يقوم المستشار أولاف شولتس بجولة خليجية تشمل السعودية. وتواجه الشراكة الألمانية مع هذه الدول مشاكل بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، غير أن ألمانيا بحاجة ماسة للتعاون معها بسبب أزمة الطاقة، فهل ينجح المستشار في جولته؟ السجل السيء لدول الخليج في مجال حقوق الإنسان تجعل الشراكة الألمانية مع تلك الدول صعبة...
يقوم المستشار أولاف شولتس بجولة خليجية تشمل السعودية. وتواجه الشراكة الألمانية مع هذه الدول مشاكل بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، غير أن ألمانيا بحاجة ماسة للتعاون معها بسبب أزمة الطاقة، فهل ينجح المستشار في جولته؟
السجل السيء لدول الخليج في مجال حقوق الإنسان تجعل الشراكة الألمانية مع تلك الدول صعبة، فهل ينجح المستشار شولتس في تحقيق أهداف زيارته رغم ذلك؟ في أبريل/ نيسان من عام 2017 لم يكن لدى المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، أي شك بأنها ستفتح "ملف حقوق الإنسان الصعب أيضا" حسب ما صرحت به بعد لقائها بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز في مدينة جدة. كان واضحا للمستشارة آنذاك، أن السعودية شريك اقتصادي جذاب، مع الإشارة إلى أنه يعاني من "عجز" في مجال حقوق الإنسان، كما أوضحت ميركل التي تحدثت عن ذلك بشكل صريح. بحسب d.w.
بعد خمس سنوات يسافر خليفة ميركل، المستشار أولاف شولتس إلى السعودية، في ظل ظروف سياسية، تغيرت جزئيا بشكل جذري. لكن من ناحية حقوق الإنسان لا يزال هناك عجز كبير في السعودية، ويشير إلى ذلك الحكم بالسجن 34 و35 عاما على امرأتين بسبب منشورات على الإنترنت، حيث قامتا بضغط زر الإعجاب مع إعادة نشر تغريدات للآخرين.
وحين يلتقي المستشار شولتس في الرياض مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، فإنه يواجه شخصا فعل الكثير من أجل التحديث ثقافيا، لكن سمعته موضع شك على الصعيد العالمي فيما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان، فبعد عملية اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، عام 2018 في القنصلية السعودية بمدينة استنبول، والذي تعتقد المخابرات الأمريكية أن بن سلمان كان على علم بها، فإن الأخير يكافح الآن من أجل إعادة تأهيله على الساحة الدولية، وفي إطار هذا السعي سيساعده اللقاء المرتقب مع شولتس والصور التي سيتم التقاطها لهما على اللقاء مع زعماء غربيين آخرين.
اقتصاديا، وبالتحديد فيما يتعلق بسياسة الطاقة، تغير الوضع كثيرا: حيث أن ألمانيا مثل معظم الدول الغربية تدعم أوكرانيا، وهو الأمر الذي قاد إلى قطع الغاز الروسي عنها. ونتيجة ذلك فإن ركودا اقتصاديا كبيرا يهدد الاقتصاد الألماني، ولتجاوز ذلك فإن ألمانيا تحتاج لاستيراد الغاز والطاقة من كل دول العالم بما فيها دول شبه الجزيرة العربية التي تعرف بسجلها السيء في مجال حقوق الإنسان. وهذا ما يجعل زيارة شولتس يوم السبت (24 أيلول/ سبتمبر) إشكالية. إذ عليه أن يتحدث مع شركاء لديهم ما تحتاج إليه ألمانيا بشكل عاجل، أي الطاقة. وفي الوقت نفسه يمارس هؤلاء الشركاء ما تمقته ألمانيا، ألا وهو الاستمرار في انتهاك حقوق الإنسان.
ألمانيا بحاجة ماسة للتعاون مع السعودية والدول الخليجية في مجال الطاقة لتعويض الغاز الروسي، فهل تنجح مساعيها في ذلك؟
ظروف دقيقة للغاية
في دائرة صنع القرار السياسي، يدرك المرء دقة الوضع، يقول سيباستيان زونس، خبير الشؤون السعودية في مركز البحوث التطبيقية للشراكة مع الشرق في بون (CARPO). ويضيف زونس: "من السهل أن يرى المرء أن الوضع يحتاج إلى نهج سياسي واقعي. السعودية شريك إشكالي وستبقى كذلك، وينتقد الجمهور الألماني أي شراكة هناك".
وقد عرف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أيضا، كم هي العلاقات صعبة، ليس مع السعودية فقط، وإنما مع معظم دول الخليج كذلك، وذلك خلال زيارته إلى قطر في أيار/ مايو الفائت، التي زارها تحت ضغط أزمة الطاقة، للتفاوض بشأن استيراد الغاز من هناك مستقبلا. والانحناءة الشديدة نسبيا التي قام بها هابيك لدى لقائه وزير التجارة القطري الشيخ محمد بن حمد بن قاسم العبدالله آل ثاني، جلبت انتقادات شديدة للوزير الألماني في بلاده.
وهذا لا يغير في الأمر شيئا، حيث أن ألمانيا بحاجة ماسة إلى تعويض الغاز الروسي. بالتأكيد سيوقع المستشار شولتس في الإمارات بعض الاتفاقيات حول استيراد الغاز المسال، حسب ما صرح به مؤخرا وزير الاقتصاد روبرت هابيك. وحسب تقارير إخبارية، فإن محادثات مستوردي الغاز في ألمانيا مع قطر حول عقود توريد طويلة الأجل، تقدمت بشكل كبير، بحيث بات من الممكن توقيع العقود قريبا. بالإضافة إلى ملف الطاقة، سيتناول شولتس خلال محادثاته في دول الخليج، تعزيز التعاونفي مجال الابتكار المعلوماتي وملف الأمن في المنطقة، حسب ما أعلنه ديوان المستشارية على صفحته الالكترونية.
شريك تجاري قديم
السعودية شريك تجاري لألمانيا منذ سنوات طويلة. في عام 2021 وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 4,4 مليار يورو، حسب تقرير مؤسسة المعلومات الاقتصادية الألمانية للتجارة والاستثمار (GTAI). وشكل النفط القسم الأكبر من المستوردات الألمانية (36 بالمائة)، تليه المنتجات الكيماوية والمواد الخام. أما أهم الصادرات الألمانية فكانت أيضا المنتجات الكيماوية إلى جانب الآلات والسيارات.أما الأسلحة الألمانية المرغوبة في السعودية، لم يتم تصديرها، حيث أن حكومة المستشارة ميركل كانت قد أوقفت في عام 2018 تصدير الأسلحة إلى السعودية لأسباب عديدة منها مشاركتها في حرب اليمن.
ألمانيا لا تقدم الالتماسات فقط!
ألمانيا لا تقدم الالتماسات فقط وتتوسل لدول الخليج، وخاصة السعودية، التي تتنامى رغبتها في الشراكة مع ألمانيا، يقول سيمون انغلكيس، الباحث في مؤسسة كونراد اديناور في برلين. فالولايات المتحدة، الحليف الغربي الأهم للسعودية، تنسحب من المنطقة ببطء، لتركز مستقبلا أكثر على شرق آسيا والمحيط الهادي، لاسيما على "المنافس المنهجي" الصين. وبالنظر للعلاقات المتوترة مع إيران، تسعى السعودية إلى توسيع وتنويع تحالفاتها السياسية والاقتصادية الخارجية. "وفي هذا الإطار لا توجه الرياض أنظارها نحو الشرق فقط، بل أيضا نحو الغرب، حيث هناك استعداد للتعاون مع أوروبا وخاصة ألمانيا". وبالنظر إلى طموحاتها في التحديث التكنولوجي والاقتصادي والتي تختصر بـ "رؤية 2030" تعرف القيادة السعودية أنها بحاجة للشراكة مع الغرب. "وبالتالي توجد هنا مجالات تعاون مع الحكومة الاتحادية. حيث تتمتع ألمانيا بسمعة مرموقة تقنيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا في السعودية" يقول انغلكيس، السعودية بحاجة للتعاون والشراكة مع ألمانيا لتحقيق طموحاتها في التحديث وفق "رؤية 2030"، فهل يصل التعاون إلى المستوى المأمول به؟
لا مجال للشيطنة
من المفيد لألمانيا أن تعيد النظر بشكل جذري في سياستها، حسب رأي الخبير في شؤون السعودية، سيباستيان زونس الذي يقول: "على المرء أن يحدد ما يجوز وما لا يجوز. أين هي الخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها؟" وهنا يشير زونس إلى تصدير الأسلحة ويقول "هنا يجب أن يكون المرء حذرا جدا".
مع العلم أن هناك مجالات أخرى للتعاون، "ليس في مجال الطاقة فقط، وإنما في المجال الثقافي مثلا بالإضافة إلى الرياضة أو التعاون في مجال التنمية. أيضا في مجال إدارة الهجرة يمكن التعاون"، يقول زونس مشيرا إلى اللاجئين الذين يفرون من المنطقة بسبب العنف والحروب، ويضيف "في هذا السياق، قطر أيضا شريك مهم".
على ألمانيا من ناحيتها أن تتجنب شيطنة المملكة، حيث هناك حاجة لنقاش مختلف. "فيما بعد سيكون هناك في المجالات المذكورة أيضا إمكانية للتوفيق بين المصالح السياسية الواقعية وحقوق الإنسان والقيم"، يقول زونس.
اضف تعليق