عراقيون فلسطينيون سوريون، فروا من الحرب بحثا عن الحياة ولكنهم أصبحوا ضحايا للكارثة المأساوية الأليمة في تركيا وسوريا، وبعضهم عاد أخيرا الى وطنه في أكياس سوداء، وقال أحد الضحايا أرضنا طردتنا بس في نهايتنا رح تستقبلنا. وقال آخر الزلزال أصعب (من الحرب) لأنه يحصل فجأة...
عراقيون فلسطينيون سوريون، فروا من الحرب بحثا عن الحياة ولكنهم أصبحوا ضحايا للكارثة المأساوية الأليمة في تركيا وسوريا، وبعضهم عاد أخيرا الى وطنه في أكياس سوداء، وقال أحد الضحايا أرضنا طردتنا بس في نهايتنا رح تستقبلنا. وقال آخر الزلزال أصعب (من الحرب) لأنه يحصل فجأة.
عراقية تنعي أسرتها في تركيا
فرت رحاب طلال وأسرتها من مدينة الموصل شمال العراق قبل ست سنوات عندما كان يسيطر عليها تنظيم داعش بحثا عن مأوى في تركيا، لكن سبعة من أفراد أسرتها بينهم رضيع عمره أسبوع لقوا حتفهم إثر انهيار منزل والديها بسبب الزلزال.
وعندما علمت طلال أن الزلزال ضرب المنطقة التي يعيش فيها والداها وأفراد آخرون من أسرتها في إقليم أديامان في جنوب شرق تركيا هرعت إلى هناك لكنها لم تجد سوى الدمار.
وتروي طلال، التي تعيش في إقليم آخر بتركيا، عبر الهاتف "لم أتمكن من العثور على المبنى، فقد سويت المنطقة بأكملها بالأرض".
وقالت طلال إن سبعة من أفراد أسرتها المكونة من 13 فردا لقوا حتفهم، ولا تزال جثامين والدها وشقيقيها وأربعة من أبناء وبنات إخوتها على الأرض أمام المبنى المنهار.
وأضاف "انتفخت الجثامين... هذا هو اليوم الثالث... لا تزال الجثامين في الشارع... لم ينقلها أحد. إذا لم يدفنوهم هنا، فإننا نرغب في نقلها إلى العراق".
وفر آلاف اللاجئين من العراق إلى تركيا خلال العملية التي دعمتها الولايات المتحدة لطرد مقاتلي تنظيم داعش من العراق في 2016.
وانتهى الحكم الوحشي للتنظيم في الموصل عام 2017 على أيدي قوات عراقية ودولية.
وقالت طلال "غادرنا العراق لأننا كنا نبحث عن السلام والأمان. تركنا كارثة هناك (العراق) لنواجه كارثة أخرى هنا... هربنا من الحروب لنموت في زلزال".
وفاة أسرة فلسطينية بأكملها في تركيا
قبل 12 عاما فر عبد الكريم أبو جلهوم من الحرب والفقر في غزة إلى تركيا بحثا عن الأمان.
إلا أن الزلزال العنيف الذي دمر مناطق من تركيا وسوريا يوم الاثنين أودى بحياته وبحياة كل أفراد أسرته.
ووفقا لوزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية فإن أبا جلهوم وزوجته فاطمة وأبناءهم الأربعة كانوا من بين 70 فلسطينيا تأكدت وفاتهم. وقفزت حصيلة الوفيات الإجمالية جراء الزلزال إلى أكثر من 11 ألفا.
وقال رمزي أبو جلهوم (43 عاما) شقيق عبد الكريم لرويترز "أخوي طلع على تركيا بيتطلع لحياة أفضل من هنا، الحياة اللي فيها حروب وحصار هنا في غزة". وتوافد الأقارب والجيران إلى منزل العائلة في بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة يوم الأربعاء لتقديم التعازي.
وأضاف "احنا فقدنا أسرة، عيلة بأكملها انشطبت من السجل المدني".
وكان أبو جلهوم يعمل سائق سيارة أجرة في غزة لكنه كان يعاني من أجل إعالة أسرته التي يتزايد عدد أفرادها وغادر إلى تركيا في 2010. وهناك، عمل في مصنع أخشاب في أنطاكية ولحقت به فاطمة وأبناؤهما بمجرد استقرار حالته المادية.
وفي أنطاكية، كانت الحياة واعدة أمام الأب البالغ من العمر 50 عاما وفاطمة (33 عاما) وأبنائهما نورا (16 عاما) وبراء (11 عاما) وكنزي (تسعة أعوام) ومحمد (ثلاثة أعوام) الذي وُلد في تركيا. ووفقا للعائلة فقد انتقلوا إلى شقة جديدة قبل ستة أشهر.
وفي الساعات التي تلت الزلازل، حاول الأقارب دون جدوى التواصل معهم واتصلوا بكل من بوسعهم تقديم أي معلومات. وتعرفوا يوم الثلاثاء على الأسرة في صورة تظهرهم تحت الحطام وقد فارقوا الحياة.
وفي الصورة، يظهر أبو جلهوم محتضنا أطفاله فيما يبدو أنها محاولة لحمايتهم بجسده مع انهيار منزلهم فوقهم.
ولا توجد أرقام دقيقة تحصي عدد الفلسطينيين المقيمين في تركيا، لكن كثيرين خاصة من غزة انتقلوا في الأعوام الأخيرة إليها فرارا من القطاع الذي تتفاقم كثافته السكانية وشهد جولات حروب متكررة دمرت الاقتصاد.
وتشير تقديرات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) إلى أن نحو 438 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في سوريا.
وقالت السلطة الفلسطينية، التي لديها سلطة محدودة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، إنها أرسلت بعثة إنقاذ إلى المناطق المتضررة.
وفي منزل العائلة في بيت لاهيا، تواصل وداد والدة عبد الكريم الدعاء أن تتسنى إعادة جثامينهم إلى الوطن لدفنها.
وأضافت الأم المنتحبة "لي 12 سنة ما شفتش ابني ولا اولاده"، وكانت ترتدي ملابس سوداء ويحيط بها جيرانها.
وتابعت "أنا بطلب يجييولي اياهم أشوفهم وأودعهم".
سوريون يعودون من تركيا في أكياس جثث سوداء
وصلت أكياس جثث سوداء تحمل لاجئين سوريين لقوا حتفهم في الزلزال الذي هز تركيا إلى الحدود في سيارات أجرة وعربات أو مكدسين على شاحنات مسطحة تمهيدا لنقلهم لمثواهم الأخير في وطنهم الذي دمرته الحرب.
ويحمل أقارب الضحايا أوراقا صادرة عن السلطات المحلية تسمح بعبور الجثث بدون الأقارب الأحياء إلى محافظة حلب عبر معبر جيلفي جوزو الحدودي التركي المغلق أمام حركة المرور العادية منذ بدء الصراع في سوريا قبل 12 عاما.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، سيأخذ بعض الأقارب الجثث لدفنها.
وجثم حسين غندورة داخل شاحنة ووضع وجنته على واحد من خمسة أكياس سوداء بداخله جثة ابنه محمد (16 عاما).
وقال غندورة لرويترز يوم الأربعاء "ودعته قبل رحلته الأخيرة".
ولقي عشرات الآلاف حتفهم في تركيا جراء الزلازل التي وقعت يوم الاثنين. ومن بين الضحايا سوريون كانوا قد فروا منذ عام 2011 من الصراع الدائر في وطنهم.
ولا تزال الحدود بين الدولتين الجارتين مغلقة أمام معظم حركة المرور وكذلك عمليات الإغاثة حتى الآن. لكن السلطات التركية تسمح بعبور الجثث التي يحمل ذووها تصريحات من المستشفيات التركية إلى شمال سوريا، الذي يسيطر على معظمه قوات معارضة لحكومة دمشق.
ومنع رجل امرأتين تبكيان كانتا تحاولان البقاء بالقرب من إحدى الشاحنات المليئة بالجثث.
وقال لهما "خلي الميتين يروحوا وشي نهار بيحسنوا العايشين".
وذكر السوري أسامة عبد الرزاق والدموع تنهمر من عينيه بينما كان يفحص الأوراق بحثا عن جثة شقيقته الحبلى "هي في شهرها الأخير وبقالها يومين تولد. المفروض تولد".
مأساة عائلية
تعيش الكثير من العائلات السورية في مدينة أنطاكية المتضررة بشدة من الزلزال وفي بلدة قري خان الصغيرة على بعد حوالي 50 كيلومترا من الحدود.
وعملت فرق الإنقاذ التركية في قري خان يوم الأربعاء على إزالة أنقاض المنازل بمساعدة سوريين يرتدون قفازات ويبحثون عن أقاربهم.
وبعد انتشال جثة تلو الأخرى، عثر صلاح النعسان (55 عاما) على جثث عائلته.
وأجهش الرجل السوري بالبكاء وهو يحمل صورا لأفراد عائلته بينما أتى إليه رجال الإنقاذ بجثة زوجة ابنه، وهي حامل أيضا، ثم بجثتي حفيديه. ولا يزال ابنه في عداد المفقودين.
وتوسل النعسان وهو يصرخ من الحزن لرجال الإنقاذ كي يتأكدوا مما إذا كان الجنين لا يزال على قيد الحياة. ولا يمكن رؤية إلا عدد قليل من المسعفين.
وسحب أحد رجال الإنقاذ ما كان يغطي أحد الأطفال الصغار ليجد يدا هامدة بها كدمة أرجوانية اللون ووجها شاحبا مغطى بالتراب.
ولا يزال زاهر خربوطلي، وهو رجل ممتلئ الجسم ويبلغ من العمر 43 عاما من محافظة إدلب السورية، يتمسك ببعض الأمل.
فقد وقف أمام الشقة التي كانت تعيش فيها شقيقتاه وأطفالهما في الطابق الأرضي يحصي مرارا وتكرارا عدد الطوابق التي أصبحت كومة من تراب.
وقال "هربنا لتركيا تحت هالقصف لنحمي ولادنا وهلق شوفي كيف صرنا. عم نهرب من موت لموت".
وذكر خربوطلي أنه إذا تأكدت أسوأ مخاوفه، فسوف يدفن عائلته في سوريا.
وأضاف "أرضنا طردتنا بس في نهايتنا رح تستقبلنا".
الزلزال أصعب من الحرب
خلال النزاع في سوريا، اعتاد رضوان على الاحتماء في ملاجئ عندما كان يسمع هدير مقاتلات، لكنه لم يكن مستعدًّا لمواجهة زلزال بقوة 7,8 درجات دمّر فجر الاثنين منزله الجديد في تركيا.
ورضوان (42 عامًا) من بين أربعة ملايين سوري فرّوا من بلدهم بحثًا عن حياة آمنة في جنوب شرق تركيا المنطقة التي غالبًا ما تشهد أعمال عنف بين القوات الحكومية والأكراد.
ويقول الرجل الذي يعتمر قبعة سوداء للاحتماء من البرد، "الزلزال أصعب (من الحرب) لأنه يحصل فجأة، كنا نائمين لم يكن لدينا خبر وحصل (الزلزال) فجأة، أما الحرب فنكون على علم بها ونختبئ في الأقبية أو في الصحراء أو في الجبال".
خلال سبع سنوات في تركيا، شيّد الرجل منزلًا جديدًا في دياربكر وشعر بأن حياته عادت إلى مسارها. لكن الآن، كل ذلك انتهى. وقد اضطرّ لتمضية الليلتين الماضيتين مع زوجته وطفليه على سجادة في مسجد المدينة الكبير.
لم يُلحق زلزال الاثنين أية أضرار بالمسجد الذي أُعيد بناؤه إثر هزّة أرضية منذ ألف عام تقريبًا.
في الوقت الحالي، يشعر رضوان بالأمان في المسجد. لكنّه يتساءل حول مستقبله.
حاله حال مئات الأشخاص الذين ينامون في المسجد، مستخدمين أغراضهم كوسادات أو يتنقلون مع أغطية على ظهورهم.
هنا نساء يرضّعنَ أطفالهنّ وفي زوايا أخرى أولاد يلهون غير مدركين بالمأساة حولهم.
في تركيا كما في سوريا المجاورة، قتل الزلزال والهزات الارتدادية التي أعقبته آلاف الاشخاص وهم نائمون فيما لا يزال عدد غير معروف من الأشخاص عالقين تحت أنقاض المباني في ظلّ طقس شديد البرودة.
ولا تكفّ حصيلة الضحايا عن الارتفاع بين ساعة وأخرى.
تستعيد مرجان الأحمد (17 عامًا) المولودة في حلب، حياتها في سوريا والصعوبات التي كانت تواجهها للحصول على طعام. أما الآن فتجد صعوبة في النوم.
وتقول "لقد نجونا من الموت في سوريا والآن شهدنا هزة أرضية في تركيا"، مضيفةً "لا نتمكن من النوم. نحن خائفون. نشعر بالخوف من حصول هزة ارتدادية جديدة".
تمضي الليل والنهار قلقة من المستقبل وعلى أقربائها الذين بقوا في حلب، إحدى المحافظات السورية الأكثر تضررًا من الزلزال.
وتؤكد "لدينا عائلة في حلب" مشيرةً إلى "وجود عدد كبير من الضحايا، منازل كثيرة انهارت. سمعنا أن بعضها يعود لأقربائنا".
كذلك سمعت إخلاص محمد أنباء مشابهة بشأن عائلتها التي بقيت في قرية تقع بين حلب وإدلب.
وتأسف لأنه "لا يمكن أن نعرف الكثير عنهم". وتتابع "كان هناك حرب، فررنا والآن هذا ما يحصل معنا. لا نملك أي شيء".
إلى جانب السوريين، تؤكد عائلات تركية جاءت أيضًا بحثًا عن مأوى بعد الزلزال، أن لا داعي لتأجيج الانقسامات الاتنية والثقافية في هذه المنطقة من العالم.
وتركيا إحدى أبرز الدول التي استقبلت لاجئين وتؤوي قرابة أربعة ملايين سوري بموجب اتفاق مالي مع الاتحاد الأوروبي تمّ التوصل إليه خلال أزمة الهجرة في 2015 و2016.
إلا أن المشاعر المعادية للمهاجرين انتشرت كثيرًا في تركيا في خضمّ أزمة اقتصادية حادة تشهدها البلاد.
مع اقتراب موعد انتخابات 14 أيار/مايو في تركيا، يتعهّد سياسيون من كافة الأحزاب ببدء إعادة السوريين إلى بلدهم.
تؤكد أيديغول بيتجين وهي أمّ تركية تبلغ 37 عامًا، أن كل العالم سواسية في هذا المسجد. وتقول "نحن هنا مع لاجئين سوريين، نحن جميعًا ضحايا".
وتضيف "ليس هناك أي شيء مما نحتاجه لا طعام للأطفال ولا مناديل مبللة ولا حفاضات. لقد غادرنا منازلنا بدون أي شيء".
أسرة سورية لم تمزقها الحرب فشردها الزلزال
لم يترك مسعود دوبا منزله بسبب القصف على مدى سنوات في حي بستان الباشا على خط المواجهة في حلب بسوريا، لكن زلزال يوم الاثنين أجبره وعائلته على الخروج، دون أن يعلموا متى سيسمح لهم بالعودة أو ما إذا كانت العودة ممكنة أصلا.
وانضم دوبا (63 عاما) وهو من مزارعي الزيتون والفستق إلى جانب زوجته وابنه وزوجة ابنه وأربعة أحفاد، الآن إلى ملايين السوريين الذين شُردوا خلال السنوات القليلة الماضية، وانتقلوا مؤقتا إلى منزل أحد الأقارب.
قال دوبا وهو يقف قرب المبنى الذي يحوي ذكريات العمر وأصبح الآن خاليا تماما من ساكنيه "نحن كنا خط جبهة وكانت القذائف تنزل (تسقط) هنا على البنايات (الأبنية) ورغم كل هادا (هذا) ما طلعنا (لم نخرج)".
وقاتلت القوات المؤيدة للحكومة السورية مجموعة من الجماعات المتمردة في حلب بين عامي 2012 و2016، وكان بستان الباشا من بين المناطق الأكثر تضررا.
ويمنع شريط وضعته الشرطة باللونين الأحمر والأبيض الناس من الدخول. مع ذلك يمكن رؤية الملابس معلقة في حبل الغسيل وثقوب الرصاص على الجدران.
وفي أوقات القصف العنيف، اعتادت الأسرة على الذهاب إلى الطابق السفلي وقضاء ساعات مروعة في انتظار اتضاح الأمور على عكس كارثة يوم الاثنين التي كانت مفاجئة.
وقال دوبا "خذنا الأولاد واطلعنا (خرجنا) لقينا هذا البناء نزل أمام أعيننا نزل بشكل شاقولي (رأسيا)، ما نزلت يمين أو شمال نزلت شاقوليا سيارتي كانت هنا وانضربت، والحمد لله عيلتي كلها سليمة والأولاد كلهم سليمين".
والآن تقيم الأسرة التي تضم أطفالا تتراوح أعمارهم بين عامين وعشرة أعوام مع أحد الأقارب في حي قريب، حيث يتدثرون بالبطانيات والملابس التي يقدمها الناس لهم لأنهم ممنوعون من دخول شقتهم مرة أخرى.
وسُمح بالفعل لسكان مبان أخرى في منطقتهم بالعودة. لكن مبناهم وهو الأقرب إلى المبنى الذي انهار، لم يُعلن بعد أنه آمن للسكن لذا يتعين عليهم أن يظلوا بعيدا عنه.
اضف تعليق