول الخليج العربي الى عقد اتفاق ابراهام مع اسرائيل وتنشيط العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وقد تتطور أكثر في المجالات الامنية.
اما طهران فقد حققت عبر تسويق الاستعداء مع "اسرائيل" وواشنطن وتوظيفه باتجاه توحيد الداخل الايراني باتجاه الخارج في وقت يعاني من صعوبات اقتصادية ومعيشية كبيرة. وكل ذلك عبر تسويق إيران لذاتها انها مدافعة عن المذهب والتشيع في المنطقة. كما ان الولايات المتحدة لها مصلحة في تعزيز امن الطاقة في المنطقة عبر توسيع وجودها ودورها العسكري والامني فيها. ولهذا تذهب بعض الآراء تذهب الى ان واشنطن لا تريد في الوقت الحاضر انهيار النظام في إيران كونه مبرر كبير لواشنطن لتعزيز ادوارها الجيوبوليتيكية في منطقة الشرق الاوسط. الا ان كلا النظامين أسهما في خلق الفوضى في العراق، كما ان كلاهما لم توظفا قدراتهما الاقتصادية في خلق بيئة اقتصادية مناسبة في العراق، فضلا عن ان كلاهما تعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة من دون الاكتراث بالمصالح العراقية.
العراق بالنسبة لإيران هو رئة إيران الاقتصادية وتريد ان يكون أكبر سوق لها للتخفيف من سطوة العقوبات الاقتصادية، وبوابة لدورها في المنطقة. كما ان إيران تريد ان تكون مستحقة للشرعية الدينية (العتبات الدينية والمراجع الدينية) وتريد ان تجعل منها بوابة للقبول الاجتماعي بنظام حكم ديني في العراق. اما واشنطن فتنظر للعراق على انه بوابة للاستثمار طويل الامد لحماية المصالح الاميركية في المنطقة وان يتحول الى حليف لواشنطن موثوق به، كما تريد منه ان يكون محور التوازن للقوى الاقليمية في المنطقة، وان يتم من خلاله الضغط على إيران اقتصاديا.
يتعين على العراق ان يدرك وضعه الاقليمي وان تستفيق الحكومة العراقية تجاه المتغيرات الاقليمية باتجاه بناء الدولة، ووهنا تبرز الحاجة الى:
- تبني رؤية وطنية تجعل من المصالح العراقية في المقدمة وادارة الشؤون الداخلية من التأثر بسلوكيات الدول الاقليمية،
- العمل على تعزيز الحياة والتوازن في التعاطي مع واشنطن وطهران بما يحمي ويعزز المصالح العراقية،
- تعزيز العلاقات الاقليمية للعراق مع محيطه العربي،
- استثمار القوى الناعمة لدى العراق، والانفتاح على الشعوب العربية، وان يتم توظيف التواصل الشعبي مع شعوب المنطقة لتعزيز حالة الحياد الايجابي، ويما يسهم في جذب الحكومات العربية ورجال الاعمال والشركات للاستثمار في العراق،
- النظر بإمكانية سن تشريع نيابي يلزم الحكومة العراقية الحالية والقادمة بالتزام حالة الحياد في التعامل مع الولايات المتحدة وإيران.
- ترتيب اوراق الداخل وتحقيق حالة من التوافق السياسي الداخلي تجاه المصلحة الوطنية، وتبني خطاب سياسي موحد اقليميا ودوليا.
- تعزيز القدرات الامنية والعسكرية للعراق بما يضمن توافر نوع من القدرة على تبني حالة الحياد والدفاع عن المصالح العراقية من دون التعرض للشؤون الداخلية للدول.
- تبني نظام انتخابي يجعل من صعود قوى سياسية جديدة ممكنا، وتكون عامل توازن بين القوى التابعة للخارج وان يتوسع دورها تدريجيا لتكون قوى وطنية تراعي المصالح الوطنية العراقية.
اضف تعليق