في جولة شرق أوسطية زار وزير الخارجية الاميركي جون كيري كل من مصر وقطر، استهلها في القاهرة وذلك لإجراء محادثات بهدف إحياء التعاون بين الدولتين وتوسيع العلاقات الأمنية، فيما تضمنت الزيارة الى قطر هدف طمأنة دول الخليج القلقة من الاتفاق النووي الايراني.
إذ يرى الكثير من المحللين ان زيارة كيري للشرق الاوسط في هذا التوقيت جاءت لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد ما ساهم الاتفاق النووي في تفاقم التوتر في العلاقات مع دول الخليج واسرائيل على النحو الاخص، فعلى الرغم من عدم وجود اسرائيل على جدول رحلة كيري الذي لم يزرها منذ عدة اشهر في ظل توتر في العلاقات بين الدولتين بعد الاتفاق مع ايران، الا ان وزارة الخارجية الاميركية اكدت ان واشنطن تجري مباحثات مكثفة مع اسرائيل في الاشهر الاخيرة، حول قضايا عدة من بينها الاتفاق مع ايران، في محاولة منها للرد على ما يقال حول تدهور العلاقات بينهما.
فيما يرى بعض المراقبين أن ادارة اوباما تسعى في ارسال كيري للشرق الاوسط إلى تبديد مخاوف قطر ودول الخليج إزاء إمكان ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة التي تشهد نزاعات واحتمال استمرار قدرة إيران على تطوير ترسانتها العسكرية بعد الاتفاق النووي وازدهار الاقتصاد، الى جانب ذلك ستبحث امريكا مع زعماء الخليج الأزمة في اليمن وفي سوريا وقضايا أمنية أخرى تهم المنطقة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن دول الخليج تبدي قلقا إزاء النفوذ المتزايد لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فالصراع على النفوذ الإقليمي لا يزال محتدما بين إيران والسعودية ودول عربية أخرى.
وعلى الرغم من هذه الزيارة لا يزال زعماء الخليج يشعرون بإحباط بسبب اسلوب المعالجة الامريكية لقضايا الشرق الاوسط، وهذا ما قلقهم من ان تفقد الولايات المتحدة تركيزها على منطقة الشرق الاوسط في الوقت الذي تعيد فيه توازنها الاستراتيجي في آسيا.
في حين يبدو ان امريكا تسعى الى توسيع العلاقات الأمنية مع مصر، فقد قال كيري اثناء زيارته للقاهرة ان "الولايات المتحدة ومصر تجدان قاعدة اكثر صلابة لعلاقتهما، لكن البلدين اللذين توترت علاقاتهما منذ الانتفاضة المصرية في 2011، حققا تقاربا في الاشهر الاخيرة وخصوصا مع استئناف المساعدة العسكرية الاميركية البالغة 1,3 مليار دولار سنويا في آذار/مارس الماضي، فيما يرى بعض المراقبين انه برغم مخاوف واشنطن من أن مصر تسير ببطء في مجال الإصلاحات الديمقراطية إلا أنها لا تزال واحدة من أقرب حلفاء واشنطن بالمنطقة خاصة على الصعيد الأمني. وتلعب مصر دورا مهما ومتزايدا في هذا المجال في المنطقة التي تشهد اضطرابات في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وسلمت الولايات المتحدة ثماني طائرات من طراز (اف-16 بلوك 52)، وتحارب مصر متشددين يتمركزون في شبه جزيرة سيناء وقتلوا مئات من عناصر الجيش والشرطة في هجمات بعد عزل مرسي. وأخطر الجماعات المتشددة في مصر هي جماعة ولاية سيناء التي بايعت تنظيم داعش.
لذا يرى الكثير من المحللين ان المعطيات المذكورة اعلاه تشير الى معادلة سياسية جديدة من شانها ان تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط الذي يشهد أعنف اضطراب امنية حاليا في العالم، وعليه ربما تظهر زيارة كيري اسرار وصفقات من شأنها ان تغير منحى الصراعات في الشرق الاوسط لتحقيق أجندات إستراتيجية وتسويات تكتيكية امنية وسياسية في المنطقة برمتها.
دول الخليج العربية لكيري: نريد التعاون مع إيران لا تدخلها
في سياق متصل قالت دول الخليج العربية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في بداية محادثات في قطر يسعى خلالها لإقناعها بمنافع الاتفاق النووي الذي أبرم الشهر الماضي مع إيران إن الاتفاق يجب أن يكون سببا في الاستقرار وحسن الجوار وليس التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقال خالد العطية وزير خارجية قطر الذي رحب بقدوم كيري إلى بلاده لإجراء المحادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي الست إن المجلس يريد أن يقي المنطقة من أي أخطار أو تهديدات للأسلحة النووية. بحسب رويترز.
وأضاف العطية الذي تحدث نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار قطر الدولة المضيفة للمحادثات إن وقاية المنطقة من أخطار وتهديدات الأسلحة النووية تتم من خلال السماح باستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية طبقا للقواعد الدولية.
وقال "نتطلع بأمل أن يؤدي الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد إلى حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة مؤكدين أهمية التعاون مع إيران على أسس ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفض المنازعات بالطرق السلمية".
وفي كلمة ألقاها بمصر قال كيري إن الولايات المتحدة صنفت إيران الراعي الأول للإرهاب في العالم وإن من المهم للغاية لهذا السبب تحديدا ضمان عدم حصولها على سلاح نووي، وقال كيري "لا يوجد شك على الإطلاق في أنه إذا طبقت خطة فيينا بالكامل فإنها ستجعل مصر وكل دول المنطقة أكثر أمنا" مضيفا أنه سيناقش سبل ضمان مستقبل أمن المنطقة خلال محادثات الدوحة.
وسيعقد كيري أيضا اجتماعا ثلاثيا مع نظيريه الروسي سيرجي لافروف والسعودي عادل الجبير يقول مسؤولون أمريكيون إنه سيركز على الحرب في سوريا، وتحاول روسيا تحقيق تقارب بين الحكومة السورية وبين دول في المنطقة مثل السعودية وتركيا لتشكيل تحالف من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال كيري الشهر الماضي إنه يعتزم أن يناقش مع لافروف سبل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والدور الذي يمكن أن تلعبه إيران، ونشرت أكثر من صحيفة عربية مقالا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يحث فيه دول الخليج العربية على العمل مع إيران للتصدي لموجة انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط.
وجاء في المقال "علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل منها وأننا جميعا إما رابحون معاً أو خاسرون معاً"، وقالت صحيفة الشروق المصرية التي نشرت المقال إن هذه "الرسالة الإيرانية الأولى المباشرة للعالم العربي بعد توقيع الاتفاق النووي"، بينما قالت صحيفة السفير اللبنانية التي نشرت المقال أيضا إن المقال يمهد لجولة لوزير الخارجية الإيراني في عدد من العواصم العربية بعد توقيع الاتفاق، ووافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع صواريخ باتريوت الاعتراضية للسعودية بتكلفة متوقعة 5.4 مليار دولار إلى جانب ذخيرة لعدد من أنظمة الأسلحة بقيمة 500 مليون دولار.
كيري في قطر لطمأنة الخليج
فقد وصل وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى قطر لاجراء محادثات مع نظرائه الخليجيين، في المرحلة الثانية من جولة اقليمية لطمأنة حلفاء بلاده حيال الاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، ووصل كيري الى الدوحة وافدا من القاهرة بعد زيارة مصر في نهاية الاسبوع للتاكيد لنظيره المصري سامح شكري والرئيس عبد الفتاح السيسي ان الاتفاق التاريخي مع ايران سيعزز الامن في الشرق الاوسط، ويلتقي كيري في العاصمة القطرية نظراءه في دول مجلس التعاون الخليجي لتهدئة مخاوفهم الناتجة عن الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الكبرى مع ايران في 14 تموز/يوليو في فيينا. بحسب فرانس برس.
وقال كيري خلال مؤتمر صحافي عقده مع سامح شكري في القاهرة، المحطة الاولى في جولة تهدف الى حشد التأييد للاتفاق، "لا شك على الاطلاق في انه اذا تم تطبيق اتفاق فيينا بالكامل، فانه سيجعل مصر وجميع دول المنطقة اكثر امانا مما كانت قبله".
وتابع الوزير الاميركي في ختام "الحوار الاستراتيجي" الاميركي المصري الذي جرى للمرة الاخيرة في 2009، ان "الولايات المتحدة ومصر تقران بان ايران تقوم بانشطة تزعزع الاستقرار في المنطقة، ولذلك من المهم للغاية ان نضمن ان يبقى برنامج ايران النووي سلميا بالكامل"، وصرح مسؤول في الخارجية الاميركية ان زيارة كيري للدوحة هي "فرصة فعلية كي يعمق وزير الخارجية النقاش مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي للرد على اي سؤال متبق ولطمأنتهم وضمان دعمهم لجهودنا في المضي قدما".
واعرب الكثير من دول الخليج عن المخاوف حيال طموحات ايران الاقليمية في اعقاب الاتفاق مع الدول العظمى في مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا).
وفي طهران اعتبر الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاتفاق النووي مع القوى الكبرى سيخلق "مناخا جديدا" لتسوية الازمات الاقليمية مثل اليمن وسوريا، وقال روحاني في خطاب متلفز الاحد "سنشدد على مبادئنا في المنطقة، الا انه من المؤكد تماما ان الاتفاق النووي سيخلق مناخا جديدا لتسويات سياسية اكثر سرعة" للازمات في المنطقة.
كما شدد على "ان الحل في النهاية سيكون سياسيا في اليمن، وفي سوريا ايضا الحل سيكون سياسيا في النهاية. ان الاجواء ستكون افضل قليلا للتحركات التي سنقوم بها، كما سنحافظ على مبادئنا".
في الدوحة سيعقد كيري كذلك اجتماعا ثلاثيا مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف والسعودي عادل الجبير لبحث النزاعين في سوريا واليمن بحسب الخارجية الاميركية، وافاد مسؤول في الخارجية ان "احدى نقاط النقاش الرئيسية ستكون الازمة الجارية في سوريا".
أمريكا ومصر تعودان إلى قاعدة قوية للعلاقات
الى ذلك قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن بلاده ومصر تعودان إلى "قاعدة قوية" للعلاقات رغم التوترات والمخاوف بشأن حقوق الإنسان وذلك بعد إجراء البلدين أول حوار استراتيجي بينهما منذ عام 2009.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحفي مشترك مع كيري في القاهرة إنه لا توجد "خلافات كبيرة" بين بلاده والولايات المتحدة لكن "هذا لا ينفي وجود تباين في وجهات النظر حول عدد من الموضوعات وهذا طبيعي". بحسب رويترز.
وقال كيري إن المحادثات تطرقت للتعاون المتزايد بشأن تأمين الحدود مع ليبيا، واستغلت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد فراغ السلطة في ليبيا لتكتسب موطئ قدم هناك وتثير مخاوف من احتمال توسيع نطاق العنف بالمنطقة.
وفي وقت سابق هذا العام ذبح التنظيم 21 مسيحيا مصريا وهو ما دفع مصر لشن غارات جوية على أهداف للمتشددين في ليبيا، وقال كيري إنه اتفق مع شكري على أهمية ضمان إجراء انتخابات برلمانية "حرة ونزيهة وشفافة" وهي الانتخابات المتوقع أن تجري نهاية العام الجاري بعد تأجيلها أكثر من مرة.
وتشيد واشنطن بالرئيس عبد الفتاح السيسي الذي انتخب العام الماضي وكان قائدا للجيش وقت عزل مرسي لما حققه من استقرار في مصر لكنها تنتقد بحذر سجل مصر في حقوق الإنسان والحملة الأمنية الصارمة التي تشنها الحكومة على جماعة الإخوان المسلمين، وتقول الحكومة المصرية إن جماعة الإخوان تشكل تهديدا للأمن القومي وتنفي ارتكاب أي انتهاكات لكن حملتها الأمنية امتدت لتشمل نشطاء ليبراليين وصحفيين.
وقررت محكمة مصرية في وقت سابق تأجيل جلسة النطق بالحكم على صحفيين بشبكة الجزيرة في إعادة محاكمتهم بتهم من بينها دعم تنظيم إرهابي في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وقال شكري إنه لا يوجد صحفيون محبوسون في مصر بسبب طبيعة عملهم، وذكرت لجنة حماية الصحفيين إن حصرا أجرته في الأول من يونيو حزيران أظهر أن 18 صحفيا مصريا على الأقل محبوسون لأسباب تتعلق بعملهم. وقال مصدر في الحكومة آنذاك إن الأرقام غير دقيقة.
اضف تعليق