ويتشكك محللون في مدى الفرق الذي يمكن أن تحدثه طفرة المشروعات في البنية التحتية في الوقت الذي تستمر فيه المشاكل الهيكلية الاقتصادية، وإحدى المناطق التي شهدت نشاطا مكثفا هي شرق القاهرة حيث انتشرت شبكة من الطرق والجسور الجديدة باتجاه عاصمة جديدة يجري إنشاؤها في الصحراء...
في العطلات الأسبوعية كثيرا ما يخرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أحد مواقع العمل في مشروعات الطرق بالقاهرة حيث تصوره وسائل الإعلام وهو يتفقد الجديد في طرق تم تعبيدها بالأسفلت ويستمع إلى ما يقوله العاملون عن سير العمل. بحسب رويترز.
وتمثل الطرق والجسور التي يتفقدها أوضح جانب في حملة كبرى على صعيد البنية التحتية ترمي إلى تنشيط الاقتصاد بعد ما شهدته البلاد على مدى عقود من النمو السكاني السريع والبناء العشوائي.
وتشمل الحملة التي تقودها الحكومة والمؤسسة العسكرية عدة مدن جديدة وإنشاء مليون وحدة سكنية منخفضة التكاليف وقد ساعدت مصر في اجتياز الصدمة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا لتواصل النمو في العام الماضي.
فبعد الإطاحة بأول رئيس منتخب لمصر في انتخابات ديمقراطية في 2013 وتطبيق إصلاحات مالية مؤلمة ركز السيسي الجهد على نجاح حملة البنية التحتية.
لكن لهذا ثمنه. فبعض من اضطروا للخروج من بيوتهم لإفساح المجال أمام الطرق الجديدة مستاؤون من فقدان مساكنهم كما أن آخرين غير راضين عن التحولات المفاجئة التي شهدتها أحياؤهم السكنية.
ويتشكك محللون في مدى الفرق الذي يمكن أن تحدثه طفرة المشروعات في البنية التحتية في الوقت الذي تستمر فيه المشاكل الهيكلية الاقتصادية.
وإحدى المناطق التي شهدت نشاطا مكثفا هي شرق القاهرة حيث انتشرت شبكة من الطرق والجسور الجديدة باتجاه عاصمة جديدة يجري إنشاؤها في الصحراء ومن المقرر افتتاحها هذا العام، في حي عزبة الهجانة تعمل الآلات في تعبيد تقاطع طرق يمر عبر كتلة من المساكن العشوائية التي لا تشكل عبئا ماليا على ساكنيها تم هدم المئات منها لإنشاء الطريق، وعندما زار السيسي المنطقة في فبراير شباط التقى وزراء أمام مبان سكنية بالطوب الأحمر وتناول إقامة نصف المصريين البالغ عددهم 100 مليون نسمة في ظروف مماثلة.
غير أن سكان عزبة الهجانة الذين انتقل كثيرون منهم من مناطق ريفية وبنوا شققا سكنية وأسسوا حياة ومصادر للرزق يقولون إنهم يشعرون بالقلق من المستقبل، قال علي عبد الرحيم (52 عاما) وهو أب لأربعة أبناء إن بيته ليس عرضة لخطر مباشر لكن آخرين قد يعانون إذا نفذت السلطات ما أشار إليه الرئيس من ضرورة توسيع الشوارع الضيقة في المنطقة.
وقال عبد الرحيم "التغيرات اللي بتحصل دي بتقلق الناس. ما بقيناش (لم نعد) شغالين. مابقاش في شغل"، أما حسني علي بائع الطماطم (البندورة) البالغ من العمر 34 عاما والذي يعرض بضاعته على عربة يجرها حمار فقال إنه تم هدم غرفة استأجرها كمخزن بسبب الطرق الجديدة، وأضاف علي "الناس هنا كلها خايفة. خايفة إنها تاكل وتشرب والكل وقف حاله".
إعادة توطين
في شرق القاهرة ومناطق أخرى يجري العمل على قدم وساق في مشروعات الطرق. وقال وزير النقل إن حجم الإنفاق على قطاع النقل على مدار عشر سنوات سيصل إلى 1.1 تريليون جنيه مصري (70 مليار دولار) في 2024.
ويصور المسؤولون حملة الطرق على أنها جزء من الجهود الرامية لتطوير المناطق العشوائية في مختلف أنحاء مصر وربطها بشبكات وسائل النقل والخدمات الأساسية. ويقول المسؤولون إنه سيتم تعويض من تتم إزالة بيوتهم أو منحهم مساكن جديدة.
وخصصت لبعض من أزيلت بيوتهم في عزبة الهجانة شقق سكنية مفروشة في مشروع أهالينا الواقع على مشارف القاهرة ويضم مركزا للشباب وملاعب ويقول السكان إن الأوضاع فيه جيدة. غير أنهم يضطرون لدفع الإيجار كما أن بعضهم فقد مصدر دخله.
قال صبري عبده (75 عاما) وهو مواطن على المعاش يعمل ابنه سائق توك توك "المشكلة في الفلوس والعيشة غالية. أنا عندي 75 سنة ومش هاقدر اشتغل تاني"، وأضاف "قبل كده كنت عايش في ملكي ومش بادفع إيجار. وابني ما حدش يعرفه هنا وحاله مش ماشي زي هناك"، ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين عن العمل في مشروعات المنطقة للتعليق.
وأثارت حملة الطرق، التي دفعت البعض على وسائل التواصل الاجتماعي لوصف مصر بأنها "جمهورية الطرق والكباري (الجسور)"، استياء البعض لأسباب أخرى، فقد أثارت إقامة الطرق والجسور بالقرب من الأهرامات وحول المقابر في القاهرة حيث يعيش كثيرون وسط المقابر وفي حي مصر الجديدة مخاوف دعاة الحفاظ على البيئة.
أصبح الدخول إلى مصر الجديدة والخروج منها أسرع وأيسر لكن شكري أسمر الذي يرأس جماعة تسمى مؤسسة تراث مصر الجديدة قال إن طابع الحي تغير في عيون السكان، وقال "لم يعد بإمكانهم السير في الشارع. ولم يعد بإمكانهم عبور الشارع. ولا يمكنهم رؤية الأشجار وطيورها من شرفاتهم عصر كل يوم".
ضغوط أقل
سئل السيسي في بث تلفزيوني في وقت سابق من العام الجاري عن رأيه في الشكاوى من خطة بناء الطرق والجسور فقال إنه لم يتم إهمال أي قطاع بما في ذلك الصحة والتعليم والزراعة والتصنيع، وقال إن من الضروري تنفيذ هذه المشروعات لتسهيل حياة الناس وتقليل الوقت الضائع وما يعانيه الناس من ضغوط وتقليل استهلاك الوقود وما يسببه من تلوث.
وقدرت دراسة أعدها البنك الدولي في 2014 كلفة الزحام في القاهرة الكبرى بما يعادل 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أي أنه أعلى بكثير من بعض المدن الكبرى الأخرى، لكن الدراسة حذرت من أن بناء المزيد من الجسور والطرق لن يحل المشكلة.
وفي الوقت الذي تصرف فيه عشرات المليارات من الدولارات على الطرق في شرق القاهرة وعلى العاصمة الجديدة في الصحراء وعاصمة صيفية في العلمين على الساحل الشمالي لا تلقى طرق أخرى في كثير من الأحيان ما تحتاجه من صيانة وتظل وسائل النقل العام فيها محدودة وتتفاوت فيها الخدمات العامة.
ومثل غيره من أصحاب السيارات قال هشام أبو آية (51 عاما) الذي يعمل سائق سيارة أجرة وله ثلاث بنات إن الطرق الجديدة خففت من حدة أزمة المرور لكنه اضطر لدفع 7500 جنيه مصري (480 دولارا) لتصليح سيارته بعد أن اصطدم بها بمطب.
وقال "نفسي تصرف الدولة في حاجة غير الكباري والطرق .. الصحة لأن الناس مرمية قدام المستشفيات".
وقال يزيد صايغ الباحث الزميل بمركز كارنيجي الشرق الأوسط إن مصر تعاني من نقص الأبحاث والتطوير ومن عوائق أمام نمو القطاع الخاص، وأضاف "وراء كل هذا الاستثمار في العقارات والبنية التحتية لا يوجد استثمار يذكر في بقية الاقتصاد المنتج".
وقال شمس الدين يوسف رئيس شركة الشمس للمقاولات وعضو مجلس إدارة اتحاد مقاولي التشييد المصري إن الشركات التي لها سجل في القطاع تحصل في الغالب على عقود من الجيش وأجهزة الدولة الأخرى التي تدير حملة البنية التحتية ويمكنها الحصول على تمويل من البنوك.وقد حصلت شركته على بعض الأعمال من خلال مشروعات الطرق لكنه يتساءل عن المدة التي سيظل فيها هذا الازدهار قائما، وقال "محتاجين مجلس أعلى لتصدير هذه المهنة لأن احنا لو وقفنا هتبقى مشكلة. يعني العجلة اللي ماشية بهذه السرعة وبهذا الكم لو وقفت، هتبقى مشكلة".
اضف تعليق