أوكرانيا مسرحاً للشكوك والمخاوف

بعد أيام على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها وجدت أدلة على عملية تنظيف طارئة قام بها نظام كييف، تهدف إلى القضاء على آثار البرنامج العسكري البيولوجي في أوكرانيا، والذي تموّله وزارة الدفاع الأميركية. واتهمت روسيا أوكرانيا والولايات المتحدة، في مجلس الأمن...

بعد أيام على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها وجدت أدلة على عملية تنظيف طارئة قام بها نظام كييف، تهدف إلى القضاء على آثار البرنامج العسكري البيولوجي في أوكرانيا، والذي تموّله وزارة الدفاع الأميركية. واتهمت روسيا أوكرانيا والولايات المتحدة، في مجلس الأمن، عبر الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بمؤامرة لاستخدام الطيور والخفافيش المهاجرة والحشرات لنشر الأمراض في أوروبا.

تقول روسيا إن الأبحاث كانت تتم بشكل خاص على أمراض موجودة بشكل طبيعي لدى تلك الحيوانات في تلك المنطقة، بحيث عندما تتفشى بين السكان سيظهر الأمر وكأنه حدث طبيعي. وقال نيبينزيا «ندعوكم إلى التفكير في خطر بيولوجي حقيقي للغاية على الناس في البلدان الأوروبية، والذي يمكن أن ينتج منه انتشار غير خاضع للسيطرة على عينات بيولوجية من أوكرانيا، وإذا حصل مثل هذا السيناريو، فسينتشر في أوروبا كلها». مضيفاً أن «خطر حدوث ذلك حقيقي للغاية، بالنظر إلى مصالح الجماعات القومية المتطرفة في أوكرانيا والتي تعمل مع مسببات الأمراض الخطيرة بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية».

الأسبوع الماضي، قال قائد قوات الحماية من الإشعاع والكيماويات والبيولوجيا في الجيش الروسي، إيغور كيريلوف، إن المختبرات التي تموّلها الولايات المتحدة في كييف وخاركيف وأوديسا تعمل على مسببات الأمراض المصمّمة خصيصاً لاستهداف الروس وغيرهم من الشعوب السلافية (Slavs). وقال إن الولايات المتحدة تخطط لاستغلال «الموقع الجغرافي الفريد» لأوكرانيا من خلال إرسال الطيور المهاجرة التي تحمل أمراضاً مميتة إلى روسيا. وقدّم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اتهاماً مماثلاً، قائلاً إن تلك المختبرات تعمل على «تطوير أسلحة بيولوجية تستهدف عرقياً (بحسب تسلسل الجينات الفريدة لكل عرق)».

على المقلب الآخر، أعلم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، أن روسيا يمكن أن تضع الأساس لهجوم كيماوي أو بيولوجي، وأنها ستلقي باللوم بعد ذلك على الولايات المتحدة أو أوكرانيا. وكذلك قال الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، إنه متخوف من عملية روسية عبر الأسلحة البيولوجية تحت تلك الذريعة.

يمكن القول إنها اتهامات متبادلة. والحقيقة عادةً هي أول ضحايا الحرب. لكن، وفرضاً أن ما تقوله روسيا هو المطرقة، إلا أن السندان الأميركي موجود. إذ تقوم أوكرانيا بتشغيل مختبرات بيولوجية تتلقى تمويلاً من الولايات المتحدة بالفعل. أكدت نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، هذه الحقائق في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، حين سألها السناتور الجمهوري، ماركو روبيو، عمّا إذا كانت أوكرانيا تمتلك أسلحة بيولوجية، فأجابت: «أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية»، مضيفة أن هناك مخاوف من أن القوات الروسية كانت تحاول السيطرة على المختبرات «نعمل مع الأوكرانيين حول كيفية منع أي من هذه المواد البحثية من الوقوع في أيدي القوات الروسية».

على موقع السفارة الأميركية في أوكرانيا، تشرح الأخيرة عملها في ما يخص «برنامج الحد من التهديد البيولوجي» في أوكرانيا، ويفيد بالتالي:

يتعاون برنامج الحد من التهديدات البيولوجية التابع لوزارة الدفاع الأميركية مع الدول الشريكة لمواجهة خطر تفشي الأمراض (المتعمدة أو العرضية أو الطبيعية) لأخطر الأمراض المعدية في العالم. ينجز البرنامج مهمّته للحد من التهديدات البيولوجية من خلال تطوير ثقافة إدارة المخاطر البيولوجية؛ شراكات بحثية دولية، وقدرة الشركاء على تعزيز تدابير الأمن البيولوجي والسلامة البيولوجية والمراقبة الحيوية. تتمثّل أولويات برنامج الحد من التهديدات البيولوجية في أوكرانيا وتعزيز وتوثيق مسببات الأمراض والسموم ذات الأهمية الأمنية، والاستمرار في ضمان قدرة أوكرانيا على اكتشاف حالات التفشي نتيجة مسببات الأمراض الخطيرة والإبلاغ عنها قبل أن تشكل تهديدات للأمن أو الاستقرار. الوكلاء التنفيذيون الحاليون لبرنامج الحد من التهديدات البيولوجية في أوكرانيا هم وزارة الصحة، ودائرة الدولة الأوكرانية لسلامة الأغذية وحماية المستهلك، والأكاديمية الوطنية للعلوم الزراعية، ووزارة الدفاع. يضيف الموقع الإلكتروني أن البرنامج الأميركي قام بترقية العديد من المختبرات التابعة لوزارة الصحة وخدمة سلامة الأغذية وحماية المستهلك الحكومية في أوكرانيا. وفي عام 2019، قامت وزارة الدفاع الأميركية ببناء مختبرين أحدهما في كييف والآخر في أوديسا.

أمّا المشاريع البحثية النشطة، بحسب موقع السفارة، فهي:

- تقييم مخاطر مجموعة مختارة من الأمراض الخاصة بالطيور والتي يُحتمل أن تحملها الطيور المهاجرة فوق أوكرانيا.

- انتشار فيروس حمى القرم الكونغو النزفية وفيروسات هانتا في أوكرانيا والمتطلبات التي يحتاجها تشخيص مرضى داء «leptospirosis» (بكتيريا مرضية معدية تنتشر بين القوارض والكلاب وبعض الثدييات ويمكن أن تنتقل إلى البشر).

- انتشار فيروس حمى الخنازير الأفريقية في الخنازير الأليفة والخنازير البرية في أوكرانيا، وبناء القدرات من أجل الحصول على نظرة ثاقبة لكيفية انتقال الفيروس من خلال دراسته عن طريق تسلسل الجينوم وتحليل النشوء والتطور.

- شبكة المراقبة الحيوية لطريق الحرير (BNSR Biosurveillance Network of the Silk Road)

في عام 2016، وقعت وزارة الصحة الأوكرانية ودائرة الدولة الأوكرانية المعنية بسلامة الأغذية وحماية المستهلك، مذكرة بشأن الانضمام إلى مجموعة عمل متعددة الجنسيات بهدف تعزيز الأمن الصحي العالمي وإنشاء شبكات مراقبة للأمراض في المنطقة الشرقية من أوروبا وتشمل أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وأوكرانيا.

من الأوراق البحثية التي أجريت في أوكرانيا، ويمكن للمرء الإطلاع عليها على موقع «ريسرتش غايت»، توجد الأبحاث التالية:

- الفحص الجزيئي لمسببات الأمراض المنقولة بالنواقل في الطفيليات الخارجية من الخفافيش في أوكرانيا.

- التوصيف الجزيئي والوراثي لعينات فيروس التهاب الحنجرة للطيور التي تم الحصول عليها في أوكرانيا.

- انتشار فيروس التهاب الحنجرة المعدي في مزارع الدواجن في أوكرانيا.

- إنفلونزا الطيور من النوع H5 شديد الإمراض ومنخفض الإمراض في الطيور البرية في أوكرانيا.

- الوضع الوبائي الحديث لإنفلونزا الطيور في العالم وأوكرانيا (تطوير الوسائل المحلية للرصد والتشخيص).

- تداول الأنماط الجينية المتنوعة لفيروس نيوكاسل الممرض وغير الممرض وغيره من فيروسات باراميكسوفيروس الطيور بين الدواجن والطيور البرية في أوكرانيا.

- حجز فيروس إنفلونزا الطيور H5N8 شديد الإمراض من الطيور البرية في أوكرانيا.

- تكرار حجز فيروسات مرض نيوكاسل الخبيثة من النمط الجيني الفرعي VIId في الدجاج من بلغاريا وأوكرانيا.

- الحجز والتوصيف الجيني لفيروسات إنفلونزا الطيور المأخوذة من الطيور البرية في منطقة البحر الأسود آزوف في أوكرانيا.

- تسلسل الجينوم الكامل لفيروس الطيور Paramyxovirus 13 من أوكرانيا.

تجدر الإشارة إلى أن ما سبق هو جزء يسير من العدد الكلي للأبحاث المنشورة والمماثلة التي أجريت في أوكرانيا والدول المحيطة بروسيا.

في تقرير نشرته وكالة «رويترز» آخر الأسبوع الماضي، كشف أن منظمة الصحة العالمية «أوصت» أوكرانيا بالقضاء على «مسببات الأمراض» في المختبرات الصحية لديها، لمنع «أي تفش محتمل» من شأنه أن ينشر المرض بين السكان. وأكد التقرير أن المختبرات الأوكرانية تلقت دعماً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية. ولم تحدد منظمة الصحة متى قدمت التوصية ولم تقدم تفاصيل حول أنواع مسببات الأمراض أو السموم الموجودة في مختبرات أوكرانيا. ولم يرد مسؤولون أوكرانيون في كييف وفي سفارتهم بواشنطن على طلب «رويترز» التعليق على بيان توصية منظمة الصحة.

وأمس، نشرت وزارة الدفاع الروسية معلومات ووثائق إضافية عن المختبرات البيولوجية في أوكرانيا. ولفتت الانتباه إلى حقيقة الزيادة الحادة في حالات مرض السل التي تسببها سلالات جديدة متعددة المقاومة بين المواطنين الذين يعيشون في جمهوريات لوغانسك ودونيتسك الشعبية في عام 2018. ويفيد بيان الدفاع الروسية أنه وأثناء التفشي الشامل المسجل في منطقة مستوطنة بيسكي، تم الكشف عن أكثر من 70 حالة إصابة بالمرض، انتهت بنتيجة قاتلة سريعة للمرضى. وأن ذلك الأمر قد يشير إلى إصابة متعمدة، أو تسرّب عرضي للمرض من أحد المختبرات البيولوجية الموجودة في أراضي أوكرانيا.

ونشرت الوزارة حزمة من الوثائق المسربة تؤكد أن البنتاغون قدّم 32 مليون دولار إلى مختبرات تابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية في كييف وأوديسا ولفيف وخاركيف. ووفقاً للوثائق المنشورة، اختار البنتاغون هذه المختبرات لتطوير عدة مشاريع منذ عام 2016، منها مشروع «UP8» الخاص بدراسة الحمى النزفية الفيروسية وداء البريميات وفيروسات هانتا. بما في ذلك مشاريع UP-4 وP-781.

وتقول وزارة الدفاع الروسية إن الاتحاد الروسي دعا مراراً وتكراراً إلى نشر بيانات عن الأنشطة البيولوجية العسكرية للبنتاغون على أراضي دول ثالثة، لكن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يمنع باستمرار هذه المبادرة، مفضلاً إجراء أبحاث بيولوجية تتجاوز الالتزامات الدولية عبر «أيدي الآخرين».

بحسب موقع «بريتانيكا»، الموسوعة البريطانية الشهيرة، فإنه من بين أكثر من 190 عضواً في الأمم المتحدة يشتبه بشدة في وجود برامج أسلحة بيولوجية جارية في 12 دولة أو نحو ذلك. ومع ذلك، يمكن إخفاء مثل هذه البرامج بسهولة في صورة مصانع لقاحات ومراكز حميدة لإنتاج المستحضرات الصيدلانية. ويضيف الموقع أن اتفاقية الأسلحة البيولوجية (BWC) ليس لديها إجراءات تحقق أو تفتيش قائمة للتحقق من امتثال الموقعين عليها، لذا فقد يتم التحايل على المعاهدة من دون أي دليل خارجي على عكس ذلك. ويضيف أنه من الممكن تماماً، حتى لدولة صغيرة وفقيرة نسبياً، أن تشرع بنجاح في برنامج حرب بيولوجية باستثمار رأسمالي صغير وبضعة عشرات من علماء الأحياء، وكلهم يمكن أن يتم إيواؤهم سراً داخل عدد قليل من المباني. في الواقع، قد يكون برنامج الأسلحة البيولوجية أيضاً في متناول منظمات إرهابية تقنياً ومالياً. باختصار، درجة انتشار الأسلحة البيولوجية غير مؤكدة إلى حد كبير، ويصعب اكتشافها، ويصعب تحديدها كمياً.